إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

المقاييس

أسامة عجاج المهتار

نسخة للطباعة 2016-08-20

إقرأ ايضاً


تذهلك قدرة سعادة على اختزال حقيقة متشعبة في كلمات بسيطة. يسأل: "ما الذي جلب على شعبي هذا الويل؟". يجيب: "فقدان السيادة القومية." وبين السؤال والجواب تتبلور غاية تُشكِّل مثالا أعلى لأمة أراد سعادة مكانا لها بين الامم الحية. هذه القدرة على الغوص وراء السبب - الداء، لاستئصاله، هي ميّزة من ميّزات سعادة.

لقد جاء جواب سعادة عن السؤال على المستوى الفكري والتحليلي الأعلى. هو لم يقل مثلا: "لأن الحكومة فاسدة"، أو "بسبب طمع الاتراك بنا"، او "بسبب الحرب العالمية الأولى." لا، لقد رد الجواب الى العلة الأساس، إلى فقدان السيادة القومية، والتي بسببها أصبحت كل الويلات التي نزلت بنا من تحصيل الحاصل.

"ما الذي جلب على حزبي هذا الويل؟" سؤال قرأناه في رسالة "إفلاس" للأمين عجاج المهتار سنة 1946، وفي رسالة الأمين صالح سوداح، سنة 1985، وسواهم. إنكاره لا ينفي وجوده. إنه يفتك بنا، وعلينا الاتفاق على تشخيصه فطريقة استئصاله.

جوابي الوحيد على المستوى الأعلى، هو "إهمال غاية الحزب." لقد كتبت فصلا كاملا في كتابي "إدارة الاستراتيجية في المنظمة العقائدية" عن نتائج هذا الإهمال، فيمكن العودة اليه. اما اليوم، فسوف اتناول بالبحث المقاييس الضرورية والتي عبرها فقط نستطيع معرفة ما إذا كانت غاية الحزب مهملة، والى أي مدى، أو، إن لم تكن، فما هو مدى تقدمنا من بلوغ هذه الغاية.

غير ان ثمة ناحية آنية وملحة أكثر لناحية وضع مقاييس الأداء الضرورية. فقد كشفت الأزمة الأخيرة الناجمة عن محاولة التعديل غير الدستوري في الحزب السوري القومي الاجتماعي عن تباين حاد في مقاربة مسائل جوهرية. فالمدافعون عن أداء الإدارة الحزبية لا يرون خطأ في عملها، ومهاجموها لا يرون صوابا. ومع ان الحقيقة هي في مكان ما بين الاثنين، الا ان هذا التجاذب الحاد مؤشر على خلل في عملية تقييم الأداء، بحيث تطغى الذاتية على الموضوعية بسبب غياب المقاييس.

فمن يسمع توصيفا لوضع الحزب من قبل المدافعين عن الادارة، يرى ان الحزب في أحسن حال. فالحزب يقاتل في الشام، والاقبال يفوق قدرته على الاستيعاب، وفروعه تنتشر حيث لم يصل من قبل في كل من الأردن وفلسطين والعراق، وعلاقاته الدولية والإقليمية ممتازة، وقد اقام الاستحقاقات الحزبية في مواعيدها، وهو على وشك توحيد الحزب الخ... وفي الطرف المقابل التوصيف معاكس تماما: الخارجون من الحزب أكثر من المقبلين. الانشقاق، الفساد، الاغتيالات وضحايا المعارك العسكرية الداخلية، الانكفاء عن العمل، الاشاعات التي يطلقها مسؤولون بحق رفقاء عاملين، مكافأة الفاسدين والمفسدين، التلاعب بالدستور وعدم احترامه، إهانة المحكمة الحزبية، الهيمنة وسوء الإدارة، الخ...

إن هذا التباين الحاد في النظر هو ناقوس للخطر. فالحكم في مدى نجاح الإدارة او فشلها يجب ان يستند الى مقاييس رقمية وموضوعية لا مزاجية وشخصية. وهذه علة انقسامنا اليوم.

إذا أردنا قياس أداء الإدارة العليا في الحزب السوري القومي الاجتماعي علينا ان ننطلق من الركنين الأساسيين الذين يجب ان يكونا محط اهتمامها الا وهما نظرة الحزب وغايته. من هناك ننطلق الى مقاييس أداء محلية. ولكن كيف يتم القياس؟ هذا هو السؤال المهم الذي لم تطرحه إدارات الحزب المتتالية على نفسها اثناء غياب سعادة وبعد استشهاده. اما اثناء قيادته للحزب فهذه المقاييس كانت حاضرة ابدا في خطط الزعيم وفي مراجعته وتقييمه.

ما هي مقاييس الأداء؟

مقاييس الأداء هي الأدوات التي نقيس بها أداء المؤسسة بناء على درجة محددة من الدقة. إنها وسيلة تتيح للمؤسسة تقييم أدائها مقايسة بأفضل الممارسات العالمية، أو بما يقوم به المنافسون من أحزاب وحركات، وأين نجحت أو أخفقت ولماذا. كما أنها تساعد المؤسسة على إختيار "أفضل الممارسات" لتنفيذ إستراتيجيتها.

لماذا نحتاج إلى مقاييس الأداء؟

تحتاج المؤسسات الى مقاييس الأداء لمراقبة تنفيذ خططها وتقييم مدى نجاحها؛ لمعرفة الفجوة بين الأهداف المحددة والنتائج الحاصلة؛ وفعالية المؤسسة عبر أنظمة عملياتها وفاعليتها في المجتمع؛ والتركيز على النتائج وليس على الجهد المبذول فقط.

المقاييس على مستوى النظرة إلى الحياة

النظرة العليا عند سعادة والتي أسس الحزب بسببها هي: "طلب الحقيقة الأساسية الكبرى لحياة اجود في عالم أجمل وقيم أعلى." (الصراع الفكري في الادب السوري.) مقاييس جودة الحياة عالمية موثقة ومعظم المؤسسات الدولية والجمعيات الخيرية تعتمدها وهذه بعضها: مستوى الدخل القومي والفردي، نسبة الوفيات عند الولادة، متوسط العمر عند الوفاة، نسبة الأمية، القضاء على الامراض الفاتكة، نسبة التلوث في المياه والهواء والتربة، نسبة التحريج، مستوى التصحر، عدد الحدائق العامة، الطرقات السالكة، المواصلات النظيفة، نسبة البطالة، التضخم المالي، تفشي الجريمة، السلم الأهلي، التآخي الاجتماعي، ازدهار الحركة الثقافية (عدد الكتب التي تصدر في السنة، الترجمات، عدد المسرحيات او البرامج الموسيقية. الخ...)، عدد السجناء السياسيين، ضمان الحريات، الخ...

المقاييس على مستوى الغاية:

"غاية الحزب السوري القومي الاجتماعي بعث نهضة سورية قومية اجتماعية تكفل تحقيق مبادئه وتعيد إلى الأمة السورية حيويتها وقوتها، وتنظيم حركة تؤدي إلى استقلال الأمة السورية استقلالاً تاماً وتثبيت سيادتها وإقامة نظام جديد يؤمن مصالحها ويرفع مستوى حياتها والسعي لإنشاء جبهة عربية."

تتضمن غاية الحزب أربعة مواضيع أساسية لكل منها نتيجة قياسية. تتدرج المواضيع الثلاثة الاول من حالة الانحطاط التي كانت محيطة بمرحلة التأسيس وصولا الى الوضع المبتغى في نظرة الحزب. ومن حالة الركود والاستكانة للاحتلالات الأجنبية، الى حركة تطرد المحتل وتؤدي الى استقلال الامة وتثبيت سيادتها، وصولا الى النظرة العليا الا وهي تأمين مصالح الامة ورفع مستوى حياتها. إنه لتسلسل منطقي بديع ينطلق من الواقع الي المثال الأعلى. بعد تحقيق هذه المواضيع الأساس، او بالتزامن مع بعض منها، يمكن لنا السعي لإقامة جبهة عربية.


الموضوع ... النتيجة القياسية


بعث نهضة سورية قومية اجتماعية... تكفل تحقيق مبادئه وتعيد إلى الأمة السورية حيويتها وقوتها


تنظيم حركة.................................. تؤدي الى استقلال الأمة السورية استقلالا تاما وتثبيت سيادتها

إقامة نظام جديد يؤمن مصالحها ويرفع مستوى حياتها


السعي لإنشاء جبهة عربية..............مع ان غاية الحزب لا تلحظ نتيجة قياسية، الا انه يمكننا استخلاص نتيجتين، الاولى هي مدى تحقيق الامم العربية الأخرى وحداتها القومية ووفق أي نظرة الى الحيا؛ ثانيا، مدى استعداد هذه الامم لتشكيل جبهة عربية تكون سدا ضد المطامع الأجنبية والاستعمار.


مقاييس الأداء لـ "بعث نهضة"

ما هي العلاقة بين تحقيق مبادئ الحزب وإعادة الحيوية والقوة الى الامة؟ لنجيب عن هذا السؤال علينا أولا فهم العوامل التي تؤدي الى تقوية او إضعاف "حيوية الامة وقوتها في شكل عام"، ومن ثم وضع المقاييس لذلك.

يقول الزعيم في مقدمة نشؤ الامم ما يلي:

" كلّ جماعة ترتقي إلى مرتبة الوجدان القوميّ، الشّعور بشخصيّة الجماعة، لا بدّ لإفرادها من فهم الواقع الاجتماعيّ وظروفه وطبيعة العلاقات النّاتجة عنه. وهي هذه العلاقات الّتي تعيّن مقدار حيويّة الجماعة ومؤهّلاتها للبقاء والارتقاء، فبقاؤها غامضة يوجد صعوبات كثيرة تؤدّي إلى إساءة الفهم وتقوية عوامل التّصادم في المجتمع فيعرقل بعضه بعضاً ويضيّع جزءاً غير يسير من فاعليّة وحدته الحيويّة ويضعف فيه التّنّبه لمصالحه وما يحيط بها من أخطار من الخارج."

إن هذا المقطع كثيف ويجب ربطه بكلام سعادة عن "الحقيقة الأساسية الكبرى" في كتاب الصراع الفكري في الادب السوري. فـ "فهم الواقع الاجتماعي وظروفه وطبيعة العلاقات الناتجة عنه،" هو الحقيقة الأساسية الكبرى التي يشير اليها سعادة في عبارة النظرة. أما "الغموض الذي يوجد الصعوبات التي تؤدي الى إساءة الفهم والتصادم..." فإنه، في معظمه ناجم عن عدم الاشتراك في تعريف واحد للهوية، والحروب الداخلية الناجمة عنه. وهنا يأتي دور مبادئ الحزب التي تخرجنا من الغموض الى الوضوح في النواحي الأساسية التي تعني أي مجتمع يريد الحياة وهي، الهوية والحقوق، والاستقلال النفسي والوجدان القومي والعدالة الاجتماعية والعدالة الاقتصادية والقوة الرادعة لمطامع الآخرين؟ أليست هي ما يمنع التصادم الداخلي في المجتمع الواحد؟

وهذا ما يقودنا الى وضع المقاييس لنرى مدى فعل المبادئ في المجتمع وتحقيقها، والذي هو الغرض الأساس من بعث النهضة.


أدوات القياس لمبادئ الحزب الاساسية

كيف نقيس تحقيق مبادئ الحزب؟ لنستطيع القياس علينا فهم ما الذي نقيسه. وبالتالي علينا تعيين مواضيع المبادئ لنتمكن من وضع المقاييس المناسبة. تتعلق مبادئ الحزب الأساسية من واحد الى ستة بالهوية والحقوق القومية، وهذان لا ينفصلان أحدهما عن الآخر؛ المبدأ السابع يتعلق بالاستقلال النفسي؛ أما الثامن، فبالوجدان القومي وتطبيقاته. أما كيف يمكن قياس هذه المواضيع فسوف نفصله فيما يلي.

الهوية والحقوق القومية: تقاس داخليا وخارجيا. المقياس الداخلي هو نسبة السوريين الذين يعرفون هويتهم وحقوقهم القومية، انطلاقا من معرفتهم بشخصيتهم وحدود وطنهم وتاريخهم وطبيعة مجتمعهم، ومدى استعدادهم للدفاع عن كل ذلك. أما المقياس الخارجي، فيتعلق بمدى اعتراف العالم بحقوقنا كأمة واحدة ومجتمع واحد واحترام كياننا وعدم التعرض له.

الاستقلال الروحي: إن تركيز سعادة على استمداد النهضة السورية القومية من مواهب الامة السورية يعني الاستقلال النفسي والروحي عبر الاخذ بنظرة الى الحياة منبثقة من شخصيتنا ومن خطط النفس السورية. (الصراع الفكري في الادب السوري.) المقياس هو مدى تأثير نظرات نفسية او روحية خارجة عن نفسيتنا وخططنا في حياتنا القومية ومدى انعكاس ذلك في سياساتنا القومية او تأثيرها سلبا على وحدة مجتمعنا. ولعل المثل الصارخ عن مدى خضوعنا النفسي لنظرات خارجة هي في انقسام مجتمعنا حيال نظرتين مذهبيتين خارجيتين متذابحتين هما الوهابية وولاية الفقيه وانعكاس كل ذلك على وحدتنا الداخلية.

طبعا، يمكن وضع مقياس عكسي لما سبق الا وهو مقدار التأثير النفسي للنظرة السورية الى الحياة، وخطط النفس السورية في مجتمعات أخرى. لقد آمن سعادة بنا "أمة هادية للأمم"، وهذا مقياس يجب عدم اهماله.

الوجدان القومي: مدى انتشار مفهوم الوجدان القومي الذي يضع مصلحة الامة فوق اية مصلحة، ويتغلب على النزعة الفردية القاتلة. وهذا يمكن قياسه تفصيليا في درجة الوعي للمصلحة العامة والالتزام بها.

أدوات القياس لتحقيق مبادئ الحزب الاصلاحية

أما بالنسبة للمبادئ الإصلاحية فالمقاييس أسهل فالمبادئ الإصلاحية الثلاثة الأول تتعلق بالوحدة الاجتماعية ومحاربة أكبر معطل لها، الطائفية. المبدأ الرابع متعلق بالعدالة الاقتصادية، والخامس متعلق بمدى قدرة الامة على حماية نفسها. استنباط المقاييس لهذه المبادئ يتضمن مثلا، انحسار القضاء المذهبي في وجه القضاء المدني، عدد المدارس الدينية والمذهبية مقايسة بالمدارس المدنية، الزواج المختلط، اعتماد المؤهلات في الوظائف عوضا من المذهب والطائفة، الخ... وفي الاقتصاد، التفاوت في الدخل، ملكية الأراضي الزراعية، تنوع مصادر الإنتاج والمبدعين، والانطلاق الى اقتصاد يقوم على التقنيات الحديثة المنافسة. أما في حماية الوطن، فمن المقاييس مثلا، التدريب العسكري الالزامي، الصناعات العسكرية، معنويات المقاتلين، عدد سنوات الخدمة الإلزامية، عدد سنوات الخدمة الاحتياطية، عديد الجيش، وعديد الاحتياط، المعاهدات الدفاعية وهلم جرا.

بهذه المبادئ نقضي على عوامل الموت القومي كالجهل بالحقوق، التبعية الروحية، النزعة الفردية، التناحر الداخلي، الاستعباد الاقتصادي، والاستباحة الخارجية. ولا شك عندنا ان الخطوط البيانية للمقاييس أعلاه، انطلاقا من الخط الأساس الذي نكون قد وضعناه عند بدء العمل سوف يرينا بوضح ان خط حيوية الامة وقوتها سوف يكون خطا تصاعديا مع تحقيق هذه المبادئ.

أدوات القياس لـ "تنظيم حركة"

في جوابه لقاضي التحقيق في محاكمته الاولى بعيد انكشاف الحزب يقول سعادة قولا مرّ في تاريخنا مرور الكرام فلم ننتبه له او نعبأ بخطورته ولم نقم بدراسته. يقول: "إن غاية الحزب الاولية ان يكون حركة الشعب العامة." ولكن الأخطر في هذه العبارة انها خطوة لا بد منها، او شرط ضروري للحصول على النتيجة الاستراتيجية المطلوبة من قيام حركة تؤدي الى استقلال الأمة السورية استقلالا تاما وتثبيت سيادتها.

هذه العبارة، كمعظم كتابات سعادة عبارة كثيفة وبحاجة الى تفكيك ومقاييس. بديهي انه إذا كان على الحزب ان ينظم حركة، فهذا يعني ان هذه الحركة ليست هي الحزب، ولكنها حركة يقودها الحزب وتلتف حول عقيدته وبرنامج عمله دون ان يكون المنضمون الى هذه الحركة أعضاء في الحزب بالضرورة. وإذا درسنا حركات التحرر وجدنا انها كلها انطلقت من كتلة عقيدية متراصة تجتذب انصارا ومؤيدين وفق برنامج عمل واضح. بالتالي، فإن المقاييس التي يمكن استنباطها لمدى نمو حركة الحزب تكمن في عدد المنضوين تحت لوائها، عمرهم، انتشارهم، مؤهلاتهم، مدى استعدادهم للانتماء الى الحزب. أما بالنسبة لنتائج حركة الحركة فيمكن لنا مثلا قياس عدد النواب في المجالس التشريعية المؤيدين لها، وفي النقابات وبين الصحف والصحافيين، وفي الجيش. مدى اعتراف العالم بهذه الحركة كمعبّر عن مصالح الشعب السوري وكممثل له. وأخيرا، وهو المقياس الأهم، أين هي من تحقيق النتيجة الاستراتيجية المطلوبة منها أي، "استقلال الامة السورية استقلالا تاما وتثبيت سيادتها"؟

أدوات القياس لـ "إقامة نظام جديد"

ما هي النتيجة الاستراتيجية لقيام النظام القومي الاجتماعي؟ إنها من قسمين: تأمين مصالح الامة ورفع مستوى حياتها، والقسم الاول شرط ضروري لقيام الثاني. وتأمين مصالح الأمة يكون، بعد تثبيت سيادة الامة وتأمين سلامة المجتمع والعدالة الداخلية، في تنمية قدراتها البشرية وتوظيفها، واستغلال مواردها الطبيعية بأكثر الوسائل فاعلية وجدوى واستدامة، وبناء العلاقات الدولية الاقتصادية والتجارية والدفاعية، والمساهمة في الحياة الثقافية والعلمية والفنية الانسانية. بكل هذا يرتفع مستوى الحياة في نواح يمكن قياسها كما بينا في بدء الحديث عن المقاييس على مستوى النظرة الى الحياة.

أدوات القياس لـ "إنشاء جبهة عربية"

مع ان غاية الحزب لا تلحظ نتيجة قياسية، الا انه يمكننا استخلاص نتيجتين من كتابات سعادة، الاولى هي مدى تحقيق الامم العربية الأخرى وحداتها القومية ووفق أية نظرة الى الحياة؛ ثانيا، مدى استعداد هذه الامم لتشكيل جبهة عربية تكون سدا ضد المطامع الأجنبية والاستعمار.

هذه بعض الخطوط العريضة التي يمكن لنا استخدامها في وضع مقاييس تفصيلية رقمية وتحديد مصادر البيانات الدقيقة لها ووضع التقارير الدورية الناجمة عنها امام الشعب وقياداته ليعرف وجهة مسار حياته فيقوم بمحاسبة المسؤولين كما ينبغي.

سعادة وأدوات القياس

قلنا ان هذه المقاييس كانت حاضرة في عمل الزعيم اثناء قيادته للحركة او في مغتربه القسري وقد خصصنا فصلا لها في كتابنا "إدارة الاستراتيجية في المنظمة العقائدية"، يمكن العودة الى تفاصيله. سنكتفي هنا بإيراد عبارتين فقط لنأخذ مثلا على ذلك.

يستهل سعادة خطاب اول آذار سنة 1938، بالقول:

"ما كاد الحزب السوري القومي يصبح كائنا حيا ويستكمل شروط كيانه حتى تعرض لما تتعرض له كل الكائنات الحية من اختبارات طبيعية وتجارب نفسية روحية. وهي اختبارات وتجارب ضرورية لمعرفة مواهب هذا الكائن الحي الجديد وخصائصه وللتثبت من بنيته هل هي قوية تصلح للبقاء أم ضعيفة تتفكك لأول صدمة، ومن روحيته هل هي سليمة أم فاسدة لا تحقق شيئًا، ومن عقيدته هل هي صحيحة تعبر عن فهم صحيح لحاجة أمة حية أم مخطئة لا تعبر ألا عن أوهام شخصية...يحسن بنا أن نقف في هذه المرحلة الأولى لنلقي نظرة على ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا ونعين بالضبط مركزنا بالنسبة لهدفنا ولما حولنا.."

"أن نعين بالضبط مركزنا بالنسبة لهدفنا ولما حولنا." إنها لجريمة ان لا يُبقي كل مسؤول حزبي، بل كل رفيق ورفيقة، هذه العبارة نصب أعينهم في كل لحظة. فبدون هذا التعيين المضبوط، كيف لنا ان نعرف موقعنا بالنسبة إلى غايتنا، وما إذا كنا نسير في الاتجاه الصحيح.

أما في رسالة منه إلى "هيئة اللجنة المفوضة المركزية" في البرازيل سنة 1940، يسأل سعادة الأسئلة التالية:

1. ما هي الاعمال التي قامت بها اللجنة المركزية المفوضة من الوجهتين الإدارية والإذاعية؟

2. هل جرت مراسلات مع أشخاص في داخلية البلاد وفي أماكن بعيدة؟

3. هل حدثت حركة إنضمام في مدن أخرى أم لا؟

4. ما هي الوسائل المستخدمة من قبل اللجنة لإيجاد مراكز في الداخلية؟

5. ما هي النقاط الأساسية التي يتضمنها برنامج عمل اللجنة؟

6. ماذا تحقق منها وماذا لم يتحقق؟

ثم يتوسع في الشرح قائلاً:

"هذه الأسئلة تعني أنه أنه واجب على اللجنة المركزية المفوضة أن تضع برنامجًا عمليًا للأعمال الإدارية والإذاعية وتصنفه في فصول وتعين فيه نتائج يجب الوصول إليها. وهذه النتائج يجب أن تكون ذات صفة محسوسة فلا يقال مثلاً: "تسعى اللجنة لزيادة عدد الأعضاء بل يقال تستخدم اللجنة الوسائل التالية"، تقول ما هي "للوصول إلى أوساط كذا. وبهذه الوسائل والأشخاص تقدر أن تصل في مدة كذا إلى إدخال العناصر التالية الضرورية لنمو الحركة."

عدا عن السؤالات المتقدمة أريد أن أعرف حقيقة سير الشؤون النظامية الداخلية – الاجتماعات ومواضيعها ونتائجها المالية وتنظيمها ونتائجها وعدد الأعضاء المتممين واجباتهام من هذه الجهة وغير المتممينها. وماذا تفعل اللجنة بمن لا يتمم واجباته..."

ويجب على اللجنة ان تعلم انه لا يفيدني شيئًا معرفة أن العقيدة وحدها تنتشر. فالعقيدة تنتشر بواسطة توزيع المبادئ ومنشورات الحزب والجريدة. أما وجود اللجنة المفوضة فليس فقط لاكتساب أشخاص يصرحون لنا أنهم يعتنقون مبادءنا بل لتنظيمهم وإفهامهم نظام الحزب وتعيين واجباتهم المعنوية والمادية وتكليفهم لمهمات صريحة من قبل اللجنة...

من هذه الأسئلة، التي يجب على كل منفذ عام أن يكون لديه إجابات تفصيلية عنها تبنى مؤشرات الأداء من المديريات إلى المنفذيات فالعمد كل حسب مصلحتها المعنية بها، وصولاً إلى مجلس العمد ورئاسة الحزب، فالمجلس الأعلى والأجهزة الرقابية. وبهذا بهذا النوع من المقاييس والمؤشرات، تتمكن الإدارة من مراقبة الأداء وضبطه، وتعيين مراكز الصرف في الميزانيات وأين يجب أن تزاد أو تنقص، وما هو نوع التدريب اللازم لتنمية الموارد البشرية اللازمة لتنفيذ خطة الحزب.

واليوم...

بعد هذا العرض المفصل، نعود الى السؤال الأساس الذي انطلقنا منه: أين نحن من غايتنا؟ ولا شك عندي في ان أي باحث صادق وموضوعي يستخدم أي من المقاييس التي تناولناها في بحثنا هذا سوف يخلص الى ما يلي: إن مساحات الأرض المحتلة اليوم، تفوق مساحة الأراضي المحتلة سنة 1932، وأن مواردنا اليوم هي في أحال أسوأ بكثير عما كانت آنذاك. كذلك الحال بالنسبة لأعداد اللاجئين والمشردين وسرقة المال العام، وتلوث البيئة والتصحر، والصراعات المذهبية، والارتهان النفسي والروحي لقوى ونظرات خارجية. لا نستطيع ان نشير الى مؤشر واحد سواء من مؤشرات جودة الحياة في شكل عام، او من المؤشرات الخاصة بتحقيق مبادئ الحزب، الا وشاهدنا ان الخطوط البيانية لهذه المؤشرات منحدرة انحدارا خطيرا.

الشيء نفسه ينطبق على الحزب. ما هو عدد تشريعات المجلس الأعلى في كل من دوراته؟ ما شكل الخط البياني للمنتمين الى الحزب، وما هو شكل الخط البياني للخارجين من الحزب؟ ما هو شكل الخط البياني للإنتاج الثقافي الحزبي، ادبا، وموسيقى ومسرح وعلوم اجتماعية وما شابه؟ ما هو شكل الخط البياني للقوميين المهاجرين وما هو شكل الخط البياني للقوميين العائدين؟ ما هو شكل الخط البياني لمالية الحزب من موارده الخاصة وليس تلك المرتبطة بجهات خارجية؟ ما هو عدد منفذيات الحزب ومديرياته وكيف تقارن مع فترات سابقة؟ ما هو وضع العدالة في الحزب؟ كم شكوى اهملت، وكم شكوى بت بها؟ ما هو عدد المدارس التي أسسها الحزب، وهلم جرا.

إذا قبلنا بهذا الحقيقة ولم نكابر، نجد أنفسنا في مواجهة سؤال أصعب: كيف سمحنا، نحن السوريين القوميين الاجتماعيين، الذين أقسمنا اليمين ان ننهض بشعبنا وأمتنا وأن نحررها من الاحتلالات وان نستقل بها ونستعيد اجزاءها المسلوبة، وان نقيم نظاما جديدا يعكس نظرتنا الرائعة الى الحياة، كيف سمحنا لبلادنا وأنفسنا ان ننحدر هذا المنحدر؟ أين كانت قياداتنا المتتالية؟ بماذا كانت منشغلة عن هاجس تحقيق غاية الحزب؟ كيف سكتنا عنها، والى متى نبقى ساكتين؟

ذلك اننا متفقون جميعا على ان سورية في نهاية المطاف هي مسؤوليتنا نحن أولا، اليس كذلك؟


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024