إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

"غسيلنا الوسخ" بين النشر والمنع!

أحمد أصفهاني

نسخة للطباعة 2016-11-28

إقرأ ايضاً


أبدى رفيق عزيز، مثقف عقائدياً وعلى مستوى مناقبي رفيع، تحفظه الشديد على ما وصفه بعملية "نشر الغسيل الوسخ" في ما يتعلق بالمؤسسات الثلاث المختلفة التي تحمل اسم الحزب السوري القومي الاجتماعي. ذلك أنه ما زال يعتقد بأن النظام الحزبي الداخلي يتيح لكل عضو حق إبداء الرأي من ضمن الأطر النظامية المتعارف عليها، ولذلك فهو لا يجد – من وجهة نظره المبدأية – ما يبرر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي بحيث "تنكشف عوراتنا" العقائدية والسياسية والمناقبية أمام كل من هبّ ودبّ!

لا شك عندي على الإطلاق في وجدانية هذا الرفيق وحرصه على سلامة العقيدة القومية الاجتماعية ومصلحة الحزب المفترض فيه أن يعمل لتحقيق فعل النهضة في الأمة السورية، كما عبّرت عنها غاية الحزب بأوضح ما يكون. غير أنه، والكثير من الرفقاء الذين يرون رأيه، مخطئون تماماً في منطقهم الموارب بالتعامل مع مسألة "نشر غسيلنا الحزبي الوسخ". فالمشكلة في رأيي لا تكمن في عملية "النشر" بحد ذاتها وبمعزل عن الظروف القومية العامة، وإنما هي أساساً في طبيعة "الوسخ" الذي أصاب غسيلنا فجعل نشره فضيحة مسيئة لكل أعضاء الحزب ولتاريخ الحزب ولمستقبل النهضة القومية... بغض النظر عن هوية المرتكبين القلائل.

في زمن توسع استخدام وسائط التفاعل الاجتماعي وثورة الاتصالات الإلكترونية على حساب وسائل الإعلام التقليدية (صحافة مكتوبة أو مسموعة أو مرئية)، لم يعد بمقدور أحد أن يخفي أية واقعة أو حادثة على المدى البعيد. كما أن التشريعات القانونية والأنظمة الداخلية للحكومات والأحزاب والمنظمات باتت عاجزة عن ضبط كمية المعلومات المتاحة للإطلاع، وطبيعة انتشار تلك المعلومات غير الخاضعة لمعايير النقد والتقييم. ولذلك فإن سياسة النعامة التي تدفن رأسها في الرمال كي لا تواجه مباشرة الخطر الداهم ليست من شيم القوميين الاجتماعيين، ولا تتوافق مع تعاليم وممارسات حضرة الزعيم الذي لم يكن يتردد في كشف السيئات وتحديد الأخطاء والمسؤوليات، لأن هذه الإجراءات – من وجهة نظره – تشكل عملية مستمرة لتطهير الحزب والحركة من الأدران التي لا بد وأن تعلق بهما في مسيرة العمل القومي النضالي الصحيح، وهذا من طبيعة النشاط القومي.

هذا الرفيق العزيز، وغيره من الرفقاء، يعترفون بأن "غسيلنا وسخ" فعلاً، غير أن اعتراضهم الوحيد هو على القيام بنشره أمام الناس! لكننا كقوميين اجتماعيين نعمل بين هؤلاء الناس، ونحن مسؤولون تجاههم عن فعل الحزب في المجتمع. أفلا نكون من المنافقين إذا فشلنا في الرد على تساؤلاتهم وتلكأنا في إبداء الرأي الصريح حول ملاحظاتهم على ممارساتنا السياسية؟

نحن نرى أن على هؤلاء الأمناء والرفقاء واجب تركيز نظرهم على "الوسخ" الذي علق بغسيلنا النقي الطاهر وليس على أسلوب "النشر" بحد ذاته. والقلق الذي يظهرونه حرصاً على سمعة "الغسيل" يجب أن يتحول إلى محاكمة مباشرة للذين سببوا هذه "الوساخة" ونشروها في الجسم الحزبي في الأساس. وفي هذه الحالة، فإن النقد يجب أن لا يُوجه إلى الرفقاء والمواطنين الذين يعبرّون بطرق مختلفة – حتى وإن كانت غير نظامية بالمعنى الحرفي التقليدي الجامد – عن خشيتهم الشديدة من النتائج الكارثية التي أسبغتها هذه "الأوساخ" على الحزب وعقيدته ومناقبه ومصداقيته من حيث كونه "حركة الشعب العامة".

يقول حضرة الزعيم في مقال "هل حانت ساعة العمل القومي؟" بتاريخ 10 تشرين الأول سنة 1941: "... ويظهر أنه لا بد من اجتياز الاختبارات للوصول إلى اليقين". والذي يقصده حضرة الزعيم بهذه العبارة، حسب فهمي لها وحسب السياق العام للمقال الذي يمكن العودة إليه في مجموعة "الأعمال الكاملة"، أن العقل القومي الاجتماعي يجب أن يستوعب التجارب والاختبارات ويتعظ بدروسها للخروج من حالات الفوضى والشك إلى رحاب الوضوح واليقين. ولا يمكن للقوميين الاجتماعيين الوصول إلى هذا "اليقين" إلا بمواجهة المفاسد (الأوساخ) الداخلية والخارجية. وتصبح هذه المهمة صعبة وخطيرة للغاية إذا انطبق على القيادات الحزبية في المؤسسات الثلاث قول المتنبي المشهور: "فيك الخصام وأنت الخصم والحكم"!

الرفيق العزيز الذي أثار هذا الموضوع، والرفقاء الذين يشاركونه الرأي، يخلطون خلطاً جذرياً بين نهجين عمليين: الخطأ في الممارسة، والفساد في الممارسة. هما نهجان ينطلقان من قاعدة الممارسة، لكن كل واحد منهما يسعى إلى هدف مختلف. الأول يضع نصب عينيه تحقيق مصلحة الحزب، فينطبق عليه مبدأ الاجتهاد الذي يحتمل الخطأ والصواب، وأصحاب هذا النهج على أتم الاستعداد لقبول الرأي الآخر وتحمل مسؤولية الخطأ. أما الثاني فيعمل، منذ البداية، لتحقيق مكاسب شخصية فردية مستخدماً كافة الأساليب الملتوية. ولذلك سيقمع بكل ما يستطيع من قوة أية أصوات معترضة أو ناقدة في محاولة مستميتة لمنع المحاسبة الشفافة الحاسمة.

إذا قبلنا هذا الفارق بين نهجي الخطأ في الممارسة والفساد في الممارسة، يتأكد لدينا أنه لا يمكن إخفاء "غسيلنا الوسخ" عن الأعين الفاحصة المدققة. فمنذ أن أصبحنا جزءاً من الحياة العامة في المجتمع سياسة واقتصاداً وثقافة واجتماعاً (خصوصاً مع انخراطنا في العمل النيابي والوزاري في الكيانين اللبناني والشامي مع كل ما يستدعي ذلك من واجبات) أصبحت ممارساتنا تحت الأضواء الكاشفة خاضعة للتقويم والمحاسبة. والقوميون الاجتماعيون هم الأجدر من أي طرف آخر بمهمة النقد لأنهم يمتلكون الميزان المناقبي الدقيق تعززه بوصلة المبادئ الواضحة.

السؤال المهم المطلوب طرحه من قبلنا جميعاً ليس عملية "النشر" فحسب، وإنما من الذي سبّب هذه الأوساخ؟ ومن المستفيد من استمرار هذه المفاسد لطخة على جبين النهضة القومية الاجتماعية الناصع؟


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024