شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2005-10-15
 

العصبية القومية

د. أدمون ملحم

في خاتمة كتابه العلمي "نشوء الأمم" يحلِّل سعادة ظاهرة من أبرز الظواهر الإجتماعية العامة في وقتنا الحالي ألا وهي ظاهرة الروح القومية التي امتاز بها الكنعانيون من بين جميع شعوب التاريخ القديم.


و"القومية" يقول سعاده، "هي الروحية الواحدة أو الشعور الواحد المنبثق من الأمة، من وحدة الحياة في مجرى الزمان". ويضيف "انها عصبية الأمة".


والعصبية التي عنى بها سعاده ليست "مجرد عصبية هوجاء" أي نوعاً من التعصب السلبي الأعمى الذي يفيد عدم التساهل وروح التفريق والتمييز بين الأفراد، بل هي نوع من التعصب للحياة واستمرارها واستجادتها وهي انحياز كلي لخير المجتمع وارتقائه وللإهتمام بحاجاته ومصالحه. وهي أيضاً رابطة الأمة توحِّد أبناء الشعب الواحد وتولِّدُ فيهم الوعي للخير العام فيتكاتفون معاً في سبيل مصلحتهم العامة ومن أجل حقوق أمتهم وخيرها وجمالها.


وهذه العصبية التي شرح معناها سعاده هي شعور روحي صادق يولّد محبة الوطن ويدفع بأفراد الشعب الواحد للتعاون معاً ولدفع الأخطار التي قد تحدق بوطنهم ولتحسين حياتهم الجامعة "التي يعني فلاحها فلاح المجموع وخذلانها خذلانه".


هذا الشعور الروحي العميق الحي يدعوه سعاده بالوجدان القومي ويعتبره أعظم ظاهرة نفسية إجتماعية في عصرنا الحالي لأن بلوغنا هذا الحد من الشعور يعني "يقظة الأمة وتنبهها لوحدة حياتها ولشخصيتها ومميزاتها ولوحدة مصيرها."


والإرتقاء إلى مرتبة الوجدان القومي، أي الشعور بشخصية الجماعة والتعبير عنها، "يتطلب من الفرد أن يضيف إلى شعوره بشخصيته شعوره بشخصية جماعته، إمته، وأن يزيد على إحساسه بحاجاته إحساسه بحاجات مجتمعه وأن يجمع إلى فهمه نفسه فهمه نفسية متحده الإجتماعي وأن يربط مصالحه بمصالح قومه وأن يشعر مع ابن مجتمعه ويهتم به ويود خيره، كما يود الخير لنفسه"[1]


ما أحوجنا اليوم إلى الوجدان القومي نتسلّح به لتحسين حياتنا ولدفع العدو الخطير الزاحف إلينا والذي لا ينحصر خطره في فلسطين بل هو يتناول لبنان والشام لأنه خطر على الشعب السوري وعلى جميع الكيانات السورية.

ما أحوجنا إلى الوجدان القومي في هذا الزمن الرديء، زمن القيادات المتنازلة عن الصراع وعن حقوقنا القومية، زمن الرضوخ للعدو المغتصب والسكوت عن سياساته التوسعية وممارساته الإجرامية الهادفة لطرد شعبنا من أرضه... هذه القيادات السياسية المنحرفة باعت قضيتنا المقدسة وتاجرت بدماء آلاف الشهداء الذين سقطوا من أجل تحرير فلسطين ودفاعاً عن تراب الوطن، إبتداءً من الشهيد حسين البنّا أول شهيد سقط في الصراع القومي المسلح المباشر لدفع الهجرة اليهودية الإستيطانية وذلك عام 1936 إنتهاءً بأبطال الجنوب اللبناني وأبطال الإنتفاضة أطفال فلسطين ورجالها ونسائها الذين ما زالوا حتى يومنا هذا يعتصمون بحق الصراع ويواجهون جيش العدو بإرادة صلبة وإيمان عظيم لا مثيل له في التاريخ مؤكدين بأن "في شعبنا قوة لو فعلت لغيرت وجه التاريخ."


إلى القيادات السياسية التي عقدت الصلح مع دولة العدو وإلى القيادات المنحرفة المتاجرة بدماء الشهداء، نردّد ما قاله سعاده العظيم: "ويل للمستسلمين الذين يرفضون الصراع فيرفضون الحرية وينالون العبودية التي يستحقون."


أما إلى بقية المناضلين الشرفاء في شعبنا، إلى المؤمنين بوجوب تحرير كامل أرضنا الفلسطينية وكل الأجزاء المغتصبة في وطننا، إلى هؤلاء نمدّ أيدينا للعمل معاً، وكلنا إيمان بأن حقيقة قضية فلسطين لا تعبّر عنها القيادات الساقطة المستسلمة، بل نجدها في عقيدة أمة حية وإرادة قومية فاعلة تريد حياة المجد والعز والإنتصار.


في هذا الزمن السيء، زمن التراجع واليأس والإنحطاط، نتمسك بإيماننا الجديد ونؤكد بأن أملنا الوحيد في تحقيق آمالنا يكمن في عصبيتنا القومية الموحِّدة وفي ثقتنا بأنفسنا وبأن لنا وحدة حياة ومصالح ومصير... في هذا الزمن العصيب نتسلح بالإيمان ونقتدي بزعيمنا الخالد الذي قال "إن أزمنة مليئة بالصعاب والمحن تأتي على الأمم الحية فلا يكون لها إنقاذ منها إلا بالبطولة المؤمنة المؤيدة بصحة العقيدة".



 أنطون سعادة، نشوء الأمم- المقدمة.[1]




 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه