إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

خسروا سوريتهم وكسبوا جنسية...!

سعد الله الخليل - البناء

نسخة للطباعة 2016-07-15

إقرأ ايضاً


تزامن الإعلان التركي عن تطبيع العلاقات مع سورية مع قرار منح الجنسية التركية للسوريين، ممّن ترى فيهم أنقرة فائدة لها، تزامنٌ لم يأتِ من فراغ، ولا يعبّر عن مسار تصاعدي للحرب التركية المعلنة على سورية منذ سنوات، والتي وضعت سقوفاً مرتفعة ووصلت لحدّ وصف من يخالف وجهة نظرها حيّال المسألة السورية بأعداء تركيا والشعب السوري، ووضعهم في خانة المدافعين عن الشرّ في سورية، فيما لم تقدّم أيّة إجابات واضحة عن الوثائق الدامغة بتورّط رأس الهرم التركي الرئيس رجب طيب أردوغان، بدعم تنظيمات صدر بحقها قرارات ملزمة بمحاربتها وأبرزها «جبهة النصرة» و»داعش».

لدى تركيا من المبرّرات الكامنة وراء الرغبة بإعادة العلاقات مع سورية الكثيرة، والتي يمكن وضعها في سياقين رئيسيين مرتبطين ببعضهما البعض، يتمثلان باعتبار التقارب مع سورية نتيجة طبيعية وحتمية للتقارب التركي باتجاه روسيا وإيران، والذي لا يمكن أن يتمّ دون انخراط تركي جادّ في متطلبات تلك العودة من بوابة الملف السوري، الذي كان السبب الرئيسي لانتكاسة العلاقات جراء التورّط التركي بمغامرة كسر الدولة السورية، والفشل في سياسات العدالة والتنمية بمعادلات الصفر عداوات التي تحوّلت إلى صفر أصدقاء، بعد إطلاق أردوغان رصاصة الرحمة على العلاقات التركية الروسية بإسقاط الطائرة المقاتلة فوق الأراضي السورية، وبالتالي خسرت تركيا آخر صداقاتها الإقليمية وباتت مضطرة للعمل على إصلاح أخطائها في المنطقة، بعد فشل مشاريعها من مصر إلى العراق وسورية ولاحقاً إيران، وبانتظار ردود الفعل السورية على الدعوة التركية والتي من المبكر الخوض فيها، لإدراك دمشق بأنّ الأفعال التركية أهمّ بكثير من الأقوال، وربما تكون معركة حلب والتعاطي التركي معها الاختبار السوري الروسي لجديّة الطرح التركي قبل إعلان أيّ موقف حيالها.

فاجأت الخطوة التركية أطياف المعارضة السورية والتي صنعتها في اسطنبول وبدوا كاليتامى المصدومين سلوك أنقرة، واعتبروها إهانة لتضحياتهم التي قدّموها في سبيل المشروع التركي في المنطقة، وشعورهم بتنصّل أردوغان من وعودهم بالمناصب والأموال التي دفعتهم للتورط إلى حدّ العمالة على الأرض السورية، بدءاً من تأمين الغطاء السوري للمشاريع التركية، إلى تسهيل دخول المرتزقة الأجانب من مقاتلين استأجرهم أردوغان وتكفلت تلك الشخصيات المعارضة بمنحها صبغة سورية، من بوابة ما سمّي يوماً بـ»الجيش الحر» مروراً بباقي التنظيمات بمسمّياتها المتعدّدة، والتي اعتبرتها المعارضات السورية، سورية الهوى والهوية، رغم عشرات الآلاف من المقاتلين من جنسيات ما أنزل الله بها من سلطان، ولم تتجرأ تلك المعارضات سواء ما أطلق عليه «المجلس الوطني السوري» أو «الائتلاف المعارض» على إدانة السلوك التركي، وتغاضت عن ممارسات أنقرة بسرقة موارد الشعب السوري وتدميرها لمقدرات البلد دون أن يرفّ لهم أيّ جفن، بل طالبوا بالمزيد، وشجعوا على استقدام العدوان الخارجي ضدّ بلدهم وربما لهم «أسبابهم ومبرّراتهم»، فما يربطهم بسورية لا يتعدّى صفقة سياسية واقتصادية يجنون أرباحها، ويكفي الإشارة لحجم الفساد المالي الذي طال تلك الهيئات باسم قوت الشعب السوري في الداخل تارة والمخيمات تارة أخرى خلال السنوات الستة الماضية لمعرفة أسلوب تعاطيهم مع السوريين.

بالقرار التركي بمنح السوريين الجنسية التركية تفتح أنقرة باب النجاة لمن لا يملك من تلك الشخصيات الجنسية الأجنبية، وهم قلة بتقديم أوراق اعتمادهم النهائي لأردوغان، فمن غير المعقول أن تندرج تلك الشخصيات بالعملية السياسية في سورية، بعد ممارسات أساءت للشعب السوري قبل أن تسيء إلى السلطة، فكيف سيكون موقفهم في ظلّ القناعة والإدراك العالمي لحقيقة استحالة إسقاط النظام، فهل يجرؤ أيّ من رموز المعارضة على التعاطي مع السلطات السورية، بعد حجم العمالة المكشوفة التي قدّموها، وبالتالي تبدو الجنسية التركية الحلّ الأنسب لتلك الشخصيات، خاصة أنّ السلطات التركية ستمارس الانتقائية في اختيار من ستمنحهم جنسيتها، وفي ظلّ شروط أنقرة التعجيزية الباحثة عن الخبرات القادرة على دعم الاقتصاد التركي والتي أمضت أكثر من خمس سنوات في تركيا، فإنّ المؤهّلين لنيل الجنسية ينحصرون بفئة العاملين في قطاعات المعارضة السورية، فمن يمتلك شروط أنقرة غادر تركيا منذ سنوات فالخبرات العلمية والكفاءات الاقتصادية قادرة على مغادرة تركيا إلى أوروبا بأقلّ التكاليف، ولن تنتظر خمس سنوات في تركيا لتقتنص فرصة أردوغان، وهذه الحقيقة يدركها السلطان العثماني الجديد الغارق في مستنقعات حروبه والباحث عن فرصة انتشاله، فيقدّم لعملائه الجنسية كمكافأة نهاية خدمة.

أمام المعارضة السورية فرصة ذهبية للظفر بالجنسية التركية بدل سوريتهم الضائعة منذ سنوات، فهنيئاً لهم على ما جنوا ومن السوريين رسالة: «ماذا ينفع الإنسان لو كسب العالم كله وخسر وطنه»؟

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024