إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

اتفاق جنوب غرب سورية... تهدئة موقتة أم مقدّمة لتسويات أشمل؟

سومر صالح - البناء

نسخة للطباعة 2017-07-12

إقرأ ايضاً


لم تمض ساعات قليلة على انتهاء الجولة الخامسة من سياق أستانة للحلّ في سورية والذي شهد إصراراً أميركياً على إبعاد ما يسمّى بـ«فصائل الجبهة الجنوبية» عن هذه المفاوضات، حتى بدأت الصورة تتضح أكثر لأسباب هذا الإصرار على الابعاد، فبعد لقاء الرئيسين ترامب وبوتين على هامش قمة مجموعة العشرين في هامبورغ 7/7/2017 ، تمّ إعلان اتفاقٍ مبدئيّ لوقف إطلاق النار في منطقة جنوب غرب سورية، لتسارع الحكومة الأردنية في اليوم الثاني 8/7/2017 إلى إصدار بيانٍ رسميّ يوضح جزءاً من هذا الاتفاق، باعتباره اتفاقاً بين المملكة الأردنية والولايات المتحدة الأميركية وجمهورية روسيا الاتحادية على ترتيبات لدعم وقف إطلاق النار في جنوب غرب سورية، يعمل به اعتباراً من يوم الأحد التاسع من تموز الحالي، وسيتمّ وقف إطلاق النار على طول خطوط تماس جرى الاتفاق بشأنها بين الجيش السوريّ والقوات الرديفة من جانب، وميليشيات الفصائل المسلحة من جانب مقابل…

تُسجل ملاحظتان أوليتان على هذا الاتفاق: الملاحظة الأولى أنّ الاتفاق ليس جزءاً من مذكرة مناطق تخفيف التصعيد التي أنجزتها جولة أستانة الرابعة 3 و4/5/2017 ، وهذا ما يفسّر الضغط الأميركيّ لإقصاء ممثليّ فصائل الجنوب للمشاركة في الجولة الخامسة من مؤتمر أستانة، والملاحظة الثانية أنّ هذا الاتفاق ليس وليداً للقاء الذي جمع الرئيسين ترامب وبوتين بل إنّ المحادثات الأميركية – الروسية – الأردنية حول هذا الاتفاق كانت بدأت في عمّان منذ منتصف أيار الماضي وأسفرت في 22/6/2017 عن مذكرة تفاهم ثلاثية، في جنوب سورية، ولكنها لم تبلغ حينها مستوى الاتفاق الثلاثي، وعلى ما يبدو أنّ روسيا سعت إلى تشميل هذه المذكرة باتفاق مناطق تخفيف التصعيد في جولة مفاوضات أستانة الخامسة، وهو ما عارضته وأفشلته الولايات المتحدة عمداً، وسعت إلى أن يكون اتفاقاً منفصلاً عن سياق أستانة على شاكلة اتفاق 22/2/2016 لمنع «العمليات العدائية»، والذي أعقب اجتماع ميونيخ لمجموعة الدعم حول سورية، وتأكيداً على أنّ هذا الاتفاق هو جزء من مشاورات عمّان ذكرت وكالة الأنباء الرسمية الأردنية وعلى لسان الناطق باسم الحكومة الأردنية أنّ هذا الاتفاق جرى التوصل إليه في عمّان، وعليه فإنّ اتفاق 7/7/2017 هو نتيجة ما توافق عليه الرئيسان ترامب وبوتين من تفاصيل تلك المذكرة المؤرّخة في 22/6/2017 ، ومن المحتمل أنّ هذا الاتفاق قد تجاوز في طبيعته بنود مذكرة «مشاورات عمّان» والتي تضمّنت نقاطاً وخطوطاً عريضةً تمّ تداولها إعلامياً دون صدورها عن مصدر رسميّ نذكرها بتحفظٍ شديدٍ وهي:

أولاً: «عدم وجود قوات غير الجيش السوري» في جيب عمقه 30 كيلومتراً، ثانياً: وقف الأعمال القتالية بين الجيش السوري و«الفصائل المسلحة»، ووقف العمليات الهجومية من الطرفين، ثالثاً: إدخال مساعدات إنسانية وعودة اللاجئين من الأردن وإطلاق تبادل تجاري بين الطرفين ووجود «مجالس محلية موقتة» بانتظار الحلّ السياسي بموجب القرار الدولي 2254، رابعاً: رفع العلم السوري الرسمي على المؤسسات العامة في المناطق المتفق عليها والوصول من مدينة درعا إلى معبر الرمثا على حدود الأردن، خامساً: يتعهّد الطرفان، الجيش السوري والفصائل المسلحة، في محاربة التنظيمات الإرهابية في إشارة إلى «جيش خالد» المبايع لـ«داعش».

وبعد إعلان الاتفاق بين روسيا والولايات المتحدة ساد الارتباك الأوساط السياسية والصحافية في توصيف هذا الاتفاق، فهو مشابهٌ من حيث الترتيبات لتفاصيل مذكرة تخفيف التصعيد في أستانة، ولكنه ليس برعايةٍ ذات الضامنين، فالجديد أنّه اتفاق أميركيّ روسيّ وبدرجةٍ أقلّ أردنيّ، ويقضي بنشر قوات من الشرطة العسكرية الروسية في مناطق ما سمّي «نقاط التماس» المتفق عليها في «خارطة التماس»، وإنشاء مركز أميركيّ روسيّ في عمّان للمراقبة.

من جانبها الحكومة الإيرانية وعلى لسان الناطق باسم وزارة الخارجية بهرام قاسمي أيدت هذا الاتفاق ودعت إلى وقف إطلاق النار في جميع أنحاء سورية، لكن أوضحت أنّه يحتوي نقاطاً غامضةً يجب إيضاحها، وبالتالي تكون حكومة طهران قد وجّهت صفعةً دبلوماسيةً لمن يريد القول إنّ الاتفاق الروسي الأميركي موجّهٌ ضدّ مصالحها وأنّ الحكومة الإيرانية تقف ضدّ وقف إطلاق النار في سورية، فالجمهورية الإسلامية الإيرانية ليست المشكلة كما يصوّر أطراف من المعارضة السورية، فالمشكلة الأساس هو احتلال العدو الإسرائيليّ للجولان السوري ودعمه جبهة النصرة الإرهابية فرع القاعدة في سورية، وليست المشكلة في دعم إيران لسورية في مكافحة الإرهاب واسترداد أراضيه المحتلة.

إذاً نجحت قمة هامبورغ في تحويل مذكرة عمّان إلى اتفاق روسيّ أميركيّ، دون معرفة تفاصيله الكاملة بعد، ولكن، يتبادر إلى الأذهان جملةٌ من الملاحظات والتساؤلات المنطقية حول طبيعة ومستقبل هذا الاتفاق مقارنةً باتفاقاتٍ سابقةٍ بين الولايات المتحدة وروسيا في سورية كان مصيرها الفشل بفعل سياسات الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين كاتفاق 15/7/2016 واتفاق 22/2/2016 ومبادرة لوزان:

الملاحظة الأولى: غياب الكلام عن جبهة النصرة الإرهابية في المنطقة الجنوبية ومدى ارتباط فصائل الجنوب بهذا التنظيم الإرهابي، وهذا الأمر ينبئ مستقبلاً باشتعال الخلاف الأميركي الروسي حول هذه النقطة، ويتيح للولايات المتحدة الاستثمار الإرهابي مجدّداً في حال تغيّرت الظروف والاستراتيجيات، وبالتالي المشكلة لم تحلّ بل تمّ تجميد الصراع في حدود الاتفاق الجغرافية، وهذا يعني استمرار المشكلة الروسية الأميركية في تحديد وتوصيف صفة «الاعتدال» والإرهاب لهذا الفصيل أو ذاك منذ صدور القرار 2254 .

الملاحظة الثانية: آلية التعامل مع خرق إطلاق النار والردّ على مصادر الخرق لا تزال غامضة، حيث ستقوم الشرطة العسكرية الروسية بمراقبة وقف إطلاق النار كما أعلن وزير الخارجية الروسي، وهو يعني أنّ هذا الاتفاق لم يأت بجديد عن تطبيق اتفاق 22/2/2016 لوقف الأعمال القتالية، الذي فشل مراراً، وبالتالي قد يتشابه الاتفاقان في المصير.

الملاحظة الثالثة: هذا الاتفاق سيضرّ حكماً بسياق أستانة لأنّ انسحاب فصائل المنطقة الجنوبية منه وتشميلها باتفاق «هامبورغ» سيخرج كتلة مهمة في فصائل أستانة العسكرية، وهو ما يعني أنّ هامش المناورة التركية الذي يلعب على التناقضات الإقليمية في هذا السياق قد انخفض كثيراً، وبالتالي بات النظام التركي وحيداً في مواجهة إيران وروسيا في آن، الأمر الذي قد يدفع النظام التركي إلى تقويض هذا المسار برمّته لأنّه بالأصل لم يشرعن عمليات مشروعه العدواني في إدلب وأرياف حلب في تل رفعت تحديداً، بعد رفضٍ سوريّ إيرانيّ قاطع لهذه المحاولة، وتقويض سياق أستانة هو ما تريده الولايات المتحدة بالضبط، لأنه يعني إخراج إيران من صفة ضامن وهو ما يعمل الأميركي على تقويضه منذ جولة أستانة الثالثة، وهو أحد الأهداف الأميركية من اتفاق هامبورغ.

في المحصلة اتفاق هامبورغ الذي لم تعلن تفاصيله بشكل رسميّ واضح وبقي في إطار التسريبات هو اتفاق جزئيّ موضعيّ على بقعة جغرافية معينة، تتضمّن ترتيبات عسكرية وأمنية بالتفاهم الروسي الأميركي، ولكن من الصعب جداً أن يكون مقدمةً لاتفاق مشابه أميركي روسي أكبر في سورية، فأيّ محاولة للولايات المتحدة الأميركية فرض أمر واقع في سورية سواء في التنف السورية وصولاً إلى البوكمال والشدادي، أو في مطار الطبقة العسكري سيجابه بردّ سوري إيراني على هذا الاعتداء، وما إعلان المرحلة الثانية من عملية الفجر الكبرى 10/7/2017 في البادية السورية باتجاه تلك المناطق إلّا رسالة واضحة للولايات المتحدة وحلفائها وأدواتها بطبيعة المواجهة في القادم من الأيام، وأيّ محاولة أميركية لتحويل «فصائل الجنوب» إلى درع يحمي الكيان الصهيوني ويكرّس احتلال الجولان سيسقطه الجيش السوري، لذلك هذا الاتفاق هو هدنة أو تهدئة على طريق الحلّ السياسي يؤطره مفهوم السيادة السورية وحقها في استرجاع الجولان السوريّ المحتلّ، وهذه النقطة بالذات ستكون عنواناً واضحاً في جولات جنيف المقبلة تطرحها الدولة السورية على وفود المعارضات السورية، لاستيضاح النوايا، وهو ما سيحكم على هذا الاتفاق بالنجاح أو الفشل.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024