إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

مبادرتان عربيتان للسلام: الأولى عمرها 8 سنوات والثانية عمرها 8 أيام

نضال حمد

نسخة للطباعة 2011-11-11

إقرأ ايضاً


القمة العربية سنة 2003 تبن الحكام العرب مبادرة السلام العربية التي تخلت عمليا عن حق الشعب العربي الفلسطيني بالعودة الى فلسطين المحتلة ، وقبلت كذلك بالتخلي عن ارض الشعب الفلسطيني والقبول بدولة على حدود 1967 لتعيش بجوار وسلام مع كيان الاحتلال الصهيوني. وجاء فيها أيضا انه في حال موافقة الكيان الصهيوني على المبادرة فان جميع الدول العربية ستقيم علاقات دبلوماسية كاملة مع الكيان الصهيوني ، وتعيش الى جانبه بسلام . ورغم كل هذا الإذلال والاستسلام والخنوع الرسمي العربي والتنازل عن لاءات قمة الخرطوم التي قالت لا صلح لا تفاوض لا اعتراف. إلا أن الكيان الصهيوني رفض المبادرة رفضا قاطعاً. وكذلك وضعتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة على الرف وفعلت الشيء نفسه حكومات الأذناب في الاتحاد الأوروبي والعالم الغربي.

عمر المبادرة العربية لحل الصراع في الشرق الأوسط والانتهاء من القضية الفلسطينية أصبح 8 أعوام بينما عمر المبادرة العربية لحل الأزمة السورية أصبح 8 أيام. لم نسمع طيلة السنوات الثمانية من وزراء الخارجية الأمريكية أو وزراء خارجية الدول الأوروبية ، ولا وزراء خارجية الجامعة العربية وحلفاءهم في دول الناتو ،التي دمرت ليبيا وساعدت في إعادة البلد خمسون عاما الى الوراء بعدما ساهمت مساهمة فعالة وأساسية في القضاء على حياة عشرات آلاف الليبيين باسم السلام ومحاربة الدكتاتور معمر القذافي. لم نسمع منهم أي استنكار وإدانة لعدم قبول الكيان الصهيوني بالمبادرة العربية ، التي ترتكز في معظم ما جاء فيها على قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. بينما في الموضوع السوري ومبادرة الجامعة العربية بهذا الخصوص، سارعت أبواق الحكومات الغربية والإدارة الأمريكية وبعض الدول العربية، بالإضافة لمنظمات حقوقية عالمية الى إدانة سوريا والنظام السوري ، والى اتهامه بعدم الالتزام بالمبادرة وتحميله مسؤولية استمرار سقوط ضحايا في حمص. ولم يتحدث أي من هؤلاء عن الجماعات المسلحة التي تحتل أحياء كاملة في حمص وتمارس ما يحلو لها هناك كما وتقتل مدنيين وعسكريين.

رئيس وزراء قطر العظمى وبالتنسيق مع وزيرة الخارجية الأمريكية سارع الى تحميل النظام السوري مسؤولية خرق المبادرة. كما عاجلت الإدارة الأمريكية الى الطلب من المسلحين في سوريا عدم الوثوق بالنظام ، ونصحتهم برفض تسليم أسلحتهم وعدم الانصياع أو القبول بالعرض والعفو الذي تقدمت به الحكومة السورية. وهذا تدخل فاضح في شؤون سوريا. كما واشترط الأمريكان ومعهم بعض الدمى السياسية المعارضة التي أوجدتها فرنسا ساركوزي وصنعها اردوغان الى رفض المبادرة ، والمطالبة بتنحي الرئيس السوري بشار الأسد وإسقاط النظام. طبعا هذه الشروط التعجيزية كانت لازمة وضرورية لدفن وقبر المبادرة العربية وأية مبادرات أخرى تهدف الى إنقاذ السوريين من الخطط والمؤامرات التي أعدت لبلدهم .

الحكومة السورية من جهتها تعي حجم المؤامرة التي تتعرض لها ، وتعرف الجهات التي تقف وراءها ، وكذلك الذين يقفون وراء تلك الجهات . فتلك الجهات مرتبطة بمشروع الشرق الأوسط الجديد، أو مشروع سايكس بيكو الجديد ، الذي يريد تقسيم العالم العربي هذه المرة الى دويلات مذهبية وطائفية . فسايكس بيكو القديم قسم الوطن العربي الى دول أما سايكس بيكو الجديد فسوف يقسم هذه الدول الى دويلات. مما يسهل ويسرع في عملية تثبيت يهودية الدولة الصهيونية في فلسطين المحتلة. وتستخدم في تلك المهمة جماعات اسلامية متطرفة وأخرى مسلحة تقوم بعملية تخريب النسيج الوطني السوري. هذه الجهات صارت معروفة لكل الناس. طبعا هناك من ضمنها دول وحكومات وأحزاب ومنظمات وحركات ومشايخ وأئمة وإمارات ومشيخات. وهناك دور أساسي لوسائل إعلامية مثل فضائيتي الجزيرة والعربية ، وتلفزيونات أخرى محلية وعالمية، يبدو أنها بالفعل أسست لتصل الى هدفها الحقيقي ، الهدف الذي أعد لمثل هذه الأيام ولمثل هذه الأزمات ، التي تصنع الفضائيات نفسها جزءا كبيرا منها ومن أحداثها ، وذلك عبر خلق الأخبار والفتن والمشاكل واصطناع الأمكنة. وكذلك عبر فبركة وتزوير أخبار أخرى تتفق مع ما أوكلت اليها من مهام. ثم تستضيف بعض المحللين السياسيين والعسكريين فيقوم هؤلاء برش البهارات عليها خدمة للمشروع نفسه.

من حق سوريا أن تدافع عن نفسها بكل قوة. لكن أيضا على سوريا أن تسارع في تطبيق الإصلاحات التي وعدت بها كي تغلق أيضا كافة الطرق على القوى المعادية سواء الداخلية أو الخارجية. وعليها التفاهم مع المعارضة الوطنية وقوى الشعب الحريصة على وحدة البلاد ، والرافضة لأي تدخل خارجي في سوريا. خاصة ان هذه القوى الوطنية المحترمة تقف على نقيض المجلس الذي يقوده برهان غليون ، وكلنا أصبحنا نعلم أن المجلس الانتقالي أسسته فرنسا وتركيا بمساعدة قطر والولايات المتحدة الأمريكية والصهيوني الفرنسي برنار ليفي الذي يقول عن العرب أنهم قوم متوحشون ومتخلفون.

ليفي هو منظر لما يسمى بالثورة السورية وعراب مؤتمرها الذي عقد في باريس ... وظهر ليفي مع وزيرة الخارجية الصهيونية في برنامج تلفزيوني لينظر فيه عن أقصر الطرق لإسقاط النظام السوري .... وليفي هذا امتدح الجيش الصهيوني بعد مجازر غزة وحرق المدنيين الفلسطينيين هناك بالفسفور الأبيض.

يقول رامي زريق في الاخبار اللبنانية : هل هناك من بين مَن يهتم بالسياسة ومن ينتصر لقضية العرب وفلسطين ولا يعرف برنار هنري ليفي؟ لمن لا يعرفه، هو أحد «الفلاسفة الجدد» الفرنسيين، وربما أبرزهم. معروف بمواقفه الشديدة العداء للعرب والمسلمين، إلا الذين يطأطئون رؤوسهم أمام السيد «الأبيض» ويفرغون أنفسهم من ثقافتهم ويرتدون أقنعة بيضاء تخفي وجوههم السمراء. وليفي هذا من أشرس المدافعين عن "إسرائيل"، وهو أول من دخل إلى جنين الشهيدة محمولاً على ظهر دبابة صهيونية ليبدي إعجابه بتفوق الجيش "الإسرائيلي" في التطهير العرقي والإبادة الجماعية. هو عماد الأساس في حملات تبييض سمعة "إسرائيل". يقدم النصائح وينسق المهرجانات الخطابية ويدلي بالتصاريح وينشر المقالات البروباغندية المفذلكة. وقد اتّهم بالارتكاز على وقائع خاطئة وحتى بسرقة أفكار كتاب آخرين، وقد فُضح مراراً في الإعلام الفرنسي. وهناك ادعاءات بأنه يؤدي دوراً مهماً في التواصل بين سياسيين ومثقفين وأثرياء فرنسيين مع الموساد "الإسرائيلي". هذا هو الرجل الذي تبنى «تحرير» سوريا ودعا إلى مؤتمر دعم المعارضة السورية في عاصمتها باريس. ورغم اعتذار عدد كبير من المدعوين وإصدار بعض المثقفين بياناً متواضعاً لإدانة المؤتمر، هناك من توجه إلى باريس وجلس واستمع وصفق للصهاينة، وهم يمهدون لتفتيت سوريا ولإغراقها بالدماء باسم «الحرية و الديموقراطية». هؤلاء، ومنهم من ينحدر من «عائلات كبرى» ويعدّون أنفسهم من النبلاء، وسوريا إرث لهم ولعائلاتهم. ومنهم من يمثّل الإخوان المسلمين السوريين".

يقول برهان غليون رئيس المجلس الانتقالي والذي انتقل الى المعسكر الآخر : "مسعانا الوحيد حاليا لحماية المدنيين هو التواصل مع الأمم المتحدة". طبعا غليون يعرف جيدا ما معنى كلامه هذا ، انه تمهيد للتدخل الغربي في سوريا عسكريا. حيث يبدأ ذلك بمحاصرة سوريا وتشديد العقوبات الاقتصادية والسياسية على النظام السوري بموافقة وتأييد جامعة الدول العربية التي سبق لها ومهدت الطريق لتدمير العراق ثم ليبيا وتسليمهما للفرنسيين وللأمريكان. كل هذا يحدث بتحريض أمريكي واضح ، كأننا أمام التجربة العراقية من جديد.هكذا حاربوا النظام العراقي والرئيس صدام حسين. وبنفس الطريقة اسقطوا حكم القذافي ودمروا ليبيا. وعلى نفس النهج يسيرون نحو تدمير سوريا. لكن يخطأ كثيرا من يظن أن الدروب في سوريا ستكون معبدة بالورود والأزهار. فدروب سورية تؤدي الى كل الاتجاهات العربية والإقليمية. وسوريا هي العمق الاستراتيجي لكل من الفلسطينيين واللبنانيين. وهي حليف استراتيجي لإيران. لذا سوف لن تجد سوريا نفسها وحيدة في مواجهة هذا المشروع الأمريكي الصهيوني. وقد سبق وكتبنا بداية الأزمة السورية ان من لم يتعلم من درس العراق ليس منا.ونعيد ونكرر ونضيف الآن أن الذين لم يتعلموا من درسي العراق وليبيا سوف لن يتعلموا أبدا. أما من يقف اليوم ضد سوريا فهو كمن يقف ضد فلسطين وقضيتها ومع المشاريع الأمريكية التي تريد رسم عالم عربي صهيوأمريكي وشرق أوسطي جديد بإمرة الكيان الصهيوني.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024