شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2017-10-06
 

التقارب الإيراني التركي ليس محصوراً بكردستان والاقتصاد

د. وفيق إبراهيم - البناء

رفع مستوى العلاقات الاقتصادية بين تركيا وإيران، ومجابهة مشروع انفصال كردستان العراقية، لهما تبعات إقليمية ودولية تشجّع على الاعتقاد بأنّ حلفاً إقليمياً جديداً على وشك التبلور تحت ضغط أزمات الإقليم العربي «الشرق أوسطي»، وحاجة البلدين لدرء الأخطار عنهما.

والتساؤل عن غياب الدور العربي ليس منطقياً، لأنّ معظم العرب لا يزال، ومنذ الحرب العالمية الأولى، مجرّد أدوات بين أيدي مفجّري الأزمات والمستفيدين منها. فما الفارق بين شريف مكة حسين بن علي وأولاده، وبين آل سعود ونهيان وخليفة، إلا باختلاف المشغّل من بريطاني إلى أميركي «إسرائيلي»، غربي عام؟!

وإذا كان التقارب بين طهران وأنقرة بدأ على وقع أزمة المشروع الانفصالي في كردستان العراق، فلماذا يجب أن يتحوّل ما يشبه الحلف في إقليم تتصارع عليه قوى عظمى وإقليمية بمختلف أنواع الأسلحة؟

من المنتظر إذاً، نجاح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في جولته الإيرانية الحالية في توفير حلف سياسي يؤمّن المظلّة الحامية للتطوّر الاقتصادي الكبير بين إيران وتركيا. بناءً عليه، جرى توقيع معاهدات واتفاقيات مشتركة تنوف عن الثلاثين مليار دولار وربما أكثر، مع الاتفاق على خطوات سياسية واقتصادية من شأنها منع كردستان العراقيّة من الانفصال عن بغداد.

لجهة الأسباب التي دفعت أردوغان إلى هذا التموضع الجديد، ترد جملة إحباطات تعكس انهيار مشاريع حزبه «العدالة والتنمية» تباعاً. فقبل نصف عقد، حاول أردوغان رعاية تسوية بين الدولة السوريّة والإخوان المسلمين، ولم تنجح. فحاول إعادة إحياء الخلافة العثمانية بلبوس الإخوان أيضاً، وفشل في أكثر من ميدان في سورية والعراق واليمن وليبيا وتونس ومصر.

كما أنّ محاولاته للاستحصال على مواقع نفوذ في سورية والعراق، انهارت على الرغم من احتلال جيشه أراضي فيهما، رغم أنّها للزوم منع السعي الكردي لتأسيس دولة على مقربة من حدود تركيا مع بغداد ودمشق.

وازدادت مساعي أردوغان حدّة بفتح حدود بلاده لمئات آلاف الإرهابيين عبروا من خلالها إلى الداخل السوري والعراقي، مرتبطين تسليحياً وتمويلياً وعملياتياً بالمخابرات التركية باعتراف معظم دوائر القرار في العالم، وخابت آماله أيضاً…

كما أنّ المستشارة الألمانية ميركل، أقفلت أبواب الاتحاد الأوروبي في وجه مساعي «الرجب» للانضمام إليه، فأصبح محصوراً بين أوروبا لا تريده، وعالم عربي يرفض «عثمانيّته» وإخوانيّته…

وتواكبت هذه الخسائر السياسية الاستراتيجية مع حدثين تاريخيّين، انهيار الإرهاب بشكل تدريجي ومباشرة السياسة الأميركية باستخدام ورقة الأكراد. ولأنّ واشنطن تعرف أنّ رئيساً على شاكلة أردوغان تسلّط عليه التاريخ، لن يقبل بهذه النتائج، فسعت مسبقاً إلى تأديبه بواسطة نفوذ الداعية غولن التركي الأكثر قوّة داخل المؤسسات العسكرية والأمنيّة والسياسيّة في تركيا، وصاحب النفوذ الديني في أوساط الطبقات الشعبية التركية.

فسّر أردوغان حركة غولن المقيم في الولايات المتحدة الأميركية بأنّها محاولة لإسقاطه من قِبل المخابرات الأميركية، في حين قالت مؤسسات التحليل العربية إنّها محاولة أميركية بسيطة لاستيعاب أردوغان وإعادته إلى إطار المشروع الأميركي في «الشرق الأوسط»، الذي لم يعُد يتلاءم مع مشروع الإخوان المسلمين، وكانت النتيجة أنّ أردوغان ألقى بمئات الألوف من عناصر الجيش التركي والقضاء والتعليم والإدارة ومدنيين في غياهب السجون، ولا تزال الاعتقالات مستمرّة.

وأخيراً، فهم أردوغان من الروس أنّ الدولة السوريّة غير قابلة للسقوط، فارتضى بتفاهمات عسكريّة ذات بعد سياسي، أدّت إلى هزيمة كبيرة للإرهاب في معظم سورية والعراق…

وما كان يتوقّعه الرئيس التركي حدث، وتبيّن أنّ واشنطن التي خسرت أوراقها السعوديّة والتركيّة والقطرية المحرّكة للإرهاب المهزوم، ابتدأت بتنشيط «الخطة ب»، وهي البدء باستعمال الكرد لتفتيت سورية والعراق تمهيداً لتفتيت تركيا وإيران، وصولاً إلى استعمال أدوات جديدة لتفتيت مصر وشبه الجزيرة العربية وشمال أفريقيا.

