شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2017-09-27
 

«أمير الفراغ» هنري ليفي.. يُدلي بصوته في استفتاء البرزاني!

نصار إبراهيم - البناء

رغم التحذيرات، رغم الرسائل، رغم خطورة اللحظة، ورغم بروق العواصف والغضب التي استبقت ورافقت مشروع الاستفتاء على انفصال إقليم كردستان عن العراق، غير أنّ مسعود البرزاني أصرّ على تنفيذ ما في رأسه وأجرى الاستفتاء في 25 أيلول 2017…

حسناً والآن ماذا بعد!؟

ولكن قبل هذا السؤال الذي تنفتح الإجابة عليه على مختلف الاحتمالات… هناك سؤال آخر أكثر حساسية وأهمية: هل إصرار مسعود البرزاني على هذه الخطوة، التي تشبه الانتحار جاء من فراغ، أم أنّ هناك قوى وازنة تدعمه وتشجّعه وقدّمت له الوعود والتطمينات وبالتالي ليس أمامه سوى خطوة واحدة وهي تجاوز ردود الفعل وإثبات شجاعة ورباطة جأش لكي يحطم المعادلات القائمة ويفرض خيار الانفصال كأمر واقع!؟

قد يرى بعض البسطاء أنّ المسألة كلها تعبير عن إرادة وشجاعة «القيادة الكردية»، خاصة أنها تداعب حلماً وأمنية طبيعية عند ملايين الأكراد، وسعيهم عبر التاريخ ونضالهم من أجل حق تقرير المصير…

لو كان الأمر كذلك، أيّ لو أنّ هذا الاستفتاء كان تعبيراً حقيقياً وحراً عن إرادة كردية جماعية حرة ومستقلة، لو جاء كتتويج منطقي لنضالات الأكراد الطويلة… لو جاء كتعبير عن موازين قوى طبيعية وحسابات علمية جدية تأخذ بعين الاعتبار حقائق الجغرافيا وحقائق التاريخ ومصالح الشعوب والقوى الإقليمية الفاعلة والقوية… لأمكن تفهّم هذا الاستفتاء باعتباره تتويجاً طبيعياً لسياقات التاريخ.

غير أنّ واقع الحال يناقض هذا تماماً، عدا عن أنه يدفع الأكراد نحو مأزق محكم ومصيدة قاتلة… فمن يا ترى هو الذي همس أو «وشوش» في آذان هذه القيادة الكردية وأوهمها أنّ بمقدورها أن تتجاوز كلّ حقائق الواقع وموازين القوى الصعبة والمعقدة وفرض خيار الأمر الواقع بالقوة على العراق وتركيا وإيران وسورية!؟

نحن هنا لا نتحدّث عن دول هامشية، بل نتحدّث عن دول إقليمية مقرّرة عبر التاريخ رغم كلّ ما تعانيه من حروب وتدمير وصعوبات… دول تحيط بإقليم كردستان من الجهات الست.

الحقيقة أنّ مسعود البرزاني… لم يذهب إلى هذا الخيار الخطر هكذا.. أيّ بدافع من سوء تقدير أو أمنيات أو تقديرات من بنات أفكاره الخاصة.

فلا يمكن لأيّ عاقل أن يرى ظهور برنارد هنري ليفي «الفيلسوف» الفرنسي في مراكز الاستفتاء ويلتقط الصور مع القيادات الكردية باعتباره حدث عابر وسطحي، هنري ليفي هذا هو الذي يوصف بـ«عرّاب الفوضى» وهو الذي أطلق عليه فلاسفة فرنسيون كبار، من أمثال جيل دولوز وأستاذه جاك دريدا والمؤرّخ بيار فيدال ناكيه وصف «الخديعة الثقافية»، أو كما أسماه الفيلسوف كورنليوس كاستورياديس بـ«أمير الفراغ».

هنري ليفي هذا هو أحد مهندسي «ثورات الربيع العربي» فكان يظهر حيث تعمّ الفوضى، هكذا ظهر في تونس، وليبيا، وهو الذي دعا مراراً إلى ضرورة تدخل حلف الأطلسي مباشرة في سورية وتحطيم الدولة والجيش العربي السوري، وهو ذاته الذي ظهر وسط الحشود في العاصمة الأوكرانية في عام 2013، موجّهاً انتقادات للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الوقت الذي قرّرت فيه الوكالة اليهودية تقديم مساعدات طارئة وفورية إلى اليهود وتعزيز الأمن في المؤسسات اليهودية في أوكرانيا…

إذن نحن هنا لا نتحدث عن تحليل.. بل معلومات ومؤشرات وحقائق يقولها لنا الواقع بكامل وضوحها..

ـ «التحالف» الأميركي المعلن مع التنظيمات الكردية في سورية والعراق واستعمالهم المباشر كأدوات لتنفيذ مخططات السيطرة وتقسيم هذه الدول على أسس طائفية وعرقية.

ـ مشروع تقسيم العراق بدأ فعلياً مع احتلال بغداد عام 2003، ومنذ ذلك الوقت كان يجري تكريس حالة انفصال الإقليم بالتدريج وبدعم أميركي إسرائيلي غربي مباشر.

ـ وفقاً لوثيقة، نشرتها صحيفة «أوزغور غوندوم» التركية أوائل حزيران 2014 فقد تمّ الاتفاق في اجتماع عقد في عمّان في الأول من حزيران عام 2014 وضمّ المخابرات السعودية والأميركية والإسرائيلية والقطرية والتركية والأردنية على ضرورة التحضير «لغزو» العراق عبر تنظيم داعش، مما يستدعي التنسيق بين داعش وإقليم كردستان العراق، بما يفضي إلى قيام الأولى بشنّ هجوم خاطف على الموصل، على حين تتولى الثانية أمر الاستيلاء على كركوك الكاتب الفرنسي تيري ميسان صحيفة الوطن السورية 26 أيلول 2017 .

ـ هذه العملية ترافقت مع مشروع أشمل تمثل ببناء ودعم داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية أي ما يسمّى بالجيوش البديلة كترجمة لمقولة بريجينسكي «الإرهاب هو أحد تقنيات الحروب لتغيير الأنظمة»، وهو ما أشار إليه بوضوح الخبير العسكري اللواء المتقاعد محمد عباس في لقاء مع قناة «المنار» اللبنانية «هذا ما يدعى حروب الجيل الرابع باستخدام أهالي المنطقة من أجل الاستثمار في أبناء الدولة المستهدفة ليكونوا جنوداً في خدمة الولايات المتحدة الأمريكية، لتدمير هذه الدولة، والجيوش البديلة هذه، كما بات واضحاً تمّ تدريبها في الخارج قبل إرسالها إلى سورية ومُوّلت خليجياً، وأُعطيت كامل الغطاء الدبلوماسي والسياسي والجوي عبر تركيا» سورية الآن 25 أيلول 2017 .

ـ الصور التي نشرتها وزارة الدفاع الروسية وتظهر بوضوح كامل التنسيق والتعاون ما بين القوات الأميركية المتواجدة شمال شرق دير الزور وقوات «قسد»، حيث تظهر الصور وجود عربات الهامر الأميركية والمدفعية ذاتية الحركة في قلب معاقل داعش دون ظهور أيّ أثر لاشتباك أو مقاومة أو قصف جوي مسبق ووجود آليات عناصر داعش إلى جانبها.

ـ الدعم الإسرائيلي الواضح والمعلن والحاسم لانفصال إقليم كردستان عن العراق والاستعداد لتقديم الدعم والإسناد للدولة الناشئة… وقد عبّر هذا الأمر عن نفسه بتنظيم الاحتفالات في تل أبيب ابتهاجاً ودعماً للاستفتاء الانفصالي.

من كلّ هذا يمكن القول بأنه لا يمكن تفسير الإصرار على إجراء الاستفتاء إلا بكونه يحظى بدعم أميركي إسرائيلي رجعي عربي من أجل استخدام الأكراد كأداة لتنفيذ المشروع الأميركي الهادف إلى تقسيم دول المنطقة والهيمنة على قلب الهلال الخصيب عبر تحطيم دولها وجيوشها الوطنية وإشغالها بحروب داخلية لا تنتهي.

الحجة التي تسوّقها القيادات الكردية هي أنّ اللحظة مناسبة لتحقيق الحلم الكردي بدولة مستقلة وذلك لأنّ دول وشعوب المنطقة مشغولة بذاتها..

فعلاً… «هناك مراهقون ومراهنون ومضاربون ومقامرون ومستثمرون وتجار عقارات وسياسات يريدون أن يربطوا ظهور الشمس الكردية التي تتوسّط العلم الكردي بالنجمة الاسرائيلية التي تتوسط العلم الاسرائيلي.. ويريدون توريط الأكراد واستدراجهم الى أكبر مواجهة لهم عبر التاريخ والى عملية استعداء لكلّ من حولهم.. ويروّجون الى تلاقي الشمس والنجمة في مواجهة الهلال الخصيب التاريخي الأزلي وسيخوضونها كما لو أنها حرب النجوم.. ولكن إذا كان هناك من حصيفي الرأي وذوي عقل راجح فعليهم أن يعلموا أنّ من المحال أن تظهر الشمس مع النجوم في الطبيعة في وضح النهار.. فهما لا يلتقيان.. والشمس الكردية لا يجب أن تلتقي مع النجمة الاسرائيلية.. وكلّ من يظنّ أنه سيرى النجوم في إلى جانب الشمس لتحلّ محلّ الهلال الخصيب واهم.. وكلّ من يظنّ أنه سيرى الشمس تسير مع النجوم في الليل الداجي عندما يغيب الهلال أكثر وهماً.. إلا إذا كان الواهمون يصرّون على ان يروا النجوم في عز الظهر.. لأنهم سيرون فعلاً النجوم في عز الظهيرة.. فهناك زمن قادم قد يجد الأكراد أنفسهم وحيدين محاصرين بأعتى قوى.. وستتخلى عنهم النجوم ويحلّ الليل البهيم الشتوي العاصف على أحلامهم.. حيث لا ترى لا شمس ولا قمر.. ولا نجم ولا ضوء نجم.. لا شيء يبقى إلا الهلال الذي بدأ حكاية الحضارة ولن تنتهي الحكاية إلا كما يريد أن ينهيها..» نارام سرجون 25 أيلول 2017 .

الشعب الكردي هو من حقائق التاريخ والحضارة في هذه المنطقة، وأحلامه لن تتحقق عبر تحويله إلى أداة في يد قوى الاستعمار والهيمنة على المنطقة وشعوبها، إنها لن تتحقق عبر الصدام الانتحاري مع شعوبها ومصالحها الجيوستراتيجية، فحتى «إسرائيل» المحتضنة بالكامل من قبل القوى الاستعمارية الغربية ومن الرجعية العربية وبعد مرور 70 عاماً على قيامها، ورغم كلّ الاختلالات في العالم العربي فإنها لا تزال تعاني من أزمة وجود.. فكيف بكيان كردي سيكون مجرد أداة تهدّد وحدة ووجود دول إقليمية كبرى مثل العراق، تركيا، إيران وسورية…!؟

لقد انهار مشروع إشعال المنطقة وإشغالها بحرب طائفية سنية – شيعية، من خلال توظيف الإسلام السياسي الرجعي والإرهابي التكفيري… وذلك بسبب صمود الدولة الوطنية السورية وجيشها الأسطوري وتماسك وقوة حلفائها الأوفياء، روسيا، إيران، قوى المقاومة، الصين… وأيضاً بسبب نهوض الوطنية العراقية وإعادة بناء جيشها المدعوم بقوة شعبية مقاتلة تتمثل بالحشد الشعبي والحشد العشائري… التي نجحت في تحطيم داعش بصورة ساحقة… لهذا انتقلت اللعبة إلى إشغال المنطقة بحروب أخرى ما بين الأكراد من جهة والعرب والإيرانيين والأتراك من جهة أخرى… هذه مذبحة يدفع مسعود البرزاني الأكراد إليها… تحت وهم أنّ أميركا وحلفاءها لن يقفوا مكتوفي الأيدي… لو كان الأمر كذلك لنجحت أميركا في فرض مشروعها بعد مرور 7 سنوات على ما يسمّى «ثورات الربيع العربي».

على الشعب الكردي بقواه الحية والنبيلة.. الأصيلة والشجاعة.. أن يتحرك.. قبل أن يصير الوقت متأخراً… الآن هي لحظة تحتاج لعقل وبصيرة وموقف شجاع.. لكي تعود المعادلات إلى سياقاتها التاريخية الأصيلة… فأيّ رهان على القوى الاستعمارية الغربية ما هو إلا مقامرة تضع الأكراد في مواجهة لا ترحم مع شعوب وتاريخ المنطقة ومصالحها.

كلّ ما أعرفه أنّ الطريق إلى الحرية والاستقلال وحق تقرير المصير للشعب الكردي الباسل لا تمرّ من بين يدي هنري ليفي ومن واشنطن وتل أبيب أو أيّ عاصمة رجعية عربية…

لهذا لم تقبل عيني ولا عقلي أن يكون الشعب الكردي الأصيل لعبة عند أفّاق كاذب اسمه برنارد هنري ليفي وهو الذي يعرف الأكراد جيداً كيف احتضن وعانق كلّ جماعة إرهابية وتكفيرية وكلّ قاتل يداه ملطختان بدماء مئات الآلاف من شعب العراق وسورية وليبيا بما في ذلك آلاف الأكراد الشهداء… فكيف أصبح فجأة عراباً لأمنيات وطموحات الشعب الكردي… كيف يكون ذلك يا أخوة الحضارة والتاريخ والأرض والأمنيات!؟


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه