إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

«السلاح المطلوب...»

فاروق ج. أبو جودة - البناء

نسخة للطباعة 2017-08-17

يهتمّ رجالات السياسة والتيارات المختلفة، على الساحة اللبنانية، بموضوع السلاح المنتشر في لبنان، بين مؤيّد لوجوده ومعارض له، لأسباب عديدة، يعلّل كلٌّ، وجهة نظره لإقناع من يريد، حتى تقوى شوكته ويعزّز موقعه ويسفّه خصمه ويعلي شأنه هو، كي تكون له الغلبة في الداخل، إرضاءً للخارج، مع ما يرافق ذلك من مخاطر على لبنان وشعبه ومصالح بنيه.

فمنذ إنشاء الكيان الصهيوني المغتصب 1948، إثر قرار التقسيم 1947، والغلبة بالسلاح كانت لصالح العدو اليهودي.

في حرب النكبة الأولى وما رافقها من مؤامرات وتباطؤ ورشوات وصفقات، أدّت جميعها، إلى تثبيت الأمر الواقع في اغتصاب الزمر اليهودية شتيرن وهاغانا وغيرهما، لأرض فلسطين وقيام الدولة العنصرية اليهودية.

في ذلك الوقت أرسل سلاح فاسد للجيش المصري، عندما كان عبد الناصر وفرقته يقاتلون على الجبهة المصرية وربما كان هذا من الدوافع القوية المحرّضة لقيام «ثورة الضباط الأحرار» في 23 تموز/ يوليو 1952 ونقل مصر من الملكية إلى الجمهورية.

ومُنع تسليح المتطوّعين القوميين الاجتماعيين للقتال على بطاح فلسطين ضدّ العصابات اليهودية، حيث إنّ حكومة لبنان حينها، مانعت توزيع السلاح على القوميين المقاتلين، لمؤازرة رفقائهم وإخوتهم في فلسطين، لأنّ القوميين كانوا جادّين في تطوّعهم للاستشهاد في سبيل إيمانهم وعقيدتهم ومسألتهم المركزية فلسطين، بينما كانت الحكومة اللبنانية في مكان آخر…

كما أنّ الحكومة في الشام، في ذلك الوقت، لم تكن على المستوى المطلوب، فأطاح بها انقلاب حسني الزعيم!؟ ناهيك عن حكومة الأردن ومليكها وغلوب باشا…

وتركّز الحكم للاغتصاب وهدأت الحدود قاطبة وبنى المغتصب كيانه وسلّحه أيما تسليح من الدول الغربية والشرقية كافة في آن.

وكانت المعادلة بشكلها المجحف الظالم: كلّ سلاح الدول العربية يضاهيه سلاح الدولة العبرية، مع فيتو أميركي دائم لعدم تسليح الجيوش العربية، خصوصاً دول المواجهة، بسلاح هجومي عصري متطوّر!؟

ولهذا السبب، كانت الحروب العربية «الإسرائيليّة» النظاميّة، حتى سنة 1973، تميل دائماً لصالح العدو الصهيوني، وكانت أرض لبنان وأجواؤه وبحاره مستباحة، لكون قوة لبنان، هاتيك الأيام، كامنة في خفايا ضعفه وحنايا تهيّبه وتلافيف تماهيه العاطفي مع ما سمّي «الجار الجنوبي».

وعندما حزمت دولتا الطوق أمرهما جمهورية مصر العربية والجمهورية العربية السورية، وأعلنتا الحرب المفاجئة، حرب تشرين الأول/ أكتوبر المباركة وعبرت الجيوش المصرية قناة السويس وحطّمت «خط برليف الحصين» وأصبحت أراضي سيناء وفلسطين الجنوبية مكشوفة أمام زحف القوات المصرية.

وخاضت الجيوش السورية المعارك على جبهة الجولان وسقطت المواقع تباعاً أمام القوات السورية المسلحة وتساقطت الطائرات العدوّة المغيرة، كطيور السمّان، تحت وابل صواريخ الجيش السوري وطائراته المقاتلة، وأصبح الإطباق على الدولة «الإسرائيلية» قاب قوسين وأدنى…

وما تبع ذلك، تبنّته الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية، فتحوّل الانتصار، الى مادة للمساومة والابتزاز، حتى فقد فعله وألقه…

ثم أطلق العالم يد «إسرائيل» لتعبث بالمنطقة كما يحلو لها، ممهّدة «لعصر إسرائيلي» تهيمن فيه الدولة العبرية على مقوّمات المنطقة، بعد أن تكون اقتلعت من أمامها، كلّ من يعرقل أو يمكنه أن يعرقل، تحقيق طموحاتها المعلنة والمبطّنة.

ومع إهلال «العمل الفدائي» على يد عناصر المقاومة الوطنية اللبنانية، ببطولاته المؤيّدة بصحة الإيمان والمعتقد، ومع بدء العمليات الاستشهادية التي أرعبت العدو وكبّدته الخسائر الجسيمة بالأرواح والعتاد ولاحقته زمر المقاومة البطلة في اندحاره وانسحابه، حتى انهزامه هزيمة بالغة في الألفية الثانية 25 أيار 2000 وجاء الهروب العشوائي لقواته تجسيداً لمقولة الزعيم سعاده: «لقد شاهد أجدادنا الغزاة الفاتحين ومشوا على بقاياهم، أما نحن، فسنضع حداً للفتوحات».

وبدأ عصر جديد يلوح في الأفق مشكلاً بادرة أمل لشعوبنا المقهورة المظلومة المغلوبة على أمرها، ورأت الأنظمة القومية الممانعة والرافضة للإذعان والمذلّة والقبول بالأمر المفعول، إلى ظاهرة المقاومة البطلة بعين القبول والعطف والتشجيع، وكانت المقاومة على مستوى التحدي، إرادة وعزماً وتصميماً وتدريباً وإخلاصاً، مما أربك العدو ولم يمكنه من معرفة خفاياها وبواطنها وأسرارها وعناصرها، حتى دقت الساعة وأظهر المقاومون ما يخبّئون للعدو من مفاجآت لم يعتد عليها ولم يرَ لها مثيلاً من قبل، حيث سجلت المقاومة قدرة في الصمود وصدّ هجمات العدو، في تكتيك الدفاع وتكبيد قواته المهاجمة براً وبحراً وجواً، أفدح الخسائر في الأرواح والعتاد والممتلكات، فللمرة الأولى في تاريخ الكيان الصهيوني على أرض فلسطين المغتصبة، تنتقل الحرب من الأراضي العربية المجاورة إلى عمق الكيان اليهودي على امتداد الرقعة المنبسطة من حدود لبنان الجنوبية إلى حيفا وما بعدها.

وكان الذي كان، إلى أن حدّد الاختصاصيون مجموع خسارة «إسرائيل» خلال حرب تموز 2006 بستة مليارات دولار أميركي!؟

وبعدئذ، عرف الجنوب اللبناني هدوءاً نسبياً كبيراً، نَعِمَ بموجبه أهلنا هناك، بالإطمئنان والأمان والسعادة، لأنّ العدو بات يحسب خساراته في حال قيامه بأيّ اعتداء، قبل حساباته في كلّ ما يمكن تحقيقه إذا قام باعتداء جديد.

كلّ هذا، كان بفضل المقاومة ورجالها وأعمالها وبطولاتها واستشهادييها، وسلاحها أيضاً…

فمقارنة بما يدّعيه المغرضون، نرى أنّ الدول العظمى والصغرى، لا تسمح بتزويد الجيش اللبناني بسلاح متطوّر عصري استراتيجي، والتاريخ والوقائع والحيثيات كلها تشهد منذ سنة 1948 إلى اليوم، وكلّ صفقة لتسليح الجيش اللبناني، كانت تبوء بالفشل ولا يتمّ مفعولها، إنما كان يتم تعطيلها وتخرج من المعادلة والتداول: طائرات الميراج الفرنسية، صواريخ الكروتال، إلى إلغاء الهبة السعودية وغيرها…

هذه الأمثلة، مع ما بدا أخيراً من رفض الولايات المتحدة تسليح الجيش، بحجج مختلفة، تكفي المطالبين بنزع سلاح المقاومة أو ترويضه، لإعادة النظر في موقفهم ودعوتهم إلى إضعافها ونزع سلاحها، خدمة للعدو «الإسرائيلي».

فقبل نزع سلاح المقاومة، هل يمكن لهؤلاء المطالبين، تأمين سلاح عصري ومتطوّر للجيش اللبناني، من أيّ مصدر يريدونه، يمكّنه من الوقوف بوجه «إسرائيل» والدفاع عن لبنان وحماية أراضيه وحدوده؟ فهل يُسمح للبنان أن يتسلّح من أيّ مصدر كان، كي يصبح جيشه على مستوى الجيوش العصريّة النظاميّة القادرة؟

ومتى تمّ ذلك وتأمّن، عندها يُطرح موضوع سلاح المقاومة ودمجه في استراتيجية دفاعية عالية قوامها المثلث الذهبي: الشعب والجيش والمقاومة، تحت عباءة الدولة الواعية المسؤولة…

وإلى ذلك الحين، نتمنّى لهؤلاء طول الديمومة والبقاء…


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024