شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2017-12-22
 

ثوابت الفكر الدستوري عند سـعاده (حـلقـة 2) ج1

طه غدار

- المبادئ العامة لدستور سعاده.

6- الثوابت.

7- مبدأ الفصل بين السلطات.

8- السلطة التنفيذية.

9- السلطة التشريعية.

10- السلطة القضائية.

11- النظام المركزي.

12- خلاصة.

13- أول تعديل مخالف.

5- المبادئ العامة لدستور سعاده:

أمام الواقع الفاسد الذي كانت تتخبط فيه سورية على الصعيدين القومي والمجتمعي. وانسجاماً مع تاريخها الثقافي السياسي القومي. صاغ سعاده نظاماً جديداً يحاكي تاريخها القومي، ويستشرف فيه آفاق مستقبل واعد ينقلها إلى مصاف الأمم الراقية. فتستعيد دورها بقيادة العالم بما تعده من نظام جديد للبشرية جمعاء. فترسم للعالم ملامح نظام يؤمن السلام العالمي، ويحترم إرادة الشعوب لناحية صيانة حقوقها القومية.

انطلاقاً من هذا الهدف، كان سعاده واضع عقيدة وحدة الأمة والمبادئ الإصلاحية لدفع الأمة إلى الارتقاء والتقدم والازدهار. وكان هو الداعية لهذه المبادئ الجديدة، التي على أساسها ستقوم نهضة بلاده بالإرتكاز إلى نظام جديد، يؤمن لها العز والفخار والمثال لتقتدي به بقية الأمم بما يكتنزه من حلول لكل المشاكل الإنسانية على كل الصعد.

فسعاده هو: 1- المشرَّع، 2- صاحب الدعوة، 3- مؤسس النهضة، لذلك فهو 4- الزعيم، القائد والهادي والمعلم. فزعامته قائمة على شأن ثابت وأساسي، ومستندة إلى أنه يعبر أجلى وأسمى تعبير عن عوامل نهوض الأمة السورية. وقد شرح ذلك في مقالته (سلطة الزعيم 1/3/1941): "في سورية المناقب تحولت إلى مثالب والأخلاق انحطت. فالفساد في الشعب والشعب فاسد الروحية يحتاج إلى إصلاح. والإصلاح، الذي لا يمكن أن يكون إلا من الداخل، يجب أن يكون من فرد انشقَّ على فساد المجموع وتغلب على أهوائه... إن هذا الفرد المصلح يجب أن ينال ضمانات السلطة المطلقة ليضرب بيد من حديد على أيدي تجار الحقوق القومية والمصالح الشعبية، وليضع حداً لعبث العابثين بالنظام... وليمنع الفوضى وليعلِّم ويدرب وينشئ المؤسسات الجديدة الصالحة لحمل أعباء مطاليب الحياة الجديدة، وليضع قواعد سلوكية جديدة تقيم فضائل الحرية والواجب والنظام والقوة بدلاً من الفوضى والرغبات الخصوصية والعادات والمشارب الانحطاطية والتفكك والتراخي.

... في سورية... صورة شعب تغلغل الفساد في جميع طياته وأصبح في حالة مرض وشلل، وفرد قد تجرَّد لاستئصال الفساد وإصلاح أمر الشعب... لهذا السبب عينه يجب أن يُعطى المصلح الخبير هذه السلطة غير المحدودة".

سعاده، هو الفرد المصلح الذي شرَّع العقيدة القومية، وهو الذي وضع أسس النهضة التي ستعيد سورية إلى تاريخها المجيد، وهو الذي حدَّد المقاصد الكبرى للحركة القومية الاجتماعية التي بها وحدها إنقاذ سورية من المفاسد السياسية والاجتماعية، لذلك استناداً إلى كل ما أوردناه هو المؤسس والقائد أو الزعيم. من هنا أيضاً، يتبدى لنا أن غاية الحزب المتضمنة النهضة والعقيدة والنظام الجديد هي ثابت أساسي من ثوابت فكر سعاده النهضوي.

عقد الحياة الجديدة:

ويلاحظ من خلال قراءة مقدمة الدستور. أننا أمام عقد غير مألوف من العقود المعروفة في العالم أجمع. عقد من نوع جديد على الصعيدين السياسي والاجتماعي. يبرمه الزعيم المؤسس مع كل عضو من أعضاء الشعب السوري في الحزب الذي أضحى هيئة دولة الأمة. يُقدم فيه الطرف المقبل على الدعوة بكامل رضاه وقناعته على القبول بمضمون عقد لإعادة بناء مجتمع سوري جديد في ظل دولة قومية واحدة. هو نموذج فريد من نوعه، حيث يُقدم المواطن السوري من كل المناطق للعمل لوحدة اندماجية لكل الشعب السوري القاطن على مساحة أرض الوطن.

1. أني أسست الحزب السوري القومي لتمكين أبناء أمتي من ممارسة حقوقهم المدنية والسياسية المحرومين منها، بحرية وليس لمنعهم من ممارسة هذه الحقوق.

. أن النظام الحزب وتشكيلاته وقوانينه هي لضمان إعادة الحقوق القومية المسلوبة وضبط ممارستها فيما يؤول إلى الخير القومي العام....

. أن السيادة الفعلية وحقوق ممارستها هي في الشعب دائماً.

. أن الحزب السوري القومي هو حزب تعميري نظامي وهو يعمل بجميع الوسائل المبتكرة لتمكين أبناء الأمة السورية من ممارسة الحقوق المدنية والقومية...

2. أن البواعث الإيجابية التي دفعتني إلى إنشاء الحزب، عدا ما قلته عن مسألة ممارسة حقوق السيادة، هي وضع حد لفوضى العقائد القومية في المجتمع، وتوحيده في عقيدة كيانه ومصلحته، ...وتعويد النشئ خصوصاً ممارسة الحقوق القومية والفضائل التي توحد المجتمع وترّقيه في نظرياته وأنظمته، وقيادة النشء إلى النظام والتمرن على أستخدام مواهبهم في سبيل ترقية أمتهم وفي سبيل معرفة الواجبات العامة.

(المعركة السياسية التاريخية الأولى – الزوبعة "1944.3.15" )

3. في سورية فقط إبتدأت نهضة قومية صحيحة تقول بوجوب إنهاض الشعب السوري، وتحريره من الإقطاع وتعليمه مبادئ الحقوق المدنية، ووضع قواعد نظام جديد يقيم العدل الإجتماعي والإقتصادي وتأسيس الدولة السورية القومية على هذا النظام.

(إستقلال سورية على ضوء الحوادث السياسية الأخير – الزوبعة 1941.8.1 )

هذه الكلمات الواضحة المعاني والإتجاه للزعيم الخالد. تشير إلى هذا النموذج الجديد الذي يقدمه المؤمنون بسعاده فكراً وقدوةً... وهو نموذج نشاهده واقعاً حياً نابضاً بحياة جديدة في وحدات حزبية منتشرة على كامل الأرض السورية. هو حقيقة قائمة ستحول الوطن السوري إلى وطن الزوبعة الحمراء.

** ** **

6- الثوابت:

فيما يلي عرض للثوابت الدستورية التي وضعها سعاده. والتي كان يجب الارتكاز عليها في أول تعديل دستوري عام 1951.

والثابت هو الصحيح، وقول ثابت أي صحيح، وفي القرآن: "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت" (سورة إبراهيم 7، لسان العرب). فالثوابت هي الأسس التي أقام عليها سعاده بنيانه العلمي والفكري، تأكيداً منه على صحة الأسس للتغيير السياسي والاجتماعي الذي نشده وتوخاه لإعادة بناء المجتمع والدولة في سورية. ونشير هنا، إلى أن سعاده هو ابن المدرسة العلمية، لإيمانه بنظرية التطور. ولبنائه كل فكره على الأساس العلمي، من هنا كانت نظرته الجديدة إلى الحياة والكون والفن، ولحركة التاريخ، ونظرته الجديدة إلى الإنسان – المجتمع.

وفيما يلي عرض لهذه الثوابت – المبادئ، التي تعاقد المقبلون على الدعوة على الالتزام بها التزاماً تاماً:

1- غاية الحزب: بعث نهضة... تنظيم حركة... إقامة نظام جديد... وهي غاية يتطلب تحقيقها فترة زمنية طويلة الأمد. لذلك توضع خطط مرحلية على طريق تحقيقها لانتصار القضية القومية.

2- مقدمة الدستور: المتضمنة تعاقد الأعضاء مع صاحب الدعوة. لما كان سعاده هو المشرع وصاحب الدعوة ومؤسس النهضة، فهو الزعيم الذي شرّع أول دستور للدولة، فيبقى هو الطرف الأول في العقد في حياته وبعد استشهاده. ويلتزم الطرف الثاني بالمحافظة على كل الأسس الفكرية والنظامية تطبيقاً للعقد بينهما.

وبهذا المعنى، فمسألة التعاقد تقوم على تحقيق القضية القومية (غاية الحزب) وإيرادها في مقدمة الدستور هي عملية تكريس دستوري للعقد بين صاحب الدعوة ومؤسس النهضة والأعضاء.

3- الزعامة القومية: أدى سعاده قسم الزعامة في الأول من آذار عام 1935. وضم نص القسم إلى مقدمة الدستور بعد تصنيفه عام 1937 توكيداً منه على الرابطة التعاقدية والقانونية مع أعضاء الحزب. فأضحى قسمه جزءاً لا يتجزأ من العقد معه كطرف أول مع الأعضاء الذين يؤدون قسم العضوية ويؤيدون فيه الزعيم تأييداً مطلقاً في كل تشريعاته (الدستور الأساسي والمراسيم الدستورية). بناءً على ذلك وردَ في قسم العضوية: تأييد الزعيم وسلطته انسجاماً مع ما جاء في مقدمة الدستور (العقد) وتشريع الزعامة لأول دستور لسورية القومية: وورد في المادة الثانية من المرسوم السابع عن الرتبة العليا = الأمانة:

فقرة 2 من شروط منح الرتبة للمستحقين:

".... فهماً صحيحاً للعقيدة ..... وإيماناً بها وبمنشئها الزعيم....

فقرة 4: ... مثالاً في الإيمان بالزعيم والعقيدة والنظام....

كل ذلك للتأكيد على زعامة سعاده الفريدة والمستمرة في حياتنا الحزبية أي الحزب الذي أسس: الحزب السوري القومي الإجتماعي.

4-أ- المبادئ الأساسية: مادة ثانية من الدستور: وهي عقيدة السوريين القوميين الاجتماعيين.

ب- المبادئ الإصلاحية: مادة ثالثة من الدستور: لرفع مستوى الأمة.

ج- وحدة العقيدة والنظام.

 "والنظام، في عرفنا، هو ما قلت وكررت أنه لا يعني الترتيبات الشكلية الخارجية، بل هو نظام الفكر والنهج، ثم نظام الأشكال التي تحقق الفكر والنهج".

 "إن مبادئنا القومية الاجتماعية قد كفلت توحيد اتجاهنا، ونظامنا قد كفل توحيد عملنا في هذا الاتجاه..." (المحاضرة الثانية في الندوة الثقافية 18/1/1948) مرت سورية بقرون من التخلف أبعدتها عن حقيقتها القومية: فالمبادئ الأساسية هي لإعادة توحيد السوريين وتأهيلهم بالوعي الكامل للقضايا التي تواجهها سورية لتسير باتجاه إنشاء حياة جديدة لكل الشعب السوري بواسطة المؤسسات الجديدة التي يتم عبرها توطين الفكر القومي في قلب المجتمع.

5- فصل السياسة عن الاجتماع: في الدستور مؤسسات للسياسة: الرئاسة، المجلس الأعلى، مجلس العمد، المحكمة. ومؤسسات للاجتماع: المنفذيات، المديريات، لجان المديريات ومجالس المنفذيات.

 "ولكن الحقوق السياسية في المدينة السورية البحرية لم تقع قط في ورطة استبداد الجمهور بواسطة تدخّل الأفراد، كما حدث في أثينة الإغريقية لعهد بركلس الذهبي حيث كان يحق لكل فرد أن يتهم أي موظف في الدولة، حين انتهاء مدته، بالخروج على القانون، داعماً تهمته بأية صفة من هذه الصفات المطاطة: عدم دستورية أعماله، أو أنها غير مرغوب فيها أو أنَّ نياته كانت سيئة، الخ...

إن العقل السوري العملي لم يكن يميل إلى تخيلات فاسدة من الوجهة العملية. ولذلك فهو قد اكتفى من التجربة الإغريقية للحكم الشعبي، بواسطة الشعب أجمع، بالمشاهدة. إنه لخيال بديع، في نظر غيري، وخيال سخيف في رأيي أن يكون كل فرد من أفراد المدينة المعترف بهم "شريكاً" فعلياً في إدارة الدولة. إن المدينة السورية ظلت محافظة على الفرق بين السياسة والاجتماع واضحاً. وهذا الفرق هو ما مكَّن الدولة من إطراد تقدمها.

... وإن الأسلوب الذي جرت عليه الدولة في تقدمها وارتقائها كان الأسلوب السوري الذي ارتقى في قرطاجة إلى الديمقراطية ووضوح الحقوق المدنية والحقوق الشخصية، مع بقاء الدولة شيئاً متميزاً عن الشعب، مؤسسة لا يمكن أن تعرض لعبث الجمهور". (نشوء الأمم – الفصل السادس)

6- الديمقراطية التعبيرية:

 نظام الحزب مركزي تسلسلي حسب الرتب والوظائف. (المادة الخامسة من الدستور)

 المرسوم السابع: الرتبة العليا: الأمانة.

 "فالسوري المفكر يجب أن يهتم في إنقاذ الديمقراطية من الهلاك. وذلك بأن يزيل ما دخل إليها من الفساد ويدخل إليها تفكيراً ينطبق على ما وصل إليه الناس من العلم والمعرفة، فتصير صالحة لنفع الإنسان وتكفل حقوق الإنسان من كل مهاجمة وتعدٍّ. (الزعيم في سانتياغو أيضاً 1/6/1940)

 "سورية القومية تضع أمام العالم اليوم فكرة "التعبير عن الإرادة العامة" بدلاً من فكرة "تمثيل الإرادة العامة" التي لم تعد تصلح للأعمال الأساسية لحياة جديدة.

 ... إن التفكير الحاضر دخل في طور الشيخوخة في العالم كله، والبشرية بأسرها تنتظر تفكيراً جديداً تنال به سعادتها وراحتها وحريتها، وهذه البضاعة سيخرج أكثرها وأفضلها من سورية بلاد العبقرية والنبوغ.

 إن الديمقراطية الحاضرة قد استغنت بالشكل عن الأساس، فتحولت إلى نوع من الفوضى لدرجة أن الشعب ذاته أخذ يئن من شلل الأشكال التي أخذت على نفسها "تمثيل" الإرادة العامة، وصار ينتظر انقلاباً جديداً. وهذا الانقلاب الجديد هو ما تجيء به الفلسفة السورية القومية القائلة بالعودة إلى الأساس والتعويل على "التعبير عن الإرادة العامة" بدلاً من "تمثيل الإرادة العامة" الذي هو شكل ظاهري جامد.

فالتفكير السوري القومي الجديد هو إيجاد طريقة جديدة اسمها "التعبير عن إرادة الشعب"، وقد يكون التعبير بواسطة الفرد أو بواسطة الجماعة حسبما يتفق أن يوجد. فهذه الفكرة الجديدة، أي التعبير عن إرادة الشعب"، هي الاكتشاف السوري الجديد الذي ستمشي البشرية بموجبه فيما بعد. وهو دستورنا في سورية الذي نعمل به لنجعل البلاد دائماً كما تريد الأمة.

إن الأمم كلها تريد الخير والفلاح. ولكن المشكل هو في إيجاد التعبير الصالح عن هذه الإرادة. فالإرادة العامة إذا لم تجد "التعبير" الصحيح في فكرة واضحة وقيادة صالحة تصبح عرضة لأن تقع فريسة للمطامع والمآرب "التمثيلية".

فالتمثيل هو دائماً أهون من التعبير، لأن التمثيل شيء جامد يتعلق بما قد حصل، أما التعبير فغرضه الإنشاء وإدراك شيء جديد.

هذا هو الخلل الاجتماعي الذي يريد التفكير السوري الحديث أن يصلحه، تفهُّم إرادة الشعب وإعطاؤها وسائل التنفيذ الموافقة". (الزعيم في سانتياغو 25/5/1940)

7- مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث وتعاونها وتوازنها. جاء في المادة الرابعة من الدستور: أن هناك سلطتان تشريعية وتنفيذية. وفي الثلاثينات انشأ الزعيم محكمة، ثم أصدر مرسوم (المحكمة المركزية) عام 1949. وكان عندما طرد كلاً من الأمينين خالد أديب (عام 1940) وفخري المعلوف (عام 1946) قد أحال ملفيهما على المحاكمة للمتابعة.

8- النظام المركزي: جاء في المادة الخامسة من الدستور أن نظام الحزب مركزي، وبالتالي نظام الدولة هو نظام مركزي. وللمركزية فضائل عديدة كونها ترّسخ وحدة الشعب في الدولة.

9- حقوق العضو في الحزب – الدولة:

 المادة 8 من الدستور، وقسم العضوية، وقسم المسؤولية. القسم الأول ناله تعديل يناقض مقدمة الدستور والثاني لا يُعمل به إطلاقاً!

 اهتم سعاده بصيانة الحريات الفردية العاملة للخير العام للدولة، واضعاً التشريعات اللازمة التي تتيح للفرد مجالات واسعة من الحرية بشكل يحفظ حقوق الآخرين في الوطن.

 حرية الفكر والمعتقد لكل المواطنين دون إلحاق الأذى بالدولة والمجتمع.

 الحرية والكرامة والمساواة والعدالة وهي قيم أساسية لحقوق الإنسان.

 ".... النظام السياسي الذي نحيا فيه ... والحقوق الأساسية التي تحفظ نظامه، وهي الحقوق المدنية التي يتمتع بها الفرد بصفة كونه عضواً عاملاً في النظام السياسي والإجتماعي الذي يعيش فيه... هنالك حقوق مقدسة هي حقوق العضوية التي تبيح لكل عضو من أعضاء هذه الجمعية التي هي الدولة اللبنانية حق التفكير وحق الإعتقاد وحق نقل الإعتقاد إلى رفيقه وحق التصريح بإعتقاده وأرائه وحق الإجتماع للمداولة في العقائد والآراء وحق تكوين رأي في الحكومة وفي أشكالها ونقل هذا الرأي إلى عضو أو أعضاء آخرين، فيفسح المجال أمام الشعب للتطور نحو أفضل النظم وأقوى المبادئ وأصلح الحالات... هذه الحقوق المقدسة". (الرد على خطاب البطريرك الماروني – حلقة 3 " 1937.12.25-21)

 "أن مشكلة العقائد في لبنان هي مشكلة الحرية، ومشكلة الحرية لا تحل إلّا بالحرية. أن لبنان يحيا بالحرية ويندثر بالعبودية. أن الحركة القوميةالإجتماعية هي حركة الحرية، وهي أيضاً حركة الواجب والنظام والقوة، وبإنتصارها يجد لبنان كل الخير وكل العز". (مشكلة الحرية تحل بالحرية – الجيل الجديد – عدد 7 – 1949.4.14)

 الحرية ليست حرية العدم، بل حرية الوجود، والوجود حركة، هي حرية الصراع – صراع العقائد في سبيل تحقيق مجتمع أفضل – ولا معنى للحرية وراء ذلك". (الحق والحرية – النشرة الرسمية – 1948.1.1-47.12.15)

10- الأخلاق، والعقلية الأخلاقية، لأنه لا رتب ولا وظائف دون أن يحمل العضو أخلاقاً ومناقب ومؤهلات تربوية وإجتماعية وقيماً ومبادئ مستمرة من تراث شعبنا وذات نظرة جديدة للحياة.

 "العقلية الأخلاقية الجديدة التي نؤسسها لحياتنا بمبادئنا، هي أثمن ما يقدمه الحزب للأمة، لمقاصدها، لأعمالها ولاتجاهها". (المحاضرة الأخيرة في الندوة الثقافية)

- كل خطة سياسية وكل خطة حربية مهما كانت بديعة ومهما كانت كاملة لا يمكن تحقيقها إلّا بإخلاق قادرة على حمل تلك الخطة بأخلاق متينة، فيها صلابة العزيمة وشدة الإيمان وقوة الإرادة وإعتبار المبادئ أهم من الحياة نفسها.

11- قوننة التعاقد: وفي هذا الشأن لا يمكن إغفال ما ورد في مقدمة الدستور حول التعاقد مع صاحب الدعوة ومؤسس القضية القومية، ومسؤولية العضو عن صيانة الحزب ومؤسساته، ومصالح الأمة والوطن السوريين. وهذه المسؤولية الشاملة تعطيه كامل الحق لمواجهة كل الأخطار دفاعاً عن الوطن وليكون أيضاً حصن الحزب في مواجهة أي انحراف تقع فيه قيادته...

وأن عملية التعديل في قسم العضوية، عبر إستبدال عبارة "وأؤيد زعيمه وسلطته" لتصبح " تأييد المؤسسات"، هي عملية طعن في مسألة التعاقد، ومناقضة لمقدمة الدستور. وإنحراف فاضح عن الفكر الدستوري لصاحب الدعوة ومؤسس النهضة.

هذا الأمر، يضع مسؤولية كبيرة على العضو القومي الاجتماعي. ومن جهة أخرى، نجد أن القوميين الاجتماعيين – لتاريخه – قد قصَّروا في دراسة دستورهم لمعرفة حقوقهم ومسؤوليتهم تجاه حزبهم ووطنهم.

"فالنظام الجديد" هو في غاية الحزب، ولهذه الناحية هو يمثل جزءاً هاماً من تعاقدهم مع المشرع (سعاده).

إن احترام هذه الثوابت، يوجبه التعاقد مع المشرَّع وصاحب الدعوة لتستقيم حياتنا الحزبية أولاً، فالقومية لاحقاً.

وإن هذه الثوابت هي الأساس التي يمكن بواسطتها تقديم النموذج الحي والفريد للديمقراطية الجديدة التي نبشِّرُ بلادنا بها لإقامة حياة جديدة، وإلاَّ فإن سورية ستبقى غارقة في الفوضى والمفاسد الاجتماعية والسياسية، والتي جاء فكر سعاده عامة والدستوري منه خاصة سبيلاً وحيداً لإنقاذها منها.

فالدستور يتضمن النظام الأساسي للدولة القومية المنشودة، ويؤمن استقرارها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، مما يُوجب على الإدارات الحزبية أن تلتزم التزاماً تاماً بكل الملامح الأساسية لنظرة سعاده للدولة. فهو لم يضع لنا الحتميات، بل أشار إلى الطريق التي على الإدارات الحزبية أن تتابع مسيرتها عليها لتصل سورية إلى ما تصبو إليه من حياة كريمة، عبر انتقاء النخب العلمية صاحبة الاختصاص العالي، والعاملة للخير العام، والمناضلة نضالاً صلباً لتأمين حياة العز والمجد لسورية.

والحقيقة، إن هذه المبادئ – الأسس لم تُراعِ طوال تاريخ الحزب بعد استشهاد سعاده. فعملت الإدارات الحزبية على إجراء تعديلات مناقضة للدستور الأساسي، مما خالف مقولة وحدة الدستور منذ أول تعديل عام 1951 ولتاريخه.

وقد اعترفت بعض القيادات الحزبية في بيانات مختلفة بهذه التعديلات البعيدة عن روح الفكر الدستوري السعادي وبعيدة بالتالي عن تحقيق غاية الحزب، لأنها نالت من الأسس التي قام عليها دستور سعاده مما ينفي عنها صفة العقلانية، فغدت تغييراً وتحويراً. ويمكن إيراد بيانين لإثنين توليا رئاسة الحزب عدة مرات: د. عبد الله سعاده في خطابه في أول آذار في مكتب الطلبة عام 1987. وعصام المحايري في بيانين له في آذار 1986 و1987 عندما كان قائداً للطوارئ. كما يمكن الإشارة إلى بيانات أخرى تناولت الفئوية والإقطاع الحزبي و"اللوثات" النيابية والسياسية والمفاسد التي ارتكبتها بعض القيادات الحزبية. ومنها على سبيل المثال: بيان رئيس الحزب يوسف الأشقر عام 1971، وبيان رئيس مجلس العمد مسعد حجل عام 1972.

** ** **

ولمزيد من الشرح نتناول فيما يلي مبدأ الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وصلاحيات ومهام كل سلطة، وللنظام المركزي المستمد من فكر سعاده الدستوري:

7- مبدأ الفصل بين السلطات:

هو مبدأ ديمقراطي بامتياز، تعتمده كل الدول المتمدنة، وقال به العديد من فقهاء القانون الدستوري في العالم. وقد اعتمده سعاده في أول دستور لسورية القومية.

إن هذا المبدأ، هو قاعدة من قواعد السلطة المقيدة: "السلطة تحدّ من السلطة" كما قال مونتسكيو. تقسم وظائف الدولة التي تعتمد هذا المبدأ إلى ثلاث: تشريعية، تنفيذية وقضائية. أي سلطة صنع القانون، وسلطة تنفيذه، وسلطة البت في الخلافات التي تنشأ من مخالفة أحكامه. هذه السلطات الثلاث مؤتمنة على سيادة الدولة، والحفاظ على أمن المجتمع لا سيما لجهة حقوق وواجبات المواطنة وهي – السلطات- متمايزة عن بعضها، لكنها متكاملة ومتعاونة مع بعضها البعض.

وعلى أساس هذا التوازن لسلطاتها تقوم إستقلالية الدولة وبالتالي إحترام قوانين الحرية والعدالة والرعاية الإجتماعية.

وقد تعرض مبدأ الفصل بين السلطات منذ فجر إنبثاقه ولتاريخه، لا سيما بعد نشوء الأحزاب والمعارضة للحكم، والتطورات الإجتماعية والإقتصادية لجملة وجهات نظر. فبدأت تبرز إشارات إلى قصور هذا المبدأ عن حماية الحريات والحقوق، مما أدى إلى نشوء القضاء الدستوري من خلال الرقابة على دستورية القوانين ومختلف التشريعات الإدارية والإجتماعية.... فكان إنشاء مجلس دستوري لمراقبة دستورية القوانين والمراسيم والقرارات الصادرة عن المؤسسات التشريعية والتنفيذية والإدارية. وهذه الرقابة على دستورية القوانين تقتضيها سلامة الدستور والأعمال الدستورية وبالتالي سلامة موضوع العقد بين مؤسس النهضة وأعضاء الحزب.

وقد بات القضاء الدستوري في الدول المتمدنة يلعب دوراً أساسياً في الحفاظ عل مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها حفاظاً على الحقوق والحريات العامة والإنتظام العام للدولة وسيادتها ومصيرها...

وإنشاء محكمة لمحاكمة الرئيس والعمد وأعضاء المجلس الأعلى في حال إساءة استعمال السلطة وخلافها. كما لمحاكمة رئيس الحزب في حال ارتكابه الخيانة العظمى وانتهاك الدستور. كما هو جارٍ في أنظمة العالم الحديثة.

قلنا أن سعاده اعتمد مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث. فورد في المادة الرابعة من الدستور: "إن زعيم الحزب هو مصدر السلطتين التشريعية والتنفيذية...". وورد في المادتين 12 و13 منه، أن هناك سلطتان تشريعية للمجلس الأعلى وتنفيذية لرئاسة الحزب.

وكان سعاده قد أنشأ محكمة حزبية في أول عهد الحزب – بعد انكشاف أمره – ومتابعة لهذه الخطوة الأساسية اصدر بعيد عودته عام 1947 إلى الوطن، مرسوماً بالمحكمة المركزية (عام 1949) ولم يُعمل به لتاريخه.

وكان قد أحال ملف كل من الأمينين خالد أديب (عام 1940) وفخري معلوف (عام 1946) بعد طردهما إلى المحكمة الحزبية، احتراماً لمبدأ الفصل بين السلطات.

هذه السلطات الثلاث، يتحمل المسؤولية فيها من يحمل أعلى الرتب على الصعيد السياسي؛ أي الرتبة العليا، الأمانة. هي سلطات متوازنة ومتساوية ومتعاونة لما فيه مصلحة الوطن السوري. وضع سعاده دستور سورية بالتتابع، وهو يشكل نقطة انطلاق واضحة، ويشق الطريق في ثوابته لتحيا سورية حياة عز ومجد.

فيما يلي عرض لخصائص ومزايا هذه السلطات:

8- النظام الرئاسي: السلطة التنفيذية

رئيس الحزب، كامل السلطة التنفيذية، وفقاً للمادة 12 من الدستور. ويُفهم منها أن نظامنا رئاسي. وهذا ما يُعرف بوحدانية السلطة التنفيذية. يجب أن يكون الرئيس حاملاً رتبة الأمانة، فهو "خلف الزعيم" – في السلطة التنفيذية – أي يجب أن يكون حاملاً لأعلى الشهادات وأن يتمتع بمعارف علمية من سياسية واقتصادية واجتماعية. وأن يكون ملماً إلماماً واسعاً بكافة شؤون الدولة، ومن أصحاب النظرة الاستراتيجية في شؤون بلاده والمنطقة والعالم وخريجاً من معهد الإدارة العامة العالي للدولة السورية.

ورئيس الدولة هو في بعض الدول رئيس الحكومة، وهذه من الخصائص الأساسية للنظام الرئاسي. أما في حزبنا، وبخلاف الأنظمة الرئاسية فلمجلس العمد رئيس لمتابعة شؤونه الإدارية. وليس من الضروري أن يحضر رئيس الحزب جلسات مجلس العمد إلاّ حين الضرورة.

فالرئيس يعين مساعديه (مجلس العمد) وهم من حاملي الرتب السياسية، وهم مسؤولون أمامه. وهو من يعينهم على مسؤوليته، ويقبل استقالتهم أو يقيلهم على مسؤوليته أيضاً.

لذلك يجب أن يلم الرئيس بكل أعمال المصالح العامة الرئيسية ليوزع المهام وفقاً للمادة الثانية من المرسوم الأول (مجلس العمد). ويمكن أن يتابع إفرادياً أعمال العمد التنفيذية ويكلفهم بالأعمال المناسبة والطارئة أو المستعجلة. وهم مسؤولون عن متابعة تنفيذ خطته الرئاسية التي أُنتخب على أساسها. إذ يجري انتخاب الرئيس بناء على مشروعه القومي العام: الشامل كامل الوطن السوري والمناطق المحتلة، وكامل المصالح العامة الرئيسية، قاصداً إنجاز خطوات إضافية مرحلية في غاية الحزب.

وتتضمن خطة الرئاسة محاور العمل القومي في هذه المصالح العامة (مجلس العمد) والأعمال والمشاريع التي يزمع القيام بها خلال فترة رئاسته.

وبناءً عليها هو يقترح على السلطة التشريعية مشاريع قوانين تنفيذاً لخطته القومية العامة: مجمل الأوضاع السياسية للكيانات، والعلل النفسية والاجتماعية للشعب نتيجة بعده عن واقعه الحضاري وأوضاع الأراضي المحتلة، الوحدة الاجتماعية والاقتصادية للشعب.

باختصار يجب أن يمتلك رئيس الحزب معرفة تامة بمنهج سعاده لاسيما مذهبه ونظرته إلى السياسة والاجتماع. وتناقش هيئة مختصة (لجنة صيانة الدستور) المشكَّلة من أصحاب الرتب على الصعيد السياسي، وهم أصحاب المدارك العليا في المعارف السياسية والاقتصادية والاستراتيجية والاجتماعية... الرئيس في مشروعه العام. وعلى الأخير أن يجيب الهيئة على كل الأسئلة المطروحة. وهكذا الأمر إذا كان يوجد أكثر من مرشح للرئاسة. وهي تقبل أو ترفض الترشيح بناءً لقانون خاص في هذا الشأن.

أما الهيئة الناخبة فهي كل السوريين القوميين الاجتماعيين. بعدما يتلقوا التوجيهات والتعليمات وبعد تدريبهم على كيفية الانتخاب في حزب سعاده وبعد إعداد نظام خاص بالحزب. ويشارك في مناقشة الرئيس لمشروعه أصحاب الرتب على الصعيد السياسي عبر الإعلام الحزبي، علناً أمام القوميين.

ويجب صياغة نصوص قانونية لإقالة الرئيس في حال الإساءة في عمله، أو إحالته للمحاكمة في حال الخيانة العظمى وإفشاء أسرار الحزب، أو... أو..

وواقع الأمر، أنه لتاريخه، لا مشاريع للرئاسة. وإلاّ لكان لدينا اليوم مكتبة هامة على هذا الصعيد. وبالتالي لا يُعمل لتاريخه بنظام الحزب: المؤسسات التي عمل سعاده جاهداً لإرسائها في حزبه أولاً ومجتمعه فالدولة السورية القومية الاجتماعية.

والقوميون الاجتماعيون – بكل أسف أيضاً – لا يسألون الرئيس عن مشروعه، وهذا حق من حقوقهم بموجب "التعاقد". كما لا يسألون المنفذ العام عن مشروعه للمنطقة، ولا مجلس المنفذية ولا.. ولا.. ولذلك لا يدرس ناظر الإذاعة أوضاع متحده.. وكذلك المذيع.. و.. و..

لذلك بقي القوميون الاجتماعيون "غرباء عن مجتمعهم، إذ لا مشاريع اجتماعية واقتصادية... ولا أعمال جذرية في قلب المجتمع، وبالتالي لا مؤسسات كما شاء سعاده وفقاً لحاجة كل منطقة...

أما في مجال تقديم الدماء ذوداً عن البلاد، فالقوميون لم يبخلوا على امتداد تاريخهم الطويل على هذا الصعيد. ومشروع تقديم "شهادة الدم" اقتداء بالزعيم المفدى، هو أرقى عمل رسولي قام به القوميون. وقد بزّوا بذلك كل الأفكار والعقائد الدينية والدنيوية... وهذا محفور في ذاكرة الأمة.

9- السلطة التشريعية:

يتولى السلطة التشريعية في الحزب – الدولة، مؤسسة المجلس الأعلى، وذلك سنداً للمادة 12 من الدستور الأساسي. بعد إلغاء الصلاحية اللادستورية المعطاة لأول مجلس أعلى – بعد غياب الزعيم – بعد الانتهاء من تعديل دستور عهد الزعامة وفقاً لنهج سعاده الدستوري. هو أعلى المجالس في الحزب، وليس السلطة العليا أطلاقاً.

وأعضاء المجلس الأعلى هم من حاملي الرتبة العليا: الأمانة. ويمكن العودة لأول مجلس أعلى ألَّفه سعاده بعد منحه عدداً من الرفقاء هذه الرتبة، وشكَّل من بعضهم أول مجلس أعلى. كما تُفصح رسائل سعاده عن ذلك: رسالته إلى الأمين عساف أبو مراد بتاريخ 13/8/1937 مثالاً. وإلى إعلان سعاده بعيد عودته إلى الوطن عام 1947 أن المجلس الأعلى "غير دستوري" لوجود أعضاء لا يحملون هذه الرتبة. إضافةً إلى مرويات عدد من الأمناء والرفقاء القدامى المعاصرين للزعيم في مذكراتهم التي أصدروها.

ووفقاً للمادة 13 من الدستور، أنه تجري عملية "انتقاء" لأعضاء المجلس الأعلى. بخلاف عملية الانتخاب التي تجري لرئاسة الحزب. وتتم عملية إختيار المرشحين لعضوية المجلس بواسطة هيئة مسؤولة (لجنة صيانة الدستور)، وفقاً لملف كل منهم المتضمن دروسه وإنتاجه في مختلف الحقول، وأعماله ودراساته القومية والحقوقية ومتخرجاً من معهد الإدارة القومي العالي. ومن الأمناء الذين يتمتعون بكفاءات عالية من معارف علمية وسياسية واجتماعية، إضافة إلى موهبة التشريع للقضايا الكبرى لمشاكل الأمة وقضاياها المصيرية. بمعنى آخر، أن يملك المرشح اختصاصات عالية في القانون والاقتصاد والعلوم المالية والإستراتيجية و... لاسيما في ظل الظروف الداخلية لأمة تنهض من "قبر التاريخ" وبالتالي ينعكس الأمر على رئاسة الحزب – الدولة. باختصار، خلافاً "للفولكلور" الذي يجري عرضه كل 4 سنوات (مؤتمر) ويجري خلاله انتخاب أعضاء المجلس الأعلى من قبل ما يُطلق عليه بدعة المجلس القومي أو المجلس الإستشاري.

أما مصادر التشريع فهي:

1- الدستور الأساسي، وكل المراسيم التي وضعها سعاده.

2- المبادئ الأساسية والإصلاحية.

3- العقل السوري القومي الاجتماعي.

أما صلاحيات المجلس الأعلى فهي التشريع في كل الحقول القومية الاجتماعية. وقد ورد في المادتين 12 و13 من المرسوم الخامس (القانون المالي) أن مشروع الموازنة يُعرض على المجلس الأعلى في حال غياب الزعيم لإقراره. لأن المجلس هو الذي يُشرع للضريبة المركزية وبالتالي للاستقلال المالي القومي وهذا ما لم يحدث لتاريخه وفقاً لما ورد في المادة الأولى من المرسوم السادس إن الضرائب تقسم إلى قسمين مركزية ومحلية. وهي ضرائب لأننا حزب – دولة، لا "اشتراكات" كما يُشاع، وهذا ما يُعمل به في الجمعيات العادية.

كما تُعرض على هذا المجلس القضايا الخطيرة التي تمر بها الأمة وفقاً لما ورد في المادة 10 من الدستور الأساسي. ولا بد من الإشارة إلى الفقرة الأخيرة من المادة العاشرة من الدستور الأساسي (صلاحيات المجلس الأعلى في حياة سعاده) التي جاء فيها: "... ولتعديل الدستور الحالي". والمقصود "بالحالي" دستور عهد الزعامة. مما يعني، إمكانية المجلس الأعلى تعديل الدستور الأول بعد غياب الزعيم. وهذا ما أكدته المادة الانتقالية الثانية عشرة، على "حصر السلطة التشريعية بالمجلس الأعلى":

1- الدستورية منها لعهد خلف الزعامة.

2- الغير الدستورية لإمكانية إجراء أول تعديل لدستور عهد الزعامة (بناء على المادة 10 من الدستور الأساسي) واستكمال هيكلية البناء التنظيمي بالمؤسسات الضرورية لعهد "خلف الزعيم".

وهذا يعني، عدم إمكانية إجراء تعديلات على الدستور الأساسي لسعاده، واحترام الثوابت (فكر سعاده الدستوري) إنما يمكن إجراء تعديلات على مضمون مراسيم وقوانين وقرارات صادرة عن الهيئات المسؤولة، بعد أول تعديل لأول مجلس أعلى لعهد خلف الزعيم، حيث يتولى المجلس الأعلى خلال الفترة الجديدة صلاحية التشريع الدستورية فقط. لأن سعاده كان على ثقة أن "الأمناء" أعضاء المجلس الأعلى بعده سيقومون بالمهام المطلوبة في حقل التشريع وفقاً لما صاغه في الدستور الأساسي. وبالتالي تنتهي صلاحية المجلس الأعلى غير الدستورية ليتولى الدستورية فقط. كما كانت صلاحية الزعيم محددة في الدستور الأساسي، أيضاً يتوجب أن تكون صلاحية المجلس الأعلى محددة بشكل واضح بعد أول تعديل.

فتكون صلاحية المجلس الدستورية كما يلي:

1- السهر على العقيدة والنظام الأساسي للزعيم.

"... الأمناء... أعضاء المجلس الأعلى... فجعلوا من المجلس الأعلى هذه المؤسسة الشريفة الموقرة، وهذا الحصن الجبار للعقيدة السورية القومية الاجتماعية وللحركة القائمة بها". ( نشاط الحركة القومية الاجتماعية في الوطن وشأنها في حوادث الوطن الأخيرة تاريخ 2/8/1946)

2- النظر في موازنة الحزب، وإجراء التعديلات الملائمة.

3- تحديد الضريبة المركزية. والنظر بكل الضرائب العامة التي من الممكن أن يجري التشريع بها.

4- القضايا الخطيرة التي تعرضها رئاسة الحزب: قرار السلم أو الحرب أو...

5- إقرار المعاهدات والاتفاقات مع الدول، وقبول الهبات المالية.

6- الموافقة على إحالة أحد أعضائه للمحاكمة عن ذنب اقترفه، أو أية إساءة أو إفشاء لأسرار المجلس.

وقد تخلَّف المجلس الأعلى منذ استشهاد سعاده ولتاريخه عن القيام بالمهمات التالية:

أ - مأسسة الحزب – الدولة (خطاب سعاده المنهاجي...): الزواج المدني أو الحزبي مثالاً..

ب- تحديد الرتب على الصعيدين الاجتماعي والسياسي (المادة 5) وشروط منحها، والهيئات المولجة بمنحها.

جـ- الهيئة الناخبة للرئاسة والمجلس الأعلى والمحكمة وفقاً لفكر سعاده الدستوري.

10- السلطة القضائية:

وهي سلطة مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، لأن القضاء هو الذي يحمي الحقوق والحريات القومية والإجتماعية. فإستقلالية القضاء مبدأ دستوري. كما أن العدالة الدستورية هي أساس العدالة في الدولة. وهذا يتتبع إستقلالية القضاة وعدم إمكانية عزلهم أو إقالتهم إلا بموجب القوانين الخاصة المعمول بها في الدستور. مما يعطي هذا الشأن قيمة دستورية عالية مما يسمح بإرساء قاعدة الأمان القضائي المرتكزة على إستقلال القضاء، ليغدو محل ثقة القوميين الإجتماعيين وإحترامهم، وكل الشعب السوري لاحقاً. لما يمثله القضاء من عامل إستقرار أساسي في المجتمع.

وكان سعاده، منذ تأسيس الحزب وبصفته الزعيم قد شرّع لمصلحة عامة رئيسية هي عمدة القضاء في المرسوم الأول. وبعد انكشاف أمر الحزب، انشأ محكمة لمحاكمة الرفقاء الشاذين عقدياً ونظامياً. فقد حاكم شارل سعد (منفذ عام بيروت) وآخرين عام 1936. ودعا (المحامي) عبد الله قبرصي لعقد المحكمة لمحاكمة بعض الرفقاء (رسالته إلى رئيس المجلس الأعلى بتاريخ 28 و29/6/1938). كما حاكم الأمين خالد أديب محاكمة علنية أمام 50 رفيقاً في بيونس أيرس عام 1940.

كل ذلك يؤكد على اهتمام سعاده بالشأن القضائي، وبالتالي بالعدالة في الحزب – الدولة. وقد عمل سعاده لنشر ثقافة العدالة، ثقافة الحقوق والقانون والقواعد التي تؤسس لترسيخ مفاهيم العدالة في المجتمع. وسعاده في نشره دستور الحزب يؤكد على أننا دولة قانون (etat de droit)... وبالتالي سيادة القانون في هذه الدولة الجديدة.

وكان سعاده، قد انشأ المحكمة المركزية عام 1949 بموجب مرسوم لم يوضع بالتداول لتاريخه. ومن مطالعتنا لمضمون هذا المرسوم، يتبين لنا أنه قصد إنشاء قضاء واحد للحزب – الدولة. فكل الأعضاء متساوون (رتباً ووظائف) مع المواطنين المقبلين على الدعوة تجاه القضاء. فالدولة هي التي تشرع لكل شؤون المواطنين. لذلك أعلن سعاده في المبدأ الإصلاحي الثاني: "منع رجال الدين من التدخل في شؤون السياسة والقضاء القوميين". وذلك يتم عبر إنشاء جهاز قضائي مستقل خارج سلطة كل الهيئات الدينية في الكيانات. وبالتالي إنشاء جهاز قضائي يهتم بوحدة التشريع لوحدة أبناء المجتمع السوري.

وأوضحت المادة 8 من قانون المحكمة المركزية: إن جميع الأحكام التي تصدرها المحكمة هي مبرمة حكماً. وإن للعضو في الحزب الحق في "محاكمة علنية" كما جاء في مقالته "اليمين" (1/9/1943)، مما يعني علانية المحكمة. أي خلافاً للنصوص الواردة في الدستور المعمول به اليوم.

يتضح من مجمل ما وضعه سعاده في هذا الشأن: دعوته لوحدة القضاء لكل أبناء المجتمع، وإلى علانية القضاء فلا يجري شيء في الخفاء على الإطلاق. وإن الأحكام التي تصدرها المحكمة مبرمة.

وفي الحزب – الدولة، تنشأ محكمة لمحاكمة رئيس الحزب عن أي إخفاق أو سوء عمل خلال فترة رئاسته. وكذلك محاكمة أعضاء المجلس الأعلى ومجلس العمد عن الجرائم أو الجنح أثناء ممارستهم لوظائفهم. كما ولأعضاء الحزب في حال المس بأمن الدولة وسلامتها. إن محاسبة الحكام والمسؤولين في الحياة السياسة والإدارية أساس ديمقراطي. كما أن المساءلة والحصانة السياسية يجب قوننتها لقيام العدالة في الدولة القومية.

ونشير في هذا المجال إلى واقعة محاكمة رئيس الحزب وبعض أعضاء المجلس الأعلى عام 1957، من قبل السلطة التشريعية فلم يأخذوا بمضمون مرسوم المحكمة المركزية للزعيم عام 1949 كما لمحكمة أخرى كانت قد أنشئت عام 1955؟!

والحقيقة أنه من اطلاعنا على دساتير الدول المتقدمة، نجد أنها كلها قد أنشأت محاكم عليا لمحاكمة رئيس الدولة أو الوزراء أو المسؤولين الإداريين. كما لدى هذه الدول قضاء ينظر بدستورية القوانين، وهي سلطة البت في الخلافات التي تنشأ من مخالفة أحكام الدستور والقوانين الدستورية خلال قيام أعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية بوظائفهما. وضرورة النظر بالأمر رأساً بدون تقديم طعن، أو عبر تقديم طعن من أي عضو في الدولة. وفي هذا المجال، نذكر أنه في الولايات المتحدة الأميركانية (ذات النظام الرئاسي) تنظر المحكمة العليا في دستورية القوانين الصادرة عن الكونغرس والمجالس التشريعية للولايات. كما لها حق تفسير الدستور. كما أن قرارات المجلس الدستوري الفرنسي تعتبر مبرمة وغير قابلة للطعن. وهي مُلزمة للسلطات العامة (الجمهورية الخامسة). نخلص مما تقدم إلى أن القضاء في الحزب – الدولة يعتمد الأسس التالية:

1- وحدة القضاء بالنسبة لكل أعضاء الحزب، وبالتالي الدولة السورية.

2- علانية المحاكمة.

3- استقلالية القضاء عبر الأحكام المبرمة التي يصدرها.

4- اعتماد مبدأ "الأمن القضائي" لوحدة المجتمع والدولة.

5- إنشاء محكمة خاصة بشأن قوننة التعاقد، أي التشريع لقوة إجرائية (سلطة) توضح للقوميين أن عملية تطبيق الدستور هي بالتزام العقيدة والنظام وفقاً للعقد مع مؤسس النهضة.

6- المجلس الدستوري للبت في دستورية القوانين والمراسيم عفواً.

7- القضاء الدستوري: الذي يؤدي إلى انتظام الحياة السياسية في الدولة عبر إنتظام أداء المؤسسات الدستورية وضبط إدائها. وهو حصن أساسي لدولة القانون، يؤدي إلى صيانة الحقوق والحريات وتحقيق العدالة على كل الصعد.

ويُعّد عميد القضاء التشكيلات القضائية لعضوية كل المحاكم في الحزب – الدولة. ويُوضع تشريع خاص في كيفية تعيين القضاة وصلاحيات كل منهم يصدر عن المجلس الأعلى.

وفي هذا لمجال لابد من كيان دستوري يعزز إستقلالية القضاء كسلطة لها كامل الصلاحيات على القضاء الحزبي يتضمن إختيار القضاة وتأهيلهم ونقلهم وعزلهم وتأديبهم وأيضاً موازنة مستقلة تؤمن لهذه السلطة القيام بمهامها على أكمل وجه.

يتبع حلقة 2 ج. 2


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه