إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

من المسؤول الحقيقي عن أحداث نيس؟

أسامة العرب - البناء

نسخة للطباعة 2016-07-23

إقرأ ايضاً


قتل 84 شخصا وجرح مئة آخرون في عملية دهس بشاحنة استهدفت حشداً لمحتفلين بالعيد الوطني لفرنسا في مدينة نيس جنوبي البلاد، بينما أكد وزير الداخلية برنار كازنوف أنّ «التهديد الإرهابي ما زال قائماً في فرنسا، ونحن في حرب عليه». وأفادت وسائل الإعلام بأنّ حادث الدهس الذي وقع على طول مسافة كيلومترين في شارع «برومناد ديزانغليه» الذي يعتبر قبلة سياحية، مما تسبّب في سقوط عدد كبير من الضحايا، وفرضت السلطات طوقاً أمنياً بالمكان، ودعت المواطنين إلى أخذ الحيطة والحذر. ويأتي الحادث بعد ساعات على إعلان هولاند عن عدم تمديد حالة الطوارئ التي فرضت على خلفية الهجمات التي استهدفت العاصمة باريس في تشرين الثاني الماضي، وأسفرت عن مقتل وإصابة العشرات.

وقد أكد الرئيس السابق للاستخبارات الفرنسية برنارد سكارسيني أنّ السلطات الفرنسية تدفع عواقب قرارات سياسية معينة والهجمات الإرهابية التي ضربت فرنسا مؤخراً لم تكن مفاجئة مشيرا إلى أنّ إصرار الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند على موقفه تجاه سورية يمنع تعاون البلدين في محاربة الإرهاب. وانتقد سكارسيني رفض الحكومة الفرنسية لمقترحه قبل عامين حول توفير قائمة بأسماء الفرنسيين الذين يقاتلون إلى جانب الإرهابيين، معتبراً أنّ الرفض كان مخزياً. ولو أحصينا عبارة «طابخ السمّ آكله» كم مرة تردّدت منذ تلك الأحداث، لعرفنا كم تتألم الشعوب العربية والاسلامية من السياسات الغربية، فالإرهاب منتج غربي استشراقي، كيف يستطيع الغرب أن يحوّل أمتنا إلى قبائل ومذاهب متقاتلة من دون هذه الوسائل، ولكن مهما يكن الموقف من السياسات الفرنسية تجاه الإرهاب الذي تفشى في المنطقة العربية، والدور السلبي الذي لعبته هذه السياسات في نموّه وانتشاره لحسابات معينة، إلا أنّ أيّ عمل إرهابي هو مدان بالمطلق. إنما على غلاة الاستعمار والتآمر أن يفيقوا من أوهامهم ويعيدوا حساباتهم ويقفوا مع أنفسهم وقفة صادقة، فسياسة تغذية الانقسامات والكراهية والعنصرية، والعصبية الدينية والقومية، هي وصفة تقليدية تعتمدها القوى الإمبريالية للسيطرة على مصائر الشعوب ومقدّراتها. كما أنّ الإرهاب الذي ينطلق في ظاهره من التعصّب الديني أو العنصرية، يؤدّي إلى الدمار والفوضى اللذين تحتاجهما القوى الإمبريالية للتوسع وفرض سيطرتها على مساحات جديدة، وهو بالضبط ما حصل في دول عديدة كالعراق وليبيا وباكستان واليمن، حيث اتخذت الدول الغربية من الإرهاب والصراعات الداخلية ذريعة للتدخل في هذه البلدان للسيطرة على ثرواتها والتحكم في قراراتها ومقدّراتها. ولا أدلّ على ذلك من التدهور الذي آلت إليه الأوضاع في العراق، بعد اثنتي عشرة سنة من غزو التحالف الدولي بقيادة أميركا، حيث يتعرض الشعب العراقي يومياً لجرائم ضد الإنسانية، بينما تتقاسم الشركات المتعدّدة الجنسيات الموارد النفطية الضخمة التي يحوز عليها هذا البلد.

وبحسب تقرير نشره موقع «ريزو إنترناسيونال» حول علاقة سياسة الولايات المتحدة ودول حلف الناتو بتفشي الإرهاب في العالم، ورد فيه ما يلي :«إنّ الإرهاب يخدم دائماً الأهداف السياسية للدول الرأسمالية، حيث أنّ الهجمات العنيفة، على غرار أحداث فرنسا أو هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر في الولايات المتحدة، تؤدّي دائماً إلى ردود فعل متشنّجة وغير منطقية من قبل الشعوب الواقعة تحت تأثير الصدمة، وتجعلها على استعداد للتضحية بالحريات الشخصيات وحقوق الإنسان من أجل الشعور بالأمن، وتفتح الباب أمام الحكومات لاتخاذ إجراءات قمعية وغير ديمقراطية، بحجة محاربة الإرهاب. كما أنّ الهجمات الأيديولوجية التي تشنّها أجهزة الدعاية التابعة لدول الناتو، تحاول الوصول للشعوب المستهدفة وزرع الأفكار في داخل وعيها الجماعي. والهدف من ذلك هو التمهيد لظهور حركات متطرفة ثم تمويلها وتنظيمها، ثم تقوم هذه الحركات بطبعها المتشدّد بالدخول في صدام مع المجتمع والسلطة القائمة، والتركيز على التناقضات وإحياء الحساسيات بين فئات المجتمع والجهات والطوائف، ما يؤدّي لاندلاع العنف ويفتح الباب أمام التدخل العسكري». وفي هذا السياق، ذكّر التقرير بأنّ سنة 1979 شهدت قيام الولايات المتحدة وحلفائها لأول مرة بتجميع متشدّدين دينيّين محسوبين على الدين الإسلامي، وتدريبهم والترويج لهم تحت تسمية «مقاتلي الحرية»، من أجل إسقاط الحكومة الأفغانية الاشتراكية. ثم انخرطت هذه الدول، في دعم عصابات خارجة عن القانون في أميركا اللاتينية بهدف إسقاط الأنظمة المعادية للغرب وللرأسمالية، وهو ما مكّن هذه العصابات من تطوير أنشطتها وشجّعها على الوقوف في وجه الدولة تحت نفس شعار «القتال من أجل الحرية»، وهو ما أدّى إلى تكوين عصابات المخدرات وازدياد معدلات الجريمة والفساد والتمرّد في أميركا الجنوبية.

والسياسة الاستعمارية عموماً، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية إلى الآن، أدّت لمقتل ما بين 50 و55 مليون إنسان، بسبب حروب بدأتها الدول الغربية، أو انقلابات عسكرية صنعها الغرب، أو حروب أهلية تسبّب في اندلاعها ، بالإضافة إلى مئات الملايين من الضحايا الذين تأثروا بطرق غير مباشرة وماتوا في صمت، وباتوا طيّ النسيان. كما أنّ الفظائع التي ارتكبها الغرب في فترة السياسات الاستعمارية الجديدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية مثلاً، حيث سقط نحو 3-5 ملايين إنسان، بسبب سعي الشركات الكبرى للاستحواذ على المعادن الثمينة كمادة الكولتان المستعملة في صناعة الهواتف الجوالة والحواسيب. كذلك فإنّ معاناة الشعب الكمبودي انطلقت عندما طلب وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر بقصف المناطق السكنية في كمبوديا، في ما يشبه الدعوة «لارتكاب مجازر تطهير عرقي»، بهدف ثني كمبوديا عن التفكير في مساندة جارتها فيتنام في حربها ضدّ الاحتلال الأميركي، وسقط ملايين البشر ضحايا القتل بدم بارد في هذه «المجزرة الاستباقية»، التي لم تتوقف إلا بعد فضحها من صحيفة «نيويورك تايمز». كما ألقت السلطات الأميركية مؤخراً القبض على شاب يهودي أميركي يُدعى «جوشوا راين غولدبيرغ» ويبلغ من العمر 20 سنة بتهمة انتحال صفة جهادي استرالي من تنظيم إرهابي بالاسم الحركي «استرالي ويتنس – أيّ الشهيد الاسترالي». ولكن المفاجئ في الأمر أنّ الشاب اليهودي ليس مسلماً ولا من أتباع أو مؤيدي تنظيم إرهابي، بل اتخذ هذه الصفة بهدف تحريض الشباب المسلمين على القيام بأعمال إرهابية في أستراليا والغرب، وكان يزوّدهم بطرق صناعة المتفجرات باستخدام المواد الملوثة والمشعة والسامة، وهذه طرق لا تتوفر بالتأكيد إلا لدى الدول أو الأطراف الدولية التي استخدمتها من قبل، فالولايات المتحدة الأميركية مثلاً استخدمت الفوسفور الأبيض في العراق، أو دولة الاحتلال الصهيوني التي استخدمت نفس السلاح في عدوانها الإرهابي على غزة 2008 – 2009، وهو ما يؤكد وقوف الموساد الصهيوني خلف هذا الأمر كما وقف خلف كثير من العمليات الإرهابية.

وأخيراً، فللقضاء على صناعة الارهاب لا بدّ من العمل على وحدة الجبهة الداخلية والعمل على إيجاد مشروع قومى لجموع الشعب ونشر فكر التسامح وقبول الآخر، واعتماد برامج وخطط شاملة لمعالجة جذور الاتجاهات الفكرية المنحرفة، وللحدّ من قدرتها على التأثير والانتشار. وفي تعاليم ديننا وتراث حضارتنا كنوز من المعارف والتجارب التي تضيء لنا طريق الخلاص من هذه الفتن العمياء. خصوصاً أنّ صناعة الإرهاب ليست قائمة على عدو خارجى بل على استقطاب من في الداخل وتجنيدهم ليصبحوا أداة فى يد صناع الإرهاب التكفيري، لأنهم نجحوا فى تسخيرهم لتحقيق رغباتهم بوازع وإيدلوجية جديدة.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024