![]() |
|
|||||||||||
|
||||||||||||
إتصل بنا ![]() |
مختارات صحفية | تقارير | اعرف عدوك | ابحاث ودراسات اصدارات |
![]() |
عروس الجنوب .. الاستشهادية سناء محيدلي | ||
| ||
«في جنوب لبنان، يختلط الفراقُ بالحنين، والغصّةُ بالفرح، والألمُ بالعز، والانكسار بالانتصار. وفي جوارحنا تختلط المشاعر الوجدانية بالتزام القضية، ويتداخل البَوْح بالكتمان، والخاص بالعام. أما هنا في عنقون، عنقون العنفوان، فنستعيد مع عروس الجنوب لحظة القرار الحاسم على معبر باتر ـ جزين... نستعيد العزم الكبير علــى الاستشهاد لترتسمَ على أرضِنا ـ باللون الأحمر ـ خريطةٌ جديدة تجعل للموت طعماً آخر،َ هو طعمُ العزّ، بل طَعْمُ العبور إلى الحياة». «مع الشهيدة البطلة سناء محيدلي، وقوافل الاستشهاديين الأبطال من شعبنا الأبيّ المقاوِم، إنبثق عهدٌ جديد من التعاطي مع العدو الغاصب، هو عهدُ الأجسادِ المتفجرّة، حباً بالأرض وإنقاذاً للكرامة، وهو عهد التجسيد العملي لثقافة المقاومة ومسؤوليتها وخيارها. إن الدوِيَّ الذي أَحْدَثَتْه عملية الشهيدة سناء لم يكن دوِيَّ انفجارٍ مادي، بقدْر ما كان دوياً سياسياً، ومعنوياً وإرادياً، على المستويات الوطنية والقومية والعالمية... كانت إيذاناً بأن في أمتنا نماذجَ متحفّزة من الاستشهاديين الطليعيين، الذين يحرّكهم وجدان قومي، وَتَكْمُنُ فيهم قوّة حقيقية قادرة على الفعل، وتغيير وجه التاريخ». «لذلك قال أحد قادة الصهاينة بعد تفقّده مكان العملية عام 1985: «لقد درّسنا كل شيء في كلياتنا الحربية وتحسّبنا لكل شيء، إلاّ أننا لم نتوقع هذا النوع من العمليات، التي لا تجدي معها تحضيراتُنا أبداً». فيا حُكام لبنان «شَرِّعوا مدارسكم وشوارعكم لثقافة المقاومة، وسَمُّوها بأسماء الشهداء الذين ضحّوا ودفعوا ضريبة الدم الأغلى من أجل حرية لبنان واستقلاله وسيادته...أفلا يستحق هؤلاء الشهداء أن يكونوا هم روح الثقافة الجديدة، وأسطر التاريخ اللبناني الحديث؟ ألا يستحقون زرع أسمائهم وقدوتهم في كتب التاريخ والجغرافيا والتنشئة الوطنية، بدل الاكتفاء بالخطاب العابر؟ ألا يجدر بنا أن نربّي أجيالنا الجديدة على نهج هذا التاريخ المقاوم الذي تعتز به الشعوب وتفخر؟» «لقد تمرّدت سناء على معابر الذُل في الجنوب والبقاع الغربي، وثارت حتى تُفهِم العدو أن إرادة شعبنا لا يمكن أن تُحطَّم، ووصلت رسالتها بالعملية الرائدة التي فحواها ان امتنا لن تخضع ولن تركع، وأنها ملاقيةٌ أعظمَ انتصار لأعظمِ صبرٍ في التاريخ». (مقتطفات من كلمة رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان في مهرجان عودة جثمان الشهيدة سناء محيدلي إلى عنقون في تموز عام 2008) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ آمنت أن الدماء التي تجري في عروقها ليست ملكاً لها، بل هي وديعة الأمة فيها، متى طلبتها وجدتها، شهيدة من طليعة انتصاراتنا، أبّت إلا أن تزّف إلى أرضها في أسمى وقفات العز، إنها عروس الجنوب.. الشهيدة سناء محيدلي. نشأتها سناء يوسف محيدلي، ولدت في 14 آب عام 1968 في بلدة عنقون الجنوبية، (تبعد 7 كيلومتراً عن مدينة صيدا) جنوب لبنان، والدها يوسف توفيق محيدلي. توفيت والدتها فاطمة وهي في الثالثة من عمرها، وعاشت بعد ذلك في كنف والدها الذي كان ملتصقا بها بعد وفاة والدتها، وتزوج بعد ذلك ليكون لسناء اخت واحدة- عبير وثلاثة أشقاء هم هيثم ومحمد ورامي. حلمت سناء دائما ببلدتها، بترابها ورائحتها، ببيتها الصغير، وفيء الشجرة أمامه، كانت تتوق الى بيت جدتها، الى أصدقائها وأهلها. نمت سناء محيدلي في بيت وطني حيث كان والدها ممن يرفضون الظلم والقهر والاحتلال كباقي اترابه ورغم تواضع العيش والحياة خلال الحرب اللبنانية بقيت عائلة سناء تسكن بيروت ومرار الاحتلال تراود صبية تنظر الى مستقبل امة وليس مستقبل فتاة. نشأت سناء في منزل ذويها في منطقة المصيطبة في بيروت، تلقت دروسها في مدرسة السريان، ولكن ما لبثت أن تركت المدرسة للعمل في محل تأجير افلام فيديو يديره السيد فؤاد حبيب. «البناء» قصدت حبيب، ليستذكر مرحلة من عمره لا ينساها أبداً، الفتاة التي عملت لديه لبضعة أشهر، ما لبث أن أصبح اسمها على كل شفة ولسان في لبنان، والعالم العربي وربما العالم أجمع. فؤاد حبيب يقول حبيب: «كانت سناء فتاة رقيقة، طموحة، محبة للحياة، ومندفعة. وكانت بمثابة إبنة لي، تواجدها في المحل ما يقارب الثلاثة عشر ساعة جعل منها واحدة من اسرتي، كانت تحب عملها جداً، لم تتذمر يوماً من طلبات الزبائن، أذكر أنه بعد عملية الشهيد وجدي الصايغ، طلبت من سناء أن تقوم بنسخ كاسيت الفيديو الذي يحتوي على مقابلة مع الشهيد أجريت معه قبيل تنفيذه العملية، كنا ننوي نسخ الشريط لمرات عديدة نظرا لإقبال الراغبين باقتنائه خصوصاً من السوريين القوميين الاجتماعيين، لكن ما لفت نظري آنذاك، أن سناء كانت تشاهد كل نسخة تقوم بإعدادها، وأنها كانت تذرف الدموع وكأنها تشاهده للمرة الأولى، كانت تقول لي دوما: «سأكون كالشهيد وجدي، وسوف أخلد اسمي»». ويضيف حبيب: «بسبب تردد السوريين القوميين الاجتماعيين إلى المحل، أصبحت سناء على علاقة وثيقة بهم، فزادت من قرائتها للكتب القومية، وعملت على تثقيف نفسها أكثر من ذي قبل. فبعد أن كانت تريد الاستشهاد كونها تأثرت بعملية الشهيد وجدي، ولأنها كانت تريد تلقين العدو المغتصب درساً قاسياً، أصبح إيمانها قوياً وفكرة الاستشهاد عندها أسمى، وباتت تريد أن تفدي الوطن بدمها. سألتها مرة: «لماذا تريدين الذهاب الى الجنوب والاستشهاد هناك؟»، فأجابتني بأن الشهيد وجدي لم يكن إبن الجنوب واستشهد في سبيله، وأنها هي ابنة عنقون الحبيبة، وابنة جنوب محتل ينزف، وواجبها يدفعها الى تنفيذ عملية استشهادية تعيد الكرامة الى الجنوب». وفي لحظة تأمل، وبعيداً عن كل ما يدور في مكتبه الصغير، يعود حبيب بالذاكرة الى ماضٍ بعيد قريب، يشتاق الى فنجان قهوة من أيدي سناء، إلى تناول المنقوشة الصباحية برفقتها، يشتاق الى تلك الابتسامة الرقيقة التي كانت تستقبله بها، فهي لم تكن مجرد موظفة لديه، بل كانت بمثابة إبنة له، وكانت على علاقة وثيقة بكل أفراد العائلة، كانت تشتري الهدايا لابنه إيلي، حتى أنها طلبت من زوجة حبيب الحامل آنذاك أن تسمي مولودها إذا كان فتاة «سناء». تأثرت سناء بعملية الشهيد وجدي الصايغ، كانت تتحدث عنه بحماس شديد، وتخبر صديقاتها وأخوتها عنه، وتقول في قرارة نفسها، أنها سوف تقدم على عمل مماثل يتحدث عنه أهلها وأصحابها والعالم بأسره، بكل فخر و بكل اعتزاز. آمنت أن الشعب صاحب حق، وأنه أقوى من كل الصهاينة المغتصبين، فاعتبرت أن الطريق الوحيد لتحقيق النصر والتحرير لا تكون إلا بالمقاومة الباسلة الشريفة، أحبت الجنوب، وتأثرت بالمجازر التي نفذها العدو الصهيوني في الزرارية وجبشيت ودير قانون النهر وغيرها، حاولت تنفيذ عمليتها الاستشهادية أكثر من مرة، إلا أنه كان يطلب منها التراجع لعدة أسباب أمنية. يقول أحد المسؤولين أنه حاول مراراً أن يقنع سناء بالعودة عن تنفيذ العملية الاستشهادية، إلا أن تصميمها وقرارها كانا حاسمين وكانت تقول: «سأنتصر لقضية شعبي في الجنوب، وسأحول معبر باتر جزين إلى معبر للعزة والكرامة». ويضيف المسؤول قائلاً أن الشهيدة سناء طوال الفترة التي قضتها في مركز التدريب وحتى يوم تنفيذ العملية كان يغمرها شعور بأنها خالدة في ضمير شعبها، كانت تعيش حياتها بشكل طبيعي، تستيقظ باكراً وتنطلق إلى التدريب، تعلمت قيادة السيارة خلال خمسة أيام فقط، وتعلمت الرماية بالمسدس والبندقية، أما في أوقات الاستراحة فكانت تضحك وتغني أغنيتها المحبوبة «غابت شمس الحق»، وتردد أقوال الزعيم أنطون سعاده «ان الحياة كلها وقفة عز فقط»، و «ان الدماء التي تجري في عروقنا عينها ليست ملكا لنا، بل هي وديعة الأمة فينا متى طلبتها وجدتها»، و«ان أزكى الشهادات هي شهادة الدم». سناء تتوّج عروساً للجنوب خرجت سناء من منزلها صباح الأحد الواقع في 24 آذار 1985 بحجة شراء طلاء للأظافر، إلا أنها لم تعد إلى حيها في المصيطبة ذاك النهار، وفي المساء بدأ أهلها البحث عنها، فاتصلوا بالأصدقاء والأقارب، ثم بالأحزاب والأجهزة الأمنية، ولكن من دون جدوى، فظنوا أنها ذهبت... للزواج سرّاً. وعند الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الثلاثاء الواقع في 9 نيسان عام 1985 قادت إبنة السبعة عشر ربيعاً سيارة بيجو 504 بيضاء اللون مجهّزة بـ200 كيلوغراما من مادة الـ«ت. ن. ت.» شديدة الانفجار، تعبر السيارة الحاجز المقام في منطقة باتر - جزين في طريقها نحو الجنوب اللبناني، وقد سبق للسيارة أن توقفت وراء الحاجز المقام للعبور نحو الجنوب، ثم انضمت فيما بعد الى طابور طويل من السيارت، وبعد عبورها الحاجز الاول لم تكمل السيارة طريقها، بل سارت ببطء ومن دون ان ينتبه احد من جنود الاحتلال الصهيوني او العملاء لما تقدم عليه سناء، التي كانت تقود السيارة وتتجه بكل عزم واصرار نحو قافلة عسكرية «اسرائيلية» تتحرك في المنطقة، ضمن اجراءات القيادة العسكرية «الاسرائيلية» لإخلاء معدات من مواقعها في القطاع الشرقي من جنوب لبنان، استعدادا لتنفيذ المرحلة الثانية من الانسحاب. وقد لاحظ احد جنود العدو الصهيوني أن السيارة لم تكمل طريقها وفق ما أشار لها احد حراس نقطة التفتيش، فاقترب منها محاولا التدقيق بهوية الفتاة التى كانت تقودها، ولكن سناء كانت اكثر اصرارا وتصميما وسرعة، فانطلقت بسيارتها باتجاه القافلة، واجتازت حاجزا حديديا موضوعا بشكل افقى امام مركز التجمع، وامامه عوائق صغيره متعددة، فأطلق حامية الحاجز الصهيوني رشقات من الرصاص باتجاه السيارةـ لكن اصرار وعزيمة المقاومة الشهيدة كانا اسرع بالوصول الى تجمع القافلة، وضغطت سناء على قابس كان يشكل لحظة العبور، العبور إلى المجد والعز والخلود، فجّرت نفسها، وفجّرت معها رؤوس صهاينة إرهابيين جبناء، سقط منهم ما يقارب الخمسين قتيلاً وجريحاً، وأحرق عدد من الآليات والدبابات، فضلاً عن حالة الهستيريا التي انتشرت في صفوف من تبقى من جنود العدو الذين بدأوا بإطلاق النار عشوائياً. البيان العسكري «الاسرائيلي» الناطق العسكري الاسرائيلي اعترف بالعملية اثناء النشرة الاخبارية التى يذيعها رايو اسرائيل عند الساعة العاشرة النصف ليلا وقال المذيع أن خبرا طارئا قد وصله نقلا عن الناطق العسكري الاسرائيلي يقول: "ان ضابطين من الجيش الاسرائيلي قتلا وان جنديين آخرين اصيبا بجروح من جراء انفجار سيارة مفخخة في نقطة عبور باتر- الشوف في لبنان وان السيارة المفخخة وصلت من الشمال (بيروت) وانفجرت عندما اقترب جنود من حاجز اسرائيلي لتفتيشها». وكالات الانباء ومصادر حزبية في بيروت اجمعت على أن خسائر العدو كانت اكبر وان عشرين جنديا قد قتلوا خلال العملية ودمر عدد من الاليات التى كانت تمر على شكل قافلة من مركز التجمع. بيان جبهة المقاومة الوطنية الساعة الحادية عشر صباحا من يوم الثلاثاء 9/4/1985 قامت احدى مناضلاتنا الرفيقة الشهيدة سناء محيدلي بعملية استشهادية استهدفت تجمعا لقوات العدو على طريق باتر - جزين حيث كانت تتجمع اعداد كبيرة من الشاحنات والدبابات والاليات المجنزرة والعديد من المشاة المنسحبين من تلال الباروك ونيحا وذلك باقتحامها القوة العسكرية للعدو الصهيوني بسيارة بيجو 504 مجهزة ب200 كلغ من مادة ت.ن.ت الشديدة الانفجار. وقد اوقعت العملية خسائر كبيرة في جنود العدو يقدر عددهم بحوالى 50 بين قتيل وجريح، بالاضافة الى اعطاب واحراق عدد من الآليات. وصية سناء وفي مساء ذلك اليوم، بثّت شاشة القناة 7 في بيروت، والتلفزيون العربي السوري، وصية الشهيدة سناء المتلفزة وقالت فيها: «أنا الشهيدة سناء يوسف محيدلي.. عمري 17 سنة.. أنا من جنوب لبنان، المحتل المقهور، من الجنوب المقاوم والثائر، من جنوب المقاومة، من جنوب الشهداء، من جنوب الشيخ راغب حرب، من جنوب عبدالله الجيزي وحسن درويش ونزيه القبرصلي، وبلال فحص، وأخيراً وليس آخراً من جنوب الشهيد البطل وجدي الصايغ. اتخذت هذا القرار من ضمن مجموعة قررت الاستشهاد في سبيل تحرير أرضنا وشعبنا، ولأنني رأيت مأساة شعبي في ظل الاحتلال من قهر وظلم وقتل أطفال، ونساء وشيوخ وتهديم منازل، فقررت عندها القيام بعملية الفداء، وأنا مرتاحة جداً لأنني سأنفذ هذه العملية التي اخترتها أنا، كي أقوم بواجبي نحو أرضي». وتتابع سناء في وصيتها: «إنني أطلب من جميع شابات وشباب بلادي، أن يلحقوا بصفوف المقاومة الوطنية لأنها وحدها قادرة على طرد العدو من أرضنا، وإنني آمل أن أنجح في عمليتي هذه، كي أقتل أكبر عدد ممكن من جنود العدو، فتتعانق روحي مع أرواح كل الشهداء الذين سبقوني، وتتوحد معهم لتشكل متفجرة تنفجر زلزالاً على رؤوس جيش العدو». وتضيف: «إنني أحيي كل المناضلين في جبهة المقاومة الوطنية، وفي أمتي، وعلى رأسهم قائد مسيرة التحرير الرئيس حافظ الأسد، وتحيتي لأهلي وأقاربي الذين أطلب منهم الاستمرار في مسيرة التضحية والفداء، حتى تحرير كامل تراب أرضنا». ولأهلها قالت: «أقول لأمي أن تسامحني وتترحم علي، لأنني ذهبت من دون أن أودعها، وأنت يا أمي علمتني أن أحب، وأن أضحي من أجل بلادي، وها أنا أحب شعبي، وأضحي بحياتي من أجل بلادي. وإلى أبي أقول إنني قد تركت رسالة لك وكل ما أطلبه منك أن تزفني من دون أن تحزن أبداً، وبالعكس، أريد منك أن ترقص لي يا أبي، وأن تقول أنا أبو الشهيدة، فأنا سأنضم إلى تراب الجنوب». أما في الرسالة الخطية التي تركتها الشهيدة سناء لوالدها، فطلبت منهم السماح لأنها خرجت من دون وداعهم، قائلة أنها لم تذهب لتتزوج أو تعيش مع أحد، بل ذهبت للشهادة الشريفة الباسلة السعيدة، وطلبت أن تكون وصيتها، أن يطلق عليها إسم «عروس الجنوب». أصداء العملية الفدائية كان لوقع عملية الشهيدة سناء محيدلي أثر كبير على كافة المستويات القومية والعربية وحتى العالمية منها، فوزعت الأمانة العامة لمنظمة المدن العربية تعميماً لتخليد إسم هذه البطلة القومية، ومما جاء فيه: «تود الأمانة العامة لمنظمة المدن العربية أن تنوه بكل فخر بالعمل البطولي الفذ الذي قامت به المواطنة اللبنانية الشهيدة سناء يوسف محيدلي ضد قوات العدو «الإسرائيلي» الغاصب. لقد أقدمت الشهيدة على عمليتها الجريئة من غير خوف ولا وجل، يعمر قلبها إيمان لا يتزعزع بأن حرية الأوطان أهم من حياة أي فرد من أبنائه». أما الرئيس الراحل حافظ الأسد، فقد أثنى على الشهيدة في كثير من خطاباته، وأطلق اسمها على العديد من الشوارع في المدن الشامية وعلى إحدى القاعات في دار الكتب الوطنية في حلب، كذلك هو الأمر في ليبيا حيث أطلق إسم الشهيد سناء محيدلي على شارع في مصراته، أما في اليمن، فقد أطلق إسم الشهيد سناء محيدلي على حديقة عامة في مدينة القاهرة بمحافة تعز في أواخر عام 2010. أما بيروت فيبدو أنها «اكبر» من ان تحمل شوارعها وساحاتها أسماء شهداء وهبوا دماؤهم ليبقى الوطن، فجاء تكريمهم ورفع لوحات تذكارية بأسمائهم مقتصراً على الأحزاب التي ينتمون لها، واذا كانت بيروت لا تزين شوارعها بأسماء هؤلاء الشهداء فمن يزيّنها؟ أيعقل أن تبقى شوارعنا وساحاتنا حاملة أسماء مستعمرين مرّوا بها أمثال ديغول وكليمنصو وفوش وغيرهم، حتى أسماء أساتذة جامعيين وعلماء أمثال بلس ومونو، ومدام كوري؟! عودة جثمانها وفي عام 2008، وإثر عملية تبادل الاسرى الشهيرة بين المقاومة والعدو، عاد جثمان الشهيدة سناء محيدلي ليعانق تراب الوطن،عشرات الالاف كانوا على الموعد، موعد لقاء سناء من جديد. وفي 26 تموز، إنطلق الموكب من مستشفى الحايك في سن الفيل إلى منطقة الروشة حيث مركز حزب سناء، ومنه باتجاه بلدتها عنقون الجنوبية، حيث أقيمت استقبالات حاشدة في منطقة خلده وعند جسر الدامور وفي مدينة صيدا وفي بلدة الغازية. وكان الإستقبال الكبير في بلدة مغدوشة والذي تحول إلى عرس مشهود، فأهالي البلدة انتظروا سناء، وأجراس الكنائس قرعت تحية لسناء، في حين قررت صبية أن تعلن زفافها احتفاء بعودة سناء فلبست ثوب العرس تحية، وكان في طليعة المستقبلين رئيس البلدية والمخاتير واعضاء المجلس البلدي وفعالياتها. وعند الوصول إلى بلدة عنقون ونثر الارز على سناء وسط الزغاريد، ظهر المشهد الكبير، أنه مشهد يليق بسناء وببطولة سناء، ويليق بحزب سناء، وبعرس الشهادة والحرية، عرس لطالما انتظرته عنقون وكل لبنان، لا بل كل الأمة، وقد شارك فيه العديد من القوى والهيئات والفعاليات، منها ممثلين عن حركة أمل وحزب الله والتنظيم الشعبي الناصري والمناضل سمير القنطار. شهادات في عروس الجنوب العروس التي هزت العالم، وغيّرت عمليتها الفدائية مجرى التاريخ، حظيت بإعجاب العالم أجمع آنذاك، رفقاؤها وأبناء بلادها، وحتى الأعداء والخصوم، جميعهم كتبوا فيها وقالوا عنها الكثير، ونظمت فيها القصائد الكثيرة، ومن أهم الشعراء الذين «غنّوا» سناء، الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم في قصيدة «ورق ورق»، والشاعر السوري عمر الفرا في قصيدة «عروس الجنوب». إسحق شامير وبعد إتمام عمليتها بنجاح، صرّح المسؤول الصهيوني إسحق شامير قائلاً: « لقد تعلمنا في الاكاديميات العسكرية كل ما له علاقة بالامن والعسكر، إلّا أن شيئاً واحداً لم نتعلمه، وهو كيف ندافع عن أنفسنا في مواجهة شباب قرروا أن يموتوا دفاعاً عن أرضهم وكرامتهم». يوسف محيدلي «كان لديها اندفاع كبير نحو الجنوب، وخصوصاً عندما كانت تشاهد المآسي على شاشة التلفزيون، وكانت تتأثر كثيراً، لقد كان طموحها أن تكون مثل جميلة بوحيرد في الجزائر. أنا عندي خمسة أولاد وأتمنى لهم جميعاً أن يسيروا على طريق سناء، وأنا مستعد للتضحية بنفسي وبأولادي تجاه أرضي ووطني. وكما كانت سناء تقول بأنكم ستسمعون عني أخباراً كثيرة. نحن نسمع ونرفع رأسنا اعتزازاً بها. وأنا كوالد سناء، لا يسعني إلا أن أقول إنها مناضلة بحق، ونحن كلنا نفخر بالمقاومة الوطنية الباسلة التي ترفع رأسنا جميعاً. إن سناء غالية لكن الأرض أغلى». الرئيس حافظ الأسد «بوركت جماهير المقاومة اللبنانية البطلة، ولترفع راية الشهداء من أمثال الشيخ راغب حرب ونزيه قبرصلي ووجدي الصايغ وعائدة نصر الله وبلال فحص وعبدالله الجيزي وحسن درويش وغيرهم كثيرون، وأخيراً وليس آخراً الشهيدة البطلة سناء محيدلي، التي ذكر أنها كانت في فرح عرس قبل استشهادها بأيام وكانت على عجلة من أمرها. كانت تستعجل يوم زفافها مع الشهادة إلى أن كان هذا اليوم، يوم الزفاف المجيد. إن الشهداء هم أنبل من في الدنيا وأكرم بني البشر، لقد رأيتم الفتاة الصغيرة الجميلة سناء محيدلي، هذه الفتاة المؤمنة الشابة جابهت العدو بتفجير نفسها، هذه أمثولة رأيتموها وغيرها من بطولات المقاومة الوطنية اللبنانية». الرئيس نبيه بري «تحية للمقاومة اللبنانية والأخوة في الحزب السوري القومي الاجتماعي، بعروس الجنوب، الشهيدة البطلة سناء محيدلي، ليست أول فتاة تسقط في مواجهة «الإسرائيليين» فقد سبقتها العديدات في النهر الخالد، غير أن لسناء عبق بلال والقصير والقبرصلي والصايغ وأبو زينب، وغيرهم وغيرهم ممن تساموا حتى درجة الرمز. الجديد في سناء إنها الرمز الإستشهادية الأولى». وقال فيها:«فرس الموت.. جنوبية المعراج.. زوبعة في باتر.. صهيلك اجتراح البرعم للعود.. والأريج لمكنون الزهر.. بين السماء وسناء خيارك الجنوب.. أرضه السماء والسناء، وفي ترابه عجمة أعواد الهودج». العميد ريمون إده «هي لم تقتل مواطنيها، لم تخرب ولم تدمر بلدها. هي لم تسرق جارها، لم تختلس أموال الدولة، هي لم تتعاون مع العدو المجتاح المحتل، لم تتحرك بدافع من التعصب الديني. هي لم تقتل مسيحياً لأنها كانت مسلمة، ولم تكن لتقتل مسلماً لو أنها كانت مسيحية.مناحيم بيغن، فندق الملك داود- ودير ياسين.. شامير: موين- برنادوت.. شارون: صبرا وشاتيلا.. كلهم سيتذكرون أن فتاة لبنانية في ربيعها السابع عشر اسمها سناء محيدلي، لم تكن إرهابية، هاجمت وحدها الجيش «الاسرائيلي» الذي أباد لبنانيين أبرياء، وأطلق النار على النساء والأطفال المهجرين من قراهم، على مجلس النواب اللبناني أن لا ينسى هذا التصرف البطولي للصبية سناء، وعليه أن يحيي ذكراها وأن يرفع لها تمثالاً ليخلد شجاعتها ووطنيتها». الشيخ حسن خالد «إن ظاهرة الفداء الحقيقية التي تمثلت باستشهاد المناضلة سناء محيدلي، هي ظاهرة رسولية من شأنها أن توقظ كل الضمائر، وتحرك كل القوى، من أجل الانتصار للقضية اللبنانية العادلة، في مواجهة العدو الصهيوني الغاشم، الذي ما زال يعيث في الأرض ويقتل الآمنين». الشيخ نعيم قاسم «الشهيدة سناء هي رمز الفتاة التي ابتعدت عن بهارج الحياة وأقبلت على العطاء، من أجل وطنها وشعبها وقناعاتها، وهذا النموذج يفترض أن يعم في كل واقعنا. نموذج التضحية، نموذج الاهتمامات الكبرى، نموذج مواجهة العدو بالامكانات التي تتوفر لكل إنسان بحسب ظروفه وواقعه». الشيخ عبد الأمير قبلان «نحن نطالب الجميع بوقفة عزيزة كريمة في هذا العرس، وما دام هذا العرس عرساً لكل الوطنيين ولكل المناضلين فعلينا أن نقتدي بسناء، لنكون يداً واحدة وصفاً واحداً، عند ذلك تفرح سناء ويفرح بلال فحص ووجدي الصايغ، وهم في دار السعادة». الشيخ مرسل نصر «الشهيدة سناء محيدلي هي قصة بطولة، قصة فتاة آمنت بعقيدتها، وعاشتها فكراً وممارسة، وعرفت نتيجة تربيتها أن الأوطان تميتها الدموع وتحييها الدماء، فجعلت من نفسها شعلة لتقود الأجيال الطموحة، ولتقود المقاومة في سبيل تحرير الأرض وفي سبيل الحرية». الصحافي طلال سلمان «كانت عنقون ضيعة تائهة في الجنوب، وبعد سناء محيدلي، تمددت عنقون فصارت وطناً، تمددت عنقون فصارت أمة، تمددت عنقون فصارت بمدى ذاكرة الأمة». رباب الصدر «أنا سعيدة بأن أرى في هذه المواقف البطولية الشريفة، كيف تقف المرأة إلى جانب الرجل وتقدم ما تقدر عليه. وأرى أن المرأة في موقع التضحية تفوق الرجل بالتركيبة التي خلقها عليها الله، فالنساء الشهيدات والأسيرات نموذج لهذا المعنى الذي أتحدث عنه. هنيئاً لهن جميعاً، وقد عرفن مسؤولياتهن وقدمن أنفسهن ولا يمكن أن يبتعدن عن ذاكرة التاريخ والأمة، هؤلاء سيكن نماذج للفتيات في الأجيال القادمة، وهن أحياء في أمتهن وعند ربهن، وسناء محيدلي قدوة في ذلك». كلنا في الجنوب.. سناء ربما في تلك اللحظة، لحظة الكبس على قابس الموت، ربما أغمضت سناء عينيها لبرهة قصيرة جداً، ومن المحتمل ان سناء خلال تلك البرهة رأت شريط حياتها يعرض بسرعة أمامها، فرأت نفسها طفلة رضيعة تبكي لحظة الولادة، ورأت نفسها طفلة تلعب في حديقة منزل صغير في عنقون كانت تذكره جيداً، ربما رأت أرجوحة، أو شجرة، أو ساقية صغيرة، ربما تراءت لها مدرستها، صديقاتها، وربما استطاعت أن ترى منزل أهلها في المصيطبة، وإيلي حبيب الذي كانت تشتري له الهدايا، ووالده فؤاد عندما كانت تعمل لديه، وإذا كانت سناء قد رأت كل ذلك في ومضة من العمر، فمن المؤكد أنها رأت يد وجدي الصايغ تتلقفها لترافقه إلى عرس الخلود. حقّقت الشهيدة سناء حلمها، فتناثر لحمها الطاهر ليتوحد مع تراب عشقته حتى الشهادة، وسقت تراب الجنوب بقطرات دم بريء خجول لكنه ثوري الهوى، تفتح شقائق نعمان، تخاطب العالم قائلة: «حمراء أنا كدماء صبية جنوبية، سطّرت بوقفة عز تاريخ أمتها». ستة وعشرون عاماً مضت ومازلت يا سناء عروس الجنوب البهية، مازال طيفك يتنقل في عنقون، في باتر، وفي جزين، وفي المصيطبة، يرفف فوق سماء جنوبنا الحبيب، يلاحق صهاينة مغتصبين. سناء... سيبقى صوتك دوماً يردد صداه: «إن الحياة كلها وقفة عز فقط». هنّوا عروس جنوبنا ورشوا العطور تهنوا بوقفــة عــزها عالجــلجلي ودّوا بعرس الــدم باقــــــات الزهور ولبسّــوها ثوب أبيـض مخمـــلي اللي تمردت حتى ععتمات القبـــــور وروت بدمّا تــراب عـا قلبا غلي صار التراب بدمها الساخن يفــــــور وعا كل شبر تراب يتقمّص بطل ينده بإسمك يا سناء محيدلي
|
||
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه |