إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

متى يجيب لبنان عن تساؤلات سوريّة متراكمة؟

د. وفيق إبراهيم - البناء

نسخة للطباعة 2017-03-17

إقرأ ايضاً


تستعيد الدولة السورية تدريجياً أدوارها السياسية على وقع نجاحات جيشها في تحرير مناطق استراتيجية واسعة كانت ترزح تحت احتلال الإرهاب التكفيري المسنود من قوى خارجية.

وتتعامى الدولة اللبنانية من جهتها عن هذه المستجدات العسكرية ذات البعد السياسي، وتفضّل المحافظة على علاقات دبلوماسية «جامدة» مع دمشق، لا تتعلّق بأسباب لبنانية بقدر ما تستجيب لرغبات إقليمية ودولية، ما يؤدّي إلى وقوع لبنان في أزمات خطيرة يعجز عن إيجاد حلول لها، وأوّلها مكافحة الإرهاب الذي يتحرّك في الساحات السوريّة اللبنانية بحرّيات ما كان يمكن أن يحظى بها لو كان هناك تنسيق أكبر بين الدولتين.

هناك أيضاً ملف النازحين السوريّين إلى لبنان، الذين أدرك عددهم عتبة المليوني شخص ينتشر قسم منهم في مناطق يسيطر عليها الإرهاب، كما هو الحال في شمال لبنان والبقاع الغربي وبلدة عرسال وجرودها، فتتحوّل مخيماتهم مراكز لإيواء الإرهابيّين وتسليحهم وتمويلهم وتذخيرهم، ولولا جهود مخابرات الجيش اللبناني والأمن العام المتقاطعة مع «جهاد» حزب الله في التصدّي للإرهاب في الداخل والخارج، لكان الوضع الداخلي شديد التدهور، ويكفي هنا تبادل المعلومات بين الدولتين لتقليص القسم الأكبر من الخطر الإرهابي، علماً أنّ لسورية ولبنان عدوّاً واحداً يغير على أراضيهما محلّقاً بشكل يومي في الأجواء، ومدمّراً مواقع لسورية.. وأخرى على مقربة من حدودها مع لبنان! ألا يتطلّب هذا الخطر الاستراتيجي تنسيقاً بين بلدين شقيقين تحتلّ «إسرائيل» قسماً من أراضيهما؟ وهذا ضروريّ ولو على مستوى تنسيق المواقف في الأمم المتحدة والمنظّمات الدولية، وهو غير موجود على الرّغم من أنّ التقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة اتّهم «إسرائيل» بالخرق الجوّي لأجواء لبنان، ولم تتحرّك حكومة سعد الحريري لإدانة هذه الانتهاكات وكأنّ الأمر لا يعنيها، في حين أنّ رئيس وزراء لبنان يواصل الهجمات على «النظام» السوري من دون أسباب لبنانية تبريريّة، فتبدو وكأنّها مواقف للحكومة بأسرها، بدليل أنّ لا أحد يستنكرها من الأحزاب والوزراء.

أمّا العامل الأخير الذي تسبّب به تجميد لبنان علاقاته مع سورية، فيتعلّق بالجانب الاقتصادي. لا سيّما أنّ لبنان كان يلعب دور ناقل السلع الغربية عبر مرفأ العاصمة بيروت إلى سورية والأردن والعراق والخليج، وهو السبب الأساسي للازدهار التاريخي لقطّاع الخدمات اللبناني. وعلى الرّغم من أنّ الاشتباكات العسكرية في سورية هي التي أدّت إلى إغلاق حدودها مع جوارها العربي، فإنّ قطع لبنان علاقاته الاقتصادية الرسمية مع دمشق أنتج تدهور قطاع الخدمات الذي أصبح يعتمد النقل الجوّي للوصول للمنطقة العربية.

وجاء القطع اللبناني تنفيذاً لـ»أوامر» سعوديّة وأميركية كانت تعتقد بإمكانية إسقاط الدولة السوريّة بسرعة، لكن ما يخسره لبنان حتى الآن كبير جداً، وكان بوسعه تلبية سورية المحاصرة بحاجتها الاقتصادية فيستفيد داعماً قطاع خدماته ومتطلّبات لبنان الرسمي مع حاجات سورية. ألم تفعل تركيا الأمر نفسه عندما حاصر الغرب إيران ومنع عنها احتياجاتها الاقتصادية، فتولّت أنقرة تغطية النقص الإيراني الاقتصادي، وبنت خطوط تبادل اقتصادي معها تعدّى الثلاثين مليار دولار؟ علماً أنّ ما بين سورية ولبنان أكثر من تاريخ وانتماء ليسا موجودَين بين تركيا وإيران اللتين تبادلتا الحروب والعداء الدّموي طيلة ستّة قرون كاملة.

إنّ العناصر التي تحدّد العلاقات بين الدول هي أولاً القوانين الدولية، لكن ما يجعلها عميقة ترتبط عادةً بالتاريخ والسياسة والاقتصاد، وإلّا فلماذا العلاقات عميقة بين الولايات المتحدة الأميركية وكندا؟ لنأخذ مثلاً العلاقات بين تركيا وروسيا، لم يتمكّن العداء السياسي والتاريخي من لجم التعاون الاقتصادي بين البلدين ومنعه. وهناك بين لبنان وسورية الانسجام التاريخي والتكامل الاقتصادي، فيجب البحث عن أسباب تردّي العلاقات في الأبعاد السياسيّة، وتحديداً مع بداية ما سُمّي زوراً «الربيع العربي» وانفجار الأوضاع في تونس وليبيا ومصر والعراق واليمن، عندها انفجر الوضع في سورية.. ولم يمضِ أسبوعان على حراك بدا شعبياً حتى انتشر الإرهاب في سورية، وابتدأ القتل والسحل وسط تأييد أميركي خليجي شامل للإرهاب. وانقسم لبنان إلى فريقين أحدهما يؤيّد الدولة والآخر معادٍ لها، وليس مصادفة أن يكون الفريق الذي يعاديها من الموالين للسعودية وأميركا ويمسك برئاسة مجلس الوزراء، فاستجاب لحركة تطويق سورية على المستويات الدولية أميركا والاتحاد الأوروبي ، والإقليمية تركيا والعربية السعودية وقطر … والإعلامية المحلية والخليجية والغربية والاقتصادية.. فماذا كانت النتيجة؟

غضّ طرفٍ من هذه القوى اللبنانية عن مجموعات إرهابية تجمع بين مكوّنات لبنانية تكفيرية وأخرى فلسطينية وسوريّة، غطّاها تنظيم المستقبل المرتبط برئاسة الحكومة مع بعض التيارات في الهرم الديني الأعلى، فحاولت أن تجعل من لبنان خط تهريب أسلحة ومؤن إلى الداخل السوري من خلال شمال البلاد وشرقها. وضخّت كمّيات من الإرهابيّين تطوّعوا للقتال في سورية بحثاً عن الحوريات، فكاد لبنان أن يسقط في مستنقع الإرهاب ملتحقاً بالمشهد السوري. وما كان لهذا الأمر أن يحدث لولا مساندة تيار المستقبل له وصولاً إلى حدود تأمينه التغطية الرسمية، كما أنّه ليس مصادفة أن تغطّي التيارات اللبنانية المؤيّدة لـ»إسرائيل» هذه الحركة الإرهابية المعادية لسورية، والدليل أنّها اجتمعت مع أحزاب المستقبل والتقدّمي والكتائب والأحرار في إطار حركة الرابع عشر من آذار، تحت عنوان العداء لسورية والمتعاون من الحركات الإرهابية بشكل علنيّ.. وأيّدهم أيضاً رجال دين مسيحيّون ومسلمون من الطبقة الأولى، ما جعل من الدورَين السعودي والأميركي مكشوفاً في مدى ضغطه على القوى اللبنانية وإفساح المجال للإرهاب في لبنان كي يساند «أشقاءه» في الساحة السوريّة ويضغط على حزب الله في لبنان. لذلك جرى «عزل» سفارة سورية في بيروت بما يشبه الحصار الدائم حول حركة دبلوماسيّتها، وتعمّد سياسيّو 14 آذار مقاطعة السفير السوري والتهرّب من مصافحته وصولاً إلى عرقلة التعاون الاقتصادي بين الدولتين. أليس عجيباً أن يأتي إرهابيّون من بلدة عرسال ليزوروا سياسيّي حزب المستقبل ومنهم الرئيس سعد الحريري؟

ألا يتوجّب على القضاء اللبناني إصدار مذكرات توقيف بحقّ سياسيّين من نوّاب 14 آذار قادوا مجموعات ذهبت إلى عرسال والتقطت صوراً مع قيادات إرهابيّة فيها تورّطت بقتل أفراد من الجيش اللبناني واختطفت آخرين منهم في أوقات سابقة؟

ويتبيّن أنّ الموقف اللبناني من سورية هو جزء من الموقف السعودي الأميركي منها. والسؤال ليس هنا، لأنّ هذا الأمر واضح لا لبس فيه، فقد ينفي حزب المستقبل أيّ علاقات له مع الإرهاب، لكنّه يفاخر بارتباطه بالسعودية. تُرى، أليست السعودية عدوّاً للدولة السوريّة كما يُجهر وزير خارجيّتها الجبير؟ ألم يقل وزير داخليّتنا نهاد المشنوق إنّ «السعودية خط أحمر»؟ وإنّ التنسيق مع سورية ممنوع ومرفوض؟ لذلك نسأل القوى المؤيّدة لسورية، كيف سكتت عن مقاطعة الدولة اللبنانية لسورية؟ وكيف قبلت بتجميد حركة السفير السوري ودبلوماسيّيه؟

قد يجيب أحدهم بأنّ موازنات القوى كانت راجحة لمصلحة التحالفات الأميركية السعودية التركية مع الإرهاب، ولم تتغيّر إلّا بعد تدخّل بدأ مع حزب الله في سورية وصولاً إلى الطرف الروسي. وهي حجّة تحتاج إلى دعم إضافي لتصبح مقنعة، لذلك يتحوّل السؤال إلى الوضع التالي: لقد تغيّرت التوازنات وأصبحت الدولة السورية بحالة أفضل بكثير ممّا كانت عليه، وجيشها السوري يحقّق الانتصارات المتتالية. ألم يحن الوقت لإيقاف هذا «التهريج الصبياني» الذي يستعمله بعض السياسيّين اللبنانيّين في معاملة الدبلوماسية السوريّة في بيروت؟ ألا يعتقد هؤلاء أنّ الوقت قد حان لإعادة العلاقات الاقتصادية إلى ما كانت عليه من ازدهار في الأيام الخوالي؟ ولماذا لا يتمّ التنسيق على تنظيم لجوء السوريّين إلى لبنان وصولاً إلى التنسيق في وجه الإرهاب؟ ولماذا التهرّب من التنسيق مع سورية على مستوى الأمم المتحدة من أجل توحيد مواقف تدين انتهاكها للأجواء اللبنانيّة السوريّة؟

هذه أسئلة كبيرة ترتجي ردوداً إيجابيّة حول الأسباب التي تجعل رئيس الحكومة سعد الحريري يمارس سياسات عربية وإقليمية تستلهم تقليد الخطوات السعودية الأميركية وتعادي سورية وإيران.

على أمل وضع حدود لحركة «الاستئثار بالدولة» التي يمارسها حزب المستقبل، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ لبنان قادر على الاستفادة من انتصارات الجيش العربي السوري لإعادة العلاقات الطبيعية بين كيانين يجمع بينهما التاريخ والاقتصاد والسياسة والمصير المشترك وكثير من العواطف.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024