شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2017-07-14
 

الخلاف المذهبي ومواجهة الضرورة

د. سمير الخطيب - البناء

إنّ ما يجري اليوم في العالم العربي ليس مجرّد أحداث ناجمة عن ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية طارئة، وإنّما عملٌ مبرمج ومدروس في أهمّ المراكز البحثيّة والاستراتيجية الأميركية والصهيونية اتجاه المنطقة والعالم العربي، فالذاكرة العربيّة مشبعة بالوقائع والأحداث بدءاً من اتفاقية سايكس بيكو مروراً بوعد بلفور والعدوان الثلاثي وتقييد مصر باتفاقية «كامب ديفيد» وتقسيم السودان واحتلال العراق والربيع العربي الدمويّ في ليبيا وتونس ومصر وسورية واليمن، وصولاً إلى النزاع الحاصل اليوم في الخليج…

إنّ هذه الأحداث لم تكن قدراً محتوماً على العرب، وإنّما صُنعت عن سابق إصرار وتصميم، الأمر الذي جعل شعوب المنطقة في حالة من التخبّط أدخلتها في مفارقات حضاريّة خطيرة، فهي تعيش مناخات حضارة اليوم المتقدّم وفي ذات الوقت هي خارج تداول وإنتاج هذه الحضارة، وبالتالي بقيت على الهامش عاجزةً عن اللحاق بركبها، ليس تقصيراً من هذه الشعوب، وإنّما بسبب سياسات الغرب الذي لا يسمح لها بذلك حيث يضع المكابح الخارجية أمامها، ويعزّز العراقيل الداخلية بتدخّلات مختلفة الصعد والمستويات، فتتحوّل بهذه المفارقات وما ينتج عنها من ظلم وتهميش إلى وقود للعنف الموجّه أداته الرئيسيّة الفتنة المذهبيّة والتطرّف الإرهابي الأعمى.

إنّ أخطر ما يواجه العالم الإسلامي عموماً والعربي خصوصاً، هو اختراق الحواجز النفسية والثقافية والاجتماعية والروحية لهذه المجتمعات، من خلال العولمة وثورة الاتصالات واختزال العالم الإسلامي إلى مجرّد فئتين سنّية تواجه شيعيّة، وقد ساهمت مملكة الشرّ في تعزيز هذا الانقسام خدمة للصهاينة، من خلال التلاعب بالحالة الوجدانيّة لشعوب المنطقة والتحريض لإظهار إيران بأنّها العدو الأول للعرب بدلاً من «إسرائيل».

وجاء الربيع الدموي ليكرّس هذا الخلاف من خلال استغلال بعض الأحداث، والتي كان أوّلها إعدام الرئيس العراقي صدام حسين صبيحة عيد الأضحى، والذي اعتبره البعض استفزازاً وتحريضاً من حيث التوقيت والطريقة، بعد ذلك وجد أصحاب المشروع ضرورة القيام بعمل يستفزّ أبناء الطائفة السنّية ليشكّل رافعة للمشروع الفتنوي بين المسلمين، فكان القرار باغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري وبعض الشخصيات الموالية له في لبنان بُغية رفع منسوب التوتّر وضرب الوحدة التي تشكّل دعامة للنهوض.

ولا أدلَّ على ذلك ممّا نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركيّة في تقرير لها نهاية 2016 عن منجزات الربيع العربي الدموي في ليبيا وسورية واليمن والعراق، والذي جاء في متنه أنّ حوالى 30 مليون شخص عربي عاطلون عن العمل، إضافةً إلى الدمار شبه الكامل للبُنى التحتيّة لهذه البلدان و 14 مليون لاجئ و 8 مليون نازح و 1.4 مليون قتيل وجريح و 14 مليون طفل لم يلتحقوا بالمدارس.

إنّ ما يجري اليوم من شراكة بين الكيان الصهيوني وبعض الجماعات الإرهابيّة المتأسلمة والمدعومة خليجياً، بات حقيقة واقعة نظراً لفعاليّة هذا العدو في الواقع الجيوسياسي للمنطقة، حيث نرى الدعم المتواصل للإرهابيّين بكافة الوسائل والأشكال، لاستثمارهم في وجه محور المقاومة باعتباره يشكّل الخطر الأكبر على الوجود الصهيوني في المنطقة وخاصة في الجبهة الشمالية، والتي خاضت فيها «إسرائيل» خمس حروب متعاقبة، وقد دعمت هذه النظرية العديد من القراءات السياسيّة والتأكيدات الدينيّة التلمودية اليهودية، حيث ورد في كتاب أسرى في لبنان لمجموعة من الكتّاب اليهود المنشور عام 2006 والمترجم من العبرية إلى العربية، بالإضافة إلى الخلاصات والنتائج التي توصّلت إليها لجنة «فينوغراد» بعد أن أجرت تحقيقاً في أسباب إخفاق «إسرائيل» في حرب لبنان، حيث تمّ التأكيد على الأمور الآتية:

1- العمل على تغيير الوضع في سورية وإلزامها بتغيير سياستها مع حزب الله، وهذا من أهمّ المطالب التي رفضها الرئيس الأسد حين جاء كولن باول وزير الخارجية الأميركي مهدّداً بعد احتلال العراق.

2- بذل الجهود لوقف توريد السلاح من إيران إلى حزب الله عن طريق سورية، وذلك بعزل منطقة القلمون والبقاع، وسيكون حسم أيّة معركة مع حزب الله من دون ذلك ضرباً من الخيال.

وهذا ما حاولت التنظيمات الإرهابية «المتأسلمة» والمدعومة من عربان الخليج بالمال والسلاح القيام به خلال هذه الحرب خدمةً للكيان الصهيوني والغرب.

إنّ جميع التطوّرات الميدانية اليوم لصالح الجيش السوري وحلفائه، الأمر الذي دفع بالأميركي إلى التصعيد والتهديد واختلاق أكاذيب ساذجة رخيصة كموضوع استخدام السلاح الكيماوي وإعطاء الضوء الأخضر للقيام بالاغتيالات والتفجيرات، في محاولة منه لخلط الأوراق وتحقيق ما فشل به على مدى سنوات، وما تصريح سفيرة أميركا في الأمم المتحدة نيكي هايلي حول معاقبة روسيا وإيران إلّا دليل على الشعور بخيبة الأمل والفشل وعدم وضوح الرؤية الاستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة.

وهنا أقول لمن يتحدّث عن تطوّرات دراماتيكية تتدحرج إلى مواجهة واسعة، إنّ هذا الأمر غير واقعي، وكلّ ما هو متوقّع لا يتعدّى استمرار تدخّل الكيان الصهيوني بشكل محدود وموضعي على الحدود، بالإضافة إلى السعي المتواصل من هذا الكيان وحلفائه لحشد المزيد من التحالفات الإقليميّة على قاعدة الوقوف في وجه الخطر الإيراني والتحريض المذهبي، باعتبار هذا الفكر وحده كفيل بإبعاد أيّ خطر وجودي لبقاء «إسرائيل»، وبالتالي يكون هذا الكيان خارج مواجهة الضرورة.


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه