إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

نسر الزعامة السورية القومية ووحل تكمان وذبابها < الباب الثاني جزء 1 >

أنطون سعادة

نسخة للطباعة 1945-01-22

إقرأ ايضاً


لم يكن تهذيب تفكير جبران مسوح ورفع مستواه أمراً هيناً. فهذا الشخص لم يكن له استعداد عقلي للدخول في أي قضية كلية ونوع تفكيره لا يصلح إلا للمسائل الجزئية، كما يظهر، من غير معاناة تنقيب، وبحث، من كتاباته.

وقد تحقق الزعيم عجزه عن ادراك النقاط الجوهري في القضايا الاجتماعية – السياسية الكبرى من عدد امتحانات: في سنة 1940 زار الزعيم مدينة سنتياقو دل استيرو لدعوة المواطنين إلى النهضة القومية وصحبه في هذه الرحلة جبران مسوح. فألقى الزعيم محاضرة اشتملت على نظرية من أروع النظريات الاجتماعية – السياسية ويصح أن تسمى هذه النظرية "نظرية الديمكراتية التعبيرية" خلافاً "للديمكراتية التمثيلية" الشائعة في العالم. وكلف جبران مسوح، تدوين ما سيقوله وتلخيص المحاضرة لترسل إلى "سورية الجديدة" ففعل هذا كما أشار الزعيم. ولما عرض تلخيصه عليه وجد الزعيم أنه أغفل بالكلية شأن النظرية الخطيرة التي أعلنها، والتي هي أهم ما في تلك المحاضرة، لأنه لم يفقه لها معنى ولم يعرف لها قيمة. فاضطر الزعيم إلى تعديل التلخيص واكماله بنفسه. ولما ظهرت نظرية الزعيم في "سورية الجديدة" ووصلت إلى الدارس والمفكر القومي الكبير الأمين الدكتور فخري معلوف، وهو طالب فلسفة في جامعة ميشغن، في اميركانية، أدرك حالاً خطورتها ورأى انها تصح مستند ثقة لرأي خاص كان قد توصل إليه بتفكيره الخاص في معاجة القضايا الاجتماعية – السياسية في اساسها الفلسفي من وجهة نظر عقيدتنا ومبادئنا، فكتب ونشر في جريدة "السمير" مقالتين في الديمكراتية الجديدة ذكر فيها نظرية الزعيم (وان تكن "السمير" حذفت اسم صاحب النظرية لسبب من خصوصياتها) فكانت تانك المقالتين من أنفس الكتابات في هذه الموضوعات الجليلة التي يعجز تفكير جبران مسوح عن ادراكها وتناولها بكتاباتهم.

كان ما لخصه جبران مسوح من محاضرة الزعيم المذكور مقتصراً على حدود تفكير الملخص وهي حدود البسائط كالقول ان المحاضرة كانت عظيمة وان الناس أصغوا إليها باعجاب وان الزعيم ذكر فيها فضل سورية في الشرائع وغيرها، وما هو من هذا النوع البسيط المحدود الذي لم يتجاوز جبران مسوح حدوده قط، لا حين كتب للعامة ولا حين كتب للخاصة. والحقيقة انه ليس في كتاباته كلها ما هو صالح لأن يتناوله تفكير الخاصة.

كان عجز جبران مسوح عن ادراك خطورة الزعيم المذكورة آنفاً دالاً، ليس فقط على نقص قوته التفكيرية، بل على فقره العلمي أيضاً. فأخذ الزعيم يعالج ذهن جبران مسوح بالشروح المسهبة وصار يكرر عليه وجوب قراءة كتابه "نشوء الأمم" ليكتسب منه أساساً علمياً – فلسفياً يمكنه من فهم الأبحاث الاجتماعية والسياسية للمجتمع الانساني ومصيره. ولكن المصيبة كانت جبران كان يحتاج إلى علوم استعدادية سابقة تساعده على فهم المسائل التي يعرض لها كتاب الزعيم "نشوء الأمم" والى مقدرة عقلية لإدراك هذه المسائل وخطورتها. فحاول أن يقرأ في كتاب الزعيم ولكنه توقف في الصفحات الأولى. وبعد جهد جهيد قرأ شيئاً في ذلك الكتاب ولكنه لم يتمكن من أن يقول فيه غير انه "كتاب عظيم".

اذا لم يكن جبران مسوح مؤهلاً للاستفادة في القضايا والمسائل الكلية ذات الطبيعة الفلسفية، ولذلك لم يتمكن من انشاء بحث واحد في قضية أو مسألة كلية، فأن له استعداداً جيداً لإدراك الجزئيات المتعلقة ببسائط الاحتياجات العمومية. ولما كانت القضية السورية القومية الاصلاحية، ككل قضية شاملة اخرى، ذات شعب جزئية عديدة، وكل قاعدة عامة من قواعدها لها فروعها العملية والتطبيقية فقد غرف جبران مسوح من سيل هذه الجزئيات كل المعاني والتعابير والآراء التي اكتسبته، او اكتسبت كتاباته، تلك المنزلة التي تمتع بها في الأوساط القومية الاجتماعية حينا م غير أن يعرف قيمتها الصحيحة.

الحقيقة انه اذا كان قد صار لجبران مسوح شخصية فهي شخصية كنابية كلها مكونة من تعاليم سعاده وارشاداته وعباراته وأقواله. ولذلك كان قولنا في ما سبق ان الزعيم انقذ شخصية جبران مسوح من باب التساهل الكبير في مجاراة غرور هذا الشخص. فالواقع أنه لم تكن لجبران مسوح، قبل اعتناقه المبادىء السورية القومية، شخصية واضحة، اللهم إلا اذا كان ما كتبه بالأجرة لمصلحة فرنسة في وطننا وما أجهد دماغه في اثباته بالسفسطة من عدم امكان اتحادنا القومي من مزايا تلك "الشخصية" الباهرة التي تستفيق الآن عوامل نفسه المريضة للندم على فقدها.

ما هي تلك الشخصية التي أراد جبران مسوح نبشها الآن ليوهم الناس أنها كانت شيئاً خطيراً؟ ومن هو "احد حملة الأقلام في هذه البلاد" الذي يقول جبران مسوح في نشرة دفاعه أنه قال عنه: انه خسر "شخصيته" بانضمامه الى الحزب السوري القومي؟

....


للبحث صلة

الزوبعة، العدد 83 في 22 كانون الثاني 1945



 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024