شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2005-10-13
 

انتهاكات حقوق الطفل العراقي في ظل الاحتلال : المظاهر والنتائج* ( 2 / 2 )

د. عبدالله تركماني

تدل كل التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية الإنسانية والمهتمة بشؤون الأطفال والبيئة على تدهور الوضع الصحي والتعليمي والبيئي عموما. فقد أظهر أول مسح عن الأحوال المعيشية للأسرة في العراق، منذ الاحتلال الأمريكي - البريطاني للعراق في العام 2003، أعلنت نتائجه في 12 مايو/أيار 2005 وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي العراقية بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أوضاعا مأساوية يعيشها العراقيون وتدنيا كبيرا في مستوى الخدمات. إذ أظهرت النتائج أنّ 54 % فقط من الأسر تحصل علي مياه صالحة للشرب، وأنّ 37 % منها فقط ترتبط مساكنها بشبكات صرف صحي مناسبة، مما شكل تراجعا عما كانت عليه الحال في الثمانينات حيث كانت النسبة تزيد علي 75 %. ويعكس ذلك تدنيا واضحا قياسا بمستوى دول العالم، إذ أنّ نسبة توفر المياه الصالحة للشرب بلغت 78 % في الدول النامية و62 % في الدول الأقل نموا و86 % في الدول العربية طبقا لتقرير التنمية البشرية لعام 2004. وفي ما يتعلق بتأثير الحروب، ظهر عدم انتظام الهرم السكاني ليعكس انخفاضا نسبيا لعدد الرجال بعمر 35 إلى 49 عاما، حيث أنّ نسبة السكان من الذكور لهذه الأعمار انخفضت إلى 12%.

وفي إطار المستوى التعليمي أظهرت نتائج المسح تراجعا في معدلات التحاق الأطفال بالمدارس في مختلف مراحل الدراسة، فقد بلغت نسبة المتعلمين ممن هم في سن 15 عاما وما فوق 65 % فقط. كما أنّ 22 % من الأشخاص لم يلتحقوا مطلقا بالمدارس رغم إلزامية التعليم الأساسي في العراق. وأظهر المسح أنّ 8 % من السكان شخّصوا إصابتهم بأمراض مزمنة. وأظهرت نتائج المسح أنّ 18 % من الأطفال يعانون من سوء التغذية و 8% من سوء التغذية الحاد و23 % من سوء تغذية مزمن.


(1) - يبقى أطفال العراق اليتامى هم الضحية المباشرة لسقوط المزيد من العراقيين في بحر العنف والمعارك والاقتتال الدائر في العراق والذي لا يبدو أنّ نهايته واضحة المعالم علي المدى القريب. وتؤكد تقارير دولية وجود 5.3 ملايين طفل يتيم، وحوالي 900 ألف معاق، وأكثر من مليون ونصف المليون أرملة، إضافة إلى مئات الآلاف من المطلقات. وأغلب هؤلاء النساء يقمن بإعالة نحو 7 ملايين طفل، ويعشن في مستوى متردٍ دون الحد الأدنى للمستوى المعيشي، ويعانين من أمراض عديدة مزمنة وخطيرة.


(2) - انعكس تدهور الوضع الأمني والسياسي على المستوى التعليمي حيث باتت أيام الغياب من المدارس تزيد على أيام الدوام والتعليم، وزاد الأمر سوءا لغياب المدرسين ومغادرتهم العراق حرصا علي سلامتهم.


(3) - في الحادي والعشرين من يوليو/تموز 2003 نشرت منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة " اليونيسيف " تقريرا مخيفا يؤكد مصرع وإصابة أكثر من ألف طفل عراقي بسبب الألغام والذخائر غير المنفجرة، التي تنتشر في ربوع العراق ولا يستطيع الصغار تجنبها أو الاحتراس منها لعدم درايتهم بمخاطرها. يومها لفتت المنظمة أنظار العالم إلى المخاطر التي تهدد أطفال العراق، وحذرت وقتها كارول بلامي المدير التنفيذي للمنظمة من كارثة خطيرة تهدد الصغار، وأنه ما لم توضع مسألة حمايتهم على رأس أولويات سلطات الاحتلال فإنّ الآلاف منهم سيموتون دون داعٍ. وحتى الآن لم يتم التخلص بعد من مخلفات الحرب، بل أنها تتزايد يوما بعد يوم ما دامت نيران الحرب لم تخمد بعد.


(4) - مظاهر العسكرة التي تسود العراق تطبع حياة الأطفال، وخصوصا الذكور منهم. إذ أنّ الكثيرين منهم يصرون على ارتداء الملابس العسكرية وأن يلفوا رؤوسهم بالكوفية، شأن الفدائيين الفلسطينيين والمقاومين العراقيين.


(5) - بات أطفال العراق، جليسو المخابئ والملاجئ والمنازل، يعانون أزمات نفسية شديدة. ومن المؤلم أنّ الكثير من هؤلاء قد تأثروا بسلبيات التعايش في مثل هذه الأجواء، فأخذ بعضهم يتناولون الخمور ويدخنون السجائر ويختلطون برفاق السوء، كما يشاهد بعضهم يركضون وراء الدوريات الأمريكية ليطلبوا منهم بعض الحلويات أو الطعام، وهو منظر تتقطع له قلوب العراقيين وكل دعاة الحق والعدل في العالم.


(6) - اقترانا بتردي الأوضاع الأمنية وترك المجرمين يعيثون فسادا انتشرت ظواهر: خطف الأطفال، والابتزاز، والاغتصاب، إلى جانب السرقة، والسلب، والقتل، والتمثيل بالجثث. يضاف إلى هذا استخدام النساء والأطفال، من قبل المليشيات المسلحة الإرهابية، كرهائن بشرية في عملياتها العسكرية، مهدرة المزيد من دماء العراقيين، وفي مقدمتهم الأطفال والنساء، مروعة الأسر العراقية، مما اضطر الكثير منها، بدافع الخوف على أفرادها والحفاظ عليهم، التزام بيوتها، والانطواء على نفسها، والامتناع عن إرسال أطفالها إلى المدارس ورياض الأطفال. وقد أكدت القوات العراقية مؤخرا أنّ الإرهابيين استخدموا أطفالا دروعا بشرية في الموصل، مما أدى إلى مقتل وإصابة عدد منهم.


وهكذا، تتزايد انتهاكات حقوق الطفل العراقي، بالرغم من قرار الجمعية العامة رقم 52/107 بشأن حقوق الطفل الصادر في 12 ديسمبر/كانون الأول 1997، الذي يؤكد على حماية الأطفال المتأثرين بالنزاع المسلح "



1 - تعرب عن قلقها البالغ إزاء الآثار الضارة العديدة للمنازعات المسلحة على الأطفال، ومنها استخدام الأطفال كمقاتلين في مثل هذه الحالات، وتؤكد ضرورة أن يوجه المجتمع العالمي مزيدا من الاهتمام المركز إلى هذه المشكلة الخطيرة بغية إنهائها.


3 - تطلب إلى جميع الدول وسائر الأطراف في النزاع المسلح أن تحترم القانون الإنساني الدولي كما تطلب، في هذا الصدد، إلى الدول الأطراف أن تحترم احتراما كاملا أحكام اتفاقيات جنيف المعقودة في 12 أغسطس/آب 1949وبروتوكوليها الإضافيين لعام 1977، مع مراعاة القرار 2 للمؤتمر الدولي السادس والعشرين للصليب الأحمر والهلال الأحمر، المعقود في جنيف في الفترة من 3 إلى 7 ديسمبر/كانون الأول 1995، وأن تحترم أحكام اتفاقية حقوق الطفل التي تمنح الأطفال المتأثرين بالنزاع المسلح حماية ومعاملة خاصتين.


4 - تطلب إلى الدول وهيئات الأمم المتحدة ومنظماتها أن تعالج مسألة الأطفال في حالات النزاع وما بعد النزاع كشاغل له أولوية في الأنشطة المتصلة بحقوق الإنسان والأنشطة الإنسانية والإنمائية، بما فيها العمليات الميدانية والبرامج القطرية، وأن تعزز التنسيق والتعاون في جميع أنحاء منظومة الأمم المتحدة، وأن تكفل توفير الحماية الفعالة للأطفال المتأثرين بالنزاع المسلح.


5 - توصي بأن تتجلى على نحو كامل الاهتمامات الإنسانية المتعلقة بالأطفال المتأثرين بالنزاع المسلح وبحمايتهم في عمليات الأمم المتحدة الميدانية، التي ترمي، في جملة أمور، إلى تعزيز السلام، ومنع المنازعات وحلها، وتنفيذ اتفاقات السلام.

أما عن محنة الأطفال الذين يعيشون و/أو يعملون في الشوارع فقد ذكر القرار :


1 - تعرب عن قلقها الشديد بسبب العدد الكبير من الأطفال الذين يعيشون و/أو يعملون في الشوارع، وبسبب الازدياد المستمر في عدد حالات تأثر هؤلاء الأطفال بالجرائم الخطيرة والاتجار بالمخدرات وإساءة استعمالها، والعنف والبغاء، وفي عدد التقارير التي تفيد ذلك، في جميع أرجاء العالم.


3 - تطلب إلى الحكومات أن تستمر بنشاط في التماس حلول شاملة لمشاكل الأطفال الذين يعيشون و/أو يعملون في الشوارع، بما في ذلك عن طريق المساعدة على التخفيف من حدة الفقر بالنسبة لأولئك الأطفال، وأسرهم أو الأوصياء عليهم، واتخاذ تدابير تكفل إعادة إدماجهم في المجتمع، والقيام، في جملة أمور، بتوفير التغذية والمأوى والرعاية الصحية والتعليم على نحو كافٍ، مع مراعاة أنّ هؤلاء الأطفال عرضة للخطر بشكل بالغ لجميع أشكال العنف وإساءة المعاملة والاستغلال والإهمال ".

ومن جهة أخرى، ثمة تغيّرات عميقة تحدث في هذا العالم، لا تدل على ذلك فقط المظاهرات التي ضمت الملايين وشهدتها شوارع عدد واسع من بلدان العالم، في آسيا وأوروبا وأفريقيا، وحتى في أمريكا بالذات، بل أيضا كل تلك البيانات والإعلانات التي صدرت عن مثقفين ومفكرين وكتاب ومنتديات عالمية، وحتى عن مسؤولين في بلدان شتى عبر العالم.


ولا بد من الإشارة، في هذا السياق، إلى أنّ المنظمات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان هي التي بادرت باختراق جدار الصمت، حيث يجب الإقرار أيضا بالمواقف المهمة والجريئة التي اتخذها معظم هذه المنظمات، والتي جاءت داعمة لحقوق الشعب العراقي ومنددة بالانتهاكات الأمريكية .


وبالنسبة لدور المجتمع المدني العربي، فالرهان على كسب معركة الرأي العام العالمي تبدو مستحيلة بغياب الاستراتيجيات العربية البديلة التي تستطيع مخاطبة عالم اليوم بلغة العصر ومصطلحاته. ومن المفارقات المؤلمة أن يكون هناك لقضية ما، مثل القضية العراقية، أرفع التفوق الأخلاقي والمعنوي، بما في ذلك الاعتراف العالمي، وأدنى القدرة على نصرة أبنائها أو حتى حمايتهم . إنّ الأزمات القائمة وردود أفعال قوى المجتمع المدني العربي تجاهها قد أظهرت المخزون الاستراتيجي العربي الشعبي، الذي يتعين توظيفه وتنظيمه بشكل مجدٍ، باعتباره مصدرا من مصادر القوى العربية الكامنة التي لم يتم الاستفادة منها حتى الآن.

وهكذا، علينا أن نربط نضالنا من أجل إنهاء الاحتلال الأمريكي - البريطاني للعراق ومساءلته عن جرائمه بحق الشعب العراقي، والنضال الإنساني عامة، لجعل حكم القانون الدولي هو الأساس والمرجع في كل ما يتعلق بالعلاقات الدولية. وفي هذا السياق، علينا أن نكون واضحين في أنه ليس هناك مبادلة بين اتخاذ إجراءات فعّالة ضد الإرهاب وحماية حقوق الإنسان، بل على العكس أنّ حقوق الإنسان، جنبا إلى جنب مع الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، هي أفضل أدوات واقية ضد الإرهاب.

نحن بالتأكيد نحتاج إلى الحيطة لمنع وقوع عمليات إرهابية، وإلى الحزم في إدانة ومعاقبة المسؤولين عنها، لكننا سنوقع هزيمة بأنفسنا إذا ضحينا بأسبقيات أساسية أخرى، مثل حقوق الإنسان.


وفي مثل هذه اللحظات التي تختلط فيها المعايير وتغيب فيها النظم القيميّة الواضحة القائمة على الأخلاق، وتضرب فيها بعرض الحائط مصالح البشرية وخبرتها التاريخية كلها، وتتجسد فيها مساعٍ حميمة لبلورة نظام تفاعلات دولية غير تعددي، ولا يعترف إلا بمصالح قوة وحيدة ومن يسيرون في ركابها، وتتعاظم فيها النزاعات الأحادية الاستعلائية، تصبح البشرية بأسرها أمام تحدٍ واختبار كبيرين، لا تنفع فيهما التحركات المنفردة. ويكون الخلاص كامنا في صياغة استراتيجية تحدٍ هادئة، يجتمع حولها المتضررون، يقيمون بأنفسهم ولأنفسهم صرحا من الحماية وبناء من القوة المضادة لكل ما هو انعزالي وانكفائي وذي طابع استعماري امبراطوري، لم يعد يتناسب مع النضج الإنساني الذي وصلت إليه المجتمعات البشرية، رغم ما يواجه بعضها من مشكلات تأخر ونمو.



(*) - قدمت في إطار المؤتمر العالمي حول انتهاكات حقوق الإنسان تحت الغزو والاحتلال للعراق، الذي انعقد في طرابلس - ليبيا يومي 28 و 29/9/2005 بدعوة من جمعية " واعتصموا للأعمال الخيرية "، ضمن المحور الثاني " انتهاكات حقوق المدنيين تحت الاحتلال " في 28/9/2005.



* كاتب وباحث سوري مقيم في تونس






 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه