إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الزوبعة الحمراء والصليب المعقوف

د. جهاد العقل

نسخة للطباعة 2004-09-05

إقرأ ايضاً


" اذا كانت عشتروت " الام السورية الكبرى " قد نقلت الصليب المعقوف عن النازية ، يكون سعاده، قد قلّد هتلر، في اعتماده رمز الزوبعة شعارا لحزبه ".


 

اذا كانت " الزوبعة " رمزا سوريا قديما، بعثه سعاده من جديد بمنطويات معنوية مبتكرة ، لا تقليد فيها، فانّ " الصليب المعقوف " ( شعار النازية ) لم يكن اساسا من الرموز المتصلة بالثقافة الالمانية، انّما دخل اليها من التراث الحضاري للأمة السورية الذي شعّ على العالم كلّه، عبر الثورة الثقافية السورية العظمى التي غزت البشرية بأبجديتها وعلومها وفنونها وادابها. ممّا دفع بالعالم اندريه بارو للاعلان " بأنّ كلّ انسان في العالم له وطنان: وطنه الذي ولد فيه وسورية ". 


ويكفي هذه الأمة انصافا في حكمة جبران خليل جبران القائل: كان المجد عبدا لسورية ، وان ما تدعينه انحطاطا يا سورية أدعوه نوما واجبا يعقبه النشاط والعمل، فالزهرة لا تعود الحياة الا بالموت، والمحبة لا تصير عظيمة الاّ بعد الفراق.

 

عود الى بدء، الى " الصليب المعقوف " الذي كانت أولى ظهوراته على تماثيل لالهة الجمال السورية " عشتروت" التي دعاها اليونان أفروديت وسماها الرومان فينوس، وأقيمت معابدها الأولى في نجمة الهلال السوري الخصيب" في قبرص، ووديان لبنان السورية. 


ذكر المؤرخ الأميركاني " هربر ج . موللر " في كتابه " نسج التاريخ " أنّ مهندس الآثار العلامة شليمان عثر في تنقيباته في اطلال طروادة ( 3000 ق م – 2900 ق م ) على تمثال " عشتروت" ، وقد نقش في اسفل بطنها رسم للسواستكا ( الصليب المعقوف)، كما وجد هذا الرمز منقوشاً على الادوات الفخارية القديمة المكتشفة هناك وفي أماكن أخرى من العالم، خصوصا في الصين والهند واليابان وفارس، حيث رمز في حضارات تلك الشعوب الى التيمن والبركة، ولا غرور او مبالغة في ذلك فعشتاروت أو " عثر عاذه " السورية ، تمثل القوة الكونية البدئية ( في البدء كانت ) ، فهي آلهة الطبيعة، وآلهة الانجاب، وآلهة النبات الذي يجلب معه الربيع والصيف، فصل النمو والاثمار، وهي في اللغة الكونية، آلهة الحب والجمال، بلا منازع، وحول عشتروت دارت أهم أساطير " الميثولوجيا السورية" وهي اسطورة أدون- تموز وعشتروت حيث مثّلت الآلهة السورية رواية الحياة بين سهل جبيل وهضاب لبنان.  


ما هو موقع " الام السورية الكبرى " في الأساطير السورية؟  


وكيف تمّ انتقال الرموز السورية ، خصوصا " الصليب المعقوف " ( السواستيكا) الى اوروبا وغيرها من اصقاع العالم؟  

تمحورت معظم الأساطير السورية حول مواضيع كونية وانسانية متعددة ، أبرزها ظهور الكون، الخلق ، الموت يليه الانبعاث ، الصراع ، البناء والنظام ، الخ.. 


احتلت " الام السورية الكبرى" ، في هذه الاساطير ، مركزا مرموقا ومتقدما، ونضجت حول هذه الأم التي عرفت في الحضارة السورية بأسماء متعددة، ( عشتار ، نمو، تعامة ) الرموز الخاصة بها، منذ العهد الانيوليتي ، في أوائل الألف الثامن قبل الميلاد . 


إنّ بحث الانسان السوري في ما وراء الوجود، ما وراء المادة، دفعه الى الاستعانة بالرموز لتفسير بعض الوقائع التي تحدث ، ولا تلاحظ بالعقل الواعي، ولكن يمكن تمثلها على نحو لا شعوري يأتي عن طريق الرمز، ولكن الرمز يحتاج الى مخزون يطلقه ، هذا المخزون او الموروث هو الخط الأولي، هو الطاقة اللامتمايزة ، أما الرمز فهو ظهور هذه الطاقة للعيان. 



هكذا ظهرت الرموز التاريخية التشكيلية الأولى الخاصة بالأم الكبرى " عشتار" ومنها الصليب المعقوف ( السواستيكا ) والصليب العادي اللذين استمرا رمزين مقدسين في الديانات العشتارية والديانات الذكرية على السواء ، وصولا الى السيد المسيح وأمّه مريم آخر ام كبرى في الديانات البشرية كاملة البتولية ممجّدة في الانجيل والقرآن على السواء، ولم يشذ عن هذه القاعدة الا " التلمود اليهودي " الذي وصفها بأحطّ الأوصاف فهي في هذا " التلمود " المعادي لعيسى ومريم " امرأة زانية " لعنة الله على اليهود وتلمودهم . 


أما أبرز الأماكن الأثرية السورية، التي ظهر فيها رمز " الصليب المعقوف " ، فهي: سامراء ( في العراق ) وذلك ابتداء من الألف الخامس ق. م. انظر ( شكل رقم 2،3،4 ) وفي " دير القلعة " في مدينة بيت مري ( لبنان ) نشاهد بوضوح تام "الصليب المعقوف " وقد رسم بالفسيفساء الملوّن في قاعة الاله السوري الفينيقي " بعل مرقد" ، كما يظهر هذا الرسم واضحا في " الصلبان المعقوفة" المتشابكة على أعمدة بعلبك ، وهي ترمز ، حسب بعض الاراء ، الى التعاون في الحياة بين أبناء البلدة الواحدة، واذا علمنا أنّ " الصليب المعقوف " هو من بين الرموز التي كانت تدلّ على الشمس، أدركنا مدى علاقة هذا الرمز باسم سورية الذي يعني الشمس ومدى ارتباطه ، أيضا ، بالرموز السورية القديمة، خصوصا ما تعلّق منها بالديانة العشتارية .  


رمزت الأساطير السورية للأم الكبرى " عشتار " بدائرة تعني ( الكون الاكبر، او النفس الكلية، او البيضة الكونية ) أطلق عليها اسم ( الماندالا ) ، وهذه الدائرة ليست جامدة بل متحركة تدور فتنقل الأبد الى الازل والازل الى الأبد، وهي أي ( الدائرة ) . 


في الوقت نفسه مجرّد نقطة ، لأنّ هذه الحركة اللانهائية بين الازل والأبد تجعلهما متطابقين ، ويصير مركز الدائرة منها المحيط، والمحيط منها مركز. 


وحسب هذا التعريف يكون الكون حسب الاسطورة السورية مؤلفا من دائرة هي ( الماندالا ) ومن مركز هو مركز الزوبعة الدائرة، وثمّة علاقة وثيقة بين هذا المركز وتلك الدائرة، فالمركز يشع نحو الدائرة والدائرة تعطي عمقا للمركز. 


وهذا المفهوم الجدلي بين الماندالا والسواستيكا يفسّر لنا كيف كان الكون (الدائرة) مركزه في سورية ، عندما كانت سورية أم الحضارة ، وكيف أن سورية، قبل النهضة القومية الاجتماعية، كانت تتلقى اشعاعات الدائرة التي منحتها للعالم قبل آلاف السنين، الى أن كانت " الزوبعة الحمراء" ، زوبعة الحركة القومية الاجتماعية التي أعادت المركز والدائرة الى دورهما الطبيعي التاريخي الحقيقي. وعلى هذا الاساس من جهة أخرى، فقد انتقلت رموز الثقافة السورية ومنها ( السواستيكا) – الصليب المعقوف الى كريت اولا ومن هناك نقلتها السفن عبر مضيق جبل طارق شمالا حتى جزر البريطانية وجنوبا على طول الشاطىء الأفريقي. ومن كريت في خط آخر الى ميسينا أول مدينة متحضرة على الأرض اليونانية ومنها الى البلاد الرومانية. ومن الهلال السوري الخصيب وصلت مجموعة هذه الرموز الى مصر منذ مطلع الألف الرابع قبل الميلاد، وكذلك اتجهت شرقاً نحو آسيا حتى أقصى اصقاع المعمورة جنبا الى جنب مع الديانة العشتارية. 


ومن هنا يجب أن نفهم رائعة جبران خليل جبران " الدهر والأمة " والحوار الذي دار بينهما اذ قال الدهر مخاطبا سورية:" ما أخذت منك يا سورية الاّ بعض عطاياي ، وما كنت ناهبا قط، بل مستعيرا أردّ ، ووفيّا أرجع ، واعلمي أنّ لاخواتك الأمم نصيبا باستخدام مجد كان عبدك ، وحقا بلبس رداء كان لك.. انّ ما تدعينه انحطاطا يا سورية أدعوه نوما واجبا يعقبه النشاط والعمل ، فالزهرة لا تعود الى الحياة الا بالموت، والمحبة لا تصير عظيمة الا بعد الفراق .. الى اللقاء يا سورية الى اللقاء ".


فتساءلت سورية: هل من لقاء ( مع المجد ) يا ترى هل من لقاء ؟. 


ولم يطل الزمن حتى التقت سورية بالمجد من جديد مع سعاده-الحركة القومية الاجتماعية. 


لقد أعادت زوبعة الحركة القومية الاجتماعية " الاتحاد المتين في الحركة الواحدة الحقيقية الفاعلة بين المركز والدائرة.

فأخرجت الأمة السورية من الجمود الى قوة الحياة الفاعلة ، والى قيادة العالم من جديد نحو مبادىء الخير العام، والسلام الدائم، القائم على احترام الحقوق القومية، وتفاعل الثقافات ، وتبادل المصالح، وتدمير كل ما يعرقل مسيرة الحياة الانسانية في اتجاهها نحو أسمى مراتب الكمال والجمال في وجهيهما المادي- الروحي ( المدرحي). 


أعاد سعاده بالحركة القومية الاجتماعية دور الزوبعة الى مركزها الكوني، الذي كان لها قبل مراحل الانحطاط والاستعمار والغزو اليهودي، التي تعرضت له الامة السورية في جزء كبير من تاريخها الجلي، يقول سعاده: " .. انني قد آمنت حقا، وانني عملت حقا بايمان : آمنت أنّ الأمة السورية فن وابداع لا مادة يتصرف بها فنان مبدع، آمنت أنّها أمّة فنّ ، أمة خلق ، أمّة تنظر الى الكون نظرة فاهمة واعية، مدركة ، فيها قوة التسلط على الكون ، قوّة التسلط على ما يقدّمه الكون، فتستخدمه في فنّها للسمو والجمال والخير. ابتدأ الابداع بالوعي والادراك والفنّ، فلا ابداع الا بوعي وفن وادراك. وهذا الوعي الذي يسير بنا من حضيض سقطت اليه هذه الأمة، متجرّدة عن حقيقتها وضاع فيه وجودها، الى مرتبة تستعيد فيها حقيقتها وقوّتها، ونظرها الفاهم، وامكانياتها العظيمة، متحرّر من قيود الظلم والانحطاط، فتنهض قوّة عظيمة تريد أن تقبض على ما حواليها، وأن تحارب كلّ قوّة تحاول اعتراض طريقها وصدّها. ان هذه النهضة تمثل انتصارا على اللاوعي، تمثّل انتصارا على الجمود، انها نهضة تعيد الذات الى حقيقتها، تعيدها لتكون قوّة فاعلة لا مادة يفعل فيها، فهي، من هذه الناحية تمثّل انتصارا روحيا عظيما هو الشرط الأول في سبيل الانتصار المادي. 


واننا بهذه النهضة قد انتصرنا على اللاوعي، لأننا حركة لا عدم، فالعدم ليس معناه انعدام المادة الجامدة بل معناه انعدام الحركة. والحركة نشاط وتقدم، وشرط الحركة في الانسانية ان تكون حركة ذات قصد. واننا نحن وحدنا ، هذه القوة الجديدة في هذه الأمة الفتية، بعد شيخوخة قد نهضنا حركة ذات قصد. ومن حيث أننا حركة ذات قصد، نحن نفس انسانية متحركة وقوة ذاتية فاعلة، لذلك نحن نسير ونتغلب على كلّ ما يعترض حركتنا من صعوبات . انّ فينا جوهر الأمة ، وجوهر الأمة هو الخلق والابداع والتفوّق، وقد وصلنا الى هذا الانتصار بعد المعارك التي مضت ،لأننا نسير الى أعظم هن هذا الانتصار ، اننا وصلنا الى هنا في مرحلة من مراحلنا لا الى الغاية التي ننشدها نحن في الطريق الى غاية عظمى لهذه الأمة، نسير اليها مؤمنين واثقين ببلوغها ليس لأنّ كلّ من سار على الدرب وصل، بل لأنّ من يصل الى الغاية هو الذي يعرف الغاية ويعرف الدرب .


نحن قد نهضنا وارتفعنا فوق الجزئيات الحقيرة لأننا نعرف هذه الأمة خلودا في آيات خالدة، فنحن نسير الى هذا الخلود، الى هذه الغايات الخالدة هذه هي حقيقة هذه النهضة المؤمنة بنفسها، المؤمنة بشخصيتها . هذه هي حقيقتها ، فاذا قلت ، لو شئنا أن نفرّ من النجاح لما وجدنا مفراً، قلت حقيقة بسيطة ، فعلية خالية، من كل تبجح"( ) 






( ) – سعاده: الاعمال الكاملة : ج 8 ( 948، 949 ) ص 415




 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024