إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

روسيا – ســوريا وخـديـعـة الهــدنــة الأمريكـية ..! .

محمد ح. الحاج

نسخة للطباعة 2016-05-18

إقرأ ايضاً


شربنا المقلب فلماذا الاصرار على استمرارها ..؟.

ما أعلن من شروط تطبيق الهدنة على الأراضي السورية تحت عنوان وقف الأعمال العدائية كأولوية هو الحفاظ على المواقع لجميع الأطراف واستثناء التنظيمين المصنفين عالميا ارهابيين – داعش والنصرة – وفصل باقي التنظيمات التي تعتبرها الولايات المتحدة معارضة " معتدلة " من جيش حر واسلامويين .. الخ ( رغم التحفظ الروسي ) عن مواقع داعش والنصرة ، وكذلك اغلاق الحدود التركية ووقف توريد السلاح ومرور المرتزقة ... وربما هناك بنود سرية لم يتم الاعلان عنها وبقيت طي الكتمان بين الطرفين الأمريكي والروسي ، ولكن ما الذي حصل على أرض الواقع .

بمقابل التزام الجيش السوري وحفاظه على مواقعه ووقف اندفاعه لتحرير المدن والقرى الواقعة تحت سيطرة التنظيمات حتى المصنفة ارهابية ، لم تلتزم كل الأطراف دون استثناء بالحفاظ على مواقعها بل ارتكبت الخروقات المتكررة أغلبهم مممن أبلغوا مركز التنسيق التزامهم بالهدنة والمطالبة بعدم استهدافهم بعمليات القصف الجوي ، وتولت الإدارة الأمريكية التغطية عليهم بدعوى أن من يخرق الهدنة هم من النصرة ، وأنه من الصعب تحديد مواقعها بسبب التداخل مع الإصرار على عدم الرد وانتظار مرور الوقت لتحديدها ، في ذات الوقت جرى استثمار التحفظين التركي والسعودي وتشكيكهما بجدوى الهدنة حيث استمرت عملية الامداد بوتيرة أسرع وبأسلحة حديثة ومتطورة لكل الجماعات بما فيها النصرة وتبرير وصول السلاح المتطور إلى هذا التنظيم أنه نتيجة عمليات سطو أو اعتراض لشحنات متوجهة إلى مواقع المعارضة المعتدلة ، مع أن اختلاف مسمياتها لا ينفي كونها من أصول جبهة النصرة وأنها لم تنفصل عنها الا بالتسمية ، بل إن البعض أعلن صراحة أنه والنصرة جسد واحد وموقف واحد .

وهكذا لم يتم اغلاق الحدود التركية رغم المطالبة الروسية بسبب ميوعة الموقف الأمريكي وتبنيه اللعبة التركية – السعودية ، ورضا الادارة الأمريكية عما يحصل من خروقات وتقدم للمقاتلين من مختلف المسميات في عديد من المناطق عدا مناطق انتشار داعش التي تركزت عمليات الجيش ضدها وألحقت بها الهزائم في تدمر والقريتين وغيرها ، وبالتأكيد فإن الموقفين السعودي والتركي تجاه نجاحات الجيش السوري اتسمت بعدم الرضا والتشويه والتضليل والخوف من تأثير هذه النجاحات على معنويات باقي المعارضات وربما كان ذلك دافعاً لمد يد المعونة التركية سرا لداعش مع اعلان مهاجمة الطيران التركي والمدفعية لمواقع التنظيم لكن الهجمات تركزت على مواقع مجموعات أخرى أغلبها كردية أو عشائرية داعمة للجيش ومناوئة لداعش .

التزمت القوات الجوية الروسية التزاما كاملاً بوقف مهاجمة كافة المناطق عدا مناطق وجود داعش ، وانسحب قسم كبير من تلك القوات عائدا إلى قواعده في الأراضي الروسية ، ولم يجر رد على الخروقات في أماكن محيط درعا ، الغوطة – ريف دمشق ، ريف حماه – من كل الجهات عدا الغرب - ومحيط ادلب كما في محيط حلب رغم وضوح ومعرفة المجموعات المهاجمة لمواقع الجيش أو المناطق المدنية في محاولة لوضع اليد عليها وفرض تبدل جغرافي يشكل ورقة في المفاوضات إن عادت إلى الانعقاد .. وكانت اللعبة مكشوفة تماماً ، تبرم روسي من الموقفين التركي والسعودي ومحاولات فاشلة لتعديل الموقف سياسيا ، ولا مبالاة أمريكية مع عدم استجابة للمطالبات الروسية بالضغط على الدولتين ، بالمقابل فرضت روسيا على الجيش السوري وقفا شبه كامل لأي رد على الخروقات التي بلغت المئات ، وبعضها أخذ شكل اجتياح محدود في كثير من المناطق ، إلى أن ارتفعت الأصوات مطالبة الجيش بالرد وحماية المدنيين واستجابت القيادة بعد أن سادت الخيبة والاحباط في صفوف الوحدات التي كانت مندفعة للتحرير وخصوصا في محيط حلب وهي كانت على ابواب تحقيق نصر كاسح بتطويق العصابات وقطع طرق إمدادها وتواصلها مع الجانب التركي ، ويبدو أن الهدنة حققت أهم حاجة لتركيا والسعودية وعصاباتهما المنتشرة في تلك المناطق ، ولم يكن ذلك خافيا على الإدارة الأمريكية التي مارست ضغوطا هائلة على الجانب الروسي وبدوره أقنع الجانب السوري بوقف عملياته وإلحاق هزيمة نفسية بالموقف المتفائل العام على الصعيدين المدني والعسكري وتفهم المحللون الاجراء وضرورات استجابة الحكومة السورية للمطلب الروسي على أمل كشف اللعبة ضمن وقت قصير لاستعادة الحركة بعد استراحة ، لكن الاستراحة كانت في صالح العصابات التي استجمعت قواها وتزودت بأسلحة حديثة وفتاكة دفعت أثمانها دول الخليج وسهلت تركيا مرورها ووصولها وبعضها وصل مباشرة عبر وحدات أمريكية تنتشر في المنطقة الشمالية الشرقية ، وهكذا تأكد للكثير من المراقبين والمحللين أن اللعبة نجحت وشرب الروس والسوريون المقلب حتى الثمالة .

بعض التلميحات لمسؤوليين روس ، أو من باب التبجح لبعض أركان المعارضات ، أو حتى لمسؤولين سعوديين أو أتراك تم التأكيد على حصول المقلب وأن روسيا تعرضت للخديعة ، المحير في الأمر هو استمرار تأكيد الجانب الروسي على وقف العمليات مع استمرار مطالبته الجانب الأمريكي لاتخاذ ما يلزم بشأن تعديل الموقفين التركي والسعودي والزام تركيا بإغلاق حدودها ووقف تسرب المقاتلين والأسلحة ، والقبول بحل سياسي يراه الغالبية من الشعب السوري بعيد المنال ، وربما في خانة المستحيل لأسباب موضوعية أهمها تعدد الدول المتدخلة وتناقض مصالحها وارتباط قادة المعارضات الخارجية كل بدولة ومشروع ما مختلف عن الآخر بعيدا عن مشروع استعادة الوطن ومصلحة السوريين .

البارحة صدر بيان فيينا الملتبس – الغامض وقد ذكرني بقول للرئيس الراحل حافظ الأسد حول اتفاق وأن كل بند فيه بحاجة إلى اتفاق جديد ... الأكثر وضوحاً فيما صدر عن فيينا التأكيد الأمريكي والرغبة في تحويل الهدنة إلى وقف دائم لإطلاق النار ، ويبدو أن الأمريكي لا يعتبر فعل إطلاق نار إلا إذا صدر عن الجيش أو الوحدات الداعمة له ، وأن المناطق التي يتواجد فيها تنظيمات تعتبرها الإدارة الأمريكية ضمن تصنيف المعارضة المعتدلة لا يجوز مهاجمتها أو الرد على الخروقات التي تحصل منها ريثما يتم عزل هذه التنظيمات عن النصرة وداعش ، الأمر المشكوك بحصوله مع ما يصدر عن مسميات جيش الفتح وجيش الاسلام والشام .. وأحفاد ... وألوية .. الخ ، .. وأن هؤلاء يعتبرون أنفسهم والنصرة في خندق واحد ويبقى الجواب الأمريكي على التساؤل مبهماً وغامضا ويندرج في خانة الخداع والمراوغة ، ولا يمكن فهمه سوى ذلك رغم مطالبة وزير خارجية الإدارة الأمريكية للتنظيمات بالانعزال عن داعش والنصرة وكأنه لم يفهم تصريحات هذه الجماعات أو يتجاهلها تماماً ، بينما يؤكد الوزير الروسي موقف بلاده الداعم للشرعية السورية طبقا للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن في ما يخص محاربة الارهاب ، وتحديد التنظيمات الارهابية .

ما أورده الاعلام من تفاصيل البيان لم يكن كافيا لتوضيح الحلول السياسية المقترحة أو المتفق عليها ، ويؤكد أغلب المحللين والمتابعين أنها لم تخرج عن الخطوط العمومية المتداولة قبلا ، ولم تعلن الأطراف التزاماً واضحا كما لم يتحدد برنامج عمل واقعي وسياق زمني للتطبيق ، فقط تم التركيز على مقولة أن البحث في مصير الرئيس الأسد تم استبعاده ، وكأن من صلاحيات المؤتمر بحث مصير رؤساء الدول بمعزل عن إرادة شعوبهم ، الأمر الذي ترفضه روسيا ومعها أغلب العالم كما يرفضه الشعب السوري صاحب الحق في الاختيار .

المزاج الشعبي العام ، خصوصا في المناطق التي تتعرض لوحشية التنظيمات التكفيرية واجرامها من عمليات قصف وإغارة وقتل وحرق ... يرفض استمرار الهدنة بما هي عليه من هشاشة وبما يحصل من خروقات تؤثر على مسار حياة ومعيشة وأمن هذه المناطق ، ويطالب سكانها القيادة العسكرية بالحماية وتوفير الأمن ولو اضطرت إلى احراق المناطق التي يأتي منها العدوان ، ونرى أن على القيادة الاستجابة وتفهمها ، وشرح هذا الفهم للجهات الدولية المعنية وخصوصا الحلفاء لضمان استمرارية مواقفهم الداعمة بعيدا عن الالتباس وإساءة التفسير .


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024