إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

ملاحظات من وراء الكواليس

الرفيق عجاج الحكيم

نسخة للطباعة 2016-08-29

الملاحظة الأخيرة: الالتزام

أنا أرى الالتزام بالمؤسسة الحزبية، حتى ولو كنا على خلاف مع القيمين عليها. لأن الخروج عليها لن يؤدي إلى تصحيح الأمور، بل يزيد الطين بِلّة.

فلقد رأينا ومنذ أول انشقاق عام 1957 وما تلاه من انشقاقات أو خروج على المؤسسات النظامية حتى يومنا هذا، ماذا كانت النتائج سوى زيادة في البلبلة وإضعاف للحزب-المؤسسة.

مهاترات تزيد الوضع سوءاً، نشر للغسيل القذر على وسائل الإعلام بكل أنواعها، وعلى صفحات الشبكة العنكبوتية. كم أعطت تلك النتائج مردوداً سلبياً، وصورة مشوهة عن حزبنا وبالتالي نهضتنا، أمام من يجب علينا أن نكون قدوة لهم بما نطمح إليه بالإنسان الجديد. بل على العكس من ذلك يستنتج أننا أسوأ من أسوئهم من مبدأ "غلطة الشاطر بألف". فهل هذا هو إنسان النهضة الذي يطمحون إليه. لا.. بالتأكيد لا.

وقد يسألني سائل لأي مؤسسة تطلب مني الالتزام بها؟ ولدينا الآن ثلاث مؤسسات تسمي نفسها " الحزب السوري القومي الاجتماعي" فضلا عن التجمعات والجماعات التي لا تعتبر نفسها انشقاقات عن المؤسسات، بل لها طروحات تؤكد أنها على خطى النهضة الصحيحة. أقول نعم؛ هذا صحيح ولكن وعلى مبدأ المذاهب في الرسالة المحمدية على كثرتها، ولكن كلها تؤمن بكتاب واحد بغض النظر عن مفهوم هذا المذهب أو ذاك لهذا الكتاب. ففي أحزابنا السورية القومية الاجتماعية كلها، وعلى نفس المنوال، لها مرجع واحد "غايتنا ومبادئنا وتعاليم زعيمنا" تراث لا يمكن لأحد أن يخرج عنه. إلا من حيث الفهم والتطبيق وطريقة الوصول إلى تلك الغاية العظيمة من خلال فكر اجتماعي قومي وفلسفة مدرحية ومناقب أصيلة وثقافة علمية صحيحة وفنون راقية وآمال وآلام مشتركة. نعم تلك هي المرتكزات والأسس التي يجب أن نسير على خطاها لنصل إلى غايتنا المرجوة.

الملاحظة الأولى: الثقافة القومية الاجتماعية

إنها بيت القصيد. فلو امتلكها القوميون لما وصلت حالتنا لما هي عليه الآن.

كلنا نعلم ماذا حدث عند عودة الزعيم من الاغتراب القسري عام 1947، كيف تعامل مع الانحراف والخروج عن العقيدة التي وقعت فيها قيادة الحزب خلال غيابه عن أرض الوطن، والصعوبات التي كانت تحول دون التواصل مع القيادة بسبب الحرب، وكيف وضع إصبعه على سبب انسياق القوميين وراء تلك القيادة وانحرافها بدافع النظام فقط.

ولكن ماهو كنه هذا النظام الذي دعاهم لذلك الانسياق وكيف فهموه. حيث اكتشف أنه فهم ناقص بسبب نقص الثقافة القومية الاجتماعية لديهم وعدم التوجه للتعمق والدراسة لتلك الثقافة التي أسست لها نهضة وعقيدة عظيمة وضعت على عاتق القيمين عليها تدريسها للمنتمين لهذه النهضة.

فما هو النظام القومي الاجتماعي؟ إنه نظام الفكر والنهج والأشكال التي تحقق هذا النهج وبالتالي هذا الفكر. فالفكر أولاً والنهج الذي يحقق هذا الفكر ثانياً ومن ثم الأشكال التي من خلالها يُمارس ذلك النهج.

لذا بادر لإعادة الندوة الثقافية، والتي لم يمهله الوقت والأحداث المتسارعة والملاحقات الأمنية إلا عشر محاضرات تمخض عنها قرآن العقيدة السورية القومية الاجتماعية "المحاضرات العشر" والتي شرح فيها غاية النهضة ومبادئها بشقيها الأساسية والإصلاحية. مشفوعة بكتب ودراسات داعمة ومفسرة لبعض مناحي الأسس الفكرية لتلك العقيدة؛ كمفهوم الدين في الفكر القومي الاجتماعي من خلال مقالاته التي رد فيها على رشيد سليم الخوري والتي جمعت باسم جنون الخلود ومن ثم أضيف عليها مقالات تعمق فهم موضوع الدين كما نراه وتم جمعها بكتاب "الإسلام في رسالتيه المسيحية والمحمدية". وأيضاً، مفهوم الآداب والفنون ورقيهما في كتاب "الصراع الفكري في الأدب السوري". وليس آخرها، بل أهمها كتابه العلمي والذي يبحث في علم الاجتماع بجزأيه "نشوء الأمم" و "نشوء الأمة السورية". والذي صادرت السلطات الفرنسية آنذاك جزأه الثاني وظل مفقوداً حتى الآن، وهما الكتابان اللذان تستند إليهما العقيدة السورية الاجتماعية بشكل علمي لكيفية نشوء المجتمعات البشرية وبالتالي مفهومه للأمة وعوامل نشوئها؛ وقد اعتبر أهل الاختصاص أن ذلك الكتاب العلمي هو الثاني بعد كتاب ابن خلدون باللغة العربية. ولذا بادر مفكرو النهضة إلى ترجمته لأهم اللغات العالمية، حيث أصبح يُدرّس في العديد من الجامعات العالمية.

ولا ننسى آلاف الرسائل والخطب والمقالات الصحفية التي تشرح وتبين وتوجه كل منحىً من تلك العقيدة وتزيدها فهماً وتعميقاً.

الملاحظة الثانية: العقلية المجتمعية والعقلية الفردية

عندما بحث سعادة في كيفية تكون المتحدات الاجتماعية من أصغرها إلى أتمها (الأمة)، وجد أن لكل مجتمع عقلية يتميز بها عن باقي المجتمعات، تكوِّن فكره وعاداته وتقاليده وآلامه وآماله وكل مناحي حياته. أسماها "العقلية المجتمعية". ومايز بينها وبين "العقلية الفردية"؛ فهذه الأخيرة تصم كل فرد بذاته ولا تصم المجتمع، فقد يكون منها السيء والحسن، فبعض الأفراد قد تضر عقليتهم بالمصلحة العامة للمجتمع، أما الأولى فعلى النقيض تصم المجتمع بآماله ومصالحه.

الملاحظة الثالثة: التعبير

"الديموقراطية".. كم شغلت هذه الكلمة الإنسانية منذ الأزل، حين بدأ تكون المجتمعات وبدأ معها تسلط البعض فيها على البقية، حتى وصلت إلى السلطة على تنوع أشكالها التاريخية والسياسية.

بدأ الإنسان يتلمس بدايتها مع الحضارة الإغريقية وربما قبل ذلك. وتعني حكم الشعب لنفسه؛ بحيث تتكون السلطة الحاكمة من أشخاص، إما بالتعيين أو الإرث أو القوة أو الانتخاب. بحيث يتم انتخاب أشخاص ليمثلوا فئات الشعب المختلفة في السلطة، وبذلك يصبح كل فرد في تلك الدولة يحكم نفسه من خلال الشخص الذي انتخبه لتلك السلطة. نظرياً على الأقل.

ومن خلال البحث والتنقيب في تاريخ المجتمعات، التي طُبق فيها هذا الأسلوب في انبثاق السلطة والتي سميت بالديموقراطية التمثيلية، وجد سعادة أن تلك الديموقراطية تمثل المجتمع بما هو موجود عليه من تكتلات دينية ومذهبية وإقطاعية وقبلية ورأسمالية. وكل منتخبٍ يدافع عن فئته أو كتلته ويرسخ وجودها ويسعى لتقوية مصالحها بغض النظر إن كانت هذه المصالح تعبر عن مصلحة المجتمع أم لا.

وهذا ما عبر عنه سعادة بقوله "إن الديموقراطية الحاضرة قد استغنت بالشكل عن الأساس، فتحولت إلى نوع من الفوضى لدرجة أن الشعب أخذ يئن من شلل الأشكال التي أخذت على نفسها تمثيل الإرادة العامة وصار ينتظر انقلاباً جديداً. وهذا الانقلاب الجديد هو ما تجيء به الفلسفة القومية الاجتماعية القائلة بالعودة إلى الأساس والتعويل على التعبير عن الإرادة العامة بدلاً من تمثيل الإرادة العامة، الذي هو شكل ظاهري جامد".

"مقالة بحث الديموقراطية عن عقيدة"

ماذا عنى سعادة بالتعبير.. وكيف نمارسه؟

بالعودة إلى الثقافة القومية الاجتماعية، والدراسة وتكوين الرأي الصحيح وجد أن العقل البشري ليس على سوية واحدة عند الأفراد من الفهم والإدراك، فمنه من يقف عقله على إدراك الأمور البسيطة والمعارف الأولية، ومنه من يمتلك المقدرة على إدراك الأمور العليا للفكر الإنساني، وذلك تبعاً لتركيب العقل فيزيولوجياً وبسيكولوجياً؛ وبالتالي فالإنسان البسيط قد لا يدرك ماهو صالح له وما هو ضار به وماهي الأمور التي ترقى بحياته إلى الأفضل، وبالمقابل فالعقلية الثانية الواعية المدركة هي المؤهلة لإدراك ماهو صالح لباقي أفراد المجتمع وما هو ضار بهم. وبالتالي هم الأقدر على التعبير عما يصلح لرقي المجتمع وتقدمه.

وهذا ما أطلق عليه سعادة مصطلح "الديموقراطية التعبيرية" والذي أكد أنه اكتشاف سوري أصيل ستسير عليه باقي الأمم.

"فهذه الفكرة الجديدة، أي التعبير عن إرادة الشعب، هي الاكتشاف السوري الجديد الذي ستمشي البشرية بموجبه فيما بعد، هو دستورنا في سورية الذي نعمل به لنجعل البلاد دائماً كما تريد الأمة".

سعادة

"ولا تنسى أن معظم الشعوب، مع جميع الفوارق الثقافية بين شعب وشعب، تجد عامتها تصح أن تسمى بالنسبة إلى قضاياها الكبرى وإلى غاياتها الأخيرة، عمياناً، فلا بأس أن يكون هنالك عميان كثر أو قلائل بشرط أن يوجد لهم قواد مبصرون في القضية وفي شؤون العميان، وبشرط أن يكون لهؤلاء حسن النية، وأغلب الجهلة يمكن أن يصيروا جنوداً جيدين إذا وُجد لهم قواد صالحون. فيجب ألا يرفض منهم إلا من كان سيء الخلق فاسد الطوية متمرداً على النظام. ولما كنت تعترف بكتابك، بأن أكثرية الذين انضموا إلى الحزب هي ذوي الخصائل الحسنة الأولية فهو يدل على إمكان التأثير على هذه الجماعة وقيادتها. والحقيقة أن هذا النوع من الناس أسهل معاملة وأسلس قيادة من المتنورين والمثقفين ثقافة ناقصة. فمعظم هؤلاء كثيرو المجادلة شديدو الادعاء وصعوباتهم كثيرة ومعقدة. إلا الذين أصابوا من الفهم قسطاً كبيراً وعرفوا قيم الأمور".

من رسالة حضرة الزعيم إلى الرفيق جميل شوحي، 2 آب، 1942

ونرى أن سعادة أكد على حسن النية لهؤلاء المعبرين. كما حذر من المثقفين ثقافة ناقصة والمتنورين من ثقافات الأمم الأخرى، فما هو صالح لتلك الأمم، قد لا يكون صالحاً لأمتنا، فلكل مجتمع خصائصه التي لا تكون بالضرورة متماثلة مع نظيرها في غيرها من الأمم.

وقد أوضح لنا زعيمنا الفرق بين التعبير والتمثيل بما لا يترك مجالاً للشك بصحة ما ذهب إليه:

"التمثيل أهون من التعبير، لأن التمثيل شيء جامد يتعلق بما قد حصل، أما التعبير فغرضه الإنشاء وإدراك شيء جديد. هذا هو الخلل الاجتماعي الذي يريد التفكير السوري الحديث أن يصلحه، تفهّم إرادة الشعب وإعطاؤها وسائل التنفيذ الموافقة"

سعادة

ولا شك بأن موضوع التعبير يحتاج لبحث مطول يتناول كل مناحيه. وقد نعود إليه في بحث منفصل.

الملاحظة الرابعة: الأمانة والأمناء

رتبة الأمانة.. الأسباب والمراد.. شروطها.. منحها.. حالها الراهنة.

لنبين أمراً هاماً حول العقيدة القومية الاجتماعية بأنها وفق قواعد المنطق تندرج تحت قاعدة "ثقافة الوصل لا القطع"؛ أي أن كل فكرة ترتكز على ما قبلها وتقدم لما بعدها.

فإذا عدنا للأسباب والمراد التي حدت بسعادة لإنشاء تلك الرتبة العليا، نجد أنه توخى بهم الثقافة العالية والخلق الحسن والشجاعة كي يكونوا معبرين عن آمال ومصالح الشعب في هذه الأمة، ويكونوا قيمين على تنفيذها على أكمل وجه.

ولذا وضع سعادة شروطاً صلبة يجب أن يتحلى بها حامل هذه الرتبة تتلخص بالآتي:

 الفهم الصحيح للعقيدة القومية الاجتماعية، والإيمان بها وبمنشئها والعمل النزيه للقضية الناشئة عنها والمحافظة على سلامتها وسلامة الحركة المنبثقة عنها ونظامها تحت كل الظروف.

 النضال الممتاز بالفكر والفعل في سبيل هذه القضية.

 أن يكون قدوة بالإيمان بالزعيم والعقيدة والنظام وبتنفيذ الأعمال والمسؤوليات المسندة إليه.

 التعمق الجلي في الإيمان القومي الاجتماعي والإدراك العالي والشجاعة والإقدام والحنكة.

والشرط الزمني لاستحقاق منح هذه الرتبة أن يكون قد أمضى خمس سنوات منذ انتمائه لهذه النهضة. وقد عدلت هذه المدة إلى عشر سنوات بعد استشهاد حضرة الزعيم.

وإذا عدنا إلى حال هذه الرتبة وكيف أصبحت تمنح وإلى حال الأمناء في الوقت الحاضر نجد التالي:

ليس لدينا أدنى ذرة شك بالأمناء السبعة عشر الذين مُنحوا هذه الرتبة في حياة الزعيم، وهو الأقدر على إدراك أحقيتهم بنيل تلك الرتبة. ولكن هل حافظوا على تلك الثقة التي أولاهم إياها سعادة. إن في حياته أو بعد استشهاده. لهذا بحث في تاريخ النهضة، وهناك من هو أقدر على تتبع تلك الحالات.

بعد استشهاد حضرة الزعيم، وما طال الدستور من تعديلات منذ عام 1951 حتى الآن، نجد أن منح رتبة الأمانة لم يعد يراعي شروط منحها؛ فقد أصبحت بأغلبها أصوات انتخابية، ومحسوبات شخصية، وناقصة ثقافة وفهم وخلق حسن ومناقب مجتمعية وحسن نية.

وزد على ذلك؛ أن بعض الأمناء يعتبرون أن نيلهم هذه الرتبة، هي بمثابة مكافأة نهاية الخدمة، فلا تعد ترى منهم أي فعل أو نشاط أو عمل يفيد ويرقى بالعمل الحزبي، ناسين أن تلك الرتبة من المفروض أن تزيد من جهدهم في عملهم لمصلحة الحزب-النهضة-الأمة.

ولا بد من التأكيد بأن هذا الوصم يخص ولا يعم. فهناك نسبة كثيرة أو قليلة، تنطبق عليهم شروط المنح. والصفات المرجوة منهم.

فمن حيث النظامية الحزبية، والمناقب القومية، نخاطب كل أمين بـ "حضرة الأمين الجزيل الاحترام". وهذا احترامٌ لهذه الرتبة المقدسة، والتي يجب أن يكون حاملوها رسل هذه الأمة لرقيها ومجدها ومكانتها الراقية بين الأمم. فهل استحق هذا الأمين أو ذاك هذا اللقب أو ذلك الخطاب. لا.. ولا حتى لقب رفيق. وقد كانوا وما زالوا، الطامة الكبرى على هذا الحزب-الحركة-النهضة.

لذا وجب اتخاذ قرار شجاع بإعادة تقييم الأمناء وتقرير من يستحق الاحتفاظ بتلك الرتبة، ومن يجب أن يجرد منها. وأن يعاد العمل بالشروط الواجب توفرها لمنح من يستحقها.

الملاحظة الخامسة: الحزب-الدولة

"إنك لم تصب الحقيقة بنظرتك إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي كما لو كان واحدة أخرى من الجمعيات. فالحزب السوري القومي الاجتماعي هو حركة لها غاية كبرى يرى القوميون الاجتماعيون أنها تأتي قبل جميع الغايات وأنها، قيمتها فوق القيم الأخرى، لها يهبون نفوسهم بإيمان كلي وبها يصهرون مواهبهم وبغيرها لا يجدون استقراراً لقلق وجدانهم.

إنه قوة وحركة تتناولان حياة أمة بأسرها، إنه دولة السوريين القوميين الاجتماعيين المستقلة التي يحافظون عليها ويدافعون عنها صيانة لمثلهم العليا التي لا تقوم إلا بها. فهو مركز الثقل والجاذبية لشعورهم وفكرهم وجميع الجمعيات والمؤسسات والأعمال الأخرى ليست سوى قطرات في بحر هذه المنظمة الكبرى ووسائط لغاياتها وأجزاء من حقيقتها".

من رسالة حضرة الزعيم إلى الرفيق جميل شوحي، 2 آب، 1942.

نعم، إن الحزب السوري القومي الاجتماعي هو دولة الأمة السورية المستقلة، والذي به نسير نحو هدفنا الأسمى بتحقيق قيام الدولة السورية القومية الاجتماعية على تراب وطننا السوري وعلى الأسس القومية والفلسفية والاجتماعية، تلك الأسس التي كونت هذه النهضة العظيمة.

فما هي تلك القواعد الراسخة التي ترتكز عليها هذه الدولة وبالتالي هذا الحزب.

فلنتناولها قاعدة.. قاعدة.

أولاً- الأمة. ماهي وكيف نشأت وما هي مرتكزات نشوئها وكيف توصل سعادة بعد الدرس وتقصي علوم الاجتماع والتاريخ الإنساني على كيفية تكونها:

"الأمة جماعة من البشر تحيا حياة موحدة المصالح، موحدة المصير، موحدة العوامل النفسية-المادية في قطر معين يكسبها تفاعلها معه، في مجرى التطور، خصائص ومزايا تميزها عن غيرها من الجماعات".

نشوء الأمم

ثانياً- القومية. ماهي وماذا تعني لنا:

"القومية، إذن، هي يقظة الأمة وتنبهها لوحدة حياتها ولشخصيتها ومميزاتها ولوحدة مصيرها. إنها عصبية الأمة".

المصدر السابق

ثالثاً- الوطنية. ماهي وما هو هذا الشعور الذي يتملكنا:

"الوطنية هي محبة الوطن، لأن الوطنية من القومية ولأن الوطن أقوى عامل من عوامل نشوء الأمة وأهم عنصر من عناصرها".

المصدر السابق

رابعاً- الدولة. ماهي ماذا تعني وما هي وظيفتها:

"الدولة شأن ثقافي بحت، لأن وظيفتها، من وجهة النظر العصرية، العناية بسياسة المجتمع وترتيب علاقات أجزائه في شكل نظام يعين الحقوق والواجبات".

"ليست الدولة في ذاتها مقياساً للثقافة العقلية بل بما تنطوي عليه من حقوق".

"الدولة الديموقراطية هي دولة قومية حتماً".

المصدر السابق

بكل جلاءٍ ووضوح، رأينا كيف بين زعيمنا ماهو "الحزب-الدولة"، بأنه ليس كباقي الأحزاب والجمعيات التي مرت على هذه الأمة. بل هو دولتها المستقلة، ويسعى لغايتها الكبرى، وهو القوة والحركة التي تتناول حياة أمتنا ومصالحها العليا.

الملاحظة السادسة: القيادة-السلطة

لن أتناول هذه الملاحظة من ناحية كيفية انبثاق السلطة، أو كيفية تكوينها. فمن مبدأ الاختصاص، هذا المجال يخص الحقوقيين والقانونيين، أكاديميون كانوا أو من لهم باع في هذا المجال.

حيث تناول الكثير من مفكري الحزب هذا المجال وأشبعوه درساً، وتمحيصاً، ومقترحات. لذا لن أدلو بدلوي فيه، لا من حيث التعديلات الدستورية التي تناولته منذ تعديل المادة الثالثة عشرة من دستور سعادة وما تبعها من قوانين دستورية لكيفية انبثاق المؤسسات القيادية، من المجلس الأعلى إلى السلطة التنفيذية وحتى القضائية... وهل كانت صحيحة أم خاطئة.

ومع ذلك لابد من التطرق إلى نقطتين في ذلك:

الأولى: هل استكمل الزعيم المراسيم الخاصة بانبثاق وتكوين السلطات الحزبية، ونعود بذلك إلى المادة الثالثة عشرة من دستور سعادة:

" المادة الثالثة عشرة: إن مدة ولاية الرئيس المنتخب وطريقة انتخابه وطريقة انتقاء أعضاء المجلس الأعلى ونظامه الداخلي تحدد فيما بعد بمرسوم يصدره الزعيم على حدة ويكون له صفة المراسيم الدستورية".

دستور سعادة، 1937

تبين هذه المادة أن الزعيم كان ينوي إصدار المرسوم المعني بهذا الشأن، ولكن الزمن والأحداث لم يمهلانه.

الثانية: كان لابد من إصدار هذا القانون-المرسوم الخاص بانبثاق السلطة الحزبية بعد استشهاد الزعيم، فهل تركنا الزعيم تائهين عن كيفية إصداره، وماهي المرجعية القانونية والحقوقية والمواد التي سيستند عليها إصداره. بالتأكيد لا! فلو عدنا إلى المراسيم التي أصدرها حضرة الزعيم، نجد.. ومع أنه صاحب الدعوة لهذه العقيدة، لم يسمح لنفسه تجاوز الأصول القانونية والحقوقية لإصدار أي مرسوم دون البناء على مواد من الدستور الأساسي. وكانت كلها تبتدأ بـ "إن زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي بناء على المواد الأولى والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة من الدستور يرسم ما يلي".

ماذا يعني ذلك؟ المادة الأولى تتحدث عن غاية الحزب، وتحقيق مبادئه بشقيها واستقلال الأمة ووحدتها، وإقامة نظام جديد يؤمن مصالحها. أما المواد الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة فتحدد أحقية مصدر المراسيم، والنظام المركزي التسلسلي للحزب وإنشاء الإدارات الحزبية التي تخدم القضية القومية الاجتماعية، وطريقة إصدار المراسيم كتابياً وطرق تنفيذها.

لذا وبناءً على ما سبق فأي قانون أو مرسوم صدر بعد استشهاد الزعيم ولم يبنى على تلك المواد وأهمها الأولى فضلاً عن بقيتها. فاقد للشرعية الحقوقية والقانونية. بغض النظر إن كان ضرورياً أم لا.

فذلك البناء والإسناد يعطيه شرعية حقوقية وقانونية، إن كان موافقاً للعقيدة القومية الاجتماعية أم مفارقاً لها.

وبالعودة إلى ما ذكرته في بداية هذه الملاحظة من أنني لن أتطرق للخوض في المجال الحقوقي لشرعية إصدار مراسيم انبثاق السلطة. لذا سأتناول الموضوع من زاوية الممارسة والتطبيق فقط.

فهل كانت "القيادة-السلطة" منذ التأسيس وحتى الآن، عند حسن ظن الزعيم أولاً، والعقيدة ثانياً، ومصلحة الأمة ثالثاً. لنرى.

بداية، لنميز الانحراف أو الممارسة الخاطئة للقيادة-السلطة. فبما أننا نتحدث في أمور النظام نذكّر بأن النظام القومي الاجتماعي، هو نظام الفكر والنهج والأشكال التي تحقق هذا النهج وهذا الفكر. وبالتالي نميز ومن الأخير إلى البداية أنواع الخروجات كما يلي:

1- الخروج أو الممارسة الخاطئة في نظام الأشكال كتعيين مسؤول لوظيفة إدارية لا يستحقها، أو ممارسة خاطئة لها، أو تجاوز لإدارة على أخرى، أو اتخاذ قرارات غير شرعية ولا تصب في مصلحة الأمة، إلخ.... وهذه معالجتها جد بسيطة؛ بالعودة إلى النظام المركزي التسلسلي وحقوق وواجبات كل مسؤول، أين تبدأ وأين تنتهي، ومراقبة تصرفه وفق النظام القومي الشامل، وتطبيق المحاسبة بدءاً من التنبيه إلى الطرد.

2- الممارسة الخاطئة في النهج، والذي تخطط له القيادة الحزبية وفق برنامج ممرحل، ليحقق الفكر القومي الاجتماعي ومصلحة الأمة، وذلك بوضع خطة استراتيجية عامة توزع على خطط وبرامج عمل جزئية على الإدارات الحزبية حسب مصالحها، لتحقيق ونجاح الفكر القومي والغاية المنشودة، وقد تختلف هذه الخطة-البرنامج من مكان إلى مكان ومن زمان إلى زمان حسب الظروف داخلياً وخارجياً. وهذه أيضاً يمكن معالجتها، من خلال إنشاء إدارة أو مركز للتخطيط الاستراتيجي، ومراقبة التنفيذ وتصحيح ما يثبت عدم صلاحيته للتطبيق ومخالفته للهدف المراد منه.

3- الانحراف عن نظام الفكر القومي الاجتماعي. وهنا الطامة الكبرى. ويجب على كل رفيق أو أمين أن يعود إلى الفقرة الأولى من مقدمة الدستور والتي تقول:

"تأسس الحزب السوري القومي الاجتماعي بموجب تعاقد بين الشارع صاحب الدعوة إلى القومية السورية الاجتماعية وبين المقبلين على الدعوة على أن يكون واضع أسس النهضة السورية القومية الاجتماعية زعيم الحزب مدى حياته وعلى أن يكون معتنقو دعوته ومبادئه أعضاء في الحزب يدافعون عن قضيته ويؤيدون الزعيم تأييداً مطلقاً في كل تشريعاته وإدارته الدستورية ولهذا أدى زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي القسم الآتي:".

نعم، كي يتذكر كل رفيق على ماذا أقسم حين انتمى لهذه النهضة. فأي مفارقة عقائدية، فلسفية، اجتماعية، قومية... تعتبر خروجاً وانحرافاً عن العقيدة ونظام الفكر. يستدعي المحاسبة الصارمة عليها.

ولنعد إلى تاريخنا الحزبي ونتلمس كيف مارست القيادة-السلطة مسؤولياتها.

فمنذ التأسيس والذي بدأ بخمسة أشخاص، اكتشف الزعيم أن هناك اثنان من بين الخمسة طغت عليهم المراوغة والاختلاطات السياسية. ولما لم يكن قد وضع بعد دستوراً للحزب يستند إليه في المحاسبة. اضطر لحل الحزب وإعادة تأسيسه بمن تبقى من جديد.

بعد ذلك، نجد أن مراقبة أداء المسؤولين الحزبيين، أخذت حيزاً كبيراً من وقت وجهد حضرة الزعيم في التنبيه والتصحيح والمحاسبة واتخاذ الإجراءات بحق المخطئ كلٌ حسب حجم الخطأ الذي ارتكبه.

وبعد عودته من الاغتراب القسري، وجد الانحراف الفكري الخطير عند قيادة الحزب آنذاك والذي عرف باسم "الوقع اللبناني"، والإخفاء المقصود لرسائل الزعيم وتوجيهاته التي كانت تردهم من المغترب. فما كان من حضرته إلا أن سارع لتصحيح الانحراف وإعادة الحركة إلى الطريق السليم، ومعاقبة المسؤولين عنه بطردهم خارج صفوف الحزب. وأعاد العمل بالندوة الثقافية كما ذكرنا سابقاً لتعميق الثقافة القومية الاجتماعية عند الرفقاء، كي تكون حصناً لهم في الدفاع عن حزبهم ونهضتهم ضد أي انحراف عن جادة الصواب.

وفي تلك الفترة القصيرة، وتحت وطأة الملاحقات وتعاون بعض الجماعات مع السلطة اللبنانية حينها، في التحرش والمضايقة، أعلن حضرة الزعيم الثورة الاجتماعية القومية الأولى، وقد أعطى بعض الرفقاء معلومات مبالغ فيها عن قوة الحزب العسكرية وجاهزيته للنجاح في تلك الثورة واستلام الحكم لحضرة الزعيم، مما أدى لضربة قاسية على الحزب، وفشل الثورة، حيث استشهد من استشهد واعتقل العديد من الرفقاء وسيق من سيق لحبل المشنقة.

وفي تلك الفترة كان انقلاب حسني الزعيم في الشام حديثاً، وكانت شعاراته كما في كل الانقلابات، القضاء على السلطة البائدة الغاشمة وإعادة الأمور لما فيه مصلحة البلاد، مما حدا بحضرة الزعيم الذهاب إلى دمشق متوسماً صدق وحسن نية حسني الزعيم ليتم بدعمه فيما بدأه في الشام إلى لبنان أيضاً، حيث رحب قائد انقلاب الشام بدعم الحزب وقدم مسدسه الخاص هدية لحضرة الزعيم واعداً إياه بالدعم المطلوب.

ولكن بعد ذلك أُبرمت صفقة خسيسة بالسر بين حسني الزعيم والسلطة اللبنانية، حيث استدعي حضرة الزعيم للقصر الجمهوري للقاء الزعيم الذي حنث بوعده وجرى تسليم حضرته إلى الأمن اللبناني، حيث سارعت الحكومة اللبنانية لعقد محاكمة صورية مخجلة وتم الحكم عليه بالإعدام ونفذ الحكم في ليلتها.

هذا ما جرى في حياته، لنرى ما جرى بعد استشهاده...

كيف مارس القوميون "القيادة –السلطة" وكيف طبقوا النظام القومي الاجتماعي بأذرعه الثلاثة؟ وهل كانوا أمينين على غاية ومبادئ النهضة، وبالتالي مصلحة الأمة؟ وهل كانوا عند حسن ظن زعيمهم بهم؟ بل هل كانوا فاهمين لعقيدتهم؟ وهل كانوا صادقين مع أنفسهم أو حتى راضون عنها؟ وهل أدركوا خروجاتهم وانحرافاتهم عن قصد أو بغير قصد؟ عن حسن نية أو سوء نية، هل حاسبوا أنفسهم أو تراجعوا عن أخطائهم؟ وهل تمت محاسبتهم؟ وممن؟ وقد سدوا الطرق على المحاسبة بتعطيل كل أشكالها، وأهمها المحكمة الحزبية العليا لردح طويل من الزمن. والتي أعيد العمل بها بالقانون عدد 13 لسنة 2001.

أسئلة كثيرة وأليمة أتركها للتاريخ بشكل عام، ولتاريخ الحزب بشكل خاص. فهل نحصل على الإجابات؟

وكما أقول دائماً بأن الاتهام يخص ولا يعم. فلا شك بأننا حظينا ولو لفترات قصيرة بقيادات سليمة، ولكن لم يُكتب لها الاستمرار.

وبتتبع أسباب الانحراف والخروج، يمكن أن نلخصها بالآتي:

 عدم الفهم للنظام القومي الاجتماعي بأضلاعه الثلاثة.

 سيطرة العقلية الفردية عوضاً عن العقلية المجتمعية.

 المصالح الشخصية والمنافع الفردية.

 الارتهان للعوامل الخارجية والانصياع لها.

 التحالفات مع الحكومات والجمعيات بأنواعها، بأسلوب المنفعل وليس الفاعل.

والشواهد على ذلك كثيرة؛ نورد على سبيل المثال لا الحصر بعضاً منها:

أولاً- من ناحية نظام الأشكال؛ اختراع قوانين لا دستورية تخدم مصالح البعض ممن هوسه في السلطة.

ثانياً- سيطرة العقلية الفردية دون المجتمعية وتقديم المصلحة الشخصية قبل مصلحة الأمة، والسعي وراء المنافع الفردية في منصب حكومي أو برلماني، أو مكسب مادي على حساب موارد الحزب.

ثالثاً- تسخير جسم الأمناء بجعلهم أصوات انتخابية.

رابعاً- الاستزلام للعوامل الخارجية والدخول في بوتقتها حسب السوق؛ فقد رأينا كيف انجرفت بعض القيادات الحزبية وراء فكرة العروبة المخالفة لمفهومها القومي الاجتماعي. وأيضاً الأفكار الماركسية التي هلل بعضهم لها وراح يقارب بينها وبين اشتراكية العقيدة القومية الاجتماعية.

خامساً- التحالفات مع الآخر. وسنفرد له ملاحظة مستقلة.

الملاحظة السابعة: التحالفات

التحالف: المنطق.. الشكل.. الموضوع.

إن منطق التحالف يعتمد على السياسة والأهداف المشتركة، في مكان وزمان معينين، وفق الحاجة لهذا التحالف. ومن الطبيعي أن يكون الطرف الآخر في مكان وزمان معينين حليفاً، ونفسه في مكان وزمان آخرين خصماً. وذلك بسبب الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية... الراهنة في ذلك المكان والزمان.

ومن حيث شكل التحالف؛ فيمكن أن يكون تحالف الند بالند، أو الأقوى بالأضعف، أو الأضعف بالأقوى.

أما من حيث موضوع التحالف فهو في الغاية منه، حين يكون الهدف نفسه يعني حليفين أو أكثر. ولكن تختلف الطريقة لتحقيق هذا الهدف، حيث يسعى كل حليف لتحقيقه وفق خلفيته العقائدية، ويسعى الطرفان للتوفيق بين تلك الخلفيات وعدم تعارض كل منها مع الأخرى.

والآن لنرى موقع حزبنا من هذه التحالفات. وأي شكلٍ اتبعناه. ويمكنني أن أؤكد من خلال مسيرة الحزب بعد استشهاد زعيمه، بأننا لم نكن يوماً حليف الند للند، ولا الأقوى بالأضعف، بل كنا دائما الأضعف بالأقوى، والمنفعل لا الفاعل.

والأمثلة على ذلك كثيرة نذكر منها:

هل استفدنا من تحالفنا مع السلطة في الشام، عندما خرج من بين صفوف الحزب ضابط استلم مقاليد الحكم في الخمسينيات، فهل التقطنا هذه الفرصة لتوظيفها لمصلحة حزبنا وبالتالي أمتنا. لا. بل استعديناه حتى ترك أو تُرِّك الحزب ليؤسس حزباً خاصاً به.

لقد ضم حزبنا عدداً ليس بالقليل في مواقع فاعلة في كل كيانات الأمة، إن كان رتبةً أو منصباً أو رياسة، هل استفدنا منهم، إن من جهة التوجه القيادي للحزب معهم. ولا من جهتهم الشخصية إلا ما ندر.

مثال آخر.. عندما انخرط حزبنا مع بعض المنظمات الفدائية في صراعنا مع العدو اليهودي (فتح، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، منظمة أيلول الأسود...). ماذا كان دورنا في تلك الشراكة النضالية، هل كان قيادياً أو موجهاً وزعيمنا أول من نبه للخطر اليهودي، بل نحن المعنيون أكثر من غيرنا بهذا الصراع لأننا ندافع عن قطعة عزيزة من وطننا. "... وليس لنا من عدو يقاتلنا في أرضنا وديننا إلا اليهود".

لا بل تابعون ننفذ أوامرهم وإن كانت الغاية نبيلة. إلا بعض من استثناءات فردية لبعض الرفقاء.

مثال آخر.. عندما تحالفنا مع السلطة الشامية في العقود الثلاثة الماضية. هل كنا طرفاً معادلاً لها؟ هل قدمنا لها منهاجاً أو حتى اقتراحاً يصب في مصلحة الأمة. لقد كُرِّمنا بكرسي كغيرنا من الأحزاب ضمن جبهة وطنية بقيادة الحزب القائد، وليس لنا من دور سوى التصفيق والتوقيع.

مثال آخر.. عندما انخرط حزبنا في جبهة المقاومة الوطنية خلال الحرب اللبنانية، ماذا كان دورنا؟ كنا ظلاً لقيادتها ليس إلا. حتى العمليات الاستشهادية التي ردت الوديعة للأمة كوكبة من أبطال حزبنا زرعت صدىً رائعاً على مستوى الأمة والعالم.. تاجرنا بدمائهم الذكية.. في سبيل مصالح شخصية ومنافع فردية.

مثال آخر.. كيف نرضى أن نُستبعد عن حقنا في الصراع مع العدو، مع حليفنا المقاومة الإسلامية. ونترك لهم الساح.

مثال آخر.. حتى في الهجمة اليهودية-الأمريكية الأخيرة على كيانات أمتنا، وتجنيدهم التكفيريين والإرهاب وشذاذ الآفاق، من كل أصقاع العالم. ماذا كان دورنا؟

أحيينا منظمة نسور الزوبعة، وقدمنا ونقدم كل يوم شهيد بل شهداء في سبيل تراب هذه الأمة. هل قدمنا الخطط والاقتراحات لتفعيل الصراع على أكمل وجه. أم كنا مجرد منفذين فقط كفصيل مقاتل ضمن تلك الحكومات؟ وماذا سيكون دورنا حين تضع تلك الحرب أوزارها.

الأمثلة كثيرة ولا حصر لها.. هذا ما زرعته قياداتنا وهذا ما حصدناه.

أهذا هو حزبنا-دولتنا الذي قال فيه زعيمنا:

"... فهو مركز الثقل والجاذبية لشعورهم وفكرهم وجميع الجمعيات والمؤسسات والأعمال الأخرى ليست سوى قطرات في بحر هذه المنظمة الكبرى ووسائط لغاياتها وأجزاء من حقيقتها".

من رسالة حضرة الزعيم إلى الرفيق جميل شوحي، 2 آب، 1942.

الملاحظة الأخيرة: الالتزام

ما الحل...؟

بيّنا راهنية حزبنا وإلى أين وصل.. فهل هذا حزب سعادة؟

بالتأكيد، لا.. فبعد أربعة وثمانون عاماً عدنا القهقرى عوضاً عن..

(دستور سعادة ودستور ما بعد سعادة). (حزب سعادة وحزب ما بعد سعادة). مصطلحات أصبحنا نتداولها في كتاباتنا وبحوثنا وحواراتنا. فهل أصبحنا اثنين، نحن على ضفة وسعادة على الضفة الأخرى. لقد تملكتنا تلك النهضة وامتزجت بدمائنا، فكيف نعيد لها لونها الأحمر القاني، والأهم كيف سنعبر من جديد للضفة الأخرى. كي نعود لحضن سعادة.

هل نقبع في بيوتنا كما فعل الكثيرون، مكبلي الأيدي مكممي الأفواه، ننتظر الفرج من غامض علمه؟

أم هل نذهب في انشقاقات وتكتلات، ظانين أن ذلك يصلح الفساد. هل نصلح الخطأ بخطأٍ أكبر منه؟

أم نلتزم بمؤسساتنا صاغرين، مقتنعين بأن العين لا تقاوم المخرز؟

أم نجابه الفساد بلغة أبناء الشوارع، ناسين أننا أبناء نهضةٍ وصمتنا بمناقب وأخلاق حميدة. فأصبح البعض شتاماً على الملأ بحق كل من هب ودب من المسؤولين والرفقاء، بحق وبغير حق. هل هذه أخلاق النهضة؟

لفت نظري وأنا أعود للدستور المعمول به حالياً في القانون عدد 14 بعنوان العقوبات-الجزء الثاني-العقوبات المسلكية-المادة التاسعة:

-يطبق التنبيه واللوم على الأمين والرفيق في الحالات التالية:

2- بث الأخبار الحزبية خارج أقنيتها النظامية.

4- ثبوت الإساءة إلى المواطنين دون مبرر.

-يطبق الفصل المؤقت في الحالات التالية:

3- بث الشائعات والأقاويل ضد المسؤولين أو الأعضاء في الحزب.

أوردت هذه البنود من قانون العقوبات. دون أي تعليق.

إن أجيالنا في حياة الزعيم وبعد استشهاده، لم تكن على قدر المسؤولية للارتقاء بهذه النهضة إلى أعلى القمم. لقد تملكتنا فرديتنا ومفاسدنا وكنا عبئاً ثقيلاً عليها.

لقد أعطانا الدستور في المادة الثامنة حقاً قانونياً للاعتراض وإبداء الرأي في كل شاردة وواردة تجاه أصغر مسؤول وحتى القيادة-السلطة. فهل مارسنا هذا الحق.

ونتزرع بأننا رفعنا ولم يُجاب. لا بد أن يُجاب.

وبعد ما تقدم.. السؤال هل لديك حل.. أقول نعم.. زعيمي أعطانيه؛ وهو؛ التركيز على الثقافة والإيمان بهذه النهضة بكل جوانبها. ولكن ليس لنا.. بل لأجيالنا التي لم تولد بعد، لتسير بنا إلى الغاية المنشودة.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024