إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

المساهمة غير المخطط لها لإقامة الدولة

نسخة للطباعة  | +  حجم الخط  - 2016-09-09

بتاريخ 9 أيلول/ سبتمبر 1946 افتتح مؤتمر لندن الذي أراد البريطانيون أن يعرضوا فيه على اليهود وعلى الفلسطينيين. وبما يشبه ما حدث قبل 70 عاماً بالضبط لم يتم اتخاذ أي قرار في المؤتمر ما عدا الإشارة إلى استئناف المداولات في موعد لاحق. ومع ذلك وبنظرة إلى الوراء، فإن مؤتمر لندن كان هاماً جداً وذلك لأن جلسته الثانية، في كانون الثاني / يناير 1947، أفضت إلى نقل عملية الحسم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تبنت في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام نفسه قرار التقسيم التاريخي لأرض إسرائيل – بين دولة يهودية ودولة عربية.


لعبت بريطانيا دوراً كبيراً في إقامة الكيان الإسرائيلي


بتاريخ 9 أيلول/ سبتمبر 1946 افتتح مؤتمر لندن الذي أراد البريطانيون أن يعرضوا فيه على اليهود وعلى الفلسطينيين، وعلى دول هامة في العالم، اقتراحهم لمعالجة الصراع الطويل على أرض إسرائيل – فلسطين. فمن تغيب؟ اليهود الذين رفضوا المشاركة لأن قسماً من زعماء الوكالة اليهودية كانوا معتقلين في سجن اللطرون (منذ السبت الأسود)، والفلسطينيون الذين لم يوافقوا على الحضور وذلك لأن البريطانيين رفضوا توجيه الدعوة إلى المفتي الحاج أمين الحسيني بسبب التعاون القائم بينه وبين النازيين. وفي مقابل ذلك حضر ممثلو دول عربية إلى لندن، على الرغم من أنهم لم يتلقوا الدعوة.

هذا المؤتمر أعاد إلى الذاكرة، إلى درجة كبيرة، اجتماع وزراء الخارجية الذي عقد في باريس في بداية حزيران / يونيو من هذا العام، والذي عُقد هو الآخر أيضاً بدون وفد إسرائيلي أو وفد فلسطيني. وبما يشبه ما حدث قبل 70 عاماً بالضبط لم يتم اتخاذ أي قرار في المؤتمر ما عدا الإشارة إلى استئناف المداولات في موعد لاحق. ومع ذلك وبنظرة إلى الوراء، فإن مؤتمر لندن كان هاماً جداً وذلك لأن جلسته الثانية، في كانون الثاني / يناير 1947، أفضت إلى نقل عملية الحسم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تبنت في تشرين الثاني / نوفمبر من العام نفسه قرار التقسيم التاريخي لأرض إسرائيل – بين دولة يهودية ودولة عربية.

لقد أدت الحرب العالمية الثانية، والمحرقة اليهودية التي حدثت خلالها، إلى تغيير كامل لوجه النزاع شرق الأوسطي، وكذلك الحال حلوله الممكنة، وذلك مقارنة مع الوضع خلال مداولات لجنة بيل (التي اقترحت التقسيم بشكل رسمي للمرة الأولى في 1937).

بريطانيا بزعامة حزب العمال، استلمت دولة تضررت بشكل كبير خلال الحرب، وفي وضع اقتصادي صعب، والذي جعلها مرتبطة بالمساعدات المالية الأميركية. وكان واضحاً للبريطانيين أنه يجب عليهم التخلي عن مستعمرات المملكة، حيث كان القرار الأكثر دراماتيكية هو التخلي عن الهند. وبعد هذا القرار تحول الشرق الأوسط، الذي كانت أهميته تنبع من وقوعه في الطريق إلى الهند، ليصبح ذا أهمية ثانوية بالنسبة لبريطانيا. وكان الهدف الرئيسي بالنسبة لها هو الخروج منه، مع ضمان العلاقات الجيدة مع الدول العربية (بسبب أهمية النفط). ولذلك كان موقف المملكة، الذي قاده وزير الخارجية ارنست بيفن، هو معارضة إقامة دولة يهودية وذلك من خلال الرغبة في استمرار الانتداب بضع سنوات قليلة أخرى إلى أن تتضح صورة المنطقة.


لجنة فاشلة أخرى


كانت الولايات المتحدة الأميركية، في تلك الأيام، تقف على أبواب الانتخابات. فالرئيس الديمقراطي هاري ترومان لم يكن يحب سلوك البريطانيين. فهو قد انحاز لصالح اليهود في الصراع في الشرق الأوسط، وذلك لأنه أدرك الحاجة إلى سيادة يهودية، وبخاصة بعد المحرقة. وكذلك لأنه كان من المهم جداً، من وجهة نظره، ضمان الصوت اليهودي. وقد أصر ترومان على الاستيعاب الفوري، وبدون شروط، لـ 100 ألف لاجئ يهودي في أرض إسرائيل، وأيد تقسيم البلاد لدولتين، إلا أنه اصطدم بمعارضة وزارة الخارجية التي كانت أقرب إلى موقف بيفن.

كما أن زعامة الوكالة اليهودية (حاييم وايزمان ودافيد بن غوريون وناحوم غولدمان) كانت مقتنعة بأن تقسيم البلاد ضروري من أجل ضمان سيادة يهودية، بأسرع وقت ممكن. وكان الأمل في خلق أغلبية يهودية على المدى المنظور، بعد القضاء على 6 ملايين يهودي، كان يبدو خيالياً، وكانت هناك حاجة لتوطين اللاجئين من المحرقة في البلاد. ومن عارض هذه الفكرة بشدة هم اليمينيون التصحيحيون بزعامة مناحيم بيغن، واليسار العنفي بزعامة اسحق تبنكين ("احدوت هاعافودا") الذين فضلوا الانتظار حتى تحقيق غالبية يهودية في كل البلاد.

أما العرب، الذين كانوا يخشون من تحمل تبعات المحرقة، فقد أعربوا عن رفضهم الشديد لفكرة هجرة اليهود، وكذلك لتقسيم البلاد، الذي سيسمح للأقلية اليهودية بالسيطرة على أرض إسرائيل – فلسطين. وكان موقفهم غير قابل للمهادنة، وهم رأوا في "قانون الأراضي" الصادر عام 1640، والذي حظر على اليهود شراء أراضي في البلاد كإلغاء لوعد بلفور.

وفي هذه الأثناء حاول البريطانيون التوصل إلى توافقات مع الأمريكيين حول مستقبل أرض إسرائيل. وقد أقيمت لجنة بريطانية – أميركية وقدمت توصياتها في نهاية نيسان/ أبريل 1946، وكانت التوصية الرئيسية فيها هي نقل البلاد إلى وصاية الأمم المتحدة. وإلى أن يحدث ذلك، تمت التوصية باستمرار الانتداب البريطاني. كذلك تقرر أن يتم استيعاب حوالي 100 ألف من المهجرين اليهود من أوروبا في أرض إسرائيل بدون شروط، وأن يتم رفع الحظر على شراء الأراضي من قبل اليهود وأن يتم تجريد الحركات السرية من سلاحها.

هذه اللجنة لم تقنع وزارة الخارجية البريطانية التي تنصلت من توصياتها. كذلك تم الاتفاق مع وزارة الخارجية الأمريكية على إقامة لجنة موريسون – غريدي، وذلك بهدف التوصل إلى اتفاق مشترك آخر بين الدولتين العظيمين. وتم الحديث هذه المرة عن تقسيم البلاد إلى مناطق حكم ذاتي، يهودية وعربية، برعاية بريطانيا. وقد عُرض على اليهود 17% فقط من أرض إسرائيل الغربية وبدون أفق سيادي.

ومع نشر الخطة، في تموز / يوليو 1946، استشاط الجميع من الغضب تقريباً. فالعرب رفضوها لأنهم كانوا يخشون من أن يتحول الحكم الذاتي في نهاية المطاف إلى دولة، كما أنهم رغبوا في منع إدخال المهاجرين اليهود. والوكالة اليهودية رأت في هذه الخطة تنازلاً عن فكرة السيادة وأعربت عن خشيتها من أن تكون أذون الهجرة مرتبطة بالآخرين. كما أن ترومان رفض تماماً اقتراح موريسون- غريدي وعاد إلى مطالبه السابقة.

استسلام بيفن


المؤتمر الصهيوني، الذي انعقد بعد الجلسة الأولى من مؤتمر لندن، كان صاخباً. فقد طالب وايزمان المشاركة في الجلسة الثانية بدون شروط وهدد بأنه إذا ما تم اتخاذ قرار مخالف - فإنه لن يتنافس على ولاية أخرى كرئيس للحركة الصهيونية. إلا أن الشروط قد وضعت: الموافقة على المشاركة في المؤتمر فقط في حال تغيرت السياسة البريطانية تجاه الهجرة إلى البلاد. إلا أن وايزمان أصر على رأيه (وتم استبداله من قبل بن غوريون). وعلى الرغم من أن البريطانيين لم يوافقوا على شروط الحركة الصهيونية، فقد تم إقرار المشاركة في المؤتمر.

قبيل الجلسة الثانية قرر البريطانيون تقديم تسهيلات للجانبين: فقد تم إطلاق سراح زعماء الاستيطان من سجن اللطرون، وهذا في ضوء تخلي الوكالة اليهودية عن استخدام الإرهاب. فيما سُمح لممثلي اللجنة العربية العليا المشاركة في المؤتمر، شريطة ألاّ يشارك المفتي، وشارك بدلاً عنه جمال الحسيني، المتطرف والمعارض. وفي هذه الأثناء أدرك وزير الخارجية البريطاني أنه لا يمكن التوصل إلى اتفاق، ولا حتى إلى صياغة وإن كانت أقرب إلى الفلسطينيين أكثر من موريسون – غريدي. لذلك مرر قراراً في المجلس الوزاري بأن تقوم بريطانيا بنقل الحسم في الموضوع حول مستقبل أرض إسرائيل إلى الأمم المتحدة، وأن تواصل الانتداب إلى حينه. يبدو أن بيفن قد اعتقد أن الأمم المتحدة لن تنجح في التوصل إلى حسم في الموضوع، وأن الانتداب سيبقى في أيدي بريطانيا، إلا أنه وخلافاً لرغبته كان لقرارها المساهمة الأكبر في إقامة دولة إسرائيل.


المصدر: يوسي بيلن - "إسرائيل اليوم"

ترجمة مرعي حطيني



 
جميع الحقوق محفوظة © 2024