إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

هل انفجر الصراع على خلافة اردوغان اثر مرضه ؟

سومر سلطان - عربي برس

نسخة للطباعة 2011-12-11

رغم التعتيم المقصود فإن علائم على خلافات موجودة، ونوع من التوتر، في العلاقة بين رجب طيب أردوغان وعبد الله غول، بدأت تظهر إلى العلن. وهذا أمر شديد الأهمية من حيث دلائله على حركة، وربما تصادم، التيارات القاعية ضمن القاعدة الشعبية لحزب العدالة والتنمية الحاكم؛ عبد الله غول قريب إلى التيارات الدينية التي مارست السياسة طويلاً تحت مظلة أحزاب علمانية يمينية (حزب الحركة القومية، حزب العدالة المندثر (غير حزب العدالة الحالي) حزب الوطن الأم...) أما رجب طيب أردوغان فهو رجل التيارات الدينية التي مارست السياسة تحت يافطة إسلامية صريحة (حزب السلامة الملي، حزب الرفاه، حزب الفضيلة...)

الثنائي أردوغان – غول يذكر بالثنائي بوتين – ميدفيديف الذين تبادلا، وما يزالان، موقعي رئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية. أما أردوغان فعندما كان ممنوعاً من ممارسة العمل السياسي تولى غول رئاسة الوزراء في أول حكومة يشكلها حزب العدالة والتنمية، وعندما أجري التعديل القانوني الذي سمح له بالعودة للسياسة تولى غول وزارة الخارجية مفسحاً لأردوغان منصب رئاسة الوزراء، ثم غدا غول رئيساً للجمهورية. ومن المنتظر أن يعيدا تبادل المناصب عند الانتخابات الرئاسية عام 2014 ليصبح أردوغان رئيس جمهورية ويعود غول لرئاسة الوزراء. وحتى أن إحدى وثائق ويكيليكس تحدثت عن مشروع لتزويج أحد أبناء أردوغان بنت غول.

ما ظهر للعلن هو خلاف على خلفية مشروع قانون مكافحة التلاعب بنتائج المباريات، حيث انفجرت قبل مدة فضيحة تلاعب تورط فيها عدد كبير من الرياضيين والإداريين على رأسهم رئيس نادي فنربخشة أحد أكبر أندية تركيا بكرة القدم. ورغم ما يبدو للوهلة الأولى من قلة أهمية لهذا الموضوع بالذات من الناحية السياسية فإننا سنعمل على دراسة الخلاف: هل هو خلاف عارض؟ هل سورية هي أحد بنود الخلاف؟ هل له علاقة بالوضع الصحي لأردوغان؛ أي هل نحن أمام معركة خلافة؟ هل هي بدايات تشكيل معارضة داخلية في حزب العدالة بعدما منعت طويلاً من قبل أردوغان؟ هل لذلك علاقة بالتوتر الحالي مع جماعة فتح الله غولن؟ هل صدفة أن أردوغان منذ مدة قصيرة قد انكسر أمام الجيش بطريقة مهينة، وإن كانت غير معلنة، فتراجع عن قرار الرقابة على مصاريف الجيش الذي اتخذه أوائل العام الحالي؟ إن وضع أردوغان الصحي، الذي لم يسمح بابقاء الخلاف بعيداً عن وسائل الإعلام، منح الباحثين فرصة حقيقية لفهم حقيقة الوضع خلف الأبواب الموصدة.

عبد الله غول في لعبة الحمائم والصقور يلعب دور الحمامة، إنه بتصريحاته ليبرالي، وهو انتقد إعلامياً كثيراً من الممارسات والمواضيع التي يسأل عنها حزبه وصديقه أردوغان بشكل رئيس. لكنه لم يعمد أي مرة لاستخدام صلاحياته الدستورية لمحاولة تحسين الظروف السيئة التي يعرب عن "انزعاجه" منها. هذه المرة قام باستخدام صلاحية رفض التوقيع على مشروع القانون، الذي أقره مجلس الشعب، وأعاده للمجلس لإعادة دراسته. وبحسب العرف الدستوري التركي يمكن للمجلس أن يرفض التعديل ويعيد توجيهه للرئيس الذي يضطر عندها لاصدار القانون كما هو. ويمكن للرئيس، إن أراد، أن يقر بالهزيمة وينسحب أو يطعن بالقانون أمام المحكمة الدستورية، وهو ما فعله مراراً وتكراراً الرئيس السابق أحمد نجدت سيزر الذي كان علمانياً متشدداً وقتالياً في أسلوبه. طبعاً من المستبعد أن يلجأ غول لهذا الحل.

الرد على التصعيد كان تصعيداً أيضاً، خرج ناطق باسم كتلة حزب العدالة النيابية هو مصطفى إيليتاش داعياً أحزاب المعارضة للوقوف خلف القانون لإعادته للرئيس والزامه باصداره دون تعديل. وناطق آخر، اسمه نور الدين جانيكلي، صرح قائلاً: «كتلة حزب العدالة والتنمية ترى ضرورة إعادة مشروع القانون للقصر الجمهوري كما هو. ولم يحدث أي تغيير في التوافق الموجود. كتلتنا ما زالت على توافقها مع كتلتي حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية»

ظهرت أيضاً تصريحات، ولو كانت قليلة، لتأييد غول. وقادها بولنت أرنتش الذي سنتناول شخصيته بشيء من التفصيل لاحقاً. كما ظهر الوسطيون الذين يحاولون ايجاد حلول وسطية للخلاف، خاصة أن أردوغان بما يمثله من وزن تاريخي غير قادر، بسبب وضعه الصحي، على حل الخلاف بعيداً عن وسائل الإعلام. فالمشروع المطروح كان يقترح تخفيض مدة عقوبة المتورطين بالتلاعب بنتائج المباريات من 5 – 12 عاماً إلى 1 – 3 أعوام فاقترح الوسطيون التخفيض إلى 3 – 5 أعوام مثلاً. وعلى الأغلب سيتم تأخير ملف مشروع القانون في لجنة القوانين النيابية بانتظار حل الموضوع على مستوى القمة بين القطبين أردوغان – غول. وهو ما لا يمانعه حتى صقور التصعيد من الطرفين.

من المرجح كما قلنا سابقاً أن يتبادل الرجلان منصبيهما عام 2014. وإذا انتقل أردوغان إلى رئاسة الجمهورية، وهو ما يتطلب بحسب الدستور استقالته من حزبه، فستنشأ ضرورة تواجد شخصية كاريزمية تحافظ على وحدة الحزب. ونذكر هنا ما أوردته صحيفة جمهورييت عن قيام مؤسسة أمريكية باجراء استقصاء يظهر أن 48% من ناخبي الحزب لن يستمروا بذلك إذا لم يستمر أردوغان شخصياً بقيادة الحزب. الوضع إذاً حساس ويجب ايجاد صيغة تتيح لأردوغان مزاولة القيادة بالتحكم عن بعد عندما يكون في موقع رئاسة الجمهورية، وهو ما يتطلب بالضرورة تدخل شخصيتين لهما وزنهما هما عبد الله غول وبولنت أرنتش. والبعض يرى استبدال كلمة الثنائي أردوغان – غول بالثلاثي أردوغان – غول – أرنتش.

بولنت أرنتش هو ابن البيئة التي ناصرت اليسار تقليدياً؛ فعائلته علمانية ليس فيها إسلاميون، ووالده صف ضابط، ونشأ في أحد مجمعات السكن المخصصة للعسكريين، وعدد من أصدقائه دخل السجن نهاية الستينات بسبب انضوائه في صفوف اليسار الذي كان يعيش صعوداً في تركيا والعالم، ولم يدرس في كلية الشريعة أو الثانوية الشرعية بل درس الحقوق على يد أساتذة علمانيين معروفين. أرنتش، وبشكل بالغ الغرابة، لم يصبح يسارياً، بل أدخل إلى حزب السلامة الملي من قبل أربكان الذي ردد أنه يعتبره بمثابة ابنه. وفيما بعد تخلى أرنتش عمن يعتبره بمثابة ابنه لينضم إلى الحركة الانفصالية بقيادة غول وأردوغان، ويصبح أحد مؤسسي الحزب الوليد حزب العدالة والتنمية.

أرنتش هذا تدخل لصالح غول في القضية، ولكنه فوقها صرح من بورصة تصريحاً شديد الأهمية، فقال: «أنا رجل لم أبايع أردوغان يوماً» خلفيته تجعل من الصعب أن نقول أنه يلعب دوراً في التوتر الموجود مع جماعة فتح الله غولن، فلا يعرف له أية علاقة معهم من نوع الانتماء أو المصاهرة أو الخؤولة أو الشراكة التجارية أو ما شابه. بل إن شامل طيار أحد الحزبيين المحسوبين على غولن مباشرة كان قد هاجمه على خلفية اعرابه عن "انزعاجه" من مدد الاعتقال الطويلة قيد التحقيق. ولذا يمكن فهم تصريحه إما من باب المعارضة الداخلية ضمن الحزب الواحد أو من باب موضوع الخلافة على خلفية الوضع الصحي لأردوغان أو كلا الأمرين معاً.

لم يكشف بعد عن طبيعة العارض الصحي الذي يعاني منه أردوغان؛ هل هو فعلاً سرطان بالدماغ؟ وهل بات المجال متاحاً أمام الحديث عن ترتيبات الخلافة؟ هل لذلك علاقة بزيارة بايدن، وهو أول أجنبي يعود رئيس الوزراء قبل أن يعوده حمد بن خليفة فيما بعد؟ لن نتمكن من حسم الموضوع. ولن يكون أمامنا إلا الترقب. يمكن القول مبدئياً أن تحالف غول مع أرنتش هو ما سيحسم الخلاف على قيادة ما يتبقى عندها من حزب العدالة.

إن كان من علاقة ما للخلاف بالوضع في سورية، فأرنتش سيكون أحد مناهضي التصعيد، وخاصة إذا تذكرنا أنه كان على رأس معارضي دخول تركيا في تحالف الحرب على العراق عندما طرح أردوغان الموضوع على مجلس الشعب. أرنتش مع غول يحملان في داخلهما مرارة ناجمة عن السياسة الأردوغانية الفردية التي همشتهما وأزاحتهما عن السياسة الخارجية لصالح شخص ليس له دور تاريخي في مسيرة حزب العدالة، وخاصة مرحلة ما قبل التأسيس التي كان فيها شيء من النضال والايثار والتضحية. هذا الشخص هو الأستاذ الجامعي أحمد داوود أوغلو الآتي بنظرية غير واقعية هي "تصفير المشاكل مع الجيران" لكن له ميزة لا يتمتعان بها وهي تماهيه الكامل مع سياسة معلمه الذي جاء به رغم كل تقلباته. وسنتحدث لاحقاً عن السياسة الفردية التوتاليتارية لأردوغان التي بدأت قواعد الحزب بالتذمر منها.

بنفس الوقت تراجع أردوغان منكسراً أمام الجيش في موضوع الرقابة على مصاريف المؤسسة العسكرية، فتم التخلي عن القرار بعد مرور حوالي عشرة أشهر على اتخاذه. وهو ليس التراجع الوحيد بل أيضاً تم اعفاء بضعة من كبار ضباط الأمن الأصوليين ونقلهم لوظائف أشبه بالعزل رغم أنهم كانوا وراء القضايا والاعتقالات التي اتخذتها الحكومة كوسيلة تصفية للخصوم. وفوقها لم يبقى منها إلا قضيتان رئيسيتان قيد النشاط هما قضية الصحافة اليسارية المعارضة وقضية اتحاد المنظمات الكردستانية؛ أي العدوَّان المشتركان للعسكر والإسلاميين على حد سواء. هنا يمكن القول أن موقفي غول – أرنتش جاءا على خلفية الضعف الذي تعاني منه القيادة الأردوغانية سياسياً (وشعبياً بعد الموقف ضد سورية) وأنهما رأيا فيها فرصة لتعويض احساس المرارة الذي عانيا منه. وربما هما الآن يقولان خلف الأبواب: "قلنا ألا تفعلوا ذلك"

