إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

فتح من عاصفة إلى عاصفة

نضال حمد

نسخة للطباعة 2011-01-01

إقرأ ايضاً


حلت ذكرى انطلاقة حركة فتح التي أعلنت بدء الكفاح المسلح للثورة الفلسطينية المعاصرة بشكل رسمي في الفاتح من يونيو- كانون الثاني 1965. وفتح الحركة الوطنية العريضة والكبيرة ، التي ضمت في صفوفها جميع أنواع الأعضاء من المناضلين المميزين إلى الزعران والحشاشين ..للأسف لم تعد موجودة بشكل فعلي إلا في وسائل الإعلام وأجهزة أمن السلطة ووزاراتها ومؤسساتها وما يُشبه لبعض الواهمين أنها ساحات وأقاليم خارجية للحركة. ولمن لا يعلم نوضح هنا: أنه يتم تعيين قادة ولجان الأقاليم بشخطة قلم من المسئولين وبشكل فوقي وغير ديمقراطي، وقد تؤول المسؤولية في إقليم ما لجاهل ودخيل على فتح أو لمهرب سابق أو لتاجر أحلام وآلام ، أو لشخص لا علاقة له حتى بألف ياء السياسة والعمل الوطني ، لكنه يسبح بحمد ونعمة المسئولين عنه في مركز القيادة..

بنفس الوقت لا يطلب من الأقاليم في حال وجدت أن تجري انتخابات في مناطقها .. وبما أنها ليست أقاليم كما كانت أقاليم فتح في زمانها الوطني الوهاج ، بل مجرد مسميات يتجمع حولها بعض الأفراد والأعضاء الذين منهم من مازال لديه وعنده أمل بعودة الحياة الى جسد فتح المهترىء ، هذا الجسد الذي أكلته الغرغرينا الأوسلوية والدايتونية منذ سنوات .. وأبناء فتح الشرفاء المغلوب على أمرهم والمنقلب عليهم منذ عرس بيت لحم العام المنصرم، هؤلاء الذين بُحت حناجر بعضهم من كثرة الهتاف غلابة يا فتح يا ثورتنا غلابة ، لازالوا يتأملون خيراً بعودة المياه الى ينبوع فتح الذي جفت مياهه.

من أهداف حركة فتح كما جاء في ميثاقها :" تحرير فلسطين تحريرا كاملا ، وتصفية دولة الاحتلال الصهيوني سياسيا وعسكريا واجتماعيا وفكريا ". هذا هو البند الأول في أهداف فتح لتحرير فلسطين كل فلسطين. لذا انطلقت فتح معلنة تمسكها بالكفاح المسلح طريقا وخيارا وحيدا لتحرير فلسطين كل فلسطين من بحرها الى نهرها ومن شمالها الى جنوبها.. فأين فتح والفتحاويين من شعاراتهم تلك؟ واين أصبحت الوعود والعهود والمواثيق التي كتب بعضها بدماء الشهداء والجرحى والمناضلين الأوفياء الشرفاء؟

ومن مبادئ حركة فتح،هناك مثلاً المبدأ الثامن الذي يقول : "الوجود الإسرائيلي في فلسطين غزو صهيوني عدواني قاعدته استعمارية توسعية، وهو حليف طبيعي للاستعمار والإمبريالية العالمية". بالاضافة الى البند الذي يقول "الصهيونية حركة عنصرية استعمارية عدوانية في الفكر والأهداف والتنظيم والأسلوب". الآن اصبح الوجود الصهيوني على نحو 80% من ارض فلسطين المحتلة أمراً طبيعياً وواقعاً، وصارت السلطة التي تقودها فتح تكتفي ببعض الأجزاء من الأرض التي تمنح أو توكل بادارتها اليومية ، مع العلم أن الاحتلال له فيتو على كل مجريات الحياة هناك. تكتفي بها لإقامة دولة حتى مساحة حساب رئيس وزراءها في الفيس بوك أكبر منها بكثير.

فتح صاحبة تلك الشعارات الكبيرة والعظيمة ما لبثت بعد فترة من الزمن وبرفقة شقيقتها اليسارية الصغرى التي وصفها مؤخرا أحد كتابها وقادتها السياسيين بقدوة اليسار الفلسطيني ، واعتبر ان على اليسار أخذ العبرة منها.. ولا ندري إن كان يقصد اليسار الفلسطيني والعربي فقط أم اليسار العالمي أيضاً ... فتح برفقتها جاءت الى الساحة الفلسطينية بالبرنامج المرحلي الذي يعتبر بداية التراجع الفلسطيني عن خط الثورة والكفاح، حيث قبل الفصيلان الاعتراف بالكيان الصهيوني على أرض فلسطين التاريخية مكتفين في حال قبل الكيان الصهيوني بذلك، بدولة في حدود 1967 . ومتجاهلين ومتنكرين للبيان العسكري الأول الذي أعلن انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة والذي جاء فيه : " .. بعد أن فشلت كل المناشدات والمساعي السياسية، والقرارات الدولية، في استرجاع الأرض الفلسطينية السليبة، وتحقيق عودة اللاجئين إلى بيوتهم وأراضيهم. الأمر الذي جعل الكفاح المسلح هو اللغة الوحيدة الذي يفهمها العدو ومؤيدوه، وهو الطريق الذي يوحّد الشعب الفلسطيني المشرّد، ويعيد له روحه المقاومة الجهادية، ويخرجه من الوقوف الذليل صفوفاً أمام أبواب وكالة غوث اللاجئين".

على كل حال وبالرغم من ذاك التنازل الضخم عن الأسس والمبادئ إلا أن الاحتلال بيمينه ويساره يعي ما يفعل ويعرف ماذا يريد ، لذا أعلن رفضه حتى الالتقاء بهم والتعامل معهم. أما فيما يخص جبهة الرفض الفلسطينية التي مثلت في حينه الحالة الحقيقية للعمل الفلسطيني المقاوم ، الممانع والرافض للاستسلام وللتلاعب بمصير شعب فلسطين ، فقد كانت القدوة والمثال الذي يجب أن يمشي على خطاه اليسار الفلسطيني هذه الايام.

بعد فشل القيادة اليمينية المتنفذة الفلسطينية برفقة يسارها المعروف اخترعت تلك القيادة مفاوضات اوسلو السرية واتفقت مع الصهاينة على اعلان مبادئ اوسلو وفيما بعد كََرّت مسبحة التنازلات من التنظيم القدوة وبموافقة أو صمت الفصيل المثالي وبعض الفصائل الأخرى التي شاركت في الغاء بعض بنود الميثاق الوطني.. بعض يسار فلسطين ما زال حتى يومنا هذا يجهد في ايجاد تبريرات لفتح وسلطتها وقيادتها، إما بسبب اعتياده على التبعية لفتح واستسهاله للنضال الوطني ، وحباً بالمال الحرام والحلال، إما لسبب ما نجهله أو نكاية بفصيل يساري معروف بمواقفه الأكثر ممانعة وجدية ، أو نكاية بالاسلاميين الذين سيطروا على الساحة الفلسطينية بعد انهيار فتح وأفول نجم اليسار الفلسطيني وفصائل المرحومة منظمة التحرير الفلسطينية.

للتذكير ففي اوسلو دخلت القضية الفلسطينية النفق المظلم ومازالت عالقة هناك بلا بصيص ضوء أو أمل باستعادة النور والعودة الى نقطة الانطلاق. وصارت التنازلات الفلسطينية التي لا تجد من يتصدى لها بالفعل فيما يسمى اللجنة التنفيذية للمنظمة ، تتكرر وتتزايد وتطول بها القائمة .. فكلما تنازلت فتح وصمتت شقيقاتها كلما ازدادالاحتلال شراسة وعدوانية وعنصرية وهمجية واستيلاءا على الأراضي ، وبناءا للمستوطنات والمستعمرات والحواجز، وتهويداً لفلسطين المحتلة ، و تأكيداً على مبدأ الاذلال والاهانة والاعتقالات والتدخلات والتصرف باشكال وحشية في ظل موافقة وصمت وتواطؤ السلطة الفلسطينية ، واللجنة التنفيذية للمنظمة واللجنة المركزية لفتح ، التي لا نخفي انها لجنة جاءت نتيجة حتمية وطبيعية للسيطرة الاوسلوية، الدايتونية على القيادة المتنفذة في فتح ومنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية. هذه القيادة التي كانت في زمن الراحل عرفات قيادة أيضاً، برزت بعد وفاة أو اغتيال الأخير لتكمل مجزرة الميثاق الوطني الفلسطيني التي حصلت في دورة المجلس الوطني الفلسطيني رقم 21 في غزة بتاريخ 22/04/1996 . بحضور الرئيس الأمريكي كلنتون حيث تم شطب بنود هامة واساسية في الميثاق الوطني الفلسطيني.

في افتتاح الجلسة تلك يوم 22-4-1996 قال الرئيس الراحل ياسر عرفات ، الذي كان في 1-1-1965 ناطقاً باسم حركة فتح حسب بعض الروايات ، قال: "باسم المصلحة الوطنية العليا أدعو مجلسكم الى تعديل جميع مواد الميثاق الوطني الفلسطيني التي تتعارض مع سلام الشجعان الذي وقعناه، وتكليف اللجنة القانونية صياغة الميثاق وتعديله،ليأخذ في الاعتبار الحقائق الجديدة التي تجسدت على الارض بقيام السلطة الفلسطينية...وإذا كانت العلاقات الدولية تقوم على المصالح المتبادلة فإن علينا ان نعطي مقابل ان ناخذ".

لكن السلطة الفلسطينية أعطت وأعطت وأعطت حتى لم تعد تستطيع أن تعطي أي شيء آخر ، وفي المقابل لم تأخذ سوى الجحيم والمزيد من العار والإذلال والتبعية والانهزام. أما فتح الثورة والانطلاقة والعاصفة فقد وصل بها الحال من البيان الناري الأول في الفاتح من 1965 الى البيان الاطفائي في مجلس غزة سنة 1996 ثم الى الموت السريري نهاية سنة 2010 بداية سنة 2011 .


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024