إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الوطنية التي لا وطن لها 2

أنطون سعادة

نسخة للطباعة 1942-12-01

إقرأ ايضاً


والسوريون محافظون على هذه الصفات والخصال، لا يبيعونها ولا يشترون غيرها. فإذا اغتربوا حملوا في نفوسهم أخلاق امتهم ومحبة وطنهم وحافظوا على أقداس جنسهم فحفظوا حقوق الجار وكرامة المضيف وأمانة الصداقة والمودة. وبهذه الأخلاق والمناقب السورية يطوفون بالدنيا. وإذا كانوا في الأقطار الأميركية ضيوفا، سياسياً، فضيافتهم لا تحرمهم قوميتهم وأخلاقهم الحياة ومراتبها، الخروج الوحيد للسيد رزق الله حداد عن الموقف الصالح وعن تمثيل الشعور الذي دفع السوريين في البرازيل الى إظهار صداقتهم ومودتهم للبرازيليين بإهداء طيارات وغيرها في ظروف الحرب. ففي خطابه المشار اليه أخطاء لا يمكن تجاوزها. وأول هذه الأخطاء إبتداؤه الكلام بلهجة سياسية حربية، إذا كان يصح التعبير بها عن شعور بعض السوريين الذين صاروا برازيليين، فلا يصح ذلك فيما يختص بالسوريين المقيمين في البرازيل المحافظين على قوميتهم ووطنيتهم. فهؤلاء يحبون البلاد التي أضافتهم ضيافة كريمة ويحفظون لها المودة في السلم وفي الحرب ويرغبون في فعل كل ما في مقدورهم لتلطيف أية مأساة تلم بالبلاد البرازيلية ولتشجيع كل ما يعود عليها بالرفاهية والخير من غير تدخل في سياستها وحروبها ولا تكلفهم ما لا يطيقون من انكار الجنسية والشخصية الاجتماعية التي يعرفون بها ولا تطلب منهم الا احترام قوانين البلدان المضيفة الداخلية. فلهم مثل ما لغيرهم من الأقوام الحرة. وما يظهر منهم فوق ذلك يبذلونه بشعور صادر عن حقيقة مزايا أمتهم السورية وليس استعارة من شعور شعب آخر. ولهذا السبب يكون لكل عاطفة نبيلة يظهرونها نحو الشعوب الضعيفة قيمة تقدر ويصح الاحتفال بها.


ان تقديم النزلاء السوريين في البرازيل طيارات وهدايا أخرى تعبر عن شعورهم نحو بلاد ضيافتهم، ليس عملاً سياسياً ولا ذا صبغة سياسية. ليس هذا عملهم هذا من أجل أنجتوليو ورغس، البرازيلي الكبير هو المرسل "ليصب الخمسة واربعين مليونا من سكان البرازيل في قالب واحد" ولا من أجل أن الدكتور أزولدو أرينا وزير خارجية البرازيل "مجاهد لإقامة السلام واتحاد الجمهوريات الأميركية وتثبيت الجامعة الأميركية". كلا ليست هذه هي الأسباب الجوهرية التي تثير من السوريين النازلين في البرازيل تلك العاطفة النبيلة نحو بلاد ضيافتهم وشعب البرازيل الذي أقاموا في وسطه يحفظ ذمامهم ويرعون كرامته. فلو كان رأس جمهورية البرازيل غير الدكتور انجتوليو ورغس وعلى ادارة شؤون البرازيل الخارجية غير الدكتور أزولدو أرينا لما تغير مقدار ذرة من شعور السوريين نحو البرازيل بجميع سياساتها ولكل أحزابها. أما تقدير عظمة عمل أنجتوليو ورغس لبلاده فله موقف غير هذا الموقف وظرف غير ظرف اظهار عاطفة نزلاء البرازيل السوريين نحو البرازيل وخيرها وتقدمها، بصرف النظر عن نوع ادارتها وشكل حكومتها واتجاه سياستها الخارجية، التي هي شؤون برازيلية بحت. وإذا كان السوريين في البرازيل يقدرون وطنية انجتوليو ورغس وخدمته بلاده تقديراً عالياً واحترام شخصيتها، فهذان موضوعان مستقلان، من ناحية الشعور نحو البرازيل، عند السوريين المغترين فيها.


...


يتبع




مقالة في نيويورك و خطاب في ريو دي جانيرو.الزوبعة: نوفمبر - ديسمبر 1942


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024