إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

رياح مصرية ساخنة

نضال حمد

نسخة للطباعة 2011-01-28

إقرأ ايضاً


الأحداث العاصفة التي شهدتها تونس وامتدت لتصل رياحها الساخنة الى مصر اكبر الدول العربية حيث اول نظام عربي قام بالتطبيع مع الكيان الصهيوني والخروج من الصراع معه، لا بد سوف تقلق هذا الكيان وكذلك الادارة الأمريكية وكل حلفاء الرئيس المصري حسني مبارك في العالم. فإسقاط حكومة اكبر الأنظمة العربية والشرطي الذي يحرس المصالح الصهيونية الأمريكية في المنطقة سوف يكون بمثابة زلزال يزلزل المنطقة كلها ويعيد رسم الخريطة الشرق أوسطية من جديد،وقد تصبح هذه الخريطة في غير صالح الهندسة السياسية والأمنية الأمريكية الصهيونية. خاصة وأن أحد أهم أنظمة الولاء للغرب سقط مؤخراً في تونس نتيجة ثورة الشعب التونسي.، التي فجرها الشاب الشهيد محمد بوعزيزي، فيما شهدت الجزائر وتشهد اليمن تظاهرات ضخمة أيضا، في اليمن طالب المتظاهرون برحيل الرئيس علي عبد الله صالح، الذي قام فوراً بالتراجع عن مشروع تعيين نفسه حاكماً لليمن مدى الحياة بعدما رأى فرار زين بن العابدين بن علي من تونس وكيف أن أسياده رفضوا استقباله وتخلوا عنه في أحلك الظروف. أما الرئيس الليبي معمر القذافي الذي أعلن صراحة تعاطفه مع الرئيس التونسي المخلوع وإدانته لثورة الشعب التونسي عاد وتراجع عن تصريحاته المثيرة للجدل. وفي الأردن تعم التظاهرات المدن الأردنية وتطالب بالعدالة والمساواة التغيير ووقف التطبيع مع الكيان الصهيوني. فيما فلسطين المحتلة تشهد فضيحة سياسية وأخلاقية مدوية لأركان سلطة رام الله المحتلة ، الذين تقوم فضائية الجزيرة بنشر غسيل مفاوضاتهم وما قدموه من تنازلات عن الحقوق الفلسطينية الثابتة.

السؤال الذي يطرح الآن بشدة في كل المحافل والأماكن هو التالي : هل تسير مصر في نفس الطريق الذي سارت عليه تونس؟

هذا السؤال سوف يقلق ويدق مضاجع حلفاء نظام حسني مبارك.. فالنظام المصري يقيم علاقات سلمية وتطبيعية مع الكيان الصهيوني ويشارك العدو الصهيوني في سجن الشعب الفلسطيني بقطاع غزة ، ويحارب المقاومة الفلسطينية ، ويبتز الفصائل الفلسطينية لأنه لا توجد للقطاع حدود أخرى سوى حدوده مع مصر ، فتلك الحدود هي الرئة الوحيدة التي يتنفس منها أهل قطاع غزة. إذن النظام يعرف كيف يحاصر الفلسطينيين ويبتزهم ويعرف أيضاً كيف يقدم خدماته للذين يقيمون معه حواراً استراتيجياً ويقدمون له منحا عسكرية منذ توقيعه على اتفاقيات كمب ديفيد وخروجه من حلبة الصراع مع الصهاينة ووقوفه في صف أعداء العرب.عودة بسيطة إلى الوراء تظهر تأمر هذا النظام على دول عربية عديدة ، وتبين مشاركته في حصار أمريكا والغرب والكيان الصهيوني على العراق ، ومن ثم الحروب التي شنت عليه وأدت إلى احتلاله وتخريبه وتقسيمه وتحويله إلى بلد تحت السيطرة الأمريكية والصهيونية.

منذ سقط نظام زين العابدين بن علي في تونس تعالت صيحات النشطاء والسياسيين المعارضين التي لوحت بقرب نهاية النظام المصري ، ولا شك أن الحدث التونسي الذي بهر كل العرب ترك في نفوس هؤلاء أثراً كبيراً ، وصار حافزاً لهم على الانتفاض والثورة ضد الأنظمة الهشة ، التي اتضحت سهولة القضاء عليها بأحذية وحجارة وتضامن الجماهير الشعبية ، وكذلك بتضحياتها وتكاتفها وعدم تراجعها عن الهدف الأساسي. فحتى حلفاء وأسياد هذه الأنظمة أصبحوا يرون فيها مصدر إحراج وقلق ، لأنه بصراحة انتهت صلاحيتها واستنفذت تواريخها. لكن بنفس الوقت فأن الأمريكان والصهاينة وأعوانهم لا يريدون للشعوب العربية أنظمة جديدة تلتزم المصالح العربية وقضية فلسطين ، ففي هذا خطر على استمرارية مشاريعهم في البلاد العربية وشرق المتوسط وكذلك على وجود (إسرائيل) قاعدتهم الأمنية والعسكرية الأولى في الشرق العربي..

منذ عهد الرئيس السادات لم تشهد مصر تظاهرات بهذا الزخم ، فآخر مرة خرج فيها المصريون إلى الشوارع بآلاف مؤلفة كانت سنة 1977 عندما ثار الشعب الجائع لأجل الخبز ولقمة العيش. وقام نظام السادات بالرغم من تراجعه عن رفع أسعار الخبز والمنتجات الأساسية بقمع التظاهرات والشعب بالقوة المسلحة، ثم أعلن حالة الطوارئ التي لازالت تطبق حتى يومنا هذا. التقارير تشير إلى أن البطالة مرتفعة والأمراض منتشرة في أوساط الشعب المصري ، بينما ما يقدر ب 40% من المصريين يرتزقون بدولارين في اليوم. فيما زبانية النظام ينهبون خيرات مصر الكثيرة والمنوعة. لقد استطاع نظام مبارك خلال فترة حكمه الحديدي أن يزيد الفقراء فقراً والأغنياء نهباً وثروة ، فكل التغييرات الاقتصادية كانت تصب في مصلحة الفئات العليا ناهبة ثروة الشعب والبلد.

في مصر تمتد التظاهرات لتشمل كافة فئات الشعب وحتى رموز رياضية معروفة مثل لاعب منتخب مصر الوطني لكرة القدم وكذلك نادي إنبي، المعروف إسلام عوض ، حيث شارك في التظاهرات وجلس في الاعتصام مع المتظاهرين ، عكس زميله في المنتخب (ميدو) الذي قال (مالناش دعوة بالسياسة) أي أنه لا علاقة للرياضيين بالسياسة. و يبدو ان الوضع المهتاج للشعب المصري منذ عدة سنوات ، وخاصة بعد تراجع صحة مبارك والأحاديث الكثيرة عن توريث ابنه جمال ، ساعد في تعجيل هذه الاحتجاجات الشعبية . بالإضافة للموقف المخزي للنظام من الحرب على غزة ومنع وصول المساعدات لأهلها المحاصرين ، وقمع قوافل الإغاثة الدولية البرية الموجهة إلى غزة. فيما تبقى ثورة قرطاج التونسية هي الشعلة التي أشعلت لهيب الغضب العربي في مصر أولا وفي كل مكان عربي ثانياً. ولا يجب غفلان الدور الرئيسي للشباب المصري والعربي في تحريك الأمور عبر مواقع الانترنت مثل الفيس بوك والتيتير واليوتيوب وغيرها. كما استطاعت مجموعات الشباب مثل 9 ابريل وكفاية وغيرهم من استخدام الانترنت بشكل صحيح في سبيل الثورة.

بما أن الاحتجاجات امتدت إلى كافة المناطق وتجاوزت عقبة الضربة الأولى واليوم الأول ، واستمرت في القاهرة والإسكندرية ودمياط والسويس والإسماعيلية وأماكن أخرى كثيرة لا يرد ذكرها في الإعلام ، نتيجة التعتيم المخيف للسلطات على الاحتجاجات ، وحصار وسائل الإعلام ومنعها من الاقتراب من مناطق الاحتجاجات أو التصوير فيها. نشعر أن ثورة جياع مصر وأحرارها تسير على نفس الطريق التونسي السليم. فهذا تؤكده أيضا التصريحات التي جاءت على ذكرها صحيفة واشنطن بوست الأمريكية يوم الخميس 27 الشهر الجاري، وهي أن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما "تدعم الاحتجاجات الشعبية ضد الحكومات في الدول العربية"،.. هذا الموقف من المواقف القليلة والنادرة التي قلما اتخذتها إدارة الرئيس الأمريكي تجاه احتجاجات مماثلة في المنطقة العربية. وهي نذير يبشر بأن حتى اوباما وإدارته أخذوا العبرة من الدرس التونسي ، وغدوا على قناعة بأن الأنظمة العربية التي استخدموها لسنوات طويلة أصبحت في مهب الريح...

لكن السفير الصهيوني السابق لدى مصر جدعون بن عامي ، كان له رأياً مغايراً إذ أنه توقع أن تنجح الحكومة المصرية في قمع الاحتجاجات التي تعصف بالبلاد. وأضاف أيضا إنه لا يتوقع ان تتكرر الانتفاضة الشعبية التي شهدتها تونس مؤخرا في مصر. مؤكداً لوكالة رويترز للأنباء بأن قوات الأمن والمخابرات المصرية "تعرف كيف تتصرف بحزم عندما تشعر أنها واقعة تحت تهديد وجودي، كما بدأت بالشعور الآن."

على الرغم من تفاؤل السفير الصهيوني إلا أننا نقول بأن يوم الجمعة هو يوم الغضب المصري الشامل وقد تكون هذه آخر جمعة لحسني مبارك في الحكم ..

لننتظر ونرى ..


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024