Warning: Undefined variable $PHP_SELF in /home/clients/61e9389d6d18a99f5bbcfdf35600ad76/web/include/article.php on line 26
SSNP.INFO: الروائي والاديب والمؤرخ الامين نواف حردان في "سيف سنحاريب"
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2016-10-10
 

الروائي والاديب والمؤرخ الامين نواف حردان في "سيف سنحاريب"

الامين لبيب ناصيف

منذ ايام اتصل بي احد المواطنين الاصدقاء، المتابع لما انشره من مواد اعلامية، والقارىء الجيد باللغات العربية، الانكليزية والفرنسية، ليعرب لي عن اعجابه الكبير برواية الامين نواف حردان "سيف سنحاريب" ويتساءل كيف لا تحتل رواياته(1) مكانها الرحب في عالم الادب، كيف لا تترجم الى لغات حية، او يعمد طلبة مهتمون الى إعداد اطروحاتهم عن الامين نواف حردان، الاديب، والروائي والمؤرخ والمناضل القومي الاجتماعي.

هو، كما ادباء وشعراء عديدون أمثال سليمان كتانة، جورج مصروعة، فيليب مسلم، عجاج المهتار، محمد يوسف حمود، خطار ابو ابراهيم، وهيب عودة، قاسم نجد، اورخان ميسّر، الياس مسوح، والعشرات العشرات غيرهم من رفقاء في الوطن وعبر الحدود(2)، يستحقون الاهتمام من عمدة الثقافة في حزبنا، ومن فروع الحزب المعنية، فيعاد اصدار مؤلفاتهم، وتنظّم الندوات التعريفية عنهم، وعن ادبهم، فيظلون أحياء في حزبهم وفي مجتمعهم.

*

تعريفاًعلى ادب الامين نواف حردان ننشر المقدمة التي اتحف بها الامين عادل شجاع(3) رواية "سيف سنحاريب".

" هذا الكتاب هو رواية تاريخية جديدة يضعها المؤلف بين يدي القارىء مشعالاً آخر يضيء السبيل.

وهذا المشعال، مثل كل المشاعل التي سبقته، هو ايضاً مقتبس من الشعلة الاولى أياها.

أما زيته فمن دم القلب

وإما حرارته فمن شغف الروح الى العطاء

وأما نوره فمن وهج الحق

في هذه الرواية كما في غيرها من رواياته التاريخية السابقة، يرفع المؤلف مشعاله عالياً... يمسح الظلمة عن وجه الطريق ويدعوك لترافقه في رحلة طويلة عبر دهاليز التاريخ.

قد لا تستهويك الرحلة في بادىء الامر، ولكنك ما أن تبدأ القراءة حتى تنتقل من المؤلف إليك عدوى المغامرة فتشبك يدك بيده وتروح تشاطره حماسه في اقتحام خبايا التاريخ وفي توقه العارم الى كشف ما تحتويه تلك الخبايا من مفاخر تاريخنا المغمور.

يبهرك اسلوبه القصصي الشيّق... يملك عليك حواسك... ينتشلك مما أنت فيه ويلقي بك في أحضان الماضي، فإذا بك تعيش احداث ذلك الماضي البعيد بنضارة الساعة الحاضرة، وبحرارة الدهشة البكر.

قلمه يقتحم اسوار الاهمال... يحرر أمجادنا الغابرة من سراديب النسيان... يعيد صُنعها في الوجدان، ثم يبعثها فيك وهجاً وحرارة تيارهما العارم يختزل الزمن في تدفقه إليك فيفجر في أعماقك قوة وعزيمة ما كنت تحسب أنهما لديك لولا فضل قلمه عليك.

ما أن تبدأ بقراءة الرواية حتى تقع في حبها... يأسرك تسلسلها النابض بالحياة بكل ما تحمله الحياة في جعبتها من نبل وخيانة، من سعادة وعذاب، من لقاء وفراق، ومن خير وشر.

وتلتقي فيها بأناس يجسدون هذي وتلك في مفارقات مثيرة آسرة. وأنت في كل ذلك تعايش أشخاص الرواية كأنهم أحياء يرزقون... تشاطرهم فرحهم وحزنهم وسعادتهم وشقاءهم كأنك واحد منهم، وتكتشف في أعماقك شعوراً قاسراً يشدك إليهم بعفوية آسرة كأن خيطاً خفياً يربط بينك وبينهم برغم القرون التي تفصلك عنهم. او كأن مزاياهم وقيمهم تلك أنغام تصعّدها قيثارة في اول الزمان، ترتعش مع جرسها البعيد ــــ القريب اوتار في قلبك أنت، وأنت هنا في آخر الزمان.

تتعرف إليهم عن كثب فتجد ان الصراع عندهم خلّه، وكرامة الانسان قيمه، وان الخنوع لديهم محرّم والاستسلام مرفوض والبكاء ممنوع، ممنوع في الشكوى وممنوع في الالم وممنوع في الحزن، ومع ذلك تفاجأ بمواقف تهزك في الاعماق فتبكيك... هنا مشهد لصراع عنيد بين باطل معزز بالقوة الغاشمة وحق محصن بالبطولة المؤيدة بصحة العقيدة، وهناك مشهد لصراع طويل بين بغضاء تعتمد النميمة والجريمة والغدر ومحبة تكتمل بفضائل التضحية والتفاؤل والصبر. ثم يطول المشهد بسلبياته، ويطول الصراع، حتى يبدو لك وكأن النصر للباطل والغلبة للبغضاء، لكن ما أن تأتي النهاية حتى تنفجر المفاجأة بين يديك، فإذا النصر للحق دون الباطل والغلبة للمحبة دون البغضاء. أمام هكذا مشاهد لا ضير عليك اذا خالفت الوصية واقترفت خطيئة البكاء. فالبكاء هنا مسموح به، ما دمتَ تعبّر بالدمعة الساخنة عن سعادة عارمة تتفجر من الاعماق فرحاً يطغى على مشاعرك وعلى وصية المؤلف وعلى فضيلة الصمود لديك... ان دموع الفرح الكبير في حضرة الموقف الكبير كفيلة بغسل الخطيئة التي اقترفت.

ولعل ابرز ما في هذه الرواية هو انها محاولة جادة وموفقة باتجاه رأب الصدع الذي يفصل بين واقعنا الهجين وتاريخنا الغني بالامجاد والعطاءات. أما هدفها فهو الاسهام في إعادة الثقة بالذات الى شعبنا الذي ما كان ليعاني من مرض فقدان الثقة لو لم يفقد تواصله مع تاريخه.

رواية "سيف سنحاريب" هي جرعة دوائية تشكل علاجاً لمرض فقدان ذاكرتنا التاريخية، الذي يصفه المؤرخ البريطاني هوبل بقوله: " إذا اردت ان تلغي شعباً ما تبدأ بشل ذاكرته التاريخية ثم تلغي ثقافته وتاريخه وتجعله يتبنى ثقافة اخرى غير ثقافته وتخترع له تاريخاً آخر غير تاريخه وتجعله يتبناه، عندئذٍ ينسى هذا الشعب من هو وماذا كان وبالتالي ينساه العالم ".

قاعدة هوبل هذه طُبقت على شعبنا في أعقاب معاهدة سايكس بيكو التي قسمت بلادنا الى كيانات سياسية مغايرة للواقع الاجتماعي الموروث وللوضع السياسي القائم ولحقائق التاريخ .

لذا كان شل ذاكرتنا التاريخية هو هدف المستعمر الأهم بعد التقسيم الجغرافي. فأستُكتبنا تاريخاً غير تاريخنا الحقيقي، تقبلناه بتوجيه المستعمر وإغراءاته ثم تبنيناه في مدارسنا وجامعاتنا بدعم منه، ورحنا نلقنه لأولادنا في المدرسة وفي الجامعة وفي البيت حتى امّحت مع الوقت، صورة الوطن الحقيقي من الاذهان لتحل محلها صور الكيانات المفتعلة واقعاً أنجب دُوله وحكوماته وناسه ودفعهم جميعاً الى التمسك به والدفاع عنه بإيمان أفقي يعوزه العمق ويفتقد الأرضية التاريخية تربةً صالحة تستوطن فيها الجذور وتتحصن بها شجرة الوطن ضد العواصف والمحن.

وفي المنحى الثقافي واجهت ثقافتنا الأصلية هجمة مركزة بدعم من الارساليات الأجنبية وأدواتها. أما نحن فقد واجهنا تلك الهجمة بشعور المهزوم أمام الغالب فتحوّل شعورنا بالهزيمة الى إعجاب بالغالب وثقافته جاعلاً منا نحن أيضاً شركاء في تهميش ثقافتنا، وأدوات طيّعة ساهمت في محوها من الاذهان.

من هنا أهمية هذه الرواية التاريخية ومثيلاتها من روايات نواف حردان ومؤلفاته، فهي ومثيلاتها مما كُتب ويُكتب في هذا الاتجاه تؤدي مهمة فريدة وجليلة تعيد الحياة الى ثقافتنا الأصيلة حتى "لا ننسى من نحن وماذا كنا فينسانا العالم" ويصح فينا قول هوبل كما لو انه قدر مكتوب علينا بقلم الآخرين.

في هذه الرواية كما في غيرها من رواياته التاريخية الأخرى يعتمد المؤلف نهجاً ذا فرادة لافتة فهو يتناول خيوط الوقائع التاريخية بحنكة الحائك الفنان الذي يحول الخيوط الى نسيج والنسيج الى صورة ذات معنى. انه لا يكتفي باستعراض أحداث الرواية منفردة او مبعثرة بل يضفرها في لوحة متكاملة ثم يقدمها للقارىء مؤطرة برؤية تاريخية / اجتماعية تبرز العلاقة بين تسلسل الأحداث وتيار التكامل القومي مصيراً حتمياً يحكمها في العمق.

" بهذا المفهوم المتقدم يقيّم المؤلف الحروب البابلية الأشورية وغيرها من النزاعات الداخلية في سورية الطبيعية فلا يرى فيها حروباً افنائية بل صراعاً طبيعياً بين شرائح الشعب الواحد في عملية انصهار ذاتية تذوب فيها مع الوقت العصبيات الجزئية في المجتمع الأتمّ، في الأمة الواحدة.

" بنفس هذا المفهوم التاريخي العميق يصف المؤرخ والاديب الأميركي، كارل ساندبرغ، الحرب الأهلية في أميركا الشمالية بقوله: "ان تلك الحرب التي دارت رحاها بين الشمال والجنوب والتي كلفت الشعب الأميركي ما يزيد على المليون ضحية، كانت في حقيقتها المصهر الذي طبخت على ناره اللاهبة، شخصية الشعب الاميركي كما نعرفها اليوم في الولايات المتحدة الاميركية ".

ما ان تنتهي من قراءة هذه الرواية وترجع من سفرك الطويل مع مؤلفها إن مضرجاً بدم المغامرات او مترع القلب بفرح الانتصارات، تحسّ وكأن بينك وبين النحلة صلة قربى، هي تعود من فسيحات الحقول محملة برحيق يغتني به القفير، وأنت تعود من رحلتك مع "سيف سنحاريب" محملاً بشذى تاريخ مجيد تغتني به روحك الوطنية فيغتني بك الوطن.

" وأخيراً لا بد من كلمة أقولها في وصف شخصية المؤلف كما تبدو لي:

نواف حردان ابن راشيا الفخار، جارة حرمون، هو أحد المؤمنين بمبادىء النهضة السورية القومية الاجتماعيةـ يقبس من أنوارها... يزرع في حقولها... يعمل مخلصاً لانتصارها وينبري لتحقيق ذلك بهمة قعساء... ناشطاً كقفير النحل، مثابراً كفصول السنة، مصابراً كصخور حرمون وصامداً كقمته الشاهقة... أتراه مصاباً بعدوى المصابرة والصمود من حرمون ؟...

يهاجمه مرض السكري فلا يلين... يسلبه احدى رجليه(4) فلا ينحني... يصمد... يواجه العلّة بصبر لا ينفد... يرفض قدر القعود... يصنع قدره بيديه... ثم يمتشق القلم فيقتحم مجاهل التاريخ... ويصول في ساحاته ويجول حتى تكاد تسمع لوقع قدمه الواحدة ايقاعاً يأتيك مع نسائم التاريخ كأنه وقع أقدام جيش لجب يجدّ السير الى لقاء له مع انتصار محتوم.

نواف حردان سيظل يولد من جديد كلما وقعت عين على كتاب يحمل اسمه، ويحتضن بين دفتيه مشعالاً من الماضي يضيء طريق المستقبل ".

هوامش

(1) اصدر الامين نواف حردان الروايات التالية:

• حفيد النسور ترجمت الى البورتغالية وصدرت في سان باولو عن دار "اديكون"

• ابناء المنفي

• هاني بعل، رسول حضارة

• زنوبيا العظيمة

• اسد بابل

• سيف سنحريب

وله، في التاريخ:

• سعادة في المهجر (جزءان)

• على دروب النهضة صدر الجزء الاول ولم تسعفه صحته كي ينجز الجزء الثاني.

• كتاب "الرابطة" عن الدكتور خليل سعاده

ومؤلفات أخرى:

• التوراة باطل وخطر (دراسة تحليلية)

• مهجريات (مجموعة مقالات مهجرية)

• فلسطين وقفة عز (مقالات عن فلسطين)

وكان يعدّ لاصدار روايات تاريخية عديدة الا ان القدر خطفه وهو في الـــ78 من عمره .

(2) للاطلاع على العدد الكبير من الكتاب والشعراء والفنانين الذين كتبنا عنهم، الدخول الى قسم "من تاريخنا" على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info

(3) عادل شجاع: احد صفوة امناء الحزب، منفذاً عاما،ً ومتولياً مسؤوليات قيادية عديدة منها رئاسة مجلس العمد. للاطلاع على النبذة المعممة عنه الدخول الى الموقع المذكور آنفاً.

(4) فقد رجله الثانية وأمضى آخر سنتين من عمره طريح الفراش. رغم ذلك لم يتوقف عن الكتابة، وقد نظم له "الملتقى الادبي" (اسسته وترأسته الاديبة الراحلة انصاف الاعور معضاد) حفلة تكريمية في منزله الصيفي في "ضهور الشوير" صيف العام 1999، تكلم فيه 11 اديباً وشاعراً.


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه