شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2017-09-13
 

التطبيع «عقمٌ أخلاقي» محاولاتٌ لاختزال الذاكرة...

د. زهير فياض - البناء

الانفصام في الشخصية والانفصال عن الواقع، وضياع الهوية وتمييع مسائل الانتماء للأرض والوطن والأمة والمجتمع والإنسان. كلّ هذه المفردات تتردّد هنا وهناك، ويحاول البعض أن يبني عليها نظريات تتناقض مع مفاهيم راسخة في عمق الوعي الشعبي لإنساننا في السياقات التاريخية المتواصلة لحياة شعب وأمة ومجتمع…

هذه هو واقع الحال، لدى البعض ممن آثروا السير عكس المنطق، والسباحة عكس تيار الوعي الأخلاقي لمنظومة القيم الإنسانية التي تشكل البنية التحتية الضرورية والقاعدة الأساس لنهوض الأمم والمجتمعات، وتنكّبها لمهام الحرية والتمدّن والدفاع عن هويتها ومنع انجرافها وسحقها وسحلها أمام الغزوات البربرية الماحقة للوجود الإنساني بمندرجاته وجوانبه وتفاصيله ومكنوناته ومخزوناته الحضارية كلّها.

جماعات «التطبيع المقنّع» يردّدون جملة من المقولات التي تتلطى وراء شعارات الحداثة والتطوّر والانفتاح ومواكبة العصر… بيد أنّ التعمّق في هذه الظاهرة والدعوات الى الفصل بين كلّ ألوان الإبداع وأشكاله، من الفنّ إلى الأدب إلى الشعر إلى القصة والرواية والسينما والمسرح وبين قضايا المجتمع الإنساني، وأن التعمّق في فهم الخلفية لمثل هذه الدعوات يصلان لحقيقة الهدف الأصلي ألا وهو تسطيح كلّ هذه المفاهيم وتفريغها من مضامينها الإنسانية وتجريد الفن والأدب والشعر والسينما والمسرح وغيرها من وظيفة إنسانية ووطنية وأخلاقية، ألا وهي الدفاع عن الحق ورفض الظلم بأشكاله المختلفة والمتعدّدة وعلى رأسها الإرهاب الصهيوني الاستيطاني الظالم الذي ارتكب جرائم وحشية بحق شعبنا والإنسانية…

المشكلة الأساسية هي مشكلة مفاهيم ووظائف وأدوار… في ما خصّ ألوان الفنون والإبداعات فجماليات الشكل هي تلك التي تنبع من جماليات المعنى والمضمون… كلّ الفنون والآداب هي آداب إنسانية تحمل هموم وقضايا المجتمع والإنسان، وتهدف إلى تعميم الفضائل والقيم وأنسنة العلاقات بين البشر أفراداً وجماعات ودولاً مما يعطيها مسحة جمالية حقيقية تصبّ في خانة مصلحة الإنسان والإنسانية… الفنون هي مظاهر ومضامين ثقافية راقية تحاكي طموحات الإنسان واتجاهاته الفكرية والثقافية والاجتماعية العامة.

لم تكتسب الفنون على أنواعها قيمتها فقط من جمال الشكل والأسلوب والأداء بل بما تختزنه من جمال الروح الإنسانية في توقها للحرية والعدالة والمساواة…

لذا ثمّة أسئلة تحضرني لدعاة التطبيع والانفتاح المزعوم…

أليست هذه الدعوات «الملغومة» للتطبيع مع كيان غاصب قام على الحقد والكراهية والاغتصاب والعدوان هي دعوات لتشريع هذا الحقد والاغتصاب والعدوان؟ ما هي مضامين هذه الدعوات؟ ما هي الرسالة التي يودّ «المطبّعون» إرسالها؟ ما هو دور المثقف والمبدع والفنان والأديب في حياة مجتمعه؟ وما هي الأهداف التي يرمي الى تحقيقها «مبدعٌ» تعثّرت خطواته على رصيف الوطن؟

من أمين معلوف إلى زياد الدويري إلى غيرهما تكمن رحلة سقوط مدوّ من عالم الأخلاق والمناقب والقيم والمفاهيم الإنسانية إلى أرض القحط الأخلاقي والتنكّر للإنسان والإنسانية، وتبرير الإجرام والوحشية والظلم والعدوان على أمتنا وبلادنا وإنساننا ومجتمعنا وحضارتنا وهويتنا…

كيف يُغنّي هؤلاء الحب في حقول الذئاب؟ كيف يصافحون أيادي تلطّخت بدماء أهلهم وناسهم؟ أليس هذا تبرئة للحاقدين؟ أليس هذا تسويقاً للباطل؟ أليس هذا ترويجاً لظلم جماعات انتهكت الحق وارتكبت من المظالم ما يندى له جبين الإنسانية؟

ما هو موقف الفن والأدب من قضايا المجتمع والأمة؟ هل الأدب والفن إسقاطات من خارج مفاهيم الانتماء للإنسان والوطن والأمة والمجتمع؟

ما هي الرسالة التي يودّ إيصالها فنان يزور دولة عدوّة تقوم أركانها على رفض الآخر ومارست وتمارس بحق شعبه أبشع الممارسات الإجرامية؟

إنه زمن محاولات اختزال الحقائق المشوّهة الفارغة.

لكن… لن نستكين حتى تقف الحقيقة من جديد على قدميها لتقدّم صورة إنسانية رائعة عن دور الفن والأدب الملتزم في حياة الإنسان والمجتمع…!


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه