شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2016-10-14
 

تعقيبا على مقال للدكتور فارس إشتي "كي يستقيم النقاش في الميثاقية"

يوسف عبد الحق

تعقيبا على مقال للدكتور فارس إشتي

"كي يستقيم النقاش في الميثاقية"

السفير 7- 10- 2016


بداية، انني اكن بالغ الاحترام للاخ للدكتور فارس أشتي، واقدر جهوده وكل ما يبذله في سبيل تنوير العقول. لكنني، اجد ان ما تفضل به عن "الميثاقية" بمقاله المنوه عنه اعلاه، يساهم بتشخيص عوارض المرض المستفحل في جسد كل عرف او اتفاق او سابقة أو "ميثاقية"، إلا اننا بحاجة للعلاج الذي قد يساهم بإنقاذ الوطن، إن لم يكن اصبح مستحيلا، ولبنان يعاني، في غرفة العناية الفائقة، من حشجرجات الموت، بشعبه وكيانه.

من هنا، إنني ارى ان "الميثاقية" التي يتغني بها كثيرون، ويعود اليها آخرون، عند الحاجة، ليست شرطا من شروط وحدة الحياة بين ابناء الوطن الواحد، انما هي رابطة مصالح عقدها عدد من اقطاعيي الطوائف لتنطيم استيلائهم على دولة كانت قيد الانشاء، ليس بارادة ابنائها، بل بارادة المندوب السامي لدولة مستعمرة، الجنرال غورو الذي اعلن "دولة لبنان الكبير" في 1 أيلول 1920.

"الميثاقية"؟ ماذا تعني الميثاقية التي حددها مستعمر للبلاد لارضاء ارباب الطوائف بقبول انفصالهم عن محيطهم الطبيعي؟ هؤلاء هم انفسهم، ابناءَ واحفادا، ما زالوا يمتصون دماء الشعب ويسرقون علنا، موارد وواردات، الدولة، على قاعدة "الوصاية ألخصوصية" أو "الامتياز الخاص" او ما يسمى في بلاد الغرب "فرانشيز"!

في الوهم، هناك "حياة مشتركة". في الواقع، ينقسم لبنان الى ثماني عشرة "فرنشيزات" أو امتيازات حصرية، تتوزع على ملوك الطوائف، الذين عينوا انفسهم اوصاياء على طوائفهم، لكل منهم "امتياز حصري" بملكية طائفته، وهذا الوصي الكبير، يعطى، بناء على مصالحه، "امتياز فرعي" او "أمتياز توكيل" او Sub Franchise

لمن يريد ان يغنيه باموال الدولة او لمن يريد ان يكف شره، خوفا منه، ويسمح لهذا المُوَكل أن يساهم بسرقة الاموال وتكديس الممتلكات ضمن حد معين، يحدده صاحب الامتياز الكبير، لانه المشارك المستبد بكل مداخيل الشريك المخوّل، ناهيك عن انتهاك قرار الطائفة، "ولا استثني منكم احدا"، سياسيا، اجتماعيا، اقتصاديا وتعينا لكافة موضفي الدولة، من الذين يقومون بوظيفة "دق، دق" الى الذين يؤدون تحية "السلام عليكم"!


لنسلّم جدلا، ثمة "ميثاقية" أتفق عليها اصحاب المصالح الاقتصادية،وكان هدفها الاسمى تنظيم ادارة شؤون البلاد ورعاية مصالح الشعب والحفاظ على سيادة الوطن، لاجل مؤقت ريثما يتم بناء مؤوسسات الدولة على اسس المساوات بين ابناء الشعب الواحد، من خلال برنامج تعليمي وتثقيفي موحد، لكل ابناء الوطن سواسيا،

2

فتنمو وحدة الحياة على اساس الولاء للوطن وبناء على وحدة المصالح بين افراد الشعب الواحد، أذذاك، يصبح المواطنون متساوين في الحقوق والواجبات، ويصبح الولاء للوطن، اولا واخيرا!

الميثاقية الحقيقية الطبيعية هي ميثاقية الوجدان القومي الذي يُرضَّع مع حليب التنشئه وتكتسب باقتداء الاولاد من اهلهم، حديثا وممارسة وتذيبا وتعليما.

لكن "الميثاقة" التي يرن جرس خطرها كلما تزعزعت مقاييس المصالح واجحف، وهما ام واقعا، اقتسام المناصب واموال الدولة وحصص العائدات، من كيس الزبالة الى كيس النقود، هذه الميثاقية هي بالتأكيد "ميثاقية فرانشيزات" او امتيازات حصرية، سُلبت على قاعدة 9 على 9، وكل واحد حسب شطارته، ليس لها علاقة لا بالوطن والا بالمواطن ولا بشرف بناء الدولة ولا بمستقبل الاجيال ولا بكرامة الشعب ولا حتى بما يدعي اصحاب المصالح، بالمساوات بين طوائف لبنان، لان لكل طائفة مالك، يقتنص خيراتها، يستتبد بقراراتها ويعاملها معاملة العبيد للاسياد، وعندما يحس بنقص العائدات يصرخ باشرس صوت "وين راحت الشباب" او "يا غيرة الدين" ، "الميثاقية" مهدده، هبوا لانقاذها!

وتاريخ لبنان، المزور وما منه صحيح، يذكرنا بنتائج هذه الغوغائيات واستغلال الجهل لخوض حروب، مرة "للدفاع عن النفس" ومرة "لانقاذ العيش الشترك"، لكن الحقيقة هي غير كل هذه العناوين المفبركة، الهدف الاول والاخير لكل ما حل على لبنان من كوارث هو: الحفاظ على الامتيزات الحصرية لكل زعيم تعنتر على طائفته، ولم يرد عنتراته احد.

أزاء كل ما تقدم، يتضح كنور الشمس، لمن يريد ان يرى، ان الشهيد المعلم، الذي كشف اسرار "الميثاقية الوهمية" وشخّص مضاعفاتها، وحضّر باعلى صوت عن مغبات توافق الطوائفيين عليها تحت ستر "صيانة حقوق الطائفة"، هو الزعيم انطون سعادة، الذي اغتيل بافضع جريمة اقترفت، باسم "الميثاقية"، ميثقية الجريمة التي وقع عليها "ميثاثقيون" مجرمون، لان اربابها رفضوا حكمة سعادة التي حددها لتكوين المجتمع السليم:

" شرط المجتمع ليكون مجتمعاً طبيعياً أن يكون خاضعاً للاتحاد في الحياة والوجدان الاجتماعي، أي أن تجري فيه حياة واحدة ذات دورة اجتماعية اقتصادية واحدة تشمل المجموع كله وتنبه فيه الوجدان الاجتماعي، أي الشعور بوحدة الحياة ووحدة المصير، فتتكون من هذا الشعور الشخصية الاجتماعية بمصالحها وإرادتها وحقوقها".

"ميثاقية" اصحاب المصالح لا تصلح لوطن ولا لمواطن! فقط، تحقق اهداف الطغمة الحاكمة!


كي يستقيم النقاش في الميثاقبة

فارس اشتي

كتب هذا المقال في جريدة السفير بتريخ 7-10-2016

ردد السياسيون، بمختلف اتجاهاتهم، تعبير «الميثاقية» عندما يواجهون بتعذر تحقيق مطلب لهم، محملين هذا التعذر بعداً يطال الجماعة التي ينتمون إليها، فيغدو عدم تحقيقها إخلالاً بـ «الميثاق». ويقصدون بـ «الميثاق» ميثاق العيش المشترك الوارد ذكره في الفقرة «ي» من مقدمة الدستور، الأمر الذي يتطلب نقاشاً لتحديد معنى ميثاق العيش المشترك الذي لم تحدد مقدمة الدستور معناه، ولم يشتغل الباحثون الدستوريون والسياسيون على تحديد معناه، ولم تنبرِ أي من المؤسسات الدستورية إلى الدعوة إلى لقاء/ مؤتمر/ لجنة لتحديد معناه.

فتعبير «العيش المشترك»، و «ميثاقه» الوارد لمرة واحدة في مقدمة الدستور والمكرر ورديفه «التعايش المشترك» في أقوال السياسيين ورجال الدين والإعلاميين، مشوب بالغموض. فـ «العيش المشترك» لغةً أنْ يحيا أناس معاً، وهذا ينطبق على العائلة والحي والعشيرة والبلد والعالم. و»العيش المشترك» مصطلحاً غير معروفٍ في الأدبيات السياسية والسوسيولوجية المتعارف عليها. و»العيش المشترك»، كتعبير مستخدم بين اللبنانيين، لم يُحدد مضمونه وحدوده ليرتقي إلى مستوى المفاهيم، وقد ورد في الدستور ضمن جملة واحدة: «لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك» ويرد بتكرار في الخطابات السياسية وغير السياسية، وخاصّة إبان الأزمات.

وقد تنوعت التصريحات في «العيش المشترك»، إذ قيل هو الميثاق أو الصيغة، وهو العقد الاجتماعي بين اللبنانيين، وهو التوازن في ممارسة السلطة وفي العلاقات بين الطوائف ونبذ التعصب فيها وقيام الدولة وتطبيق اتفاق الطائف. والكتابة فيه اكتنفها الغموض ذاته، برغم كثرة ترداده وتخصيص أكثر من مؤتمر حوله، وصدور أكثر من كتاب في موضوعه. وقد غلب على هذه النصوص فهم «العيش المشترك» بأنه نقاط التلاقي في الديانتين الإسلامية والمسيحية وبأنه «الحوار» بينهما. وتفاوتت مقاربة الآخرين بين قول يشي بالعلاقات بين الطوائف، وبالعيش الجامع بين اللبنانيين المُهدَّد بالانقسامات الطائفية (إدمون ربّاط) و»المسلمون والمسيحيون يؤلفون متحداً واحداً قائماً أو في طريق القيام أو في وجوب القيام» (جورج خضر) و«بالمساواة السياسية» بين المسلمين والمسيحيين (ألبير منصور).

ومن أجل استجلاء هذا المعنى كان الرجوع إلى الراعي المحلي لاتفاق الطائف، رئيس مجلس النواب آنذاك، حسين الحسيني (مقابلة خاصة في 12/12/2012) الذي حدَّد معناه بـ: التمسك بالحرية والمساواة بين اللبنانيين، والعيش الكريم لهم والتكافل والتضامن بينهم والولاء التام للوطن ويترسخ بالإنماء المتوازن.

وفي ظل غياب تحديد معنى «العيش المشترك» والتباين في الأقوال فيه، تبرز الالتباسات وخاصة إبان الأزمات، الأمر الذي يستدعي اشتغال المفكرين على ذلك لبلورة مفهومه وصولاً إلى إدخال هذا المفهوم في الدستور بتعديل النص، أو إذا ما تعذرت البلورة فاستبداله أو إلغاؤه. فالقول بأنه «الميثاق» ويُعنى به أحد الميثاقين: الميثاق الوطني المثار إبان أول أزمة كبرى بعد الاستقلال (1958) والذي عنى ما أُتفق عليه في حكومة الاستقلال الأولى وما ورد في بيانها الوزاري، أو اتفاق الطائف المقر بعد حرب (1975 ـ 1989) والمعروف بـ «وثيقة الوفاق الوطني اللبنانية».

وإذا كان المقصود الميثاق الأول، فقد جبّه الثاني ووضحه وقوننه. أما إذا كان المقصود الثاني فقد أصبح نصاً قانونياً وأُدخل الكثير من محتوياته في صلب الدستور. وفي كلا الحالين لم يعد مبرراً ذكره باسم آخر (ميثاق العيش المشترك)، فإما أن يذكر بالاسم الذي آل إليه أو يلغى.

والقول إنه العقد الاجتماعي يأخذ النظر باتجاهين:

ـ اتجاه المفكرين (هوبس، لوك، روسو...) الذين قالوا به، افتراضاً، لقيام الاجتماع السياسي (الدولة).

ـ اتجاه سوسيولوجي يقول بحصول عقد اجتماعي لبناء مؤسسة، والدولة أرقى المؤسسات.

وإذا ما أخذنا الاتجاه الثاني ـ المفترض أخذه في دراسة الوضع اللبناني ـ فالعقد الاجتماعي يفترض وجود طرفين أو أطراف وهم هنا، تجاوزاً، اللبنانيون، أو قواهم المجتمعية وتاريخ تمّ فيه العقد، ومضمون يتعاقد الأطراف حوله أو يعقدوا العزم على تنفيذه. وهنا الالتباس أو بالأحرى عدم الوضوح.

وإذا ما تجاوزنا تاريخ العقد وافترضناه صيرورة تاريخية منذ إعلان لبنان الكبير حتى اليوم، وإذا ما تجاوزنا أطراف العقد وافترضناها القوى المجتمعية في لبنان أو القوى السياسية أو الطوائف، على اختلاف درجة فعاليتها، يبقى مضمون العقد الذي لا يمكن تجاوزه؛ هل الدستور، بتعديلاته المتعددة أم العرف المكمل له، أم ميثاق 1943 أم اتفاق الطائف (وثيقة الوفاق الوطني اللبناني)؟ ويعني عدم الوضوح في القول هذا إنَّ العيش المشترك عقد اجتماعي.

ويقود عرض ما قيل عن العيش المشترك وميثاقه إلى القول بغموض ذلك والتباسه بما يتناقض مع الوضوح والدقة التي يفترضها النص الدستوري، وبما لا يأتلف مع أصول النقاش والحوار والبحث التي يتطلب أي منها تحديد المفهوم.

فالعيش المشترك في الاجتماع السياسي، وهو أرقى أشكال الاجتماع الإنساني، أكثر تشابكاً وأشدّ تعقيداً وأوسع نطاقاً وأميز تنافراً، يقوم على القانون، وأسمى أنواعه الدستور، الذي ينظم وجوده وسلامته وأصول حل المنازعات فيه سواء على مستوى إدارة البلاد وإنتاج السلطة فيها بعامة في الدستور أو على مستوى العلاقات الاقتصادية في قانون التجارة وقانون العمل، أو على مستوى العلاقات الشخصية في قانون الأحوال الشخصية أو على مستوى العلاقات المدنية في القانون المدني أو على بقية المستويات التي ينظم كلاً منها قانون مكتوب.

والقانون، بما فيه الدستور، على علّاته أرقى من غياب القانون أو شريعة الغاب، فهو أحد معايير استواء الاجتماع الإنساني وأكثرها حسماً، ولا يستقيم وجود القانون في الاجتماع السياسي دون الإقرار ببداهة وجود الدولة، سواء أكانت دولة قومية أم لا، والالتزام بمندرجــــاتها، وعلى رأسها الإمرة الواحدة والسيادة،

وبذا يمكن اقتراح استبدال ميثاق العيش المشترك بالدستور، بمقدمته ومندرجاته، والقوانين المرعية الإجراء



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه