إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

ريكاردو لونغيني: فنان أرجنتيني شكلت المقاومة وتاريخ فلسطين مادة أعماله الفنية

داليدا المولى

نسخة للطباعة 2010-08-30

إقرأ ايضاً


أجرت ناموس عمدة شؤون عبر الحدود الرفيقة داليدا المولى مقابلة مع النحات الأرجنتيني ريكاردو لونغيني، الذي يزور لبنان خلال هذه الفترة بدعم من الجمعية السورية الثقافية ومنفذية الحزب في الارجنتين، ترافقه الرفيقة تمارا للّي، ناظر الاذاعة والاعلام في المنفذية. المقابلة نشرتها جريدة "البناء" بتاريخ 28/08/2010 في صفحتها الثقافية، نعممها لفائدة الاطلاع عليها.

*

يحمل الفنان ريكاردو لونغيني معه زاده في حقيبة على كتفه، هو فنان جوال يتنقل بين المناطق اللبنانية وخصوصاً الجنوبية منها، حاملا في جعبته تذكارات من عدوان 2006، احتضنتها أعماله الفنية لتعكس حقيقة ما كان يحدث في هذه الارض.. وبالتالي لتفضح زيف الادعاءات "الإسرائيلية"... إنها بقايا أغراض لأطفال من قانا والخيام وبنت جبيل، تراب وحجارة من تلك القرى، وورقة كتب عليها كلمة "الأرض" وجدها بين الركام.

هذه الجعبة من الأعمال الفنية المميزة هي بعض من ابداع الفنان ريكاردو لونغيني. صاغها ووضعها في اطار تعبيري جميل وهادف، ليوصل الرسالة بفنّه الى شعوب العالم، ويريهم بأن ما يعانيه الجنوب وفلسطين ليس حرباً اعتيادية، بل هو ببساطة: نتيجة مقاومتهم لارهاب "إسرائيل".

يراقب الفنان ريكاردو لونغيني العمران والحياة التي تنبثق من رحم آلام هذا الشعب.. ويعيد في ذاكرته صور الدمار والعدوان "الإسرائيلي" على الجنوب وكيف كانت تلك القرى مخربة والحزن يطغى على سكانها، ويبدي، في الوقت ذاته، سروره بانتفاضة أبناء هذه الارض الدائمة من بين الجراح، مدفوعين بإيمانهم بقضيتهم ومبادئ واجب وحرية المقاومة دفاعا عنها.

فنّ مميز صاغه الألم

من الصعب وصف أعمال الفنان ريكاردو لونغيني بالأعمال الفنية العادية. إنها طريقة جديدة للتعبير تستخدم فيها المواد الحيّة لتكون دليلاً ورسالة.. حين يتحدث هذا الفنان عن هذا النمط التعبيري الحديث، يوضح بأنه يعود الى عشرينيات القرن الماضي، حيث أسس، هو ومجموعة من النحاتين في بيونس ايرس (الأرجنتين) تيارافنيا جديدا عرف بـ"النقش الشعبي". الهدف كان مقاومة استبداد الحكومة آنذاك.

الارتكاز إلى عمق إيديولوجي

هذه الطريقة الفنية المميزة في التعبير التي تحمل تسمية "النقش الشعبي" اتسع اطارها مع اتساع رقعة الظلم والألم في العالم. من هذا الواقع انتشر هذا الفنّ واتسعت حلقته في انحاء الارجنتين وخارجها. نشأت هذه الحركة معتمدة على بُعد ايديولوجي يتضامن مع الحركات الشعبية لتحقيق العدالة ضد الظلم الاجتماعي، ولا تزال أعمال هذه الحركة مستمرة حتى اليوم. ويشدد الفنان ريكاردو لونغيني على ان أعماله الفنية ليست بالضرورة "فن الاشكال" بل هي فنّ العمق الإنساني، فهو يعتقد أن النحت كالمسرح أو الأغنية الملتزمة، يجب ان يعكس قضية عادلة من خلال العمل الفنّي.

قانا في الصدارة

الفنان ريكاردو لونغيني لا يخطئ عدوّه، ويصارحك بان اعماله تتوجه إلى فلسطين ولبنان، حيث يخص قانا بالعديد من اعماله، نظراً لرمزية هذه البلدة في التاريخ ولمرور المسيح فيها، كما انها حوصرت واحتلت وقصفت مرتين من قبل الاحتلال "الاسرائيلي"، وفي المرتين كانت أكثرية الشهداء من الأطفال. ويخرج من حقيبته صورة لعمل حول قانا، عبارة عن جذع زيتون يقطر دماً (18 قطرة) وحوله اطارات حديدية مرصوصة بـ"براغي" نقشت عليها "نجمة سداسية". يشرح أن قطرات الدم هي عبارة عن السنين التي احتلت خلالها قانا، والجذع هو الصمود، برغم الاصفاد اليهودية.

مشاهد واقعية

يشير الفنان ريكاردو لونغيني إلى انه قضى عدة سنوات في البرازيل يسمع عما يدور في لبنان وفلسطين ولم يستطع ان يعاين ذلك إلا على شاشات التلفزة، وبعد عدوان 2006 حين زار لبنان بالتعاون مع الجمعية السورية الثقافية في الارجنتين (منفذية الارجنتين في الحزب السوري القومي الاجتماعي) وجال على القرى المهدمة واكتشف ان ما يصل الى البرازيل والارجنتين لا يبرز كل الواقع.. فالدمار الذي احدثته "اسرائيل" أكبر من ذلك بكثير.

حفر على خشب الأرز

في العام 2001، شارك الفنان ريكاردو لونغيني رسمياً باسم الارجنتين، في معرض القاهرة للنحت الذي يقام كل سنتين برعاية وزارة الثقافة، حاز ريكاردو على الجائزة الاولى عن منحوتته حول لبنان والتي أصر ان تكون من خشب الارز وليس الحجر. بعدها شارك بعدة معارض في لبنان، منها معرض عاليه للنحت حيث قدم اعمالاً تعكس الاقتتال الداخلي اللبناني الذي يجب ان ينتهي بالوحدة الاجتماعية.

جدير بالذكر، أن الفنان ريكاردو لونغيني وأثناء مشاركته الاخيرة بمهرجان القاهرة قدم عملين حول القضية الفلسطينية، الاول هو عبارة عن تأريخ لأكثر من 60 عاماً من الصراع مع العدو تحت عنوان "الذاكرة الانسانية"، والثاني كان تعبيرا عن انحياز الحضارة الغربية لدولة "إسرائيل"، و"للإسرائيليين" الذين بعد ان صوروا انفسهم ضحية في الحرب العالمية الثانية راحوا يمارسون اليوم الارهاب تجاه الفلسطينيين، تحت عنوان "تحول الضحية الى جلاد".

الحرب بالصورة الحيّة

يستخدم الفنان ريكاردو لونغيني في أعماله الفنية مخلفات الحرب، ففي احد الاعمال تجد حذاء طفل استشهد في بنت جبيل او صبرا وشاتيلا، وفي عمل آخر تجد فناجين قهوة وادوات بقيت من مطبخ إحدى الأمهات التي استهدف منزلها بصاروخ "اسرائيلي" فدمره. وتجد ايضاً قصاصة ورق مكتوب عليها "الارض" في عمل خصّصه لبلدة الخيام اللبنانية التي يعتبر صمودها رسالة واضحة للعدو، بأن الارض ستبقى رغم كل عدوانهم وصواريخهم وآلتهم الحربية. قرية الخيام أعطت دافعاً وأملاً للشعب اللبناني بأن المقاومة قادرة على الانتصار بعد "مقبرة الدبابات" التي كانت على مقربة منها (في وادي الحجير).

وحول فلسطين، تعبّر منحوتة عن اغتصاب اليهود للأرض، عبر صخرة نحتت كخريطة فلسطين وحولها شريط حديدي شائك يلف كامل الحجر على شكل تقاسيم الكوفية الفلسطينية، مستخدماً في اعماله جميعاً مواد من الارض التي يتحدث عنها وحتى التراب هو من لبنان وفلسطين.

يعتبر الفنان ريكاردو لونغيني أن أعماله الفنية تنبع جميعها من مسؤوليته تجاه القضايا الانسانية في العالم، حيث تحاول الدول الغربية تمرير مصالحها على حساب الشعوب. هكذا يجول هذا الفنان القدير دول العالم لعرض إنتاجه الفني على الرأي العام العالمي ولإيصال مسألة الشعب الفلسطيني وحقه بكامل ارضه.

إقامة معرض في لبنان

وفي زيارته الحالية الى لبنان، ينوي الفنان ريكاردو لونغيني تنظيم معرض يضم ثمرة اعماله المهداة الى معاناة فلسطين. يهدف هذا المعرض الى إبراز تضامنه وآلاف الفنانين امثاله، ضد "اسرائيل" ومع معاناة شعب فلسطين، كما يأمل بأن يغدو هذا المعرض متنقلاً بين الدول العربية.

يقول الفنان ريكاردو لونغيني أن الغاية من المعرض الجوال هي كشف بشاعة العدوان "الإسرائيلي" والتعاطف مع ضحايا هذا العدوان. وبالإضافة إلى ذلك، كيف صنعت ارض فلسطين ولبنان عزّتها وتمسك شعبها بالمقاومة للتصدي للمشروع الصهيوني الكبير، لأن عمله الفني يصب في خانة الإيمان بأن أي انسان لديه ضمير لا يستطيع ان يغمض عينيه عما حدث ويحدث.

لا شك ان للفن عند ريكاردو لونغيني نكهة خاصة، فهو مستوحى من يوميات قانا والخيام وغيرهما من القرى ومن جرح الشعب الفلسطيني ونزف ابنائه واطفاله الذي يصوّر كيف تقضي الحرب على أحلامهم وحقوقهم.

الفنان ريكاردو لونغيني، ينطق بمآسي هذه الارض التي صبرت وتصبر، قاومت وتقاوم لتحقيق انتصارها.

ريشة ضد إرهاب "إسرائيل"

الفنان ريكاردو لونغيني بدأ مسيرته باكرا في الفنّ. دخل الى مدرسة الفنون في السابعة عشرة من عمره وتخرج منها أستاذاً في الرسم والنحت والنقش متخصصاً بالحجر والفخار.

إنه النحات الارجنتيني ريكاردو لونغيني الذي حمل ابداعه وشغفه للكشف عن أسراره في منحوتاته. جال في اميركا اللاتينية حيث نقّب عن آثار شعبه، مساهماً في التأريخ لأقدم الحضارات الإنسانية. وجد الفنان لونغيني أن أقدم قيمة عرفها الانسان هي مقاومة الظلم طلباً للحرية، فاستحوذت عليه فلسطين كرمز للمقاومة.. فنقل صورة البشاعة والوحشية والظلم الذي يمارسه دون رادع.. فكيف إذا كان هذا الارهاب من فعل "دولة".

يترك الفنان ريكاردو لونغيني للصورة ان تحدثك عما تحمله من آلام، لتدين الاعتداء على الانسانية وتظهر عورة "المجتمع الدولي" الذي يغض الطرف عن مآسي فلسطين ولبنان، ويعطي حقاً لمن لا حق له، ويسلب حقّا من أصحابه بحجة ومن دون حجة ليرضي "إسرائيل".

ومن لبنان وفلسطين الى الارجنتين يحمل النحات ريكاردو لونغيني تذكاراته عن حرب تموز 2006 ليعرضها فناً خاصاً يطبع في ذاكرة الارجنتينيين والعالم عشرات السنين من القهر والعذاب ونزف الجراح، ومئات آلاف الشهداء في فلسطين ولبنان، وحياة جديدة تكتبها أيدي الاطفال كل يوم رداً على إرهاب "العدو" ووحشيته.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024