شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2017-08-25
 

العدالة الدوليّة وحتميَّة سقوط منطق القوَّة

د. سمير الخطيب - البناء

لا شكّ في أن مفهوم العدالة متشعّب ومتعدّد الجوانب من حيث الأهميّة والنوعية ويهدف إلى خلق نوع من المساواة بين أبناء الشعب الواحد في ظلّ قانون يطبّق على الجميع، لأنّ سلوك الناس يحدّده تطبيق القانون.

إنّ أول مقوّمات هذه العدالة ألا يكون أحد فوقها وألا تستثني أحداً، وتعتبر العدالة من أهمّ المعايير والمقاييس في تقييم تطور المجتمعات على مختلف أشكالها وأنظمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويعتبر غياب العدالة من أخطر الأمور التي تهدّد الأمان والأمن الاجتماعي بين الناس، وإذا كان من واجب الحكومات العمل على تحقيق العدالة بما يضمن للأفراد العيش الكريم والحياة الراقية، فإنّ من واجب المجتمع الدولي أن يسعى إلى تحقيق العدالة الدولية وملاحقة كلّ من يدعم الإرهاب، لأنه العدو الأكبر للإنسانية.

عندما نتحدّث نحن العرب عن الإرهاب والعدالة لا بدّ من التوقف ملياً عند الولايات المتحدة الأميركية، باعتبارها خرجت من الحرب العالمية الثانية محتفظة ببنيتها التحتية سليمة معافاة. فهي عضو دائم في مجلس الأمن الدولي وأول دولة امتلكت الأسلحة النووية ودولة مؤسسة لحلف شمال الأطلسي ويفوق ما تنفقه على جيشها 30 في المئة من الإنفاق العسكري العالمي، إضافة إلى قوتها الاقتصادية والسياسية والثقافية مما يجعلها دولةً تمتلك فائضاً من القوة تسيطر فيه منذ عام 1945 على منظمة الأمم المتحدة وتتحكّم بقراراتها المتعلقة بالقضايا ونقاط التوتر والنزاعات العالمية بعيداً عن القانون الدولي والضوابط الأخلاقية، أضف إلى أنها هي من تصنّف الإرهاب والإرهابيين دولاً وجماعات وأفراداً في الوقت الذي مارست فيه هي وقاعدتها الرئيسية في المنطقة إسرائيل أسوأ أنواع الإرهاب في العالم.

فإذا كان الإرهاب يعرَّفُ أنه عمل يهدف إلى ترويع أيّ فرد أو جماعة أو دولة بغية تحقيق أهداف معينة، فماذا نقول عن دولة قتلت مئات الآلاف من الفيتناميين واليابانيين والعراقيين والنيكاراغويين والأفغان… وقامت بالكثير من الاعتداءات على عدد من الدول في العالم من دون مبرّر أخلاقي، هي تفعل ما تشاء باعتبارها خارج دائرة المحاسبة والعدالة.

دولةٌ تعتبر دخول العراق إلى الكويت عملاً إرهابياً وتدخلاً وحشياً، وهذه حقيقة، بينما احتلال «إسرائيل» لفلسطين واجتياح عاصمة عربية بيروت وإيقاع آلاف القتلى عملاً طبيعياً. دولةٌ تعتبر احتلال الجولان وقتل أبناء فلسطين واغتصاب النساء والأطفال في سجن أبو غريب وغوانتانامو وتغيير الأنظمة الوطنية الرافضة لسياستها بالقوة عملاً طبيعياً، وليس إرهاباً. دولةٌ تقود منظومة غربية كالقطيع من دون أن يتجرأ ويعترض عليها أحد وتعتبر كلّ من ليس معها فهو ضدّها، من سخرية القدر أنّ أميركا وأذنابها في الغرب هي مَن تعطي الأوسمة والشهادات للدول والمنظمات، فكلّ مَن يختلف معها، حتى في وجهات النظر، هو إرهابي ويدخل في تصنيفاتها وتسمياتها الغريبة كدول محور الشرّ والدول المارقة ودول اللوائح السوداء، وجميع المنظمات التي تواجه الاحتلال الصهيوني هي إرهابية، بينما كلّ إجرام «إسرائيل» من عصابات الهاغانا والمجازر المرتكبة بحق الشعوب العربية وامتلاكها السلاح النووي ليس إرهاباً… فهل تدلّ هذه المؤشرات على أنّ هذا الكيان من الدول الداعية إلى السلام العالمي؟! في الوقت الذي يدفع الشعب الإيراني ثمناً غالياً جرّاء العقوبات الظالمة، لمجرد الشك في أنّ إيران تفكر بتصنيع السلاح النووي، إنّها ثقافة الكاوبوي عبر التاريخ، فعن أيّ عدالة نتحدث؟

لقد عمل الغرب تاريخياً، وبشكل مستمرّ على زجّ الدين في السياسة في منطقتنا من خلال دعمه المستمرّ للإخوان المسلمين والقوى التكفيرية الظلاميّة بمختلف مسمّياتها ومشتقاتها من أجل تكفير العلمانيين بغية إيقاف حركة تطوّر وتقدّم هذه المجتمعات التي شهدت بداية نقلة نوعية على الصعد الاقتصادية والاجتماعية، وأطلقت على هؤلاء المتشدّدين صفة المعارضة السياسية أو المعتدلة، باعتبارها تسعى لهدم كلّ ما يمتّ للدولة الوطنية والتراث بصلة.

استخدمت الولايات المتحدة عملاءها في المنطقة وعلى رأسهم مشيخات الخليج وورّطتهم بدماء شعوب المنطقة ولن نفاجأ أن تقوم أميركا والغرب بجرّهم إلى المحاكم بحجة دعمهم للإرهاب عندما تشعر أنّ دورهم الوظيفي قد انتهى كعادتها مع عملائها تاريخياً.

إنّ قرار ترامب بحظر دخول سبع دول إسلامية العراق – سورية – الصومال – السودان – اليمن – إيران وليبيا إلى أميركا يثير الدهشة والاستغراب فكلّ الدراسات والتحقيقات التي أجرتها المعاهد المختصة في الولايات المتحدة أكدت أنه لم يُقتل أيّ مواطن أميركي منذ عقود على يد أحد من هذه الدول التي طالها القرار وأكثر ما يثير السخرية والجدل حتى في أميركا أنّ الدول التي يتبع لها منفذو أحداث 11 أيلول 2001 لم يشملهم القرار السعودية – الإمارات – مصر كذلك الأمر بالنسبة إلى أهمّ الدول التي ينتمي إليها إرهابيّو داعش تونس – المغرب – باكستان – أفغانستان .

لقد انفردت الولايات المتحدة الأميركية بقيادة العالم منذ تفكك الاتحاد السوفياتي وضربت عرض الحائط بكلّ القوانين والمواثيق الدولية وأهانت الإنسان والإنسانية، وسحقت مفهوم العدالة بكلّ المقاييس، وركّبت أحداثاً كبيرة وخطيرة كي لا تتنازل عن سيادة القطبية الواحدة وأحداث 11 أيلول 2001 بشهادة كبار رجال «سي أي آي» والمحللين السياسيين على مستوى العالم كانت صناعة أميركية، لأنّ الولايات المتحدة بنت عليها الكثير من أجل تبرير حروبها وأعمالها، فهل ستقبل بشريك لقيادة العالم وتخضع للقانون الدولي والعدالة الدولية وتتوقّف عن منطق الحرية والعدالة السفسطائية التي ترمز بمفهومها الفلسفي إلى مصلحة الأقوى في سنّ القوانين وفرض سياسة الأمر الواقع ومبدأ الغاية تبرّر الوسيلة، أم سيشهد العالم تحوّلاً دراماتيكياً ينهي كلّ هذا التفلت والاستهتار؟

لقد دفع الغرب ثمن تغذيته هذا الإرهاب، وسيدفع الكثير في المستقبل القريب والبعيد، لأنّ هذا الفكر يَكنُّ العداء للغرب ولن تستطيع قياداته المرتبطة بالاستخبارات الغربية أن تسيطر على أفراده أو توقف مدّه وإجرامه، مهما اتخذت من إجراءات وقائية، فقتل الميت لا يقدّم ولا يؤخّر وطباخ السمّ لا بدّ أن يتذوّقه، ومنطق الأشياء أن تنتصر العدالة مهما تعاظمت قوى الشرّ.


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه