إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

دور المغترب في معركة المصير القومي

د. أدمون ملحم

نسخة للطباعة 2005-01-08

إقرأ ايضاً


كلمة ألقاها الدكتور ادمون ملحم في ندوة تموز الفكرية التي نظمتها منفذية ملبورن في الحزب السوري القومي الإجتماعي (منذ سنوات)



حوالي القرن الثاني عشر قبل الميلاد جاءوا إلى أرضنا الغنية عصابات معتدية رافعة شعار الإفناء لكل السكان الأصليين ومدنهم. وبالأساليب القبلية البربرية استولت هذه العصابات على جزء قليل من أرض كنعان وأقامت عليه وإلى زمن قصير حكماً باطلاً انتشرت فيه جميع أنواع الشرور والمظالم إلى ان إنقسم على نفسه ليلاقي بعد حين اندثاره إلى غير رجعة.


وبالرغم ما أخذه هؤلاء البرابرة عن حضارة شعبنا وأساليب حياته وثقافته وبالرغم ما أبدى شعبنا آنذاك من تسامح وشعور بالعطف والمساواة بين أبناء البيئة الواحدة وما قام به من محاولات حضارية، كنشره الكنعانية فالآرامية-السريانية بينهم بهدف تمدينهم، استمروا على تحجرهم البدائي والعنصري ورفضوا الإندماج الحضاري مع الكنعانيين وغيرهم إذ ان فكرهم كان مريضاً بكراهية الشعوب والحقد عليها ونفوسهم كانت تفور فيها شهوات مادية تدفعهم إلى ارتكاب المذابح البشرية في هجمات بربرية وحشية وفي الإستيلاء على أملاك الآخرين.


وحين استعصى ذوبانهم في الشعب لفظتهم أرض كنعان خارج تخومها، وسبتهم إلى بابل في محاولة جديدة لفرض الإنصهار الحضاري عليهم. ولكن إلههم الذي اختارهم له شعباً خاصاً فوق جميع الشعوب ظل بلسان كهنتهم وأنبيائهم يعدهم بتخليصهم من أرض المشرق ومن أرض مغرب الشمس وبإعادتهم إلى أرض كنعان ليسكنوا فيها..

فيكونوا له أمة مقدسة ويكون لهم إلهاً يساعدهم على إبادة غيرهم من الأمم ويوصلهم إلى عتبة الحكم العالمي لأنهم شعب يتميز عن بقية عناصر الجنس البشري ويتمتع بالعبقرية اما باقي الشعوب، حسب عقيدتهم، فهي في مستوى الحيوانات وقد وجدت فقط لخدمة الشعب "المختار".


وبعد ألفي سنة من إنتشارهم في العالم، في مجتمعات صهرت جميع ترسبات وتجمدات العصور البدائية والانحطاطية وحققت نهوضها الاجتماعي والنفسي بثورات متتابعة وبأفكار انسانية جديدة، عجز أبناء هذا الشعب "المختار" عن التخلص من أمراضهم وعقدهم النفسية، بسبب إحجامهم عن التفاعل مع الشعوب وانزوائهم في حارات خاصة بهم وإمتناعهم عن إعطاء ولاءهم لتلك المجتمعات، وظلوا محافظين على تحجرهم وإنغلاقهم، متجمدين بأوهامهم العنصرية البدائية ومتمسكين بمزاعمهم الأسطورية الوهمية الباطلة.


وإدعائهم بإضطهادهم في بعض المجتمعات التي عاشوا فيها كان سببه سلوكهم الشاذ وتعاليهم على الشعوب ومخالفتهم لنواميس الحياة الإجتماعية وتعشقهم للمال وتعاطيهم أعمال الربا والاستغلال والاحتيال وغيرها من الممارسات الغريبة. بهذه الأعمال والمثالب سببوا لأنفسهم كراهية الشعوب ومقتها.


وبعد الثورتين الأميركانية والفرنسية اللتين حرمتا الإضطهاد الديني وتبنتا مبادىء الآخاء والحرية والمساواة بين جميع المواطنين في حقوقهم وواجباتهم، برزت في المجتمعات الغربية تيارات تحررية بدأت تشكل خطراً على إنغلاقهم لأنها أخذت تطرق أبواب تجمعاتهم وتنادي بوجوب إندماجهم في مجتمعاتهم. وعندما أصبح من غير الممكن لتحجرهم ان يصمد أمام قوى الإنصهار الجديدة، أسرع زعماءهم إلى إبتداع حركة عالمية تحمي هذا التحجر بتعظيمها لمسألة اضطهادهم وتنطلق به لإعادة تأسيس مملكة جديدة لهم تسودها قوانين العنصرية الدينية وتسيرها العقلية البدائية الوحشية.

                                 

وهذه الحركة انطلقت منذ ولادتها من فكرة "أرض الميعاد" لتضع هذه الفكرة موضع التنفيذ وفق برنامج زمني. وبدأ قادتهم في العالم بإيقاظ العصبيات العنصرية والدينية وبالحث على تكثيف الجهود لتحقيق حلمهم بإقامة دولتهم الدينية والعيش في ظلالها. وتجدر الإشارة بان هؤلاء القادة لم يكن مبتغاهم في أي وقت من الأوقات الحصول على أرض ما، أية أرض ليقيموا دولتهم هذه عليها، فقد رفضوا أن تكون الأرجنتين وأوغندا أو أي مكان اخر موطناً لتلك الدولة، وتمسكوا بأرض الميعاد لأنهم اعتبروا هذه الارض حقاً لهم كما يزعم كتابهم، سجل تاريخهم الأسود المملؤ بالرذائل والشرور وسجل ما سرقوه عن أجدادنا الكنعانيين والسومريين والبابليين والأشوريين من أسفار وأفكار فلسفية سامية وأساطير شوهها فكرهم البدائي لتخدم شهواتهم المادية وأضفى عليها صفاتهم الأخلاقية لتعكس نفوسهم الشريرة.

وبدأ حلمهم يرتسم على الأرض منذ مطلع هذا القرن بفضل ما اعتمدته حركتهم العالمية من إجراءات نظامية مستغلة حالات الفوضى والضعف والتفسخ في أمتنا والأجواء غير الطبيعية أثناء الحربين العالميتين لتخرج بصكوك وإعترافات دولية تمنحها مشروعية السيطرة على جنوب سورية في باديء الأمر وتجعل منها كيانا سياسيا يتمتع بالحصانات اللازمة.

وبعد قيام دولتهم باشر حكام هذه الدولة بسياسة التوسع وبتطبيق برامج مدروسة هدفها إجلاء أكبر عدد ممكن من أبناء شعبنا من بيوتهم وقراهم لتحل محلهم أفواج المهاجرين القادمين من كافة أنحاء العالم. وتمكنت الدولة الإستيطانية الإستعمارية، المسلحة بتكنولوجية الحرب الحديثة والمزودة بعطف الغرب عليها، من شن الحروب علينا مستغلة الظروف المحلية والعالمية الملائمة، ونجحت وفق برنامجها في الغزو المرحلي بقضم أجزاء غالية من أرضنا وبتغيير معالمها التاريخية والحضارية...


ولم تكتفي هذه الدولة بما حققته حتى الان بل ما زالت تعدّل بسياساتها المرحلية وترتكب المجازر البشرية بحق شعبنا ليتسنى لها تحقيق أهدافها البعيدة التي لم ولن تتنازل عنها في يوم من الأيام.


وأمام هذه الحقائق التاريخية نتساءل: هل آن الآوان لنعي ما يتهددنا من أخطار ولنعرف عدونا على حقيقة أمره؟

 برأينا نحن أمام خيارين لا ثالث لهما:


إما التنازل عن تاريخنا وهويتنا وسيادتنا والقبول بسياسته المرحلية الجديدة: السلام المزّيف، سلام الذل والعبودية والإستسلام اليائس وهذا خيار ترفضه نفوسنا الجميلة الغنية في معطياتها الإنسانية الماضية وإما مواجهة العدو الشرس والانتصار على ما يمثله من باطل عنصري ونفسية بربرية متحجرة في معتقداتها ومزاعمها التاريخية وهذا هو الخيار الصحيح، خيار النفوس الحرة المؤمنة بالحياة المتجددة والخلاقة والمستعدة دائماً ان تصارع لحق الأمة وخيرها..


 الحلم اليهودي الذي بدا حلماً ضبابياًُ في مؤتمر بال عام 1897 بدأ يرتسم على الأرض منذ مطلع هذا القرن من خلال الإجراءات النظامية التي اعتمدتها الصهيونية العالمية مستغلة حالات الفوضى والضعف والتفسخ في أمتنا والأجواء غير الطبيعية أثناء الحربين العالميتين لتخرج بصكوك وإعترافات دولية تمنحها مشروعية السيطرة على جنوب سورية في باديء الأمر وتجعل منها كيانا سياسيا يتمتع بالحصانات

اللازمة.

                                 

والإجراءات النظامية التي اعتمدتها الصهيونية منذ نشأتها حتى اليوم تمثلت في المساعي والإتصالات والمفاوضات والإرتباطات التي أجرتها مع الدول العظمى وحكامها وفي الوسائل والأساليب الأعلامية والدعائية والأرهابية المختلفة التي اعتمدتها، كما تمثلت في التحالفات والمؤتمرات التي عقدتها والمؤامرات التي أحاكتها والأدوار التي وزعتها والسياسات المرحلية التي أطلقتها والحكومات التي زعزعتها والمؤسسات التي خرقتها كل ذلك سعياً لإقامة الدولة اليهودية وتثبيت دعائمها ولتوسيع رقعة هذه الدولة إلى أن تسيطر على العالم كله وتستعبد شعوبه كما وعدهم إلههم في قوله: " ... تأكلون ثروة الأمم، وعلى مجدهم تتأمرون. اشعيا 5:61".


وبعد قيام الدولة اليهودية عام 1948 باشر حكام هذه الدولة بسياسة التوسع وبتطبيق برامج مدروسة هدفها إجلاء اكبر عدد ممكن من أبناء شعبنا الفلسطيني من بيوتهم وقراهم لتحل محلهم أفواج اليهود القادمين من كافة أنحاء العالم. وكلنا يعرف كيف تمكنت هذه الدولة، المسلحة بتكنولوجية الحرب الحديثة والمزودة بعطف الغرب عليها وبدعم دوله الإستعمارية لمشاريعها الإستيطانية، كيف تمكنت من احتلال المزيد من الأراضي في حروبها مع الجيوش العربية النظامية وضمها لهذه الأراضي لتغير معالمها التاريخية والحضارية... وكلنا يعلم كيف أشعلت فتيل الحرب اللبنانية لتمعن في تمزيقنا وإضعافنا تسهيلاً لتحقيق أهدافها وكادت عام 1982 ان تسيطر على العاصمة اللبنانية ولكنها أجبرت على الإنسحاب بفعل مقاومة شعبنا وبفعل العمليات البطولية التي نفذها أبطال المقاومة الوطنية امثال خالد علوان ووجدي الصايغ وسناء محيدلي وغيرهم من الشهداء الأبطال.


                               

"السلم الاسرائيلي" سياسة جديدة


وفي السنوات الأخيرة اعتمدت الدولة الإستيطانية سياسة مرحلية جديدة عنوانها "السلام العادل والشامل" وتقضي بإنتزاع اعتراف الدول المجاورة بوجودها وبملكيتها للأراضي التي تغتصبها ولكنها لم تتخلى عن سياسة تهويد أرضنا وإرتكاب المجازر بحق شعبنا وشقائق النعمان التي نبتت في أرض قانا الطاهرة تشهد على مجازرها وهمجيتها. ومن خلال سياستها الجديدة ستحقق هذه الدولة مكاسب عديدة عجزت في الماضي من تحقيقها بقوة السلاح، إذ سيتأمن لها شرعية حقوقية جديدة هي اعترافنا نحن بملكيتها لأرضنا وبصحة ما تزعمه من حقوق تاريخية كاذبة فيها. كما سيتأمن لها الوصول إلى اسواق العالم العربي وثرواته وسينتعش اقتصادها لتتحول إلى دولة كبيرة قادرة على فرض هيمنتها السياسية والاقتصادية والعسكرية على أمتنا وعلى العالم العربي بأسره وبالتالي قادرة على إجهاض نهوضنا الاجتماعي والإقتصادي والمشاريع الوحدوية بين كياناتنا وعلى إشعال نار الإقتتال والحروب في مجتمعنا. وفي غمرة حروبنا وإنقساماتنا ستغتنم الدولة الإستيطانية الظروف المحلية والعالمية الملائمة لتقضم المزيد من أرضنا السورية وفق برنامجها في الغزو المرحلي.


باختصار، نقول ان معركة المصير القومي التي نخوضها ضد التنين المتعدد الرؤوس والمخالب معركة وجودية مفروضة علينا لا مهرب لنا منها ولا مجال فيها للتسويات إلا إذا أردنا التنازل عن تاريخنا وهويتنا وسيادتنا والقبول بسلام الذل والعبودية والاستسلام اليائس.

                

أنها معركة كلية شاملة تطال حياتنا وتراثنا ووجودنا الحضاري الانساني الخير لأنها معركة صراع بين النفسية البربرية المتحجرة في معتقداتها ومزاعمها التاريخية الباطلة والنفسية الحضارية المنفتحة العريقة في جذورها التاريخية والغنية في معطياتها الانسانية الماضية، صراع بين قوى الحياة المتجددة والخلاقة وقوى الشر المجرمة والمنطفئة، بين الباطل العنصري المتنكر بأزياء الحق والمتسلح بأعنف الوسائل المادية والحق القومي الذي سينتصر في النهاية وان خسر جولات في الماضي وذلك بفضل ما تنبع به نفوسنا من قوة صراعية عظيمة، قوة بطولية مؤمنة بنفسها وبالحياة السوية ومستعدة دائماً ان تصارع لحق الأمة وخيرها.. لذلك قال سعادة العظيم إن فينا قوة لو فعلت لغيرت وجه التاريخ.

  دنيا الاغتراب، وبالتحديد بلاد البرازيل، هي نقطة انطلاقي في الحديث عن دور المغترب في معركة المصير القومي، إذ سأعود بكم بالذاكرة إلى وقت سبق إعلان دولة العدو "إسرائيل"، وبالتحديد إلى عام 1925، يوم نشر في مجلة "المجلة" التي كانت تصدر في البرازيل مقالة بعنوان "القضية القومية الصهيونية وامتدادها". في ذلك اليوم شرح كاتب المقالة، وكان انذاك لم يتجاوز الحادية والعشرين من عمره، كيف ان الحركة الصهيونية الغير دائرة على محور طبيعي تقدمت تقدماً كبيراً في تحقيق اهدافها وذلك بسبب اجراءاتها القائمة على خطة نظامية دقيقة.. وأوضح بأنه اذا لم تقم في وجه الحركة الصهيونية حركة نظامية اخرى معاكسة لها كان نصيبها النجاح.

وفي المقالة ذاتها وجه الكاتب الشاب لأبناء جاليته المغتربين اللوم قائلا:

"أليس من الجبن والتخازل ان تجتمع في سان باولو حفنة من اليهود للتامر على سلب السوريين قسما كبيرا من بلادهم دون ان يكون لالاف السوريين الموجودين في سان باولو جمعية منظمة تنظر في مثل هذا التامر المعيب وتعمل على إحباط المساعي التي يقوم بها الصهيونيون لاخراجنا من بلادنا؟ أليس من العار ان تعتمد الجالية السورية في صد هجمات الصهيونيون، على افراد قلائل ليس في أيديهم من الممكنات ما يخولهم اتيان شيء فعال؟ ماذا يفيد عمل الافراد اذا لم تترتب عليه حركة فعالة تقوم بها جمعية أو حزب يمثل الجالية؟ الصهيونيون اخذون في عملهم ونحن لا نأتي عملا الا الكلام الفارغ وقتل الوقت وفي حالة كهذه لا نرى كيف يمكننا الدفاع عن حقوقنا دفاعا ناجحا".

كاتب هذه المقالة، كما تعلمون، كان الزعيم الخالد انطون سعاده الذي قاده تفكيره عام 1932 إلى تأسيس الخطة النظامية الدقيقة المعاكسة للحركة الصهيونية وإلى جعلها خطة قومية شاملة لكل أبناء الشعب المقيمين والمغتربين، توحدهم حول قضية الامة وتسير بهم إلى الحرب جماعة واحدة ليس من الوجهة الروحية فقط، بل من الوجهة الاجتماعية ايضاً. هذه الخطة التي أطلقها سعاده في حركته القومية الاجتماعية تتوجه إلى المغتربين السوريين:

                                  

 اولاً، لأنهم أبناء الامة ويشكلون جزءً منها وامتداداً لها وبالتالي فإن عليهم واجبات اتجاه البلاد التي أبصروا فيها النور. من هذه المنطلق يقول سعاده:

 "صحيح ان البلدان التي ننزح إليها كالبرازيل وغيرها تشبه وطنا ثانيا لنا بما نجده فيها من حسن الضيافة وهذا يوجب علينا شكر هذه البلدان الحرة ولكنه في الوقت نفسه يوجب علينا الاهتمام بالبلاد التي رأينا فيها نور الحياة وعرفنا بقوميتنا التي يجب أن نحافظ عليها وأن نقوم بواجباتنا نحوها. والذي لا يعتبر قوميته في سورية لا يعتبرها في بلاد اخرى".

ان "كل سوري أينما كان وحيثما وجد"، يشدد سعاده، "مسؤول عن الذل الضارب اطنابه في بلاده والعبودية الواضعة نيرها على عنقه واعناق مواطنيه لذلك يجب على كل سوري سواء كان في الوطن او المهجر، ان يعمل لانقاذ وطنه من الذل والعبودية..."

فلا تقولوا يا ابناء شعبي المغتربين إننا قد أصبحنا بين أمم حرة فلننس عبودية الامة التي جئنا منها. إن النهضة القومية الاجتماعية تقول لكم: "إذا لم تكونوا انتم احراراً من أمة حرة فحريات الامم عار عليكم".

ولا تقولوا يا ابناء شعبي المغتربين ما لنا ولما يحدث في الوطن الذي هجرناه. فالنهضة القومية الاجتماعية تجيبكم: "أنتم سوريون وشرفكم مقيد بشرف سورية".


ولا تقولوا يا ابناء شعبي المغتربين ماذا نستطيع ان نفعل من هذا البعد الشاسع عن بلادنا وعن أرض المعركة.

فالنهضة القومية الاجتماعية تقول لكم: "لا تكونوا قليلي الثقة بأنفسكم". إن قوتكم المادية والمعنوية هي قوة تستطيع ان تفعل في سبيل الوطن والامة ما يأتي بنتائج كبيرة بشرط توظيف هذه القوة في أطر الخطة النظامية الدقيقة وغاياتها العظمى.

وثانيا، حركة سعاده القومية تتوجه إلى المغتربين لأنها تعي بان عدونا القومي قد نظم نفسه في حركة عالمية خطيرة انطلق منها الى اقامة كيانه الاستيطاني. وسعاده ينبهنا : "بأن مئات الفروع اليهودية المنتشرة في جميع انحاء العالم المندمجة في المنظمة الصهيونية تعمل عملاً واحداً منظماً، وترمي الى غاية واحدة واضحة هي:

الاستيلاء على سورية كلها وتحويلها الى وطن قومي خاص باليهود...". وإذا حاولنا، ايها الحاضرون الكرام، ان نختصر عمل الفروع اليهودية بكلمات موجزة، فنقول بأنه يهدف إلى إقناع العائلات اليهودية التي تعيش خارج فلسطين بوجوب الهجرة إلى "أرض الاباء والاجداد"، "أرض الميعاد"، والعيش في ظلال دولتهم "إسرائيل" التي، كما يعتقدون، ستنير الطريق امام العالم بما للشعب اليهودي من ابداع متميز وعبقرية خاصة وقيم روحية وحضارية، على اساسها كان اختيار الله له لينمي عبقريته الخاصة وليكون منارة خلاص لجميع الشعوب، وهذا ما تقوله كاتبة صهيونية في كتابها "البقاء اليهودي" الواسع الانتشار.


وعلى الصعيد التربوي، فان الفروع اليهودية المنتشرة في العالم تعتمد اساليب وبرامج متنوعة الغاية منها تغذية الفرد اليهودي منذ صغره بمبادىء الصهيونية وذلك من خلال تعليمه التوراة والتلمود وتلقينه امثولات في المعتقدات الدينية اليهودية التي تشحن فيه الغرور القومي وتنمي وجدانه اليهودي فينشأ على حب صهيون، والرغبة في العمل بكل وسيلة على تحقيق الاهداف الصهيونية. وفي مذكراته المنشورة عام 1965 يقول بن غوريون: "كان من غير الممكن ان أبقى في روسيا. كنت افكر بالذهاب إلى فلسطين منذ الخامسة من عمري. فقد ولدت في بيت صهيوني، ورضعت العبرية وحب صهيون منذ الطفولة. وتعلمت العبرية منذ الثالثة من عمري. وكان جدي يعلمني التوراة. وكان الجد "سمحا" يلهب مشاعرنا، ويحثنا على الذهاب إلى أرض الميعاد".


 من هنا ايها الحاضرون الكرام نقول ان مواقع معركتنا المصيرية مع العدو لا تنحصر على جبهات القتال العسكرية في الوطن فقط، بل هي تمتد إلى كل المغتربات، أنها معركة قومية شاملة لكل الجبهات العسكرية والدبلوماسية والأعلامية والنفسية وغيرها من مجالات الحياة. لذلك فإن اعدادنا لهذه المعركة بكل ابعادها واحتمالاتها يتطلب منا الابتعاد عن قواعد العمل الارتجالية والانفعالية واعتماد التخطيط العلمي في أساليبنا وخطواتنا والتفكير الموضوعي والمنهجي اساساً لتحركاتنا السياسية ولأعمالنا

التنظيمية.

 

 برأيينا ان انتشار المغتربين الواسع في قارات العالم يشكل خزاناً إنسانياً كبيراً له تأثيره وفاعليته في خدمة قضايانا القومية وخاصة في المجالات الاعلامية والثقافية والمالية والاقتصادية. في ما يلي سأحاول وصف دور المغترب في بعض المجالات او الجبهات، وبالتحديد في المجالات الاعلامية والتربوية والادبية والثقافية والفنية. 


 

على الجبهة الاعلامية


على الجبهة الاعلامية، فان للمغترب الاعلامي والإذاعي والصحافي دور أساسي وطليعي في معركة المصير القومي. وأول الواجبات الأعلامية برأيينا هو نشر وإذاعة الحقائق حول طبيعة عدونا العنصرية وأساليبه الارهابية وأهدافه التوسعية والاستعمارية. من الواجب على كل مغترب اعلامي او إذاعي او صحافي ان يؤدي رسالته تجاه أمته وان ينخرط باندفاع في حملة توعية منظمة تنشر مثل هذه الحقائق عن العدو وتفضح التزييف الصهيوني والتضليلات الدينية التي يعتمدها بشتى السبل ومختلف الوسائل ليبرر اعماله ووجود دولته ولينال دعم الغرب بدوله وشعوبه على السواء. وهنا لا بد لي من الاستشهاد بالكاتب انيس فاخوري الذي وضع دراسة تناولت المرتكزات والتضليلات الدينية الزائفة للعدو والذي يقول فيها:


"ترانا اليوم، ونحن في صميم المعركة المصيرية، وبقطع النظر عن محاولات السلام الاستسلامية، ترانا بأشد الحاجة الى نسف هذه الاضاليل الدينية بغية تطهير الذهنية الغربية من جرثومة مساندة اسرائيل. ان المسيحي الغربي، عندما تتكشف له الحقيقة التي تقول "ان قيام دولة دينية يهودية على ارض كنعان هو ضد مشيئة الله وتزييف لمقاصده، وكفر بتعاليم يسوع والغاء لرسالته." فانه سيتراجع حتماً عن موقفه السابق الذي انزلف اليه وهو معصوب العينين ومسربل بالتضليل. وعندما يتراجع الغرب المسيحي، ذهنيا، عن مساندة اسرائيل، فاننا نكون عند ذاك قد كسبنا نصف المعركة سلفاً". 


على الجبهة التربوية


على الجبهة التربوية فان نهضتنا القومية الاجتماعية تعتبر ان قضية التربية والتثقيف القوميين في المغتربات هي مهمة خطيرة موضوعة في أعناقنا لا بل هي حرب مقدسة يجب ان نخوضها بأفضل الوسائل لإنقاذ نفسية الاحداث ولتربيتهم في الفضائل القومية لأنه "إذا ربحنا معركة الاحداث يقول سعادة العظيم، "ربحنا معركة العقائد ومعركة المصير القومي كله".


  من هذا المنطلق نقول ان دور الاهل ودور المربي والمدرس في دنيا الاغتراب هو السعي الى تأمين الوسائل التي تربط أبناءنا والاجيال التي ولدت في دنيا الاغتراب بوطننا الجميل وتعليمهم لغتنا القومية وتقاليدنا الجيدة وتاريخ بلادنا القديم وتشجيع من لديه الامكانية لزيارة الوطن والتعرف على طبيعته وجمالها وعلى المقيمين فيه وحياتهم.

 نحن نعلم ان مهمة تثقيف الاجيال المولودة هنا تثقيفا قوميا هي مهمة صعبة وطويلة ولكنها ليست بالمستحيلة. ان عدوتنا الصهيونية، كما أشرنا أعلاه، تحرث في حقل التربية والتعليم وتسهر على تربية اولاد الافاعي منذ طفولتهم... فلنعتمد نحن أسلوب العمل مع اولادنا وهم في مرحلة تكوينهم النفسي، نعلمهم حب الوطن ومبادىء الحياة الجديدة، نلقنهم المعرفة المفيدة والعلم الصحيح، نرشدهم على الحقيقة ونزرع في نفوسهم الفضائل القومية، فضائل التضحية والبطولة والاستقامة والثقة بالنفس واعتماد الحق ومقاومة الباطل وسحق القبح واللؤم...   

على الجبهة الأدبية


وعلى الجبهة الادبية فان لكل من الاديب والشاعر في دنيا الاغتراب دور طليعي وريادي في معركة المصير والنهوض القوميين. وأول ما يتطلبه هذه الدور هو انتاج الاعمال الفكرية والثقافية والادبية التي تحرك العمل القومي بين المغتربين وتحثهم على النضال والقيام بواجباتهم القومية تجاه بلادهم وقضاياها، كما تزرع في نفوسهم المحبة والتسامح القوميين وحب الوطن والحنين اليه.


والمطلوب من الاديب او الشاعر ايضاً ان يكون منارة لأبناء جاليته ينشر وعياًً ونوراًً هادياًً في صفوفهم ويرشدهم إلى نبذ الجهل والتعصب والخلافات وإلى التمسك بوحدتهم الاجتماعية ورابطتهم القومية والتعاون معاً لتحقيق الاعمال النظامية التي تفيد سمعة الجالية ومصالحها.


على الجبهة الثقافية


وعلى الجبهة الثقافية فان دور المثقفين والمفكرين والاكاديميين ان يساهموا بإنتاج الابحاث الفكرية والعلمية التي تزيد من وعي المغتربين وأبناءهم وتفتح النور امام بصائرهم ليروا تاريخ وطننا الحقيقي المجيد وليتعرفوا على ما اعطته بلادنا من اختراعات فكرية واكتشافات عملية وفلسفات دينية واجتماعية وشرائع تمدنية وفضائل وقيم إنسانية سامية والعديد من المآثر الثقافية العظيمة التي تظهر حقيقة نفسيتنا المتفوقة، الكريمة في اخلاقها وعطائها والخلاقة في انتاجها وابداعها، والتي تثبت بأن بلادنا سورية كانت منذ فجر التاريخ مهد الحضارات العالمية وهادية للأمم وهذه حقيقة يؤكد عليها عدد لا يحصى من المؤرخين والعلماء الاجتماعيين في العالم.


وعلى سيرة تاريخ وطننا الحقيقي المجيد فان من واجب المثقفين والمفكرين ان يساهموا بدراساتهم التاريخية وابحاثهم الفلسفية والاجتماعية في الكشف عن الدورات الصراعية الطويلة التي خاضها مجتمعنا عبر تاريخيه ضد الموجات البربرية والحملات العسكرية إلاستعمارية والتي خرج منها دائما منتصرا، ليس فقط بفضل بطولات شعبنا وعبقرية قواده الخالدين بل ايضا بفضل مقوماته الحضارية الرفيعة الفاعلة في الغزاة من أي نوع كانوا.

وواجب المثقفين والمفكرين والاكاديميين المغتربين ان يساهموا بكتاباتهم وإذاعاتهم واقوالهم وبكل ما ينتجونه فكريا في استخراج الدروس التاريخية التي تزيل عنا أوهام الخوف والانعزال والانكماش والتي تقضيء على عقلية التهرب من المسؤولية والاستسلام وكل التعاليم الفاسدة التي انتقلت إلينا من عصور الانحطاط التي قاساها هلالنا الخصيب والتي تعبر عنها بعض أمثالنا الشعبية مثل: "العين ما بتقاوم مخرز" و "ابعد عن الشر وغني له..." أو "من بعد حماري ما ينبت حشيش" وإلى ما هنالك من الامثال التي لا قيم فيها ولا فائدة منها.


وعلى المثقفين والمفكرين والادباء والخطباء وغيرهم ان ينخرطوا في تقديم الابحاث والدراسات والندوات والمحاضرات التي تضيء على تراث البطولة والمواجهة المدفون في تاريخنا القومي، تراث التصدي لتنين الشر والظلم والغضب ومواجهته والانتصار عليه في سبيل استمرار الحياة وبقاء الخير فيها... وهذا التراث نجد أصوله في مراحل تاريخنا القديم، في كنوز أساطيرانا الثمينة، أساطير قلقامش والبعل وقدموس وتموز وأدونيس وغيرها من الاساطير التي تحول أبطالها إلى الهة ترمز إلى قيم المواجهة والتصدي والصراع والاستشهاد من أجل عز الحياة وانتصارها. على المثقفين ان يساهموا في ابراز هذا التراث الذي لا يكمن في أساطيرنا الأولية فقط بل هو متجسد ومستمر في كل حقب تاريخنا البطولي وفي كل المراحل منذ أقدم العصور حتى وقتنا الحالي. أنه متجسد في المرحلة المسيحية بالسيد المسيح وبمار جرجس ومتجسد بالمرحلة المحمدية بالرسول الكريم وبالخضر، كما انه متجسد بمواقف يوسف العظمة في ميسلون وسعيد العاص في فلسطين وسعيد فخر الدين في بشامون والزعيم سعاده في الثامن من تموز واطفال الحجارة في فلسطين والمتفجرات البشرية في جنوب لبنان والحركة القومية الاجتماعية التي تحمل لواء الثورة والمواجهة والاستشهاد لكي تنتصر الامة على التنين المتعدد الرؤوس وتأخذ المكان اللائق بها بين الامم.



على الجبهة الفنية


وعلى الجبهة الفنية، فان دور الفنانين، المغني والموسيقي والممثل وغيرهم، إبراز نفسيتنا الجميلة (من خلال أعمالهم) وإبراز وما تتمتع به هذه النفسية من خير وجمال وابداع كما يتوجب عليهم الاسهام بإحياء النشاطات واللقاءات الفنية والاجتماعية التي تظهر حياتنا القومية بأجمل مظاهرها، مظاهر الوحدة والالفة والتكاتف والتي تعكس سمو نظرتنا إلى الحياة بما تقدمه من صور الفرح الشعبي والفلكلور القومي والفنون الراقية من مسرح ورسم وغناء وموسيقى تسمو بها نفوسنا وتقوي ثقتنا بأنفسنا وإيماننا باننا شعب تختزن في نفسيته قدرات ابداعية وقوى خلاقة، شعب قادر ان يخطو خطوات الانتصار وان يحقق الامال الكبيرة والرغائب العالية والغايات العظيمة. 



على الجبهة المالية الاقتصادية:


على الجبهة المالية والاقتصادية فإن الواجب القومي والشرف القومي يتوجبان من المغتربين الاهتمام في مساعدة شعبنا المقيم وفي دعم صموده امام الهجمة اليهودية وامام ما يتعرض له من ذبح وقتل ومن تدمير في ممتلكاته ومؤسسات حياته الحيوية. ان أقل ما يمكن ان يفعله المغتربون هو تأمين الدعم المالي والمعنوي لأهلنا وأطفالنا الذين يتعرضون يومياً لغضب العدو ولهمجيته... والمغتربون على إختلاف إمكانياتهم المادية قادرون فيما لو تعاونوا مع بعضهم كجماعة واحدة تسيرها إرادة وطنية واحدة ان يحققوا المشاريع والأعمال التي من شأنها ان تعزز من روح الصمود عند أهلنا في الجنوب اللبناني وفي كل المناطق التي يتعرضون فيها لعمليات الأقتلاع والتهجير. فتعالوا يا أبناء جاليتنا الكريمة، تعالوا باحزابكم الوطنية وجمعياتكم الخيرية، لنتعاقد ونتعاون معاً من أجل المصلحة القومية المشتركة... تعالوا لنحقق المشاريع الجدية التي تخفف من الآم شعبنا الكبيرة وتضمد جراحه النازفة... تعالوا لنساهم معاً في بناء مستوصف صحي او مستشفى في الجنوب اللبناني يعالج الجرحى من أطفالنا وشيوخنا ونسائنا... او بناء مؤسسة إجتماعية تأوي اليتامي من أطفالنا وتهتم بالمحتاجين من أهلنا الذين فقدوا مساكنهم ومواسمهم الزراعية...

والعديد من المغتربين الاثرياء، ايها الحاضرون الكرام، بإمكانهم دعم ورشة الاعمار والبناء والنهوض الاجتماعي والاقتصادي والصحي في بلادنا والمساهمة بما في أيديهم من رساميل ضخمة في تحقيق المشاريع الحيوية التي تساهم في بناء إقتصاد قوي يستوعب العاطلين عن العمل. كلنا نعلم ان ابناء شعبنا المقيم يمضون السنين يحصلون العلوم وينالون الشهادات العالية في القانون والطب والهندسة والتاريخ والاقتصاد والسياسة وغيرها من مجالات العلم والمعرفة ولكنهم بأكثريتهم يتخرجون إما للاغتراب وإما للبطالة... فهل بهذه الاوضاع نواجه عدونا المتفوق علينا ماليا واعلاميا واقتصاديا؟ ان بلادنا مؤهلة بما في أيدي مغتربيها ومقيميها من ثروات، وبما في مواهب أبناءها من مواهب ومهارات أن تنشىء المشاريع الصناعية والاقتصادية التي تغير في الكثير من المعادلات المصيرية.

بامكاننا ان نحدد الادوار في مجالات متعددة لم نأتي على ذكرها بعد، كالمجالات السياسية والدبلوماسية التي من خلالها يمكننا الدفاع عن قضايانا القومية وشرحها والمساهمة في تمتين العلاقات بين بلادنا وهذا البلد المضياف، ولكن لكي لا نطيل بالكلام، نختصر ونقول ان المطلوب منا بصورة عامة هو التالي:


أولاً، ان نتعمق بمعرفة نفسنا وحقيقة وجودنا المجتمعي التاريخي والواقعي، حقيقة اشتراكنا في الحياة الواحدة والمصير الواحد، والتي على ضؤها تكون لنا إرادة واحدة تدفعنا إلى تنظيم نفسنا وإلى العمل بإتجاه واحد لا بإتجاهات متضاربة وتقودنا إلى توظيف ما لدينا من وسائل وممكنات في خدمة قضايانا القومية وفي التعاون معاً من أجل تحقيق الاعمال والمشاريع والاهداف المشتركة. وهنا نتذكر قول الفيلسوف سقراط: "اعرف نفسك. المعرفة قوة والجهل ضعف".

                            

ثانيا، أن نتعمق بمعرفة عدونا على حقيقته، عدونا الذي يعرف الكثير عن منابع قوتنا ومواطن ضعفنا وعن حياتنا بكل أمورها وتفاصيلها ويعرف كيف يستغل ضعفنا وإنقساماتنا، علينا ان نتعمق بمعرفته وأن ندرس الأسباب التي أمنت وما تزال تؤمن له سبل النجاح في تحقيق أهدافه. وبرأينا أن هذه الأسباب يمكن تلخيصها بسببين:


السبب الأول يشمل وضوح الهدف عند العدو أي وجود قضية واحدة تجمع اليهود، من أجلها يعملون كل الوقت ويعتمدون الاجراءات النظامية الدقيقة كما أشرنا أعلاه. وهذه القضية الباطلة هي قضية "الوطن القومي اليهودي".

اما السبب الثاني فيرتبط بعدم وضوح أهدافنا، بتعدد اتجاهاتنا الروحية وتضاربها، بكثرة قضايانا وغياب القضية الكلية الواحدة، بإرتجال أساليبنا وخططنا، بسياساتنا الخصوصية، بإمراضنا الاجتماعية وبطغيان الفوضى على كل أعمالنا ومشاريعنا... ان عدم حسمنا لكل هذه الامور مزق قوانا وأوجدنا في حالة عجز ساعدت العدو على تحقيق ما حققه حتى الان.

وإذا حاولنا أن نصف موقفنا كمغتربين اتجاه ما يحيط بأمتنا من أخطار فماذا نجد أيها الحاضرون الكرام؟ نجد أن حالة جاليتنا، والتي هي صورة حقيقية عن حالة شعبنا المقيم، تعاني من حالة العجز والضعف الناتجة عن إنقساماتنا واتجاهاتنا المتضاربة وعن تخبطنا بقضايا جزئية تسييرها الأهواء الشخصية والنزعات الفردية والطائفية بدل ان نجتمع من أجل قضية قومية واحدة نوظف لها كل طاقاتنا وامكانياتنا ونسير بها في اتجاه واحد يدفعنا ايمان واحد وإرادة واحدة، إرادة تعبر عن وحدة الجالية الحقيقية لا الفوقية وعن تطلعات أبناءها وامالهم المشتركة.

       

إن المطلوب منا كمغتربين وكأحزاب وجمعيات إغترابية هو أن نطلق حالة ضعفنا وإنقساماتنا وأن نضع نصب اعيننا العمل بمبدأ القوة المنظمة والاعتماد على هذا المبدأ في تأييد حقوقنا وقضايانا القومية لأن القوة، يقول زعيمنا الخالد، هي القول الفصل في إثبات الحق القومي او انكاره".  



خلاصة:


أخيراً، نقول ان معركة المصير القومي هي معركة طويلة الامد ومتعددة المراحل والجبهات. ودور المغتربين فيها لا يختلف عن دور اهلنا المقيمين في الوطن، فكلنا متساوون بالواجبات القومية وبما هو مطلوب منا لأنه في التحليل الأخير كلنا معنيوون في هذه المعركة، معركة حياة الامة أو موتها، والتي ستطال في نتائجها شعبنا كله المقيمين والمغتربين، المسيحيين والمحمديين، واي نتيجة حصلت كنا نحن المسؤولين عن تبعتها. لذلك فإن هذه المعركة تستلزم منا إعداداً فكرياً ونفسياً ومناقبياً ووعياً ضرورياً لهويتنا القومية ولأسس حياتنا وحقيقتها التاريخية والواقعية ولما يتهددنا من اخطار داخلية وخارجية كما تستوجب منا مقيمين ومغتربين ان نستنفر كل طاقاتنا المادية والروحية وكل مواهبنا العقلية وكل امكانياتنا الانسانية لندفع بها، بدون تردد او تحفظ، الى ميدان الصراع في تنازع البقاء والمصير.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024