إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الأسد يرفض عرضاً حمَله عرب أميركا

ابراهيم الأمين - الأخبار

نسخة للطباعة 2011-05-21

إقرأ ايضاً


سيظل كثيرون يرفضون فكرة أنّ حجم التخطيط الغربي بوجه سوريا صار يتجاوز حجم الاحتجاجات القائمة. صحيح أنّ الاحتجاجات قائمة في قسم كبير منها على يد مواطنين يريدون إحداث تغييرات جوهرية في النظام وإدارة الدولة، وبعضهم يريد تغيير النظام كله، وصحيح أيضاً أن الغرب وإسرائيل ودولاً عربية عملت خلال العقد الأخير بقوة على إسقاط النظام السوري، وصحيح أن الولايات المتحدة ومؤيديها زادوا من ضغوطهم في الفترة الأخيرة استناداً إلى الحركة الاحتجاجية، لكنّ الصحيح أيضاً أن في سوريا، وفي العالم العربي وفي العالم من يستعجل إنهاك النظام وإجباره على الاختيار بين حلّين: إما السقوط بضغط من الشارع، وإما السير في الإملاءات الأميركية. وبالطبع فإن هذه الإملاءات سوف تلتف شكلاً إلى بعض العناصر الإصلاحية، لكنها تستهدف ما تصر عليه الولايات المتحدة منذ زمن بعيد، وهو أن تسير سوريا في نفس الخط الذي تديره الولايات المتحدة، سواء في ما خص الصراع مع إسرائيل، أو الحملة على إيران.

وبهذا المعنى، فإن على المتابع، أو على من يجد نفسه في موقع المعني، والمدافع عن حق الشعب السوري في التغيير، أن يضع في الحسبان الحركة الأميركية والغربية والعربية الحليفة لأميركا، وأن يدقّق ولو قليلاً، في نوع الرسائل التي سعى موفدون، مباشرةً، أو بالواسطة، إلى نقلها الى القيادة السورية خلال الشهرين الماضيين، لأن في ذلك ما يوفر أرضية لمقاربة مختلفة لما يجري في سوريا.

اليوم، يمكن القول بوضوح، إن مجموعة الواقعيّين من أركان النظام في سوريا، يعرفون جيداً أنه لا مجال لبقاء الأمور على ما كانت عليه، وثمة نقاش صاخب، وإن ظل صامتاً بالنسبة إلى الخارج، بشأن ما يجب فعله، وثمة معركة حقيقية حول هذا الأمر. هذا لا يعني أنّ هناك أكثر من قرار في سوريا، بل يعني أساساً، أنه برز إلى السطح، فريق جدي، قوي، واقعي يدرك أنه لا بد من إطلاق ورشة إصلاحات عميقة لمنع الانفجار، أو لمنع سقوط الهيكل على الجميع. وهذه المجموعة، التي تتصرف على أساس تراجع الدور التخريبي بمعناه الأمني والسياسي، تتصرف أيضاً على أساس أن الحركة الاحتجاجية سوف تتواصل، وسوف يمر وقت غير قصير قبل أن يعود الهدوء العام إلى البلاد، وأنّ السباق مستمر بين الإصلاحات ومشروع إدخال سوريا في الفتنة.

وإذا كان هناك من يرى قيمة فعلية لموقف سوريا من الصراع مع إسرائيل، فعليه أن يدرك أن حماية هذا الموقع تتطلب في مكان ما، دفع المحتجين إلى إبراز القضية الوطنية، ليس من خلال لافتات، ولا من خلال بيانات على طريقة 14 آذار ورغبتها الدائمة في الإشارة الى العدو، عند الحديث عن إسرائيل، بينما تُستنفَر كل قواعد هذا الفريق وقواه رفضاً لمجرد تنفيذ أبناء المخيمات الفلسطينية مسيرة الى الحدود لتذكّر بلدهم في ذكرى اغتصاب فلسطين، وبالتالي، يصبح مشروعاً السؤال: أيّ بوصلة يريدها الثوريون العرب ليس في سوريا فقط، بل في كل العالم العربي... والسؤال الآن موجّه إلى مصر أولاً: إذا كانت الجماهير لم تسر نحو فلسطين في ذكرى النكبة بحجة أو بغيرها، فهل يكون هناك مجال لجمعة رفض الوصاية والتدخل الأجنبي رداً على خطاب باراك أوباما، العائد الى أولى سنوات جورج بوش وكونداليزا رايس؟

بهذا المعنى، يمكن فهم طبيعة الضغوط القائمة الآن في سوريا، وهي ضغوط تفرض على النظام هناك سياسات ومواقف، وهي لا تبرّر له تحت أي ظرف، اللجوء الى مزيد من القمع للاحتجاجات التي تنفّذها مجموعات تريد التغيير، علماً أنّ هذه الضغوط تستهدف، بحسب معلومات مصادر ليست بعيدة عن المناخ الأميركي، تحقيق أشياء كثيرة، نُقلت الى سوريا أخيراً ومنها:

ـ إجبار الرئيس بشار الأسد على الخضوع للمشروع الأميركي، من خلال المبادرة إلى خطوات عملية تتضمن حل الحزب الحاكم والتخلص من كل الشخصيات التي قرر الغرب معاقبتهم، والعمل على سحب قوات الجيش من الشارع، والمسارعة الى إرضاء الجمهور بخطوات إصلاحية في مجالي الأحزاب والإعلام.

ـ إطلاق عملية استدارة سياسية من خلال الدخول في مفاوضات مباشرة ومكثفة مع إسرائيل، تنتهي سريعاً الى توقيع اتفاقية سلام ضمن مدى زمني لا يتعدى الأشهر القليلة، على أن يضمن الغرب إلزام إسرائيل التخلي عن الجولان ضمن شروط معينة، وأن يكون الغرب قد أتاح للأسد حجة للتخلي عن تحالفه مع حزب الله وحماس، في ما خص موضوع المقاومة، وقطع هذا الشق من العلاقة مع إيران.

ـ وفي المقابل، فإن ملوك ورؤساء معظم الدول العربية الحليفة للغرب، والدول الأوروبية والولايات المتحدة، سوف يقدّمون مساعدات مالية تفوق العشرين مليار دولار، تمكّن الأسد من إطلاق عملية تنمية واسعة، وتتيح له أيضاً التخلص من كل العلاقة مع إيران، على أساس أن الأخيرة توفر له دعماً اقتصادياً.

بالطبع، لا حاجة إلى الإشارة إلى أن الأسد رفض هذه العروض، وهو رفض حتى مبدأ أن يناقشه الآخرون من الخارج في الملف الداخلي من زاوية الوسيط، وهو قال لموفدين عرب، إن إيران وقوى المقاومة هي الحليف الثابت له، وهذا ما أظهرته التجربة، وإنه يريد المضيّ في عملية إصلاحية، لكن وفق برنامجه هو.

كل ذلك يقود مرة جديدة، الى البحث عن صيغة تجعل دعم مطالب الشعب بالتغيير لا تقع فريسة النهم الأميركي للاستيلاء على الأنظمة، وعلى أحلام الشعوب أيضاً.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024