شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2011-01-26
 

لعيون جزار حلبا... لسنا في عام 2005 ... لسنا في 14 شباط

ابراهيم الأمين - الأخبار

وماذا إذاً؟

ثمة حاجة ملحة لتوضيح أمر في هذه الساعات. فالجمهور الذي يتطلع للعودة إلى الساحات متذكراً أيام 14 آذار، يعتقد أن الأوان قد حان لتكرار المشهد. الإضرابات، والنزول مجموعات إلى وسط بيروت وساحة الشهداء. اعتصام وموسيقى غاضبة، وخطب متنقلة، وخيم تؤوي المحتجين. لكن، من باب الامانة التاريخية، وجب توضيح الآتي:

قبل نحو ست سنوات، قتل أشرار رفيق الحريري في جريمة هزت الناس جميعاً. لم يخرج أحد، في العلن أو السر، يشكر الله على ما حصل. الكل صعق، والكل رفض، والكل استنكر. لكن فئة من اللبنانيين، وجدت أن الجريمة يجب أن تكون حافزاً قوياً للقيام بما هو أكثر من تشييع غاضب. كانت الفرصة سانحة للقيام بالكثير: إسقاط الحكم القائم، إجبار سوريا على سحب جيشها واستخباراتها من لبنان، دفع حلفاء سوريا إلى الانفكاء، وإعلان تقدم فريق سياسي. يومها كان الناس يتقدّمون السياسيين في التحرك، وفي رفع المطالب. باختصار، كانت يومها موجة الغضب التي ركب عليها السياسيون الذين سرعان ما عادوا إلى عاداتهم الطائفية والمذهبية وساروا حيث ساروا فدفنت آمال الناس وطموحاتهم.

يومها كان الجميع يعرف أن الحساسية الموجودة عند الجمهور لها بعدها الحقيقي، وأن الانتهازية التي يتميّز بها السياسيون الذين قادوا حركة 14 آذار، كانت ستقضي على الآمال والطموحات في أسرع وقت ممكن، وهو ما حصل، خصوصاً عندما سارع قادة 14 آذار إلى استجداء الخارج للقيام بما قام به.

اليوم، نحن في وضع مختلف. 25 كانون الثاني كان يوماً مشؤوماً في تاريخ من وقف خلف عمليات التحريض. الأعلام فئوية، والشعارات مذهبية، والمطالب حزبية، والطموحات عائلية، والحسابات شخصية. فإعلان عدم أهلية سعد الحريري لتولي رئاسة الحكومة، ليس حدثاً وطنياً بالمعنى الذي مثّله اغتيال والده. وإعلان فشل المشروع السياسي الذي يمثّله يخصه وحده ولا يخص عموم الناس. واللباس المذهبي والطائفي للحركة الاحتجاجية القائمة لا يهم كل اللبنانيين، ولا يهم حتى كل أبناء الطائفة السنية نفسها. والهلع الذي يصيب سياسيين أو موظفين في إدارات الدولة، يخصّهم وحدهم. هم يعرفون أن نجيب ميقاتي ليس لديه زهير الصديق، ولن يكون في فريقه من يعد له لائحة اتهام لسجن ضباط وسياسيين وإعلاميين، وهم يعرفون أنه ليس لنجيب ميقاتي ذراع دولية تقر له قرارات في مجلس الأمن الدولي، أو تعد له حملات إعلامية ليس فيها من الحقيقة شيء.

هل يحسَب نشطاء 14 آذار أن بالإمكان العودة إلى الساحات بالطريقة نفسها؟ هل يصدقون فعلاً أن الأمهات والآباء سوف يشجعون الأبناء على ترك مقاعد الدراسة والالتحاق بالثورة؟ هل هم يأملون أن يقفل التجار محالهم، وأن ينزل الأغنياء كما الفقراء في تظاهرة واحدة كرمى لعيون الشيخ سعد؟

هل يعتقد هؤلاء أن ما يسمّونه اليوم غضباً، هو حالة عامة، أم أن التعبئة التي تنتهي بدفع شبان الأحياء الفقيرة إلى التدافع والصراخ وحرق الإطارات والضرب والكسر، هي نفسها الفعل الذي سيقف له بقية الناس إجلالاً.

ما يحصل اليوم، ليس موجة، ولا إمكانية للانتهازيين أنفسهم لأن يركبوها. حفنة من بقايا العاطلين من العمل، يفتشون عن الجماهير، لا يهتم هؤلاء لنوع الشعارات أو المطالب، ما يهمّهم هو أن ينزل هؤلاء الى الشارع، هم يدعون الناس للنزول إلى الشارع ليشكلوا موجة يركبونها... هل يظن هؤلاء أن هذا ممكن؟ هل يصدقون فعلاً أن أبناء مدينة طرابلس يريدون أن يرجموا نجيب ميقاتي كرمى لعيون جزار حلبا؟

لذلك، لم يكن مفاجئاً إلا لسعد الحريري الحشد الهزيل في ساحات طرابلس. ولم يكن مفاجئاً إلا لسعد الحريري امتناع أبناء طرابلس عن المشاركة في نشاط أمس. ولم يكن مفاجئاً إلا لسعد الحريري عدم إمكان تنظيم يوم حقيقي يدفع بالمعارضة إلى سحب دعمها لنجيب ميقاتي لا لدفعه هو إلى الانسحاب. ولم يكن مفاجئاً إلا لسعد الحريري أن تعجز القوات اللبنانية عن تنظيم اعتصام واحد في جونية أو في بيروت. ولم يكن مفاجئاً إلا لسعد الحريري أن يمتنع البطريرك نصر الله صفير، وقيادات سياسية واقتصادية وفعاليات أهلية مسيحية عن دعم فكرة النزول إلى الشارع احتجاجاً على رسوبه في الامتحان.

ربما هي أيامك يا فارس سعيد، أو هي أيام الأمانة العامة لـ14 آذار مجتمعة، أو أيام اليسار الديموقراطي، ربما هي أيام للرزق.. إلى العمل يا رفاق؟



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه