إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

قرار الأمم المتحدة الأخير بخصوص ليبيا:محاولة للحفاظ على ماء وجه الديموقراطية الأميريكية والمحكمة الدولية

الياس ابراهيم الياس

نسخة للطباعة 2011-03-05

إقرأ ايضاً


بادئاً نقول أميركا لأنّه بات من الواضح أنّ منظّمة الأمم المتّحدة أصبحت متمثلة بالولايات المتحدة الأميريكية منفردةً .هذا القطب الواحد لو لم يوافق على القرار الأخير بحق ليبيا لما صدر ؛ ففي القرار المدين للاستيطان في فلسطين وعلى الرغم من تأييد 130 دولة له وتصويتها عليه ،إلاّأنّ أميركا استطاعت إيقافه باستعمال حق الفيتو ، ما يثبت أن لا قرار للأمم المتحدة بل لأميركا باسم الأمم المتحدة .

- في تونس مصر وليبيا كان موقف أميركا الصمت بدايةً ثمّ إعلان الدعم للشعب وذلك ظاهرياً .

عندما تأكدت الإدارة الأميركية من أنّ الشعب بات منتصراً لا محال في تونس حاولت الظهور بمظهر الديمقراطية وبدأت بالدخول سياسياً لخطف الثورة .

وفي مصر- مبارك الحليف الأكبر في الدول العربية بعد السعودية ، برأيي ،للصهيوأميركية حاولت قدر الإمكان إعطاء الفرصة لمبارك ليقمع الثورة ،إذ بدأت بالصمت ثمّ صرّحت أن (ليتنحى الآن ) ثمّ طلب مبارك وعلى الرغم من حميّ وطيس الثورة ،طلب من حليفته أميركا أن تمهله لفترة كي يستطيع إخماد الثورة ، فأتى موقف أميركا أن : أميركا لا تفرض شيئاً على مصر ولا تتدخل بالقرار المصري ، وأنّ المصريّين والقيادة المصريّة هي الأجدر بالتقرير بالموقف .

لكن عندما فشل مبارك بإخماد نار الثورة المستعر ، سارعت أميركا بالعودة إلى ديموقراطيتها ومساندة الشعب المصري والطلب من مبارك ..التنحي الآن .. معتقدةً أنّ العرب لا يمكن أن يفهموا نوا ياها السيئة ، فقد اعتادت أميركا والغرب أن تتعامل مع االعرب على أساس التذاكي و إعطاء الأوامر إذ إنّ الحكام المتعاملين الخاضعين الخانعين للإدارة الصهيوأميريكية قد أوحوا لهم أنّ الشعوب العربية أيضاً خانعة وغبية ، فلطالما استغبوا شعوبهم وحكموهم بيد من حديد .

أمّا عندما ابتدأت المعادلة تتغيّر ،أٌربكت أميركا فهي لم تعتد أن تتعامل مع من يعاديها بل مع من يخضع لها من العرب أو على الأقل تقطع العلاقات مع من يودّ أن يعاملها معاملة النّد للند .

إذاً أربكت الإدارة الأميركية وابتدأت الاجتماعات وعلى أعلى المستويات الأمنية والسياسية لمحاولة التماشي مع التطورات السريعة في الشرق الأوسط .

فتدرّج الموقف الأميريكي من الآمر المصادر للديموقراطية المعتبر نفسه ربّ الحرّيات في العالم ، والمتخيّل أنّ العرب يصدقونه حتى أنهم أدنى من أن يستوعبوا ألاعيبه ، لينتقل إلى حال بات فيها محاولاً إظهار نفسه ديموقراطياً ، قائماً بمحاولات لحفظ ماء وجه الديموقراطيّة الأميريكية الزائفة بعد أن تفاجأ بالشباب العربي الكاشف كلّ ألاعيبه وسياساته وخيانات حكامه المتعاملين معه والمؤمن بإرادة الشعوب والقادر على قيادة ثورات نهضويّة تغير وجه العالم أجمع .

فلم يستطع حتى الآن أن يسجّل موقف لصالحه لافي تونس ولا في مصر إلاّ ( السخرية من الآن الأوباميّة ) ، أما في ليبيا فكان القرار بدعم القذافي وعدم سقوط نظامه كان أساس ومبدأ شرس لدى الأميركان ، إذ إنهم بعد الصفعة السياسية التي أكلوها بإسقاط النظام المصري أتتهم المفاجئة الثانية في ليبيا ، فابتدأوا يقلقون وبشكل جدي من نجاح الثورات المتتالية التي إن استمرت فسوف تقلب التحالفات المبنية والمشغول عليها لسنوات من قبل أميركا وهذا ما سيكلفها ضياع كلّ الجهود سداً والدخول في متاهة لا أحد يستطيع أن يتنبأ بما ستؤول إليه ،لذلك أتى القرار بفرط مسبحة الثورات ، فإذا كان النجاح في تونس أدى إلى الثورة في مصر والنجاح بمصر أدى إلى الثورة بليبيا فإن النجاح في ليبيا سوف يؤدي إلى الثورة بالسعودية الحليف الأكبر لأميركا وسيولد ثقة عند العرب بالانتصار الثوري على حكوماتهم العميلة وهذا بدوره سيخرج الحلف الصهيوأميركي من دائرة الفعل في معادلات المنطقة .

فالأميركان كانو يعتمدون وما زالو نظرية : "الذي تعرفه خير من الذي تتعرّف عليه "

وخصوصاً أنّ الذين عرفوهم من أنظمة عربية متعاملة معهم كانوا أفضل مما يحلمون ، كما أنّهم غير ضامنين القدرة على التحكم بالوضع وإعادة خلق جوّ في هذه البلدان الثائرة يسمح لهم بانتقاء ودعم أنظمة جديدة تكون عميلة معهم .

ففي ظلّ هذه القراءة ما كان على القيادة الأميركية إلاّ أن تدعم نظام القذافي وتغض النظر عن جرائمه الفظيعة بحق مواطنيه ،بل تحاول التستير عن جرائمه .

وخصوصاً أنّ أكبر فشل يحتمل وقوعه للثورات العربية هو عدم الانتباه لانبثاق لحكومة متعاملة وعميلة للكيان اليهودي الصهيوني المشرّع من قبل الإدارة الأميريكية والمدلل لديها ، لكن الوعي الظاهر للشباب العربي بالتعامل مع المجريات يوضح أنّ من المستحيل أن ينجم عن نجاح الثورة حكومة عميلة كما في السابق و هذا ما أراه من المستحيل ، إذ لا يوجد ثورة بالتاريخ على حدّ علمي أنتجت ما كان سابقاً فمن طبع الثورات التغيير ، مع مراعاة أنّ التغيير المبدع والعميق يحتاج إلى وقته ونتائجه تتبلور مع الزمن .

لكن تلك القيادة الخبيرة بالدسائس وعت كون الثورة منتصرة لامحال، وهنا ابتدأت بالإلتفاف على الثورة لتحيط بها وتخنقها ، متبعة نظرية أخرى :

" أنّ الجبل الذي لا يأتي إليك فاذهب إليه واحفر فيه حتى ينهدم " وهنا وتحت هذه الرؤية صدر القرار الخاص بليبيا ؛ وما أراه هنا :

1- عندما قُرّر إحالة القذّافي والجرائم المرتكبة بليبيا إلى المحكمة الجنائية الدوليّة أُريد بها مايلي :

أ- محاولة إعادة هيبة المحكمة الدولية التي فقدت مصداقيتها بشكل واضح في المحكمة الخاصّة بلبنان موحية أنها لاتتمسك بدعوى الرئيس الحريري لأسباب سياسية وإنّما لإحقاق الحقّ ، ومن يريد إحقاق الحقّ لايمكنه ألاّ يحاسب على الجرائم الإنسانية الفظيعة من مثل جرائم ليبيا .. ولو أنّه هو من ساهم بها وسكت عنها ما استطاع لذلك سبيلا ، أي (أميريكا).

ب- أرادت أن تثبت للعالم كم هي ديموقراطية وكم انّها تنصر حركات الشعوب بمحاكمتها الطاغية ،محاولة بذلك كسب ودّ الشعوب العربية .

ج-أرادت أن تسرق من الليبيين انتصارهم إن اتنتصروا خاطفة منهم شرف محاكمة الطاغية في محاكم بلدهم ، و كأنّ العرب غير قادرين على المحاكمة بل إنهم دائماً يحتاجون لها كي تدافع عن حقوقهم . هذا من ناحية اللعب على وتر الديموقراطية ،أمّا من الناحية السياسيّة الدوليّة :

فقد أرادت أن تمسك بالملف الليبي كي تسيّر الأمور حسب التطوّرات في الداخل الليبي كما تتعامل المحكمة مع الملف اللبناني ، وهنا يجدر بنا الأخذ بالنظر لما أدلى به الناطق باسم المحكمة الدولية :

" لقد قلنا أنّه تمّ ارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية لكن لم نقل من المسؤول عنها"

وهكذا عبارة عندما تصدر عن المؤتَمِر بالقرار الأميريكي يصبح من السهل التّوقع بما يمكن أن يتستّر خلفها .

فإذاً ليس من المستبعد أن يتم إدانة الشعب الليبي متمثلاً بالقيادات الشعبية ككبش فداءٍ مثلاً، هذا إن انتصر القذافي ، فتكون ثبّتت النظام التابع لها مشرعنة إياه بتبرئته من المحكمة .

وإن لم يستطع التغلب على الثورة ستضطر آسفةً لإدانته مظهرةً نفسها بمظهر الناصر لقضايا الشعب .

وفي كلا الحالتين تريد أن ترسل رسالة للعالم أنّ القضايا الدولية لايمكن أن تُحسم إلاّ بإذن منها .

وهذا يبقيها في الجوّ السياسي للمحاكمات الدوليّة ويساعدها بالمضيّ قدماً في المحكمة الدوليّة من أجل لبنان ، وخصوصاً أنّها باتت بأمس الحاجة لتكثيف العمل لإنتاج دولة عميلةٍ لها وللكيان اليهودي في لبنان في ظلّ تزايد خسارتها لأوراقها بالمنطقة .

2- تجميد أموال القذافي وأبنائه والمقربين منه موحيّة أنها تريد إعادة الحقّ لأصحابه ،فيما أنها تستغل التتجميد كورقة لتهديد القذافي بأمواله إن فكّر أن يتّبع نزواته الجنونيّة ويختار خطاً ما دون التنسيق المستمرّ مع الأم الأميريكيّة .

3- استصدار القرار تحت المادة السابعة التي تسمح لأميركا بالتدخّل العسكري متى ارتأت في ذلك مصلحة لها ، وإقامة قاعدة عسكرية لها في ليبيا إذ لهذا فوائد عدّة :

أ‌- كي تسيطر على الثروة النفطيّة الليبيّة .

ب‌- كي تضمن السيطرة على الوضع بليبيا لفبركة حكومة عميلة لها وعلى القياسات المناسبة .

ت‌- الحصول على عنصر قوّة إضافي في دعم العميلة الأساسية لها ،أي السعوديّة في حال تعرضها لخطر الثورة ،إذ إنّ أميركا عارفة تماماً أنً سقوط النظام السعودي وتغيّر تحالفاته سيكون بمثابة الضربة القاضية للتواجد الأمني والاقتصادي والسياسي بالمنطقة وبالتالي سيكون تأسيساً لإنهاءالكيان اليهودي الصهيوني .

ث‌- محاولة منها لحفظ ماء وجه الديمقراطية الأميريكية التي قضت سنوات عديدة وهي تصدّر لها وتحاررب باسمها ،في حين أنّها قد فضحت الآن في الشرق وفضح دعمها اللامحدود لقوى الديكتاتوريّة ومساندتها لها بقمع شعوبها، لهذا ستحاول أميركا أن تظهر نفسها بمظهر البطل اليموقراطي الذي يأتي على حصانه الطائر ويقتل الطاغية ويخلص الشعب منه ويعطه الحريّة مطوّبةً نفسها كربّ الحرية .( دائما تحاول أميركا أن تؤلّف فيلما أميريكيّاً وتنفّذه في سياساتها ، وعلى ما يبدو أنّ الاستخبارات الأميريكية مع طول باعها بالمعلومات لم يخبرها أحدٌ حتى الآن أنّ ذاك البطل الأميركي الذي لايقهر كما يظهر بأفلامهم قد بات مدار سخرية لمتتبعي الأفلام عندنا)

ويبدأ البطل بنشر الديموقراطيّة إذ من الديموقراطيّة أيضاً أن تبقى كل قبيلة على حدى تأخذ شعاراتها الخاصة وتتقاتل مع القبائل الأخرى إلى أن نصل لحين تقضي به الديموقراطيّة أنّ لكل قبيلة الحقّ بأن تستقل وتحكم نفسها وتعتمد الخط السياسي والفكري الذي تراه مناسبا لها ، والمناسب طبعاً ( التعامل ) مع القوّة الكبرى في العالم صاحبة القرار الدولي والناظمة لنهج الديموقراطيّة بالعالم ، وهنا يبدأ التقسيم .

التقسيم المخطط القديم الحديث والاستراتيجيّة الأساسيّة للإدارة االصهيوأميركيّة اليهودية لحكم دول العالم العربي تنفيذاً لما يسمّونه الشرق الأوسط الجديد مقسمين الدول لدويلات طائفية و إثنيّة كما هو معلن من قبلهم جهاراً . لكنّ هذه الإدارة تتوهم أن ليس لنا آذان لنسمع .

في حين أنّه قد اتضح مؤخراً أنّ للشباب العربي أذن من طين وأخرى من عجين حقّاً لكنها تسمع ،

ومن الطين تعيد خلق الإنسان ومن العجين تصنع خبزاً لتطعمه .

أولم يقولو الأسلاف أنّ الحاجة أمّ الاختراع ، وأن الإبداع يمشي على شفرات الألم

"فهل من حاجة أكبر من الجوع ، وهل من ألم أقوى من ألم سلب الكرامة "

شكراً لتلك الأنظمة فلقد علّمت الشباب الإختراع والإبداع .


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024