شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2011-03-28
 

سوريا بين حركة تصحيحية وثورة ومؤامرات ولبنان خط أحمر للأمن القومي السوري

سامي كليب - السفير

من المنتظر أن تحمل الأيام والأسابيع المقبلة في سوريا تطبيقا سريعا لجزء من القرارات التي اتخذتها القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي قبل أيام، وقد تضاف اليها إجراءات سريعة أخرى وذلك في سياق سعي القيادة السورية لسحب البساط من تحت أقدام الراغبين بإيصال الأمور إلى مرحلة الثورة المتعددة الأهداف والأطراف. ومن المرجح تزامن ذلك مع استمرار الحزم الأمني والكشف عن أشخاص تقول السلطات إنهم متورطون في مؤامرات خارجية.

تحتاج سوريا لقراءة دقيقة جدا، ذلك أن حركة الشارع لا تزال توحي بكل التناقضات، وإذا كانت الفضائيات العربية والدولية تركز على المحتجين والناقمين، فإن شوارع دمشق وبعض المدن الأخرى سرعان ما تمتلئ بتظاهرات ومسيرات التأييد للرئيس بشار الأسد خصوصا في ساعات الليل الأولى، لا بل إن بعض المتظاهرين لأجل الحرية يقولون إنهم يميزون بين الأسد وبعض أركان نظامه ويدعونه لاتخاذ إجراءات سريعة ضدهم. ويراد لذلك التأكيد على أن مؤيدي النظام لا يزالون يفوقون بمرات عديدة معارضيه.

وقد أريد للقرارات التي أعلنتها الدكتورة بثينة شعبان مستشارة الرئيس السوري ان تكون بمثابة «حركة تصحيحية جديدة» وأن تقارب إلى حد كبير مطالب المعارضة، خصوصا ما يتعلق منها بـ: دراسة انهاء العمل بقانون الطوارئ وإعداد مشروع لقانون الاحزاب وإصدار قانون جديدة للإعلام ووضع آليات جديدة وفعالة لمحاربة الفساد.

وكان لافتاً منذ البداية أن شعبان وليس الرئيس الأسد هي من أعلنت القرارات، كما ان هذه القرارات صيغت بعد اجتماع للقيادة القطرية لحزب البعث، وأريد لذلك على ما يبدو، ان تكون كل الخطوات السياسية باسم القيادة وليس باسم الرئيس، كما أريد لها ان تكون بمثابة «بارومتر» لقياس ردة الفعل، وبالتالي فلم يكن من الجائز ان يتحدث الرئيس نفسه، ولعله سيتحدث في مرحلة لاحقة بعد أن تنجلي الأمور أكثر.

وغالبا ما يقول مؤيدو النظام السوري بأن الرئيس الأسد نفسه كان ومنذ اعتلائه سدة الحكم، قد أدرج في معظم خطاباته ومقابلاته وكذلك في خلال لقاءاته السابقة مع المعارضة ومع النخب السياسية والفكرية السورية والعربية، نواياه الواضحة بإحداث تغيير فعلي في سوريا على المستويات السياسية والاقتصادية، وأنه باشر في تطبيق عدد لا بأس به منها حتى ولو أن وتيرة الإصلاحات بقيت بطيئة بسبب الكثير من الظروف التي مرت بها سوريا من مؤامرات عربية ودولية سابقة لإطاحة النظام (كشفت الكثير منها وثائق ويكيليكس والكتب التي صدرت في واشنطن ولندن وباريس).

ويقولون أيضا إن الرئيس الأسد كان سبّاقا بين القادة العرب للاعتراف بأنه تعلم الدروس من تجربتي مصر وتونس، وقام فعلا بتسريع وتيرة القرارات الاقتصادية والاجتماعية ثم السياسية ورفع الرواتب وخفض الأسعار والضرائب الجمركية. بمعنى ان الاصلاحات الحالية لم تفرضها الظروف فقط بل سرّعتها.

الاعتراف، إذاً، واضح بأن ثمة مطالب شعبية مشروعة يجب تلبيتها بأقصى سرعة ممكنة، ولعل الرئيس الأسد نفسه سيجد في ما حدث في الجوار العربي وما يحدث في سوريا حاليا، فرصة لفرض استراتيجية إصلاحية جذرية على من بقي من المترددين حوله، بحيث إن المناخ العربي العام والقلق الداخلي يؤكد وجهة نظره التي غالبا ما ساقها في حواراته الأولى مع قيادات سورية وعربية ومفادها ضرورة أن تجاري سوريا لغة العصر.

وإذا كانت العقلية السورية غالبا ما ترفض القبول بأي تنازل تحت الضغوط، فإن جل ما يمكن الحديث عنه رسميا اليوم، هو أن الإصلاحات التي أعلنتها السيدة بثينة شعبان كانت موجودة منذ زمن طويل في ذهن الرئيس الأسد وأنه مررها الى بعض الدوائر القريبة منه ولكن ما حصل مؤخرا أقنع الجميع بضرورة تسريع وتيرتها.

قلق من مؤامرة

ولكن الإصلاحات وتسريع وتيرتها والقرارات المقبلة التي ستتخذ، تتزامن في دمشق مع قرار مركزي بالحفاظ على الأمن القومي، ذلك أن ثمة شعورا واضحا بأن ما حصل في درعا واللاذقية وحمص وغيرها لم يكن مجرد انتفاضة شعبية، بل ثمة «مشروع فتنة طائفية» (وفق تعبير شعبان نفسها)، أو انه مشروع ضغوط هائلة على النظام السوري بغية تطويق دوره في المنطقة والحد من تأثيره ولجم الدعم لـ«حزب الله» و«حماس» والمعارضة الفلسطينية وضرب التحالف الإيراني السوري.

فهذا مثلا الكاتب الاسرائيلي ألوف بن يكتب في صحيفة هآرتس الإسرائيلية (عدد 25 آذار الحالي) ان «الغرب مثل إسرائيل يفضل شرق أوسط منقسما ومتنازعا ومتصارعا في عدة جبهات ضد القومية العربية والأمة الاسلامية، وعليه فيمكن توقع ان القوى العظمى لن تحاول إحباط عملية الانشقاق لدول المنطقة بل ستساهم فيها» ويقول ان اسرائيل «ستتأثر بقدر كبير من تفتت الدول المجاورة وعلى رأسها سوريا والسعودية والأردن وغيرها»...

وهذا روبرت غيتس الذي يمتدح التحالف مع الرئيس اليمني علي عبد الله صالح (برغم المجزرة التي تعرض لها الناقمون قبل ايام) يطلق سهامه على سوريا وينصحها بالاقتداء بمصر وتونس، ثم يذهب الى اسرائيل ويضع على جدول اعماله مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الوضع في سوريا.

ويمكن فهم القلق السوري في هذا المجال حول مستقبل المنطقة بعد التحولات المصرية، ذلك أن الأميركيين والإسرائيليين والفرنسيين يعتقدون بأن إطاحة الحليف الاستراتيجي حسني مبارك وضبابية الوضع المصري تجعلان احتمال استعادة التحالف التاريخي المصري السوري قائما ومهماً، حتى ولو ان بعض المعارضة السورية يقول انه ليس من مصلحة أميركا او اسرائيل إطاحة النظام السوري لأن البديل سيكون «اخوان مسلمين» ممتدين من سوريا الى مصر الى الاردن وصولا الى دول الخليج واليمن.

ويذهب الاستراتيجيون السوريون في تحليلهم للتآمر الاسرائيلي الاميركي الى حد القول بأن اسرائيل التي تستغل الأوضاع العربية الهشة لضرب المقاومة الفلسطينية وتمرير مشاريعها الاستيطانية وغيرها، تدرك ان أي اضعاف للدور السوري في هذه المرحلة مفيد جدا بعد ان بدأت بعض الدول الغربية والاميركية تتجه فعليا للاعتراف بإقامة الدولة الفلسطينية من طرف واحد.

وثمة شكوك بتورط عربي في بعض «المؤامرة» على سوريا، ذلك أن الأحقاد على دور دمشق في المنطقة وتحالفها مع إيران وحزب الله وغيرهما، بقيت كامنة بانتظار فرصة سانحة للعمل ضد هذا الدور، ولذلك فمن الضروري إبقاء عين الأمن حذرة ومتيقظة الى أقصى حد لعدم تحويل أية مطالب شعبية الى بذور فتنة وتوترات أمنية حقيقية.

ولا يبتعد لبنان عن دائرة الهواجس، وتتراوح المعلومات والإجراءات بين الحديث عن تدخل بعض الاطراف اللبنانية في الامن السوري، وبين الاشارة الى اللغة «العنترية» التي راح البعض الآخر يستخدمها اعتقادا منه بأن الدور السوري في لبنان مرشح للضعف وأن دمشق لن يكون لها تأثير كبير في المرحلة المقبلة.

والواضح ان لبنان يبقى «خطا احمر للأمن القومي لسوريا» وأن مراقبة تطوراته تكتسب اهمية قصوى في المرحلة الحالية، ذلك ان احتمالات الاختراق منه وعبره تبقى قوية نظرا الى انفتاحه على الكثير من التدخلات والاستخبارات الخارجية التي تريد التأثير سلبا على الدور السوري.

كما أن الحرص على تجنيب سوريا أي فتنة طائفية او مذهبية يتطلب مراقبة دقيقة لبعض الاطراف اللبنانية التي عملت ولا تزال على استثارة «الهمم المذهبية»، ومن هنا كان أيضا الاهتمام بالموقف التركي والتدقيق في اسباب مسارعة انقرة الى استصدار بيان من وزارة الخارجية، حيث دعت انقرة القيادة السورية الى «الوفاء بوعود الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي في أسرع وقت ممكن في مواجهة الاضطرابات المتصاعدة» وأعربت عن أسفها لسقوط ضحايا بسبب العنف الآخذ في الانتشار في انحاء جارتها الجنوبية الشرقية ودعت العائلات التي سقط منها ضحايا الى الهدوء».

وإذا كانت العلاقة الجيدة بين انقرة ودمشق تسمح بالتفاؤل بأن الموقف التركي انما يصب في خانة التهدئة، الا ان ذلك لا يلغي السؤال عن الدور الاستراتيجي التركي في المنطقة في ظل ارتفاع نغمة التركيز على الدور الايراني الشيعي في الخليج وبعض الدول الاخرى.

ومعروف ان دمشق التي كانت استقبلت الامير السعودي عبد العزيز بن عبد الله وأوفدت وزير خارجيتها وليد المعلم الى ايران، أوحت بأنها قد لعبت دورا جيدا في تهدئة الأزمة البحرينية، ولا شك ان السعودية نظرت الى هذا الدور بكثير من الارتياح خصوصا ان النقمة الايرانية كانت كبيرة حيال تدخل السعودية وبعض دول الخليج عسكريا لقمع المتظاهرين في الامارة الصغيرة، وذلك فيما تقول اوساط عليمة بأن اجنحة سعودية اخرى لا تزال تحمل أحقادا وضغينة على الدور السوري في المنطقة ولبنان.

إصلاحات وحزم

أوضحت التوترات الامنية التي شهدتها بعض المدن السورية، ان لا مظلة فوق أحد، وإذا كان ما حصل في تونس ومصر أنعش آمال اطراف سورية معارضة في تسريع وتيرة الضغط على النظام وتحريك الشارع السوري ضد بعض رموزه، فإن ما يحصل في ليبيا واليمن والبحرين يسمح بقراءة اخرى.

فالتراخي الدولي في البحرين واليمن مقابل التشدد في ليبيا، يسمح بالقول بأن الدول الغربية لا تزال تتحرك وفقا لمصالحها وليس لمصالح الشعوب المنتفضة والثائرة، ويسمح أيضا بالقول بصعوبة زعزعة أمن دولة بسهولة اذا ما قرر النظام فيها اعتماد لغة التشدد، ولكن اطرافا معارضة ترى ان الحصار الجوي الذي تم فرضه على العقيد معمر القذافي والذي أدى الى منعه من حسم المعركة على ابواب بنغازي ضد الثوار، يمكن أن يتم تعميمه على دول اخرى لاحقا اذا ما كان القرار الدولي يقضي بالعمل ضدها.

بين القراءتين يكمن جزء من الصورة الضبابية في سوريا، فالدول الغربية تطالب دمشق بالاصلاحات، وقد تجاوب الرئيس الاسد بأكثر مما توقع البعض (حتى ولو ان العبرة تبقى في التطبيق السريع) ولم تصدر، على الاقل حتى الآن، أية مؤشرات دولية ضد النظام السوري باستثناء شجب القمع الذي حصل في درعا وغيرها، وهذا ما يجعل بعض المعارضة السورية مترددة في رفع وتيرة التحرك اعتقادا منها بأن المصالح الدولية لا تزال ترى اهمية للدور السوري في المنطقة على أكثر من ملف وتخشى بالتالي ان يتم اجهاض تحرك المعارضة مع الوقت.

ولكن معارضين آخرين، يرون ان الفرصة سانحة الآن وأكثر من أي وقت مضى للتحرك، وأنه لو تم تفويت هذه الفرصة، فإنها لن تتجدد مطلقا خصوصا ان تدخل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي مثلا في ليبيا انعكس سلبا على شعبيته في الداخل الفرنسي، وتمت هزيمته في الانتخابات الاخيرة امام الحزب الاشتراكي واليمين المتطرف.

ويعتقد هؤلاء المعارضون ان التحرك يجب ان يكون سريعا وفي مناطق متعددة في سوريا، وأنه يجب عدم القبول بالعروض التي يقدمها النظام للإصلاحات بل الضغط باتجاه احراجه بمواعيد تطبيق هذه الاصلاحات خصوصا ما يتعلق منها بقوانين الطوارئ والأحزاب والحريات والاعلام ومحاربة الفساد. ويقول هؤلاء: «إن الحاجز النفسي قد سقط وكذلك الخوف السابق».

انطلاقا مما تقدم، يمكن توقع تطورات الساحة السورية في المرحلة المقبلة في اتجاهين: فمن ناحية سوف تستمر وتيرة العروض المغرية بالاصلاحات وتسريع وتيرة تطبيق أبرزها، ومن جهة ثانية سيكون مزيد من التشدد الأمني مهما كلف الأمر، ذلك أن النظام السوري يعتقد بأن حجم المؤامرة اكبر بكثير من مطالب الناس، وأن ثمة عصابات تتحرك بين صفوف المتظاهرين لزرع الفتنة وإشعال النيران، وأن أي تراخ أمني، داخليا وخارجيا، سيكون سلبيا جدا في الوقت الراهن.

وبانتظار ما قد تسفر عنه الأيام المقبلة، فإن الأكيد هو ان الوضع في سوريا ليس من النوع الذي يمكن توقع حسمه في هذا الاتجاه او ذاك بسرعة، خصوصا ان المعارضة مرشحة لرفع مستوى تحركها بغية إحراج النظام حيال تطبيق القرارات التي أعلن عنها، وتوسيع المطالب لاحقا. ولعل الشيء الوحيد الذي تغير في طبيعة التفكير الرسمي السوري هو انه لم يعد يقتصر فقط على استراتيجية «فلننتظر عبور العاصفة ونر» بل صار يدرك انه لا بد من مبادرات عديدة لسحب البساط، وهذا ما سيظهر في محطات عديدة مقبلة. فهل ينجح الأسد حيث فشل غيره؟ وهل يقود هو نفسه الحركة التصحيحية الجديدة وينفتح على المعارضة ويوسع اطار المشاركة في السلطة؟

ربما، ولكن الأمور ليست سهلة لأنها ليست محصورة بمطالب إصلاحية، فدور سوريا في المنطقة مستهدف من أكثر من طرف.



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه