شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2017-01-26
 

مفهوم الحرية في فلسفة أنطون سعاده - المدرحية القومية الإجتماعية 4

يوسف المسمار

عالمية النظرة المدرحية القومية الاجتماعية

وحيث ان المجتمع القومي هـوعنصرأساسي في مـُرَكـّـب العالم الذي نسميه الانسانية المترابطة فيما بين أمـمه بواسطة ثقافاتها وعلاقاتها وآدابها وابداعاتها ، فإن القـيـَـم الإجتماعية القومية هي قـيـَم انسانية عالمية عامة لجميع بني البشر .

وكلما ارتقى الفكر في أمة،وارتـقت مفاهيمها،وتـوسعت آفاق نظرها، وابعاد مـُثـُلها العليا، فإن وسائل تفاهمها مع غيرها من الأمم تصبح أرقى، وقـيـَمُها تصبـح أكثـر انسانية وأكـثر قـبـولا ً وتـبـنـيا ً لدى جميع الشعوب والأمم لأنها تقوم على العقل الذي هو الشرع الأعلى والقانون الاساسي للوجود الاجتماعي الانساني،والذي وصفه المعلم انطون سعاده بانه البشرية كما جاء في مجلة المجلة في البرازيل عدد ابريل1925 بعنوان "العقل البشري هو البشرية" قائلاً :"إنَّ الأمم والشعوب متى كانت منفردة ، أيّ منعزلة الواحدة منها عن الأخرى، لا يمكن أن تتألف منها وحدة تُسمى "البشرية"أو"الانسانية"على الاطلاق. فالبشرية أو الانسانية وتطورها باعتبار انها تركيب كامل لا يتم الا اذا كانت أجزاؤها مترابطة ترابطاً تاماً بتلك الواسطة الانسانية التي تُسمى"العقل البشري". فالعقل البشري هوالبشرية أو الانسانية كلها متى كانت أقسامه على اتصال بعضها ببعض بما يُطلق عليه اسم :" أفكار" أو " خواطر " تسير بين الأمم كلها . فاذا لم يكن ذلك ، بطُل أن يكون هناك إنسانية بمعناها العصري، واقتصرت لفظة الانسانية على التعبيرعن الانسان تمييزاً له عن الحيوان ، ولا يتسنى لأجزاء العقل البشري ان تكون على إتصال بعضها ببعض إلاّ إذا توفّرت لها وسائل التفاهم التي تحمل الى العقل السوري أو العقل المصري فكر العقل الانكليزي أو الالماني مثلاً ."

لا نظن انه يوجد أمة ترضى اعتزال العالم لو خُيِّرت، أم تتمكن من ذلك إذا عقدت النيَّة عليه ."

بناء عليه كان واجب كل أمة أن تُسهِّل وسائل التفاهم بينها وبين الأمم الأخرى الغريبة عنها ، وبناء على هذه النظرية كان واجب الأمم الناطقة بالضاد أن لا تُقصِّر في التفاهم مع الأمم الأخرى."

واجب الفرد الانساني

وبناء على كل ما ورد ذكره ، فإن مسؤلية كل فـرد إنساني هي أن يكون مواطنا ً صالحا ً منتجا ً في المجتمع وليس في الفئة ، ولا في المذهب ولا في الطبقة ولا في الطائفة ولا في أي شكل آخـر من أشكال التجمعات البشرية المنغلقة أو المنفلشة .

وحين يتحول أبناء المجتمع الى مواطنين صالحين منتجين ، فإن مجتمعهم يـُصـبح ، بلا شك ، عـضـوا ً سليما ً فاعـلا ً في حـركة إغناء التـجـدد والإرتقاء الإنسانيـين، وتـكوين عالم انساني جـديد بـقـيـَم انسانية أرقى وأسمى .

على ضـوء هذا المفهـوم الجـديد للـوجـود الإنساني يتـضح أن الوجود الكامل السليم الصحيح ليس وجودا ً فرديا ًأو مجموعياً بل وجوداً إجتماعيا ً ، وليس وجودا ماديا ً منفصلا ً عن الروح ، ولا وجودا روحيا ً مـجـردا من المادة ، بل هـو وجود مادي ـ روحي واحـد دون ثنائية . وجود مـدرحي انساني اجتماعي إذا تـجزأ فـقـد انسانيته وتلاشى .

ان مفهوم الانسان في نظرة انطون سعاده الواقعية العلمية والفلسفية هو انسان - مجتمع - أمة وهو أيضاً انسان مادي روحي .وصحته في مجتمعيته وليست في فئوياته . وسلامته في مدرحيته وليست في تفسخه المادي والروحي . أي أن مرضه في تشلَعه الى فئويات متضاربة ، وخرابه في تنافر نفسيات أفراده وفئوياته وكيانياته . أما ارتقاؤه وأساس ارتقائه ومسيرة وديمومة ارتقائه ففي كونه وجوداً قومياً اجتماعياً مدرحياً انسانياً .

واقع كوكب الأرض

ولأن واقـع الكوكب الذي نعيش عليه ليس بيئة واحدة، بل واقع بيئات متنوعة ، مما يجعل العالم الإنساني واقع مجتمعات متمايزة. واقع أمم. فإن الوجود المجتمعي الأتم الكامل هـو وجـود الأمة التي لا تعني جيلا ً واحـدا ً في حقبة من الزمن ، ولا تعني عـدة أجيال في عـدة حـقـب زمنية بل تعني وحـدة حياة الجماعة الانسانية وحركتها المستمرة على بقعة أو بيئة معينة من الأرض تفاعلت معها وتتفاعل وسوف يستمر هذا التفاعـل منذ كانت الحياة الانسانية الى ما سوف تكون .

فالبيئة الطبيعية من الثوابت ، والجماعة الانسانية المتطورة المتعاقبة هي أيضاً ثابتة الوجود بثبات بيئتها . وتطور الجماعة بتطور ثقافتها ورقيّها . ويتضح أيضاً أنه يجب اعتبار الانسانية تركيب كامل

استنادا الى هذه النظرة التي تقول بالانسان ـ المجتمع ،والتي ترى أن

الأفراد هـم امكانيات وفعاليات اجتماعية ، فان المثال الأعلى للقـيـَم

الانسانية يتركز على الاساس المجتمعي الانساني المدرحي حيث يكون المجتمع هو مصدر كل القـيـَم وحضنها ومآلـها . وحيث يكون ارتقاؤه المستمر الشرط الأساسي على أهليته وجدارته في النموّ والإبتكار والإبداع والخلق،وحيث يـدل على مبلغ السمـوّ في رسالته الحضاريـة الى الشعـوب الأخـرى ، ويشيـرالى جـدية مشاركته في الصراع الانساني من أجـل تحقيق" حياة أجـود ، في عالـم أجـمل، وقـيـَم أعلى " كما عبر عن ذلك الفيلسوف أنطون سعاده في كتابه " الصراع الفكري في الأدب السوري".

فـبـدلا ً من فـردية القـيـَم وماورائيتها كما تقرر في النظرة الروحية الغيبية التكهنية ، وبـدلا ً من فردية القـيـَم وماديتها وخضوعها لبعض القـوانين الحتمية التي تـوصل الى اكـتـشافـها أو تقـريـرها العـقـل الانساني في زمن مـعـيـّن،ومكان مـعـيـّن، ومستوى ثقافي مـعـيـّن، فإن القـيـَم تصبح في المفهوم الجـديد قـيـَما ً اجتماعية إنسانية تـبـدأ من وبالمجتمع ، وتنمو بنموّ المجتمع ، وترتقي وتسمو بقدر ما في المجتمع من طـاقة على الارتقاء والسـمـوّ. وتصبح مسؤلية الأفراد ليست تجاه قـيـَم ماورائية تكهنية مـجـردة،ولا تجاه قـيـَم مادية خانقة ، بل تجاه قضية عـُظـمى تساوي كل وجودهم .ويتوقف على انتصارها أو انهيارها انتصار الأمة أو انهيارها.وانتصار العالم وغناه الانساني أو انهيار العالم وشيوع همجيته وتلاشي انسانيته .

هذه هي بعض ملامح النظرة الجديدة التي تكشفت لنا بأحـد أبـرز عباقرة أمتنا المعلم أنطون ســعاده الذي دفع دمه ثمنا ً لتكريس هذا الوعي وانتصاره في جميع أبناء أمتنا ، ليتنبهوا الى حقيقة وجودهم، وليعـملوا من أجل تحقيق انتصار حقيقـتهم ، فتستعيـد الأمة قـدرتها على الحياة والإبـداع ، وتحتـل مكانها اللائـق بها تحت الشمس بين الأمم .

وعلى ضـوء هذه النظرة الإجتماعية العلمية العـقـلية الـتـي لا تبـدأ مـما قـبـل الإنســان ، ولا تهـتـم بما بـعـده وخارجه، بل تهتّم بالانسان نموّاً ورقيّاً وتقدّماً سنحاول تفسير المفهـوم الجـديـد للحـرية . مفهـوم الحرية المجتمعية الإنسـانية عند عالم الاجتماع والفيلسوف أنطون سعاده التي قال عنها أنها رسالة الأمة السورية الى سورية والى العالـم العربي والى الانسانية جمعاء.

المجتمع هو الحالة والمكان الطبيعيان للانسان

يقول سعاده في الفصل الرابع من مؤلفه العلمي نشوء الأمم في الصفحات 51-52 :" اننا حيثما وجدنا الانسان وفي أية درجة من الانحطاط أو الارتقاء ، وجدناه في حالة اجتماعية . وهكذا نرى ان المجتمع هو الحالة والمكان الطبيعيان للانسان، الضروريان لحياته وارتقائهما. ولما كنّا لم نجد الانسان الا مجتمعاً ووجدنا بقايا اجتماعه في الطبقات الجيولوجية ايضا ، فنحن محمولون على الذهاب الى ان الاجتماع الانساني قديم قدم الانسانية، بل نرجّح انه أقدم منها وأنه صفة موروثة فيها "

وبناء على دراسة نشوء المجتمعات والأمم والقوميات دراسة واقعية علمية وجدية ومتأنية يكوّن نظرته الواقعية الجديدة للطبيعة، وللحياة الانسانية الطبيعية في هذا الكون ، ولمسؤولية الانسان تجاه نفسه وتجاه الكون ومواجهته ، ورسالة الانسان ودوره في فعل الكشف والانتاج والخلق والابداع فيؤسس فلسفته على قواعد الواقع الطبيعي لحياة الانسان في مجتمعه، ولعلاقاته مع غيره من المجتمعات ، ويعيّن لهذه الفلسفة مباديء ونهجاً وغاية عاملاً مجاهداً بكل ما لديه من مواهب ،وما يملك من امكانيات وما توفّر له وما يتوفر من قدرات ليحقق مضامين ومفاهيم هذه الفلسفة التي أطلق عليها الفلسفة المدرحية القومية الاجتماعية في أمته لتكون أمته بها النموذج المثال لجميع الأمم والمتحدات الانسانية الاجتماعية بحيث تتحول الى عقيدة حياة انسانية صالحة جديدة لانسان مجتمعي صالح جديد يمكنها النهوض أو هي الفلسفة الصالحة لتحقيق نهضة أي مجتمع - أمة في هذا العالم .

وقد كان واضحاً في تعريفها عندما قال :" نعرّف العقيدة بأنها قومية اجتماعية. فهي قومية لأنها تقول بالأمة والولاء القومي. وهي اجتماعية لأن غايتها الاجتماع الانساني - المجتمع وحقيقته ونموّه وحياته المثلى. والمجتمع الأكبر والأمثل هو الأمة. وقد جاء في التعاليم " أمة واحدة- مجتمع واحد". من هذا الايضاح الأولي ندرك أن عقيدتنا تقول بحقيقة انسانية ، كلية ، أساسية هي الحقيقة الاجتماعية: الجماعة ، المجتمع الواحد . فالاجتماع للانسان حتمي لوجوده ، ضروري لبقائه واستمراره. والمجتمع هو الوجود الانساني الكامل والحقيقة الانسانية الكلية. والقيم الانسانية العليا لا يمكن أن يكون لها وجود وفعل الا في المجتمع . فمتجه القيم كلها هو المجتمع - هو مصدرها وهو غايتها".والحرية ليست الا قيمة اجتماعية انسانية من هذه القيَم .

** يتبع


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه