شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2016-12-24
 

البارومتر الحلبي: تحريرُ حلب لا سقوطُها!

هاني الحلبي - البناء

منطقان لا تجمع بينهما إلا كلمة حلب.

متعاكسان في المفردات والسياقات والديباجات والمنطلقات والمآل. متعاكسان في الاتجاه والبنية. لا يتوازيان.

سقطت حلب. هكذا تصف مصادر ديبلوماسية عربية، لوكالة أخبار لبنانية. وفي منطقها هذا أنّ حلب هي قيد احتلال ينبغي تحريرها منه. وما حصل من تضخيم للإنجاز على أنه حسم أولي للحرب في سورية هو بروباغندا ستكشف الأيام تواضعه فالتاريخ، على حدّ قولها، لم يقدم حسم صراعات عميقة كهذه عسكرياً وبهذه السرعة. وإنّ القوى المضادّة للنظام، على حدّ قولها، تستجمع قواها وتغيّر استراتيجياتها إنْ وجدت . وإنّ ما تسمّيه الصراع السوري ما زال مديداً.

المنطق المقابل يرى أنّ حلب المخطوفة قتلاً وذبحاً وتدميراً وانتهاكاً استُعيدت لحضن الدولة السورية، ولا بأس من القول لحضن النظام، فالنظام لا يقاس بفوضى الإرهاب المتعدّد «المواهب»، بدءاً من سرقة معامل حلب وصولاً إلى سرقة مقتنيات البيوت وجنى أعمار أهاليها. النظام فضيلة، لأنه أساس أي دولة متماسكة.

واستعادة حلب، تعني أنه تمّ اختطافها من حالٍ إلى حالٍ، وأي اختطاف هو تصرُّف غير شرعي، لأنه حيازة قسرية وإكراه على نقل ملكية من مالك حقيقي وشرعي إلى مالك بالقوة واستثناءً. فلا يخطف الزوج زوجته، ولا يخطف المالك ملكه ولا يخطف الأب ابنه ولا يخطف الأخ أمه. فلا مبرّر لتصرّف إكراهي إلا لمن هو فاقد حق التصرف أكان ملكية أم قيمومة والرباط الشرعي المسوّغ له هذا الحق.

رغم أن لا أحد يقول بأنّ الحسم العسكري هو خيار وحيد لحسم الحرب والخلاص منها، وبخاصة القيادة السورية التي لم تتردّد بتلقف أيّ مبادرة للحوار الداخلي السوري، منذ أوائل العام 2012 في مؤتمر دمشق الحواري وصولاً إلى محادثات موسكو فجنيف وحالياً الآستانة، لكن إصرار ما يُسمّى معارضة بأطيافها كافة على ابتزاز الدولة السورية ولعبها على توازنات دولية عدة مستغلة فظاعات الإرهاب بالذبح والقتل والدعم بالسلاح المتطوّر لإرعاب الشعب والدولة معاً، لتحقيق مكاسب فئوية على حساب نزف الدم السوري، أفقدها أية لافتات وطنية ومسوّغات إصلاحية في منطقها السياسي المتهالك. ومَن قال إن لا حسم عسكري لحروب داخلية كهذه، مدعومة من عشرات الدول، يتعامى عن حرب الشمال والجنوب في أميركا التي استعادت وحدة أقاليم أميركا لتركّب منها أمة قارة، وحرب تحرير فرنسا من الاحتلال الإنكليزي ووحدة إيطاليا من إمارات الإقطاع!

قيمة الطريقة التي تحسم الحرب وحدها في موازنة سرعتها وقلة أكلافها وحسن نتيجتها الوطنية على النسيج السوري فقط، وبين نقيضها.

تفكيك آلاف المعامل وشحنها لتركيا تحت وطأة ظروف خاصة وقاسية ومفروضة، هل هما تكريس لحق تركي تاريخي في «حلب التركية» أو أنه عدوان تركي على حلب السورية بعد تعريتها من إقليمها الشمالي في ظروف خاصة وفرضه بقوة عسكر انتدابي تسوّغه عصبة أمم؟ أي تصرّف لم تولّده أو تقرّره أو تؤكده إرادة شعبية سورية عامة وباستمرار أجيال الشعب يبقى تصرّفاً عدوانياً وانتهازياً لظروف قوة قاهرة. هذه الانتهازية الظرفية لا تحوّله حقاً مكتسباً على الإطلاق. احتلال البرتغال لجزيرة ميكاو الصينية طيلة 700 عام انحلّ من تلقاء نفسه عندما وجدت البرتغال الدولة الأوروبية الصغيرة والضئيلة قياساً لعملاق كالصين، أنها تحتلّ جزيرة من أرضه القومية الصينية، فكيف لو قرّرت الصين تحريرها بالقوة؟ ربما تستطيع الصين اكتساح القوة البرتغالية وصولاً إلى أرض البرتغال وشنّ حرب عليها، لو قرّرت؟

شاءت الصين أن تكرّس نظرية تحرير قومية جديدة، ليس بالحرب، ولا بالدبلوماسية، ولا بالضغط الشعبي، ولا بحرب الغرّية والفجأة بل بالهيبة فقط. ولمجرد مهابة الصين كان الاحتلال البرتغالي منسحباً من الجزيرة وعادت الجزيرة من تلقائها للصين بفعل دورة الحياة القومية الصينية الواحدة.

التفكّك الذي أصاب سورية الطبيعية، بفعل خطط العقل الصهيوني اليهودي التوراتي مع العقل الأوروبي الاستدماري المركزي، اللذين تلاقت خططهما على ضرورة تدمير العالم العربي وتفكيكه، وبخاصة سورية الطبيعية، لإبقائه مباحاً للفتنة والتحارب والاصطراع على راية القبيلة وقبعات شيوخها وأرومتها وبطونها ومدرها وحضرها، بحيث لا تقوم لها قيامة من حروب القبائل البدوية المتناسلة.

حروب القبائل العربية البدوية وآلاتها جمع آل في الهلال الخصيب أفقده الهيبة التي تضفيها عليه مركزية دولة واحدة مستقرة.

سعى العقلان الصهيوني والأوروبي، بمعونة وتواطؤ أقطاب سياسية إقليمية طامعة وعربية فاجرة، ومحلية ليست ذات حيثية شعبية وقومية واسعة، إلى تكريس التنازع والتفتت والاحتراب الفئوي الداخلي، بين خط اسطنبول وبين خط لندن، بين خط السعوديين وبين خط الهاشميين، بين خط باريس وبين خط لندن، بين خط المملكة السعودية وبين خط الجمهورية العربية المتحدة، بين خط الرياض وبين خط القاهرة، بين خط وارسو وبين خط الأطلسي، بين خط المملكة وبين خط دمشق، بين خط دمشق وبين خط بغداد، بين خط دمشق وطهران وبين خط الرياض الدوحة… بين خط موسكو وبين خط واشنطن.. خطوط تتنوّع أقيستها وظروفها ومنحنياتها ومنطلقاتها ونهاياتها.. الثابت أنها خطط تتنازع فتوزّع القوة حتى التلاشي والدمار.

البارومتر الحلبي.. محطة ساطعة بين عهد الخطوط المتحاربة والخط السوري العربي الحليف الدولي الواحد الجامع المانع..

استعادة حلب وريفها بحجمها السكاني ومساحتها الأرضية وقيمتها السياسية والجغرافية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية لا تقل أهمية عن تحرير فلسطين، بل من حيث هي محطة استجماع لقوى المقاومة والبنية السورية الجامعة لتحرير حلب لا سقوطها مقدّمة تاريخية ومنطقية مؤكدة لتحرير فلسطين.


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه