شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2018-01-12
 

هل يعقد سوتشي في موعده؟

عامر نعيم الياس - البناء

التحضيرات لعقد مؤتمر سوتشي في التاسع والعشرين من الشهر الحالي تجري على قدمٍ وساق، فقائمة المدعوّين للمشاركة في المؤتمر جاهزة، وما يتمّ العمل عليه الآن هو أمور تقنية تنظيمية فقط لا غير، تحضيراً لإعلان وإشهار الدعوات بشكل رسمي وعرض قائمة الأطراف المشاركة في المؤتمر.

الموقف التركي المستجدّ من التطوّرات الميدانية في سورية، واللقاء الذي جمع الرئيسين الفرنسي والتركي، فضلاً عن تصريحات وزير الخارجية التركي حول ما يجري في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، يطرح العديد من علامات الاستفهام حول إمكانية عقد المؤتمر في الوقت المحدّد له، فهل أطلقت تركيا مواقفها الأخيرة من العملية العسكرية التي يقوم بها الجيش السوري والحلفاء في إدلب، من أجل الإيحاء باتخاذها موقف معارض غير مباشر ومخفّف يبرّئها أمام الفصائل المحسوبة عليها؟ أم أنّ الأمر يتعدّى ذلك باتجاه استدارة تركية وانقلاب على الموقف من مساري أستانة وسوتشي؟

في البداية يتوجّب العودة إلى أساس عملية المسارات المتوازية التي أطلقتها موسكو حول سورية، بدءاً بأستانة واليوم سوتشي، حيث تعلن موسكو بشكل واضح أن تلك المسارات غير مترابطة، بمعنى أنّ التأثير على مسار لا ينقض المسار الآخر، وهو تكتيك سياسي برعت الدبلوماسية الروسية في إدارته حتى اللحظة، لكن هل يستمرّ هذا الأمر في ضوء الموقف التركي أولاً، والحملة التي يقودها الغرب وتحديداً الولايات المتّحدة وفرنسا على سوتشي ومن ورائها أستانة ثانياً، إدراكاً من الغرب بأنّ المحصّلة العامة للمسارات المتوازية هي ضبط المسار التفاوضي في جنيف وفق إيقاع ما يتفق عليه في سوتشي وأستانة؟

الموقف التركي الأخير يهدف إلى حماية جبهة النصرة، وعلى الرغم من الاتفاق التركي الإيراني الروسي على وقف إطلاق النار في سورية في كانون الأول من عام 2016، قام على أساس استدارة تركية في ما يخصّ ملف جبهة النصرة، وهو ما استتبعته اتفاقات مناطق خفض التصعيد في أيار من عام 2017 خلال مؤتمر أستانة 4، إلا أنّ التركي حينها كان على قناعة تامّة بأنه لا توجد أيّ عملية عسكرية لمحاربة ما يسمّى هيئة تحرير الشام أيّ النصرة في سورية، وهو استناداً إلى هذا المعطى، وفي محاولة لإدارة الأزمة مع الولايات المتّحدة، التي جاهرت واختارت الأكراد ذراعاً برياً لها في سورية، اقترب أكثر من موسكو وطهران، وأنجح مناطق خفض التصعيد، ما اضطر واشنطن إلى الدخول في هذه التجربة والاتفاق مع موسكو على منطقة خفض تصعيد في جنوب نهر الفرات، وفي جنوب سورية، وهو ما أفسح المجال للقيام بعملية نقل قوات، وتحرّك الجيش السوري في الشرق وتحريره البادية السورية ودير الزور ووصوله إلى الميادين والبوكمال في تشرين الثاني 2017. لكن ومع إعلان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قبل يومين من نهاية العام المنصرم أنّ الأولوية الروسية في سورية هي استكمال ومحاربة الإرهاب ممثلاً بالنصرة، وإطلاق الجيش السوري لعملية عسكرية من ريف حماة الشمالي الشرقي باتجاه مطار أبو الضهور، بالتوازي مع محور آخر في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، انقلبت صورة المشهد، وبدأ التحرك التركي الجادّ لحماية لنصرة، هذا التحرّك تمّت مواكبته بتحرّك آخر أميركي سعودي لضرب أسس مناطق خفض التصعيد التي انتهت المدة المحدّدة لها في الاتفاق الثلاثي الروسي التركي الأميركي الذي أعلن في 4 أيار من 2017، حيث حدّدت مدة الاتفاق بـ 6 أشهر قابلة للتمديد والتطوير وفق معطيات سياسية وميدانية، وبهذا المعنى ينتهي الاتفاق على مناطق خفض التصعيد نهاية شهر تشرين الثاني، وهو الشهر الذي تلاه أيّ كانون الأول 2017 انطلاق عمليات الجيش السوري والحلفاء على جبهتي ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي، وايضاً وفي الشهر الأخير من عام 2017 انقلب السعوديون والأميركيون على اتفاق منطقة خفض التصعيد في الغوطة الشرقية وشنّوا هجومين متتاليين على جبهة إدارة المركبات في حرستا، واستطاعوا في البداية إحداث خرق، قبل أن تتمّ معالجته، كما تمّ إعادة تفعيل العمل بتوازن الردع في محيط الأحياء الشرقية للعاصمة دمشق، واستؤنفت عمليات قصف العاصمة بالهاون والصواريخ محلية الصنع. أما التركي، إلى جانب الأميركي وفق الرواية الروسية ، فقد ساهم بشكل واضح في الهجمات التي استهدفت القاعدة الجوية الروسية في حميميم سواء بقذائف الهاون، أو حتى بالطائرات من دون طيار، فالفصائل المتواجدة في ريف اللاذقية بالكامل تدين بالولاء للأتراك، وهنا تتحدّث التسريبات الإعلامية عن إعادة تسليح وتنظيم ونقل قوات التركستان والتركمان لإعادة تسخين جبهة ريف اللاذقية الشمالي وإرباك الوضع الأمني في محيط حميميم، كما أنّ التحركات في ريف إدلب الجنوبي والتحضير لعملية في مواجهة الجيش السوري هناك أو خرق ما على جبهات ريف حلب، وفي محيط مدينة حلب حيث تتواجد الميليشيات التابعة للأتراك هو أمر وارد في سياق اللعبة الحالية.

يسير التركي على حبل دقيق في سورية، هو بين الأميركي والروسي، ويدرك أنّ الطرفين أيضاً يسيران على ذات الحبل في علاقتهما معه، وفي إدارة اللعبة الميدانية في سورية، فالدور التركي هو دور ميداني بامتياز، وأوراق تركيا في سورية لا تزال فاعلة على الرغم من مساحة الجغرافيا التي تتقلص يوماً بعد يوم، لكن هامش التحرّك التركي يعدّ الأكبر مقارنةً بهوامش التحرك للمجموعات الموالية للسعودية، والأردن والكيان الصهيوني في جنوب سورية الذي تحكمه توازنات ردع مختلفة عن تلك القائمة في الشمال. وعليه فإنّ الموقف التركي الأخير هو أقرب إلى الاعتراض الفاعل ومحاولة تفعيل أوراق القوة لإنقاذ أهمّ أذرع الحرب على سورية والقوة الميدانية الضاربة ممثلةً بالنصرة، في لحظة اتخذ فيها الغرب قراراً بالتأثير على العملية السياسية والحراك الذي ترعاه روسيا، وهذه لحظة تلاقٍ تركي فرنسي أميركي، يجب التنبّه لها وعدم التهوين منها، خاصةً أنّ الورقة الكردية التي يراهن عليه البعض في تحديد مسارات الموقف التركي، من الممكن تجميدها بقرار أميركي، فالكرد لا يملكون أيّ تأثير على القرار الأميركي في شمال شرق سورية وليس لديهم أيّ بديل. معطيات عدّة من شأنها أن تطرح تساؤلات حول موعد سوتشي الذي يعدّ امتداداً لاتفاق روسي تركي إيراني في سورية ينقل العمل من الميداني في أستانة، إلى السياسي في سوتشي، ولعلّ المواقف التركية الأخيرة ربطاً بالمواقف الغربية، والتصعيد الميداني المستمرّ في محيط دمشق والمتوقع في ريف اللاذقية، من شأنهم أن يطرحوا تساؤلات حول موعد عقد سوتشي، وحول أستانة ومسارها، بانتظار مرحلة ما بعد تحرير مطار أبو الضهور العسكري، والحراك في سماء حميميم.


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه