إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الانقلاب في تركيا يظلّل لقاء بوتين ـ أردوغان

د. هدى رزق - البناء

نسخة للطباعة 2016-08-06

إقرأ ايضاً


لن يستطيع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التنصّل من تبعات السياسة التي مارسها منذ توليه الحكم في تركيا، فهو استعان بجماعة الخدمة لكي يؤسّس لسلطته في وجه الجيش التركي حامي العلمانية. ولا يمكنه التبرّؤ من محاولات إضعاف الجيش وسجن ضباط في قضيتي المطرقة وارغينيكون وإلصاق كلّ مفاعيلها بجماعة غولن لوحدهم. فهو كان شريكاً عَمَلَ على تعزيز مكانتهِ عبر هذه الشراكة واستفاد منها. لن يستطيع اتهامهم بتثبيت أقدامهم ومؤسّساتهم بمعزل عنه هو يعلم أنّ الجماعة كانت تعمل منذ أكثر من أربعين عاماً في الشأن الاجتماعي والتربوي والتجاري والمالي، وتتبني المساكن الشعبية وتساعد الفقراء للتعلم في ارفع الجامعات، الأمر الذي أهّلها حُكماً لبناءِ كوادرٍ ونُخبٍ تعمل في مؤسساتٍ عامة وخاصة، كأيّ مجموعة أو حزب غير معلن يطمح إلى لعبِ دورٍ في تحديد سياسات الدولة أو إصلاحها أو وضع اليد على مسارها.

اعتذر أردوغان للشعب التركي بعد الانقلاب في خطوة استيعابية لأحزاب المعارضة، فهو يبحث عن دعمها في قضية استرداد غولن ومحاكمته، وهذا كان مطلبه منذ سنتين عندما أدرج اسم الرجل على لائحة الإرهاب. حمّل الجماعة وزر سياساته الداخلية والخارجية وكالعادة سعى لتطهير نفسه أمام الجمهور التركي وهو المعروف ببراغماتيته التي تقارب الانتهازية، بحيث يمكنه التخلي عن أقرب شركائه وحرق الآخرين من أجل البقاء. يتهم الجماعة بأنها تسلّلت واخترقت مراكز في مؤسسات الدولة من قضاء وجيش وجامعات ومراكز تربوية، وينكر تفوّق أفرادها علمياً، اذ يتهمها بسرقة أسئلة الامتحانات في الجيش والقضاء من أجل التمكّن من مراكز القرار. بدأ معركة كسر عظم ضدّ مؤسسات غولن جميعها، عام 2014 فاجأته فضيحة الفساد والرشوة التي قادتها الجماعة ضدّه وضدّ وزرائه في الحكومة، كذلك ضدّ ابنه الذي يواجه اليوم في ايطاليا تهمة تبييض أموال.

انتقد أردوغان معظم وسائل الإعلام الغربية لأنها لم تتعاطف معه بعد الانقلاب، ولأنها قدمت حركة غولن كمنظمة اجتماعية مدنية تدافع عن الإسلام المعتدل ومنفتحة على الحوار وعلى كلّ التيارات، ولأنها طرّحت اسئلة حيويّة حول جديّة الانقلاب من جهة، واتهمته بالانقلاب على نفسه ما أثار غضب حزب العدالة والتنمية وأنصار أردوغان والإعلام الموالي، الذي اعتبر أنّ الاتحاد الاوروبي وقف منتظراً ما سيؤول إليه الانقلاب ليأخذ موقفاً، وأنه راهن بشكلٍ أو بآخر على هذا الانقلاب. لعب الغضب على سياسة أردوغان التسلطية دوراً هاماً في نظرةِ الغرب الأوروبي إلى ما حدث في تركيا، لا بل انتقده المسؤولون الأوروبيون إبان حركة التطهير التي مارسها ويمارسها، وانتقدت موغيريني طرّحه لموضوع استعادة العمل بقانون الإعدام.

طرّح الإعلام الموالي لحزب العدالة والتنمية أسئلة حول جدوى التحالف مع أوروبا والولايات المتحدة، التي ذهب إليها نواب من ثلاثةِ أحزابِ تركية، حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية وحزب الشعب الجمهوري، من أجلِ طلب تسليم غولن وشرح ماهية الانقلاب. واعتبر أنّ الولايات المتحدة لم ترسل مسؤولاً سياسياً من أجل التضامن مع الحكومة والرئيس. لكن واشنطن راقبت ردود الفعل وهي تعّي أنّ التعبئة السياسية ضدّها تسود أوساط إسلاميي حزب العدالة والتنمية وتطرح أسئلة لدى العلمانيين.

تحوّلت تركيا إلى نظرية المؤامرة وسرت شائعات حول مشاركة الجنرالات الأميركيين في انجرليك في الانقلاب وأتت خطوة قطع الكهرباء عن القاعدة، والقاء القبض على طيارين وعسكريين أتراك متورّطين في الانقلاب كمؤشر قصدت القيادة السياسة التركية إبرازه كاتهام لواشنطن. التي نفّت تورّطها لا سيما أنها لا تتحكم بقاعدة انجرليك، وإنّ هذه القاعدة في الأساس هي للقوات الجويّة التركية والأميركيون لا يتدخلون في نظام إقلاع طائراتهم. لكن أردوغان وجمهوره لا يعتقدون ذلك فالعلاقات المتوترة أصلاً بينه وبين واشنطن تسمح له ولجمهوره بالتمسك بالاتهامات. بدأت الدعوات إلى فك التحالف مع الناتو ومع الأميركيين والتخلي عن طلب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بسبب مماطلة هذا الأخير في ضمِّ تركيا إلى صفوفه. يئست بعد أن جرى ضمّ بلدان أوروبا الشرقية إلى الاتحاد في الوقت الذي كانت فيه تُقدم طلب الانتساب رسمياً منذ عام 1987 وبشكلٍ غير رسمي منذ 1963.

في ظلّ هذه الأجواء كثُرت التحليلات حول القمة التي ستجمع أردوغان مع الرئيس الروسي بوتين. وحول التوجه الذي ستتخذه تركيا نحو الشرق والابتعاد عن التحالفات الغربية والتوجه نحو القوى الأوراسية.

ربما تصح هذه الافتراضات بعد الأجواء التي أشاعها الانقلاب وتهديد تركيا بإنّ عدم تسليم غولن له عواقب وخيمة بعد أن اغضبها ردّ الولايات المتحدة بطلب أدلةٍ دامغة، فواشنطن لا تقبل بالضغط الذي يمارسه أردوغان لا سيما أنّ خلافاتها مع الحكم التركي كانت مستعرة قبل الانقلاب، أدانته بعد تريث وأرسلت جنرالاً رفيعاً لكنها أكدت زيارة وزير خارجيتها جون كيري في أواخر شهر آب.

ليس واضحاً إلى أين ستتجه الامور، فالعلاقات الروسية التركية اتسمت تاريخياً بالعداء والإستثناء حدث مرتين في التاريخ، الأولى مع مصطفى كمال أتاتورك إذ شهِدت هذه العلاقة فترات من الصداقة لكنها ساءت في أواخر عهده، أما الثانية فكانت مع حزب العدالة والتنمية واتّباعه لسياسة «صفر مشاكل»، ساءت العلاقة العام الماضي بسبب إسقاط طائرة السوخوي الروسية. لكن اعتذار أردوغان أعاد منذ شهر العلاقات التجارية مع موسكو في انتظار اللقاء المرتقب الذي عجَّل الانقلاب في انعقاده..

لا يمكن بناء أوهام حول العلاقة الروسية التركية من حيث الاستراتيجيا. لكن يمكن القول أنّ تقارباً حصل بعد الانقلاب، فروسيا لم تنتظر جلاء أمر الانقلاب بل سارعت إلى تأييد الحكومة المنتخبة ديمقراطياً، ولا بدّ من التذكير أنّ العلاقات التجارية والاستثمارية بين البلدين كانت قد قرّبت بينهما فأصبحت تركيا مركزاً سياحياً بالنسبة للروس كذلك مركز تصدير زراعي وتجاري وتوظيف استثماري بالنسبة إلى تركيا وإلى رجال أعمالها، هذا إضافة إلى مفاوضات السيل الجنوبي التي ستعود بالنفع للبلدين.

هل يمكن فصل السياسية عن التجارة بين البلدين؟ لقد برهنت فترة الخلاف بين البلدين أنّ الأمر مستحيل.

بدّت تصريحات المسؤولين الروس وكأنها ترسم خارطة طريق للعلاقة بين الدولتين تبدأ بالموقف من الحرب في سورية، وكان أردوغان قد صرّح لوسائل الإعلام بأن هذا الموضوع لا بدّ أن يطرح على بساط البحث عدا عن العلاقات التجارية والغاز وكلّ المصالح المشتركة من أجل تمتين أواصر هذه العلاقة. يبقى أنّ تركيا تريد أن تصبح عضواً فاعلاً في قمة شانغهاي، وتبقى المسألة الاوكرانية وضمّ القرم، كذلك مقرّرات قمة وارسو ودعوة أردوغان قبل القمة مع الناتو إلى الحذرِ من تمدّد روسيا في البحر الأسود… مسائل أساسية ستطرح في اللقاء من أجل علاقات سويّة بين البلدين.

تركيا في حالة غضب وضعف اليوم بعد تصفيات طالت عمودها الفقري، أيّ الجيش لكنها تعي أهمية موقعها تلوّح للغرب بالابتعاد عنه تعلم في قرارةِ نفسها أنه يمكنها أن تتقن لعبةَ التوازن بين روسيا والناتو.. لكن هل هي مستعدة للاستغناء عن الغرب وعن الولايات المتحدة. من الصعب تخيّل الموضوع استراتيجياً، مع أنّ هناك من يدعو في الداخل إلى تغيير المسار، لكن تركيا بعلمانييها واسلامييها ليست خارج الغرب. هي تريد اعترافاً بأهميتها وتشتكي من شوفينية الغرب، الذي يرى أنّ مشكلة تركيا هي أردوغان الذي أصبح عبئاً عليها. لكن لا بدائل لديها في الوقت الحاضر.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024