وأخذت تتوالى عناوين مشاريع التفتيت من البلوش إلى البربر والأقباط والنوبة وأسماء القبائل والمذاهب والطوائف والجهات.. وبناءً عليه، تصبح تركيا نفسها أربع دولة، فكيف يكون الحال مع دول فيها مئات القبائل غير المندمجة؟

أما بالنسبة لإيران، فتمارس دور الدولة المنتصرة التي نجحت في التفوّق على حروب استهدفت نظامها، بحصار ومقاطعات دولية بدأت منذ ثمانينيات القرن الفائت ولا تزال حتى اليوم. ولم تتمكّن هذه الوسائل من الحدّ من دور إيراني كبير يجابه الإرهاب في سورية والعراق واليمن، متصدّياً للنفوذ الأميركي في العالم الإسلامي ومتحالفاً مع روسيا في هذا الإطار.

لذلك، فإنّ الالتقاء التركي الإيراني يعني أولاً تحالفاً بين 170 مليون نسمة، يجمع بينها الإسلام والجغرافيا والمتانة التاريخية والمعاصرة لدولتيهما. أي لا يكفي الانزعاج الأميركي منهما حتى تسقط الأنظمة فيهما.. هذه دول قوية تحتلّ موقعاً في لائحة العشرين دولة الأقوى في العالم.

لجهة إيران، فيكفيها نشر نفوذها من آسيا الوسطى إلى لبنان وسط حالات احتراب تمرّ فيها مع العالم الغربي، حتى نتأكّد من متانة نظامها السياسي. وهذا ما يدفع إلى الاستنتاج بأنّ خشية طهران وأنقرة من استخدام ورقة الأكراد لتفتيت المنطقة، هي خشية حقيقية من شأنها استيلاد حلف تركي إيراني لا يخشى الدور الأميركي، ويستعدّ للذهاب بالتنسيق بين الدولتين إلى درجات أعلى للزوم وضع حدّ لهذا التهديد.

وبداية التنسيق من شأنها إثارة رعب الأميركيين، لأنّ البيان الختامي لزيارة أردوغان الحالية إلى إيران، أشار إلى ضرورة نزع السلاح النووي من «الشرق الأوسط». وبما أنّ «إسرائيل» هي الدولة الوحيدة التي تمتلك أسلحة نووية، فإنّ ما ورد في البيان التركي الإيراني يستهدفها، مصوّباً أيضاً على الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي لا ينفكّ يهدّد بإلغاء الموافقة الأميركية على الاتفاق النووي مع إيران، الذي وقّعته الدول الخمس الدائمة العضويّة في مجلس الأمن، بالإضافة إلى ألمانيا. وللتوضيح، فإنّ الدول الخمس ووكالة الطاقة الدولية تؤكّد أنّ إيران تلتزم ببنود الاتفاق النووي باستثناء واشنطن، التي يزعم رئيسها ترامب بأنّ طهران تخرق ما أسماه «روح الاتفاق النووي»…

إنّ التحليل المنطقي يؤكّد أنّ التقارب الإيراني التركي متوجّه بسرعة للتحوّل مشروع تحالف لأسباب تتعلّق بأهداف البلدين والقوى المتضرّرة. اقتصادياً، لا تقبل الولايات المتحدة و«إسرائيل» والخليج علاقات اقتصادية تحسّن أوضاع إيران المتصارعين معها سياسياً واحترابياً.

وترفض السياسة الأميركية والسعودية و«إسرائيل» أية محاولات لخنق الإقليم الكردي. أمّا الزّعم الأميركي السعودي بعدم الموافقة على انفصال كردستان عن العراق، فيأباه الدّعم الأميركي السعودي لكرد البرزاني. ولولا واشنطن من جهة والدعم السعودي من جهة ثانية، لما تشكّل إقليم كردي شمال العراق له مواصفات دولة، ويستطيع التأثير على كرد كلّ من تركيا وإيران وسورية. لجهة «إسرائيل»، تكشف معلومات غربيّة أنّها وضعت أسراباً من سلاحها الجوّي في بعض أنحاء كردستان للدفاع عن حركته الانفصالية.

هناك إذن ملامح أحلاف جديدة تضع تركيا وإيران وروسيا في موقع يرفض الاتجاهات التفتيتية لسياسة واشنطن بواسطة الورقة الكردية، ما قد يؤدّي إلى تقارب إيراني تركي تستطيع كلّ من سورية والعراق ملء الفراغ العربي فيه، أو تجد واشنطن نفسها موافقة على خنق الإقليم الكردي للمحافظة على تركيا الأطلسية، وهذا يُنهي مشروعها في «الشرق الأوسط» المفتَّت، مؤدّياً إلى تراجع نفوذها «الأحادي»، واقتحام روسيا المتحالفة مع إيران نظام تعدّد المرجعيّات في العالم.

إنّ كلّ الخيارات المطروحة تؤكّد حقيقة أساسيّة، تتجسّد في تراجع الدور الأميركي في «الشرق الأوسط» مقابل محاولات تركية للعودة إلى الإقليم على متن الحافلة الإيرانية التي تستطيع إعادة العلاقات التركية مع سورية والعراق إلى الاعتدال والمصالح المشتركة على قاعدة بناء تحالفات تدافع عن المنطقة في وجه الغزو الأميركي «الإسرائيلي» الذي لا يزال يمتطي ركوب الإرهاب والتدمير.


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه