إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

«نبش» الذاكرة حول جذور الإرهاب

حسين حمّود - البناء

نسخة للطباعة 2016-03-07

إقرأ ايضاً


لا يقتصر النقد العنيف الذي يوجهه حزب الله ولا سيما أمينه العام السيد حسن نصرالله للسعودية، على اللحظة السياسية والعسكرية الراهنة. فما يجري في سورية بدعم سعودي مكشوف للجماعات المسلحة التي تشن حرباً على الدولة ونظامها وجيشها. والعدوان السعودي على الشعب اليمني وما يرتكبه من مجازر وحشية في هذا البلد، بحسب تقارير رسمية أوروبية وصلت حد المطالبة بعدم تزويد الرياض بالأسلحة جرّاء استخدامه ضد المدنيين. فضلاً عن ثبوت تمويل النظام السعودي للجماعات المصنفة دولياً وعربياً وإقليمياً، تنظيمات إرهابية، كـ»جبهة النصرة» و«تنظيم داعش» وغيرهما. كل ذلك وغيره، بحسب أوساط سياسية، « ليس هو ما يريد حزب الله تسليط الضوء عليه فحسب، بل يهدف إلى أبعد من ذلك وهو «نبش» ذاكرة العالم والغرب تحديداً واستحضار التاريخ الإرهابي الحديث للسعودية».

أبرز محطات هذا التاريخ التي يُراد للذاكرة العودة إليها، تضيف الأوساط، هي «أحداث 11 أيلول 2001 التي شهدتها ولاية نيويورك الأميركية وما سببته من كارثة بشرية بعد خطف أربع طائرات تجارية على متنها ركّاب مدنيون، ثم تحويل مسارها إلى البرجين التجاريين ومبنى البنتاغون وتعمُّد الخاطفين اختراق المباني الثلاثة ما أدى إلى سقوط حوالى 2973 قتيلاً وآلاف الجرحى والمصابين بأمراض جرّاء استنشاق دخان الحرائق والأبخرة السامة. وأظهرت التحقيقات أن منفذي تلك الأحداث 19 إرهابياً، بينهم 15 سعودياً وإماراتيان ومصري واحد ولبناني. وكلهم ينتمون إلى «تنظيم القاعدة» الإرهابي الذي يستمد عقيدته وتعاليمه من المدرسة الوهّابية».

وهذه الأحداث أُتبعت بسلسلة عمليات إرهابية في عدد من الدول الغربية ولاسيما اسبانيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وغيرها من الدول مستهدفةً، بشكل خاص وحصري، المدنيين، ودائماً انتماء منفذي تلك الجرائم كان يعود إلى «القاعدة»، وباستمرار كان بين الجناة سعوديون ومن بعض بلدان الخليج التي تعتنق الفكر الوهّابي.

وتشير الأوساط إلى أن «نتيجة تلك العمليات ارتفعت الأصوات المنتقدة للنظام السعودي ومناهج التعليم المعتمدة في مدارسه وجامعاته، معتبرة أن تلك المناهج هي السبب في تفشي الإرهاب في العالم ضد كل الكيانات السياسية والاجتماعية والمنظومات الفكرية التي تخالفه ولا تطبق تعاليمه، حتى ولو كانت إسلامية أو قريبة من الإسلام، مستبيحاً سيادات الدول ومواطنيها وهدر دماء هؤلاء من دون أي وازع أخلاقي أو ديني».

وتلاحظ الأوساط أن «بعد هذا التشوّه لصورة السعودية في عيون العالم وفي طليعته حلفاؤها التقليديون التاريخيون لدرجة توتر العلاقات بين الجانبين، سعت الرياض إلى الانفتاح على العالم في محاولة لتجميل صورتها لدى الدول التي تعتبرها مؤثِّرة في السياسات الدولية، كما في تكوين رأي عام يتعاطف معها، وهي: «إسرائيل» والغرب عموماً زائداً الولايات المتحدة الأميركية «الجريحة» والفاتيكان.

ولهذه الغاية جاءت ما سُميت مبادرة الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبد العزيز، والتي عرفت في ما بعد بالمبادرة العربية للسلام مع «إسرائيل» بعدما طرحها عبدالله في القمة العربية في بيروت في آذار 2002 أي بعد حوالى سبعة أشهر من أحداث أيلول. علماً أن «مُلهِم» الملك عبدالله في مبادرته هو الصحافي اليهودي الأميركي توماس فريدمان الذي صاغ عناوينها الكبرى ومحاور محتواها الذي خلت نسخته الأولى من حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم ورفض توطينهم في الدول المضيفة لهم، إلا أن تدخّل رئيس الجمهورية اللبنانية آنذاك رئيس القمة العماد إميل لحّود والرئيس السوري الدكتور بشار الأسد وإلحاحهما بشدة على ضرورة إدراج حق العودة للفلسطينيين ورفض توطينهم، أدى إلى إلحاقهما في متن المبادرة.

وفي آذار العام 2003 وعلى عكس ما كان يُشاع في العلن عن معارضة الرياض الغزو الأميركي للعراق واحتلاله، فقد أكدت تقارير ودراسات عربية وغربية، تقديم السعودية الدعم لواشنطن أثناء حرب الأخيرة ضد العراق استناداً إلى مقولة سعودية مفادها أن «الضرورة تؤدي إلى بعض التوافقات من وقت لآخر».

أما ثقافياً، فقد كانت لافتة الزيارة التاريخية التي قام بها الملك عبدالله للفاتيكان ولقاؤه البابا بنديكتوس السادس عشر عام 2007 وهي المرة الأولى في تاريخ العلاقات بين رئيس الكنيسة الكاثوليكية والسعودية، التي يزور فيها مسؤول سعودي الفاتيكان. وقد جاءت هذه الزيارة تحت عنوان «الدفاع عن القيم الدينية والأخلاقية والنزاع في الشرق الأوسط وأهمية الحوار بين الثقافات والأديان ومساهمة أتباع مختلف الديانات في النهوض بالتفاهم بين البشر والشعوب»، علماً أن «الفقه الوهّابي يؤمن بعكس ذلك تماماً، ويكفِّر أتباع الأديان الأخرى غير الإسلام وحتى بعض المذاهب الإسلامية، ويدعو إلى ما يسمّى «الجهاد» ضدهم وحتى اقتلاعهم من البلد التي يعتبرها الوهّابيون، موطناً للمسلمين فقط».

ولم تغِب عن بال المسؤولين السعوديين، تتابع الأوساط نفسها، «أهمية الاقتصاد والمال في جذب الحلفاء إليهم و«تجميل» صورتهم لديهم، خصوصاً أن اعترافات بعض الضالعين في أحداث أيلول، تخطيطاً وإعداداً وتدريباً، بعد القبض عليهم لاحقاً، أكدت أن عدداً من الأمراء الأثرياء السعوديين وراء تمويل الهجمات الإرهابية المذكورة.

ولقلب الصورة، واسترضاءً للغرب، شارك الملك عبدالله في مؤتمر قمة العشرين الاقتصادية العالمية التي انعقدت في واشنطن عام 2008، وأعلن خلالها رصد المملكة مبلغ 400 مليار ريال لمجابهة الأزمة المالية العالمية، وشرب مع المشاركين في القمة الأنخاب بعد انتهائها.

كما قام عبدالله ومسؤولون سعوديون آخرون بتحركات ونشاطات عديدة لحمل العالم على نسيان أحداث أيلول وما تبعها من عمليات إرهابية على يد متخرّجي المدرسة الوهابية في السعودية والخليج.

لكن أفواج المتخرجين استمرت في التدفق طالما «المدرسة» لم تقفل. وتكثّف تفريخ التنظيمات الإرهابية من التنظيم الأب وهو «القاعدة»، حتى أن الرئيس الأميركي باراك أوباما «حمّل الفكر المذكور ومناهج التعليم في السعودية مسؤولية تخريج الأجيال الإرهابية»، داعياً، خلال زيارته الأخيرة للرياض، إلى «تعديل تلك المناهج وإلا فخطرها سيصيبها أيضاً».

في الخلاصة، بحسب الأوساط نفسها أيضاً، مدرسة التكفير مازالت أبوابها مشرّعة، والعمليات الإرهابية تتوالد بكثرة ضاربة بكثافة شرقاً وغرباً، وآخرها في فرنسا، ما ينعش الذاكرة ويعيدها إلى أحداث 2001 التي كان أبطالها سعوديون قيادة وتخطيطاً وتنفيذاً وتمويلاً، وفق التحقيقات والدراسات الكثيرة على هذا الصعيد.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024