إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

فوز بطعم الهزيمة...

جمال الكندي - البناء

نسخة للطباعة 2016-07-19

إقرأ ايضاً


مصطلح رياضي يطلقه أهل الرياضة للفوز الصعب الذي يخرج من عنق الزجاج، ولكن في النهاية يسمّى فوزاً، هذا في المجال الرياضي، ولكن لو عرّجنا إلى السياسة وقلنا انتصاراً سياسياً وعسكرياً بطعم الهزيمة فإننا نقصد ما حدث في تركيا من انقلاب عسكري كان في ساعاته الأولى ينذر بزوال حكم حزب العدالة والتنمية، والقضاء على أحلام رجب طيب أردغان بأن يكون الزعيم الأوحد في تركيا.


هي ساعات قليلة حبست أنفاس الغرب والدول المجاورة لتركيا، كانت فيها ضبابية المشهد العام هي السائدة في الساعات الأولى لعملية الانقلاب العسكري، حيث انّ الرؤية لم تكن واضحة فكان نجاح أو فشل محاولة الانقلاب صعبة التكهّن لدى المراقبين، لذلك كانت ردود الأفعال العربية والغربية متأخرةً نوعاً ما ومتأنية في اتخاذ المواقف المؤيدة أو المعارضة للانقلابيين.

فشل الانقلاب العسكري في تركيا انْ صحت تسميته انقلاباً عسكرياً سوف يلقي بظلاله على السياسة التركية الداخلية والخارجية، والتي من المحتمل ان تتأثر بما حدث وسيحدث من تغيّرات بعد هذا الانقلاب الفاشل، صحيح انّ الانقلاب لم يكتب له النجاح، ولكن كما قلنا هو بطعم الهزيمة، فأردوغان أصبح بعد فشل الانقلاب يتخوّف من المنظومة العسكرية ويدرك انّ العسكر وهم حماة عرين العلمانية في تركيا لن يتركوه يهنأ في حكمه ولو قام بتغييرات جذرية في بنية هذه المنظومة وخوف الحكومة التركية من تكرار محاولة الانقلاب مرة أخرى.

أيّد هذا الكلام الكاتب البريطاني روبرت فيسك في مقالة له في صحيفة «إندبندنت» البريطانية حيث قال «إنّ محاولة الانقلاب الفاشلة التي نفذتها مجموعة من الجيش التركي على الرئيس رجب طيب أردغان، لا يعني أنّ الأمور استتبّت وانّ الأخير أحكم سيطرته على الجيش». وقال أيضاً إنّ التاريخ يثبت بأنّ الانقلاب الفاشل يعقبه انقلاب ناجح لذلك أمر أردوغان أنصاره بالنزول إلى الشارع والاعتصام فيه خوفاً من تكرار المحاولة مرة أخرى.

أردوغان يعلم بأنّ تركيا الجديدة، تركيا كمال أتاتورك قائمة على جيشها الذي يعتبر حامي العلمانية فيها، فهو يتدخل كلما أحسّ ان النظام الأتتركي يكاد ان ينهار، والتاريخ التركي حافل بانقلابات سابقة تدخل فيها الجيش بسبب التناحرات السياسية بين الأحزاب التركية، وكذلك لحماية الإرث الأتتركي، والانقلاب الأخير لا يخرج عن هذا النطاق.

الانقلاب كان متوقعاً في تركيا حسب تسريبات إعلامية بسبب سياسة أردوغان في الداخل التركي وفي الخارج، والاتهامات الحكومية تشير إلى أنصار الداعية الإسلامي فتح الله غولن بأنه هو الرأس المدبّر لهذا الانقلاب، فهو انقلاب من قبل عسكريين موالين للداعية غولن المعادي لسياسة أردوغان، مع وجود نفي من قبل فتح الله غولن لمزاعم أردوغان وقوله انّ هذه مسرحية أردوغانية الغرض منها إيجاد مسوغ قانوني وشعبي لتصفية ما تبقى من معارضي حزب العدالة والتنمية في جميع مفاصل الدولة التركية.

هنا يأتي سؤال يطرحه المتابعون للسياسة التركية خاصةً الخارجية منها… هل سيغيّر حزب العدالة والتنمية سياسته الخارجية والتي امتازت بالمشاكل مع دول الجوار إلى تحسين العلاقات معها، وهل المصالحة التركية الروسية وبدء المغازلة السياسية مع الحكومة السورية هي البداية للتموضع الصحيح في السياسة الخارجية لتركيا؟ او انّ هذا الانقلاب الفاشل سيزيد من صلابة وعنجهية أردوغان وحزبه؟

الأكيد أنّ ما قبل هذا الانقلاب ليس كما بعده، وجرس الإنذار قد دقّ بعد هذا الانقلاب الفاشل، فأسباب الانقلاب الداخلية والخارجية يعلمها أردوغان تماماً، وهي ما زالت قائمة، وهنا تكمن المشكلة في كيفية المعالجة، فكلما كان القمع في الداخل التركي هو شعار أردوغان، والتصلب في الأزمة السورية هو الخط البارز والرئيسي فيها، وذلك عن طريق فتح الحدود للإرهابيين بأن ينطلقوا من الأراضي التركية إلى الداخل السوري، وهذا سوف يعزز من فرضية انقلابات أخرى مقبلة لا نعلم من سيكون الفائز فيها، وإذا أراد أردوغان عدم تكرار ما حصل مؤخراً فعليه حسب كثير من المراقبين ان يعيد حساباته الداخلية والخارجية على مبدأ المكسب والخسارة وليس على مبدأ الإيديولوجية الإخوانية لحزب العدالة والتنمية.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024