إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الندوة الثقافية المركزية تطلق سلسلة ندواتها بلقاء مع نائب رئيس الحزب

نسخة للطباعة  | +  حجم الخط  - 2017-03-29

نظمت الندوة الثقافية المركزية لقاءً مع نائب رئيس الحزب د. الأمين وليد زيتوني حول :"مقدمات ونتائج سايكس- بيكو الأوروبية والاستراتيجيات الراهنة" ، حضر الندوة رئيس المجلس الأعلى، وعدد من العمد وأعضاء المجلس الأعلى، رئيس الندوة الثقافية، نائب رئيس الندوة، وعدد من أعضاء الندوة الثقافية والطلبة.

بدأ اللقاء بكلمة لرئيس الندوة الثقافية المركزية جاء فيها:"سلسلة جديدة من اللقاءات الفكرية في اطار الندوة الثقافية المركزية نبدأها اليوم، نأمل من خلالها أن نحقق إضافات هامة في سياق القراءات المعمقة لتطورات المرحلة قومياً واقليمياً وعالمياً على هدي سعاده وارثه الفكري النهضوي العام".

وأضاف: "الندوة الثقافية المركزية هي تلك المساحة التي نود من خلالها أن نعيد فيها ترتيب أولوياتنا الفكرية، لتتلاءم مع ضرورات الوصل الدائم للفكر بحركة الحياة النامية والمتطورة في اتجاهات مختلفة ومتعددة السياقات، فالندوة الثقافية كما أرادها سعاده هي مركز التفكير العقائدي في الحزب وهي من خلال أبحاثها ونتائج هذه الأبحاث تحقق المواءمة بين العقيدة والحدث على قاعدة الأسس والقواعد الأصلية للنظرة القومية الاجتماعي. "

بعد ذلك كانت كلمة لنائب رئيس الحزب الدكتور الأمين وليد زيتوني ومما جاء فيها:

تأتي الندوة الثقافية هذا العام لتفتح آفاقا جديدة في الفكر النهضوي بعدما اثبتت الوقائع الحالية راهنيته وصوابية الطروحات الفكرية، التي عالجتها هذه النهضة منذ بدايات القرن الماضي .

وتابع: "هذه المحاضرة جزء من كتاب يصدر قريبا يتناول الظواهر السياسية والاجتماعية والعسكرية التي رصدت في بلادنا في العصر الحديث، وهو إمتداد لمشروع كنت قد بدأت العمل به في كتابي السابق "مقاربات جيوبوليتيكية" كما آمل ان استكمل البحث في الجيو-استراتيجيات المستهدفة امتنا. مع العلم اني ساتطرق بشكل عام الى استراتيجيات الدول الكبرى في المرحلة الحالية، (التمييز بين الجيوبولتيك والجيو استراتيجيا).

لم اتبع المناهج المتعارف عليها [تاريخي ، وصفي ، تحليلي ، وظائفي ..الخ] انما حاولت استقاء منهج خاص بالجيوبولتيك استنادا لفكر سعادة واسميته المنهج المدرحي والذي يقوم على الاسس التالية :

1- المجتمع ، الوطن ، الامة ، الدولة جسد واحد متكامل .

2- الانطولوجيا [ ما هو موجود ] والمعيار [ وهو ما يجب ان يكون ]

3- الستاتيك والديناميك

4- العقل هو الشرع الأعلى الذي يحدد الأهداف والوسائل .

ضياع الهوية القوميّة

تحت عنوان (ضياع الهوية القوميّة) أشار نائب رئيس الحزب الى أن الحرب العالمية الأولى دشنت مرحلة ضياع الهوية القومية في منطقتنا، باتفاقية احتفالية، أسمتها سايكس-بيكو. اتفاقية وضعتنا على خط الاشتباك الاستراتيجي المحدد بجغرافيا الطوائف والملل والنحل.

غير ان النتائج التي رسمتها الاتفاقية، لم تكن وليدة ساعتها عام 1916، وانما كان التحضير لها على قدم وساق من أمدية بعيدة زمنياً، ففي لحظة بروز الدولة القومية في القرن التاسع عشر، لم نكن جاهزين مادياً ومعنوياً لتتلقف فكرة التحول العالمي الحاصل على المستوى السياسي، وبالتالي لم نتلمس بعد معنى ومضمون الهوية القومية للاسباب التالية:

أولاً: وجودنا تحت سيطرة الامبراطورية العثمانية التي كانت تعاني سكرات الموت نتيجة لاوضاعها الاقتصادية المتردية، وخساراتها العسكرية امام القوى الاستعمارية آنذاك وخاصة تدمير اسطولها البحري في نافرين عام1826، ومن ثم عدم استقرار اوضاعها الداخلية اثر انقلاب الثلاثي القومي الطوراني (كمال أتاتورك، حافظ باشا، جمال باشا) على الخلافة العثمانية المتلبسة اللبوس الايديولوجي الديني؛

ثانياً: تدخل الدول الكبرى في المناطق التي تسيطر عليها الخلافة العثمانية تحت عناوين رعاية الاقليات الطائفية، ومن خلالها، ركزّت على المستشرقين والدلالين والارساليات لضرب البنى الجيو- ثقافية الموجودة، التي كانت تحتفظ لتاريخه بخصوصياتها القومية.

ثالثاً: كانت المنطقة تعيش حالة اقتصادية مزرية كمحصلة للجشع الامبراطوري العثماني من جهة، وكنتيجة للهجمة البدوية الصحراوية التي قامت بها قبائل العنزي القادمة من الجزيرة العربية من جهة أخرى، حيث فاقت بهمجيتها واتساعها ما فعله هولاكو. لقد دمرت هذه الهجمة سبعة الاف قرية وبلدة من حلب شمالاً إلى صفد وحيفا ويافا جنوبا، فحرقت جميع المحاصيل الزراعية وقطعت الاشجار ونكّلت بالسكان قتلا وتهجيرا، تحت الرعاية العثمانية وانظار القناصل الاوروبيين.

رابعاً: تردّي الوضع العلمي والثقافي ودخول المنطقة في مرحلة الانحطاط بسبب الممارسات القمعية العثمانية وهجرة الكوادر العلمية، وتغلغل ثقافات غربية متعارضة مع القيم السائدة، لم تستساغ، حينها، من قبل النخب المتلقّية؛

خامساً: تحوّل عصبة الامم إلى منظمة ضامنة لحقوق الدول الكبرى المنتصرة بالحرب، على حساب الدول والشعوب التي كانت تحت مظلة الدول المهزومة، حيث انتقلت هذه الشعوب من استعمار إلى استعمار آخر دون ان يكون لها اي دور في تقرير مصيرها.

تشابك المشاريع الجيو- بولتيكة

تحت مظلة هذا الواقع، وفي غياب الاطر السياسية والثقافية والاقتصادية المحلية الناظمة، تمددت المشاريع الجيوبولتيكة الاقليمية والدولية لتأمين مصالحها، اشتبكت وتشابكت على ارضنا وعلى حساب مصالحنا، فدخلنا في دوامة اشتباك دائم ما زال مستمراً حتى يومنا هذا، من خلال دوائر ثلاث:

دائرة ذاتية: تختلط فيها قواعد الصراع ما بين وفي الهوية القومية، والهوية الدينية، والهوية المذهبية، والهوية الاتنية، والهوية الاجتماعية (مدنية وعشائرية) والانظمةالسياسية والاقتصادية، والتشكيلات الكيانية التي أفرزتها سايكس-بيكو؛

دائرة اقليمية: تتنازع فيها مشاريع الدول الاقليمية التي بلوّرت هويتها القومية وعملت على اساسها مثل تركيا وايران، وتلك التي لم تتبلور هويتها وتسعى إلى دور قيادي اقليمي "اسرائيل"، ومصر وادي النيل، والسعودية ممثلة للجزيرة العربية؛

دائرة دولية: وقد تدرّج فيها الاشتباك تاريخياً، من صراع بين الامبراطوريات القديمة، ثم بعد الحرب الاولى بين الدول الاستعمارية الحليفة الذي انتج سايكس-بيكو، مروراً بالحرب الباردة بين الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد السوفياتي السابق، وصولاً إلى اليوم بين الجيوبولتيك الاميركي المدعوم من اوروبا والحلف الاطلسي والجيوبولتيكي الروسي المتجدد المدعوم من الصين ودول البركس.

هل الاستعمار هو من أوجد المتناقضات؟

بالواقع، لايمكن الفصل بشكل كامل بين الدوائر الثلاث الا لأسباب منهجية بغية توضيح ما يمكن تسميته بهوامش حرية الحركة المرسومة بدقة من قبل الدائرة الكبرى، حيث برزت إشكالية تقدم نفسها على الشكل التالي: هل الاستعمار هو من أوجد المتناقضات التي تشتملها الدائرة الاولى؟ أم ان هذه التناقضات البنيوية هي التي استجلبت الاستعمار إلى بقعة صراعاتها؟ بمعنى آخر "ما الذي جلب على امتي هذا الويل؟"، كما قال انطون سعادة، واردفه بسؤال آخر "من نحن؟".

هنا يتبادر إلى الذهن، التسميات التي اطلقت على هذه المنطقة، من "الشرق الادنى" إلى "الشرق الاوسط الجديد" و"الشرق الاوسط الكبير أوالموسع" التي ان دلت على شيء فإنها تدّل على مضمون المشروع الجيوبولتيكي واستهدافاته، هي تسميات جغرافية متعالية تؤكد على مركزية الغرب وتبعيتنا، وبالتالي ترسم حدودنا استناداً لخطوط امنها القومي بالجيوش الجرارة والاساطيل المنتشرة في البحار المحيطة، والهيمنة السياسية والسيطرة الاقتصادية على برّنا، وعليه استنادا لحقائق التاريخ والجغرافية والفكر العلمي الحديث، سنستعيد تعبير "سورية الطبيعية" كإسم لهذه المنطقة، باعتبار هذا الاسم الاكثر إلتصاقاً بحضارة المنطقة وثقافتها.

سايكس– بيكو وتوزيع النفوذ بين قوتين إستعماريتين

لا شك ان الاستعمار بكافة اشكاله، قد ركّز في المرحلة الاولى على تدمير البنى الثقافية الحضارية/الروحية باعتبارها جزءاً من العوامل المتغيرة في تشكيل الأمة، ليتسنى له في مرحلة لاحقة، النفاذ من التشرذم النفسي والثقافي لتقسيم الجغرافية بشكل يتناسب مع أهدافه اولاً، وثانياً كي يؤمن هذا التقسيم بقاء الاقليم الجغرافي بعيداً عن امكانية التفكير باستعادة وحدته.

ان سايكس– بيكو، وهي اتفاق توزيع نفوذ بين قوتين استعماريتين، لحظت من خلال ترسيمها لسوريا الطبيعية المسائل التالية:

1. فصل مناطق الجذب الحضارية (ما بين النهرين، بلاد الشام)

2. إضعاف العمق الاستراتيجي (لبنان بعمق 40 كلم كذلك فلسطين)

3. سلخ المناطق الساحلية عن الداخل، مثلا رغم اتساع العراق فهولا يملك منفذ بحري يتناسب مع مساحته (4كلم على الخليج، الشام 2000 كلم على البحر المتوسط) رغم ان طول الشواطئ السورية على هذا البحر تبلغ اكثر من 800 كلم.

4. التحضير من خلال هذا التقسيم لما اصبح واقعاً فيما بعد، دولة يهودية في فلسطين، وسلخ لواء الاسكندرون وكيليكة وصولاً إلى ماردين، وربما دولة كردية في الشمال الشرقي.

5. التقسيم على الاساس الطائفي.

افقدت هذه الاتفاقية سوريا الطبيعية السيطرة المباشرة على شرق البحر الابيض المتوسط من خليج الاسكندرون حتى قناة السويس، كما افقدتها القدرة على التحكم بالممرات المائية وحركة التجارة والنقل، وابعدتها عن موقع قبرص الاستراتيجي، وحجّمت بنفس الوقت قدرتها الطبيعية من المشاركة بمياه الخليج والبحر الاحمر.

بإختصار، وضعت هذه الاتفاقية حداً لمعادلة قوة/سيادة التي تتمتع بها عادة الأمم بالعالم، وهو ما افقدها مركزها ودورها الجيو- سياسي والجيو- ستراتيجي، بعد ان أفقدها دورها الجيو-ثقافي الحضاري في العالم، ولم تستطع منذ ذاك التاريخ ان تكوّن وضعاً يليق بها في مرحلة تنازع الأمم البقاء، بل جعلها في مهب مشاريع الآخرين.

يصعب الآن في ظل التشرذم الحاصل على مستوى كيانات الأمة فيما بينها وداخل كل كيان، وفي ظل الحرب الحقيقة الدائرة على ارضها، يصعب وضع تصور استراتيجي لدور مستقبلي، دون تحديد نقطة بداية مستقرة ونقطة نهاية واضحة المعالم، موزعة على مراحل تكتيكية زمنية، والعمل بشكل متوازن بين ما هو استراتيجي وما هو تكتيكي، شرط توفر الارادة السياسية، والتي يبد وانها بعيدة المنال حالياً، لارتباط النخب المحلية بمشاريع تكتيكية مفصلة على قياساتها، وعلى حجم طوائفها و"جماهيرها" واثنياتها وعشائرها، وارتباط مشاريعها بالخارج. ويتعذر، بنفس الوقت، رسم النقاط المطلوبة للنهوض، دون قراءة فعلية متأنية لاستراتيجيات الاخرين الاقليمية والدولية، ومدى تأثيرها ومكامن الضعف والقوة فيها.

العالم من لعبة الشطرنج الى "المكعبات البلغارية"

هنا تبرز مسألة الإدراك والفهم والتحليل ومن ثم وضع الأولويات والخيارات على مستوى بناء القدرة الذاتية والعوائق الناتجة عن التدخل الخارجي على قاعدة عقلية بحته، لأن العقل هو الشرع الأعلى، وهو بالتالي يحدد الغايات والأساليب الواجب إتباعها للوصول إلى الأهداف المرسومة، شرط مرحلتها والعمل على إقامة التوازن بين الغايات الاستراتيجية والأهداف المرحلية دون طغيان او تعارض بين الغايات والأهداف مصحوبة بتوفر الإرادة السياسية.

تكاد لا توجد طريقة علمية أخرى للخروج من مأزقنا، رغم ان العوائق الداخلية كثيرة ومتشعبة ومعقدة لدرجة تدفع البعض إلى اليأس. غير ان وجود مشروع بنائي مستهدف واضح المعالم، يبعث على الأمل ويشحذ الهمم خاصة ان شعبنا يتمتع بدينامية عالية، وقدرة أقرب ما تكون إلى المثالية على العمل والمثابرة لانجاز ما يمكن تصوره ووضعه موضع التنفيذ.

ان العالم لم يعد لعبة شطرنج محصورة بين الأسود والأبيض كما كانت خلال الحرب الباردة وبين قطبين أساسيين فقط، بل تحوّل إلى لعبة أخرى، بما يمكن تسميته بــ "المكعبات البلغارية" ذات الأبعاد والألوان الستة، تلزم لاعبها أن يداخل بين الأبعاد والألوان لتحقيق الانسجام المطلوب والتوازن بين البعد واللون.

يستوجب فهم اللعبة الدائرة بمنطقتنا، الاطلال على المشروع الاميركي الغربي بالدرجة الاولى وتحديد ماهية أهدافه، والتحولات السياسية والميدانية لمساره كونه المشروع الاساس، والاكثر تجذّراً، كي نستطيع من خلال هذا الفهم النفاذ إلى ادراك المشاريع الاخرى الموازية او المعارضة، ليتسنى لنا فيما بعد تحليل نقاط القوة والضعف فيه وفي مشاريع الاخرين، وبالتالي ايجاد المساحة الممكن العمل عليها ومن خلالها لتحقيق مكان لمشروعنا.

ان الولايات المتحدة، التي تبنت استراتيجية الحفاظ على الدولار، والانصهار المجتمعي الداخلي وذلك من خلال النهب الخارجي وخلق عدو دائم، اعتمدت نظرية الفرد ماهان في بداية القرن الماضي، والقاضية بتطويق الدولة البحرية للدولة القارية البرية ومن ثم العمل على اسقاطها من الداخل، وقد نجحت إلى حد بعيد في تعاملها مع الاتحاد السوفياتي السابق من خلال تعاظم قدراتها البحرية وانشائها للاحلاف العسكرية (الناتو، أسيان، والحلف المركزي) وامساكها بالمفاصل الاقتصادية العالمية، وجر القطب السوفياتي إلى سباق التسلح.

"الإسلام الرايكالي" بدل الإسلام المعتدل

بعد هذا النجاح التاريخي، تطلعت إلى تطويق الصين، فمددت حلف شمالي الأطلسي إلى دول أوروبا الشرقية وعززت وجودها في جنوب شرق اسيا بالقواعد العسكرية، وذهبت إلى تنظيف المسرح العالمي الوسيط الممتد من حدود الصين إلى البحر المتوسط.

كانت الأهداف التي تسعى الولايات المتحدة الاميركية لتحقيقها، في المسرح الاستراتيجي الوسيط وهو المسرح الذي يشمل منطقتنا، تتلخص بالبنود التالية:

1. الحفاظ على أمن "اسرائيل" وعلى "اسرائيل" كقاعدة عسكرية متقدمة؛

2. امن الابار النفطية وامن تدفقها من خلال السيطرة البحرية وحرية الملاحة التجارية ومسك المنافذ المطلة من وإلى البحر الابيض المتوسط؛

3. دعم الانظمة القائمة التي تتبع سياستها للحفاظ على حالة استقرار امنية وعسكرية تؤمن موجبات النهب السهل للثروات المحلية؛

4. الوصول إلى حل نهائي في "الشرق الاوسط" يرسّخ وجود "اسرائيل"، وزادت الولايات المتحدة على الركائز الأربع السابقة بعد 11 ايلول 2001 بنداً خامساً وهو محاربة الارهاب، تماشياً مع قاعدة استراتيجيتها (خلق عدو خارجي)، إلا أن الأولويات الأميركية قد تبدلت منذ عام 2013، فتصدرتها مسألة محاربة الإرهاب نظراً لبروز ما اسمته بــ "الاسلام الراديكالي" على حساب الاسلام المعتدل الذي أصبح يشكل خطراً داهماً على مصالحها في المنطقة وحتى في اوروبا والعالم. وهوما دفعها بالفعل إلى القبول بعقد مؤتمر جنيف 2، وتثبيت تحالفها مع دول الاسلام المعتدل وهوايضاً ما جعلها بحالة ارباك بعد ازاحة الاخوان المسلمين عن الحكم في مصر خلال تحرك الجيش في 30 حزيران 2013. أما التحوّل الثاني، فيبرز من خلال العمل لعدم انتشار اسلحة الدمار الشامل، وقد ظهر موقفها جلياً فيما يتعلق بالملف النووي الايراني، والاتفاق مع روسيا على تدمير الترسانة الكيماوية السورية. وهوبالواقع ما اعتبرته انجازاً لها بابقاء "اسرائيل" متفوقة عسكرياً لامتلاكها منفردة السلاح النووي، وبالتالي استقرار المنطقة لضمان تدفق النفط.

رغم ذلك تراجع، دور الولايات المتحدة بشكل دراماتيكي في هذه المنطقة لأسباب عدة منها الازمة الاقتصادية التي طاولتها بدءاً من العام 2008 نتيجة لحروبها الخارجية في أفغانستان والعراق، وتكاليف انتشار قواتها على امتداد العالم، وربما لسبب جوهري آخر وهو بروز منافسين جديين على الساحة العالمية كروسيا والصين والهند وبقية دول البريكس، وقد يكون من الأسباب أيضاً، تراجع اهمية هذه المنطقة استراتيجياً لاكتشاف مصادر طاقة ذات أهمية أكبر، وأسواق تجارة عالمية أوسع في آسيا والمحيط الهادئ.

أما القطب الثاني الذي ينافس الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة فهي بالتأكيد روسيا الاتحادية، التي استعادت حركتها الاستراتيجية بعد وصول فلاديمير بوتين إلى الحكم. والاستراتيجيا الروسية هي استراتيجيا ثابتة كما قلنا سابقاً، وتتلخص بالوصول إلى المياه الدافئة. وهي استراتيجيا لم تتغير من عهد القياصرة (كاترين الثانية، بطرس الاكبر) مروراً بالاتحاد السوفياتي وصولاً إلى الوقت الحاضر مع الاتحاد الروسي. أما اهم الملامح التي تعمل على اساسها روسيا الان لخدمة استراتيجيتها، فتتلخص بالنقاط الاتية:

1. محاربة القوى التكفيرية لابعاد شبحها عن الاراضي الروسية وخاصة في الشيشان، التي عانت طويلا من العمليات الارهابية؛

2. الاحتفاظ بسورية كحليف استراتيجي مطل على البحر الابيض المتوسط، وخاصة قاعدة طرطوس التي تشكل عصب الاسطول الروسي على هذا البحر بعد فقدان روسيا قواعدها في ليبيا ومصر والجزائر. وهوما يفسر وقوفها بقوة مع سوريا على المستويات العسكرية والسياسية والديبلوماسية خاصة في مجلس الامن الدولي؛

3. التواجد وبشكل قوي خلف الدرع الصاروخي الاميركي الممتد من بولندا إلى تركيا مرورا ببلغاريا؛

4. تأمين تدفق الغاز عبر السيل الجنوبي لشركة غازبروم إلى اوروبا، تماماً كالسيل الشمالي الذي يمر في اوكرانيا.

تسعى روسيا الآن إلى استعادة دور ونفوذ الاتحاد السوفياتي السابق مع تجنب الوصول إلى سباق تسلح مع الولايات المتحدة بغية الحفاظ على النموالمضطرد لاقتصادها. غير ان الولايات المتحدة، وبتمويل صهيوني، استخدمت قوتان محليتان لزعزعة الوضع الروسي: "الاصولية الاسلامية المتشددة"، و"الحركات النازية المتشددة" في أوروبا الشرقية وخصوصاً الجمهوريات السوفياتية السابقة وعلى وجه التحديد أوكرانيا.

أما الاستراتيجيات الاقليمية ورغم اهميتها لا تستطيع العزف منفردة خارج دائرة الاشتباك الدولي. قد تستفيد كل منها من التقاطعات المرحلية بين ما هواقليمي وما هودولي، الا ان حركتها مهما توسعت تصبّ اساساً في خانة الاقطاب الدولية.

من المهم جداً تحليل مقومات العمل الاقليمي وخاصة "الاسرائيلي" والتركي والايراني والعربي فيما يتعلق بمصر والسعودية وتأثيراتهم على سوريا الطبيعية، كما انه من المهم قراءة الاستراتيجيات الصينية وتطلعات الدول الكبرى الاخرى. غير انها واقعياً وعملياً ليست خارج اداء كل من الولايات المتحدة وروسيا في الوقت الراهن.

ان الاطلالة السريعة على المشاريع الجيو- بوليتيكية التي تستهدف منطقتنا ودينامياتها، لا تُعفينا من الدراسات المتأنية لكل منها، لكن الأولوية تبقى في وضع الحجر الأساس للخروج من مأزقنا، وتبني رؤية واضحة للنهوض على قاعدة الاسئلة التالية:

من نحن؟ أين نحن؟ إلى اين؟ ما هي سبل الوصول؟

المراجع:

1. أحمد داوود أوغلو، العمق الاستراتيجي، الدار العربية للعلوم، الطبعة الثانية، 2010.

2. وليد زيتوني، مقاربات جيوبوليتيكية، دار فكر للابحاث والنشر، 2012.

3. بيار سيليرييه، الجيوبوليتيكا والجيوستراتيجيا، تعريب عاطف علبي، مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق، 1993.

4. ريمون آرون، الجدل الكبير حول الاستراتيجية الذرية، دار طلاس.

5. أنطون سعادة، المحاضرات العشر، لجنة النشر، 1952.


 
جميع الحقوق محفوظة © 2024