جماعة فتح الله غولن، وببراغماتيتها المعروفة، توترت علاقاتها مع أردوغان أيضاً، خاصة وأنها المتضرر الأول من اجراءات نقل ضباط الأمن الذين كانوا محسوبين عليها. هل أردوغان يذهب إذاً ضحية الشد والجذب بين الجيش العلماني والأصولية المتمثلة بالطريقة النورانية وقائدها الخوجه أفندي فتح الله غولن؟ جوابي هو: نعم جزئياً. جزئياً لأنني لا أرى حالياً امكانية لحدوث شرخ كبير بين أردوغان ممثل الدرغاه الغوموشهانوي من الطريقة النقشبندية الخالدية والطريقة النورانية.

صحيفة زمان الناطقة باسم غولن نشرت أكثر من افتتاحية ومقالة تنتقد بأسلوب التلميح "غرور وتكبر وفردية" أردوغان. فمثلاً الصحافي علي أونال كتب "ثلاث ملاحظات على مرحلة المعلمية" (مُعلِّميَّة من معلم) قال فيها ملمحاً إلى أردوغان: «الغرور والتكبر، هذه الخطايا والذنوب هي كالعقرب في حضن الإنسان» وصحافي آخر من نفس الصحيفة، هو بولنت قوروجو، كتب مقالاً عنوانه "حزب الشعب وحزب العدالة في وضع صعب": «حكم حزب العدالة المتفرد بالسلطة أغلق الأبواب أمام المعارضة الداخلية. وهكذا لم يعد بامكان أي حزبي أن يواجه مثل هذه الزعامة القوية والضاغطة ليقول أننا نخطئ... لا يريد أحد أن يكون ذلك "الإنسان السيء" الذي ينذر باقتراب السفينة من جبل الجليد. البعض يتعمد الصمت ويفرك يديه متحضراً لمشاهدة الارتطام المحتمل»

على عكس أرنتش يمكن لغول، عبر بعض روابطه العائلية، أن يقيم علاقة قوية مع الطريقة النورانية إلا أنه من المستبعد ذهاب الأمور لدرجة الانقسام، حالياً على الأقل. خاصة وأنه لا يوجد بديل حقيقي قادر إلا اليسار العدو. ولكن المتوقع هو استمرار التوتر لنشهد مرحلة من ضعف القيادة الأردوغانية التاريخية. سيكون الذكي من يستفيد منها، ليس بطريقة الابتزاز التي تقوم بها جماعة غولن، بل بطريقة ايجاد البرامج والحلول للمشاكل التي وقع أردوغان ضحية العجز عن حلها، وعلى رأسها العداوة المستجدة مع سورية واغلاق باب الشرق الأوسط من قبلها، والمشكل الاجتماعي بعد مرحلة الخصخصة المتوحشة لحزب العدالة.

نفهم من التحليل إذن أن أردوغان يقاتل على أربع جبهات: داخلية عبارة عن غول وأرنتش وأنصارهما، وليس له الآن أن يعمد إلى معاقبتهما كما فعل مع عبد اللطيف شنر المطرود من صفوف الحزب، والذي تذكر الآن أن لحزبه علاقات واسعة جداً ومشبوهة مع اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة. الجبهة الثانية هي العسكر الذين تمكنوا من لملمة صفوفهم وتجاوز خسائرهم الماضية، ومن الصعب هذه المرة أن يلجأ لتلفيق قضية جديدة يقتص بها منهم كما فعل بقضية أرغنكون والمطرقة وغيرها. الجبهة الثالثة هي جماعة غولن، وابتزازهم المستمر له. أما الجبهة الرابعة فهي المزاج الشعبي الذي يحتم عليه المحافظة مع كل الصراعات التي يخوضها على ازدهار اقتصادي يعوض عن الانهيارات التي ستنجم عن أزمتي سورية وليبيا، وهذه المرة لن يتمكن من الهاء أنصاره بحكاية زعامته وتأثيره الكبير في الشرق الأوسط، ودغدغة مشاعرهم باحياء أساطير العثمانية الجديدة، ذلك أن باب الشرق الأوسط أغلقