إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

سكنه الحزبُ، فأوسَعَ له الصدر

ربيع الدبس - البناء

نسخة للطباعة 2011-06-14

إقرأ ايضاً


قلما وجدتُ الرئيس أسعد حردان ـ وهو المعروف بأعصابه الفولاذية ـ متألماً على راحل، كما تألم على رحيل رفيقه ومستشاره وأحد أحبائه الأمين جمال فاخوري. وقد كَتَمَ مشاعره ساعات صعبة حتى باح ببعض أمام عائلة الفقيد، سواء في منزل «أبي سلام» أو في مركز الحزب: «جمال حاضر بيننا، متواصل معنا بمحبته وقلقه ووجدانه، انه المتفاعل مع الشريحة الأكبر من رفقائه».

رمزاً مشرقاً كان العميد جمال.. دمثاً ولائقاً ومعطاء. في المدى القانوني كانت له صولات وجولات، في التحليل السياسي كانت له آفاق، في العقيدة كان متعمقاً، وبالقلم الرفيع حبّرَ صفحاتٍ وخطَّ بلاغات.. في الاذاعة والإعلام والقضاء والخارجية تألّق عميداً، وفي المجلس الوطني للإعلام فرض حضوره ومنطقه الوطني، وفي باحات قصر العدل احترم الزملاءَ واحترموه، حتى اولئك الذين خاصموه سياسياً، وأحيانا طائفياً أو مهنياً.

كان الرجل ذا وفاء جمّ ونكتة حاضرة، سريع البديهة، لمّاح الخاطرة، لاذع النقد متى ارتأى توجيه النقد المحِب، لعل الصدمة الايجابية تنفع الذين تقدّمت الذات الكبرى لديهم على الذات الصغرى، فتقبّلوا المكاشفة النصوح ولو مريرة.

أبا سلام

سيفتقدك النجل الكبير الذي كُنّيتَ باسمه. ستفتقدك ريما وكارول وكارين وفؤاد وسامي حتى نخاع العظم.. سيفتقدك رفقاؤك وزملاؤك وأصدقاؤك وعارفوك ومحبوك الكثُر. ستفتقدك صور ورأس النبع وكليمنصو ومطارح الجمال النفسي الذي انطوت عليه سريرتك، يا معدن المناضل المزاوِج بين العلم والأدب والثقافة والفعل الكفاحي.

أيقن هذا القياديّ في حزب النهضة أنه مدعوّ الى أن يتجلّى، أي أن يكون فقط كتلة من نور. ولهذا كان أحياناً شديدا. العمل النهضوي يستلزم الشدة بسبب التعليم وجدية القضية. لا نستطيع مسايرة الذي يخطئ خصوصاً اذا كان الخطأ خطيئة ومكررة. المسؤول شديد في التعليم، وفي النموذج الافتراضي الذي يجب أن يعايره، لكنّ في المحاسبة بعداً تربوياً، إذ اننا نحضن الناس مثل الأم الرؤوم. ولعل الله قد وهب «جمالاً» أن يكون دقيقاً في التعلم ولطيفاً في المعاملة حتى عندما يقسو، ولذا أحبه السواد الأعظم من عارفيه.

في عيدها الأول، كانت «البناء» اليومية مع إطلالتك مهنئاً معنياً وخطيباً مركزياً، لكنها بُعَيْدَ عيدها الثاني يعتصرها الألم لأنك كنت في المستشفى تصارع المرض والقدر القاسي قبل أن ينطفئ الزيت الذي ملأ نفسك بالنور واللهب الخلاق. وها نحن، في الحزب الذي أعطيته حياتك الصاخبة المنتجة، وفي «البناء» التي أثلج صدرَك صدورُها والاستمرار، نُكْبِر فيك حفاظك على الحزب ـ الوديعة والحزب ـ القضية، يا أميناً بَرَّ باليمين وظل وجدانه حياً حتى الرمق الأخير.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024