إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

مؤتمر جنيف "السوري": ممنوع النجاح... ممنوع الفشل!

أحمد أصفهاني

نسخة للطباعة 2017-03-04

إقرأ ايضاً


مؤتمر جنيف لحل "الأزمة السورية"، في ظل تعقيدات الأوضاع الإقليمية والدولية، لن ينجح. لكن في الوقت نفسه، ممنوع أن يفشل أو على الأقل ممنوع الإعلان عن فشله وموته السريري. وستبقى قاعات جنيف وفنادقها مشرعة الأبواب لاستقبال وفود تزعم أنها تمثل "الشعب السوري" التائق إلى مخرج من هذه الكارثة التي لم تعرف أمتنا لها مثيلاً إلا في زمن المغول والتتار. وطالما أن هذه الوفود لا تملك إرادتها، وإنما هي الصدى الباهت المكرر لقوى إقليمية ودولية متنوعة، فلقاءات جنيف ستظل في حالة مكانك راوح!

هناك أسباب عديدة لهذا التكرار الممل. فمن ناحية أولى، لا تريد القوى الدولية وعلى رأسها روسيا أن تعلن فشل مسار جنيف. والمنطق في ذلك واضح، إذ سبق للقيادات الروسية أن شدّدت مراراً على أن تدخلها العسكري الواسع في سوريا إنما يهدف في نهاية المطاف إلى "حل سياسي للأزمة السورية". وذلك لا يتحقق إلا عبر طاولة المفاوضات بين الأطراف السورية المختلفة... حتى لو كانت تلك الأطراف لا تملك من أمورها إلا إعلان مواقف تُملى عليها في الكواليس الإقليمية من هنا ومن هناك. في حين أن القوى الأخرى المعاكسة للسياسة الروسية في المنطقة لا ترغب في أن تتحمل المسؤولية العلنية لإفشال المسار التفاوضي.

موسكو تريد أن تستمر لقاءات جنيف على الرغم من أنها لم تحقق حتى هذه اللحظة أي خرق جدي في جدار المواقف المتصلبة. والأمم المتحدة، ممثلة بمندوبها ستيفان دي ميستورا، سعيدة بمواصلة رعاية المساعي للتقريب بين الأفرقاء كي لا يقال إن الأمم المتحدة تقف عاجزة منذ ست سنوات عن كبح نزيف الدم في سوريا. ولا أظن أن دي ميستورا (ومن خلفه المنظمة الدولية) سيقدم على إغلاق باب المفاوضات ثم يلقي المفتاح في وجه المجتمع الدولي... إذ ليس من "شيم" الديبلوماسية العالمية أن تستسلم تماماً. فالمنظمة الدولية خبيرة بترحيل الأزمات وتدوير الزوايا من غير أن تحقق شيئاً ذا قيمة على أرض الواقع.

وهذا بالفعل ما تبيّن في المؤتمر الصحافي الذي عقده الممثل الدولي في ختام جولة "جنيف 4". فهو تحدث عن تقدم، وعن مواقف إيجابية من كل الحاضرين، وعن بنود للمناقشة لاحقاً، وعن احتمال أن تكون الجولة المقبلة من المناقشات مباشرة بين الأطراف السورية وليس بالوساطة الدولية... إلا أنه لم يحدد موعداً ثابتاً لـ"جنيف 5"، بل اكتفى بالقول إنه سيدعو إلى عقد الجولة الجديدة الشهر المقبل!

إذن ممنوع أن تفشل مفاوضات جنيف في هذه المرحلة بالذات. والتوافق الإقليمي والدولي الذي تجاهد موسكو للحفاظ على زخمه الهش الراهن يشكل ضمانة أكيدة لقطار التسوية المنطلق، من غير وضوح في هوية القوى التي ستحجز مقاعد لها في عربات هذا القطار، ومن دون أن يتم تعيين المقصد النهائي لهذه الرحلة العويصة. لكن ما الذي يدعونا إلى الاعتقاد بأن "مسيرة التسوية" بصيغتها المطروحة لن تنجح أيضاً؟

ثمة عناصر عدة تقف عائقاً أمام تحقيق أي خرق جدّي في "الأزمة السورية"، وسنشرح في ما يلي أهمها:

أولاً - تجد السعودية والإمارات وقطر، بوصفها من أبرز القوى الإقليمية الداعمة لأطراف المعارضة السورية، أنها مُبعدة عن المشاركة الفاعلة في مؤتمرات جنيف. بل هي مهمشة كلياً في مباحثات الآستانة أيضاً. ومن الصعب تصور أنها سترضى بأقل من أن تلعب دوراً مفصلياً في "التسوية السورية" يتوازى مع دورها المفصلي في "الأزمة السورية".

ثانياً - عندما قبلت تركيا، مرغمة، على الانخراط في المساعي الروسية لحلحلة الوضع السوري، كانت الظروف الإقليمية والدولية معاكسة لطموحات الرئيس التركي طيب رجب أردوغان على الصعيد الداخلي وعلى الصعيد السوري. أما الآن، فإن أنقرة تشعر بتغير هبوب الرياح الآتية من الولايات المتحدة الأميركية لجهة بذل مزيد من الضغوط على إيران وفق الخطط المعلنة لإدارة دونالد ترامب الجديدة. وتلاقت الرياح الأميركية هذه (وهي لم تصبح عاصفة بعد!) مع تشدّد خليجي تجاه طهران، فوجد أردوغان فرصة مناسبة لتجاوز خطوط التفاهم الروسي – التركي – الإيراني حول سوريا والعراق. وقد بدا هذا التباين واضحاً في الانتقادات المتبادلة خلال الأيام القليلة الماضية بين المسؤولين الأتراك والإيرانيين.

ثالثاً – الولايات المتحدة الأميركية نفسها غير مستعدة في هذه الظروف للمساهمة في إنجاح مؤتمرات جنيف. ذلك أن السياسة المعلنة لإدارة ترامب لم تقدم لنا حتى هذه اللحظة سوى ثلاثة شعارات عريضة غير واضحة المعالم: تأييد مطلق لإسرائيل، ومحاربة التنظيمات الإرهابية، والعمل للحد من النفوذ الإيراني في المنطقة. أما خارج ذلك، فمجرد تصريحات ومواقف إعلامية لا تشكل خططاً استراتيجية دقيقة. والأرجح أن بروز مثل تلك الإستراتيجية ينتظر بدء الحوار العلني بين موسكو وواشنطن، ليس فقط حول الملف السوري وإنما حول مجمل العلاقات بما يشبه السعي إلى "نظام عالمي جديد" يكون وريثاً لـ"الحرب الباردة" التي انتهت بسقوط الاتحاد السوفياتي، وكذلك لـ"القطبية الأميركية الأحادية" التي سقطت بالقوة العسكرية في أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا...

رابعاً – الدول الأوروبية (خصوصاً فرنسا وبريطانيا) تجد نفسها كالأيتام على موائد اللئام، إلا أنها غير مدعوة إلى تلك الموائد. ولذلك فإنها تحاول اللحاق بقطار التسوية حتى لو أضطرت إلى عرقلته وتأخيره.

هذه هي القضايا التي لم تُحل بعد محلياً وإقليمياً ودولياً. ولأن حلها هو مفتاح معالجة أزمات المنطقة بما فيها الأزمة السورية، فمن الطبيعي أن لا تكون للولايات المتحدة وتركيا ودول الخليج العربية وأوروبا مصلحة ملحة في إنجاح جنيف 5 أو 6 أو 10... طالما أن الصيغ النهائية للتفاهم الدولي لم تنضج بعد. كما أن روسيا وإيران وسوريا تدرك أن إنجازات الميدان عامل أساسي في "تقريب" وجهات النظر، ولذلك فهي غير مستعجلة لتقديم جوائز ترضية لكل الأطراف الأخرى. ومن هذا المنطلق، دعونا نوجّه أنظارنا إلى مؤتمر "الآستانة 3" المقرر عقده في الرابع عشر من آذار بين "الثلاثي" الضامن لوقف إطلاق النار في سوريا. إن نتائج ذلك المؤتمر، بالتوازي مع الواقع الميداني في سوريا والعراق، قد تقدم لنا مؤشرات إلى الحراك المستقبلي: إما التسوية الكبرى، وإما المواجهة الكبرى... وإما شد الرحال دائماً إلى جنيف وفيينا والآستانة حيث تعيد الوفود المشاركة اجترار مسكنات الحل الموعود، بينما ترتسم في الكواليس معالم مستقبل مجهول!


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024