شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2017-05-27
 

The Establishmen وسياسة التطويل

أحمد اصفهاني

العنوان أعلاه يتطلب بعض الإيضاحات التمهيدية.

Establishment

تعني حسب القاموس الإنكليزي ـ العربي: مجموعة قوانين، كنيسة رسمية، منشأة مدنية أو عسكرية، مؤسسة تجارية أو عامة أو خاصة، توطيد، ترسيخ، إقامة، تأسيس…إلخ. وللإختصار نقترح الترجمة التالية: مؤسسة سياسية عسكرية راسخة ذات سلطة غير محددة تصل إلى حد القداسة! وفي مصر يصفها بعضهم بـ”الدولة العميقة”، بما يشي أيضاً برسوخها وسرّيتها ويدها الحديدية الطائلة.

أما كلمة “التطويل” فليست على المستوى نفسه من التعقيد والتشعب، لأنها معروفة للمنحدرين من أصول ريفية. عناصرها محددة سلفاً: حبل بطول مقرر مسبقاً، ووتد خشبي، ومساحة معينة للحركة المقيدة. هذه هي الثوابت، أما المتغيّر الوحيد فهو الذي يُربط بطرف الحبل ويقع عليه قرار “التطويل”.

سمعت هذه العبارة للمرة الأولى في بلدة النبي عثمان (شمالي البقاع اللبناني)، حيث لي أقرباء وأصدقاء ورفقاء، وحيث كنت أمضي قسماً من إجازة الصيف عند عمتي التي كانت متزوجة هناك. ذات يوم طلب زوج عمتي، مني ومن أحد أبنائه، أن نأخذ الخروف المربوط أمام البيت وننزل به إلى بستان الخضار المجاور كي “نطوّل له”. أنا لم أفهم شيئاً من هذه العبارة، لكن ابن عمتي كان على دراية تامة بما يجب القيام به.

حملنا الحبل والوتد الخشبي وفككنا رباط الخروف وتوجهنا به إلى السهل. كانت أرض زوج عمتي مزروعة خضاراً متنوعة، بعضها تم قطافه وبعضها الآخر لم يحن موسمه بعد. الغاية من نقل الخروف هي أن يرعى الأعشاب والنباتات التي أنجز قطافها. ويكون ذلك بأن ندق الوتد في منتصف قطعة الأرض الناجزة، ونربط الخروف إلى الوتد، ثم نطوّل له بحيث تكون له “حرية الحركة” في القسم المخصص للرعي، لكنه “مقيّد” إلى حد لا يسمح له بالوصول إلى القطع الأخرى المجاورة الغنية بالخضار.

إنها “الحرية المطوّل لها”! حرية مقيّدة بطول الحبل المسوح به.

       أنا وابن عمتي كنا الـ Establishment

بالنسبة إلى الخروف. فنحن نقرر مساحة حرية الحركة التي يتمتع بها، ونحن من يحدد له

متى يتمتع بهذه الحرية ومقدارها وكيفيتها! ولا يختلف تعاملنا البسيط مع ذلك الخروف كثيراً عن التعاطي المعقد الذي تمارسه الـ Establishmen

  مع الناس في الدول ذات المركt المركزية الراسخة، حتى ولو كانت من “أعرق” الأنظمة الديموقراطية في العالم. ولعل تجربة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما خير نموذج على محدودية حرية الحركة عندما تشعرالـ Establishment

  بأن الوقت قد حان لتقصير الحبل. ويبدو أن الرئيس الحالي دونالد ترامب بدأ يشعر بأن حبل “التطويل” أخذ يشتد على عنقه شيئاً فشيئاً بعدما حاول الخروج عن المساحة المرسومة له. وعلينا أن نراقب بحذر قدرة الرئيس الفرنسي الجديد مانويل ماكرون على تجاوز الخطوط الحمر، خصوصاً وأنه قادم من صلب ال

Establishment

المالية العالمي.

 إن “سياسة التطويل” تنطبق على الخروف تماماً كما تنطبق على الإنسان. صحيح أن الحبل والوتد لا يظهران إلى العيان إجمالاً، لكننا ندرك بالممارسة ضيق المساحة المسموح لنا بها… والتي تضيق حولنا يوماً بعد آخر.

* الفينيق


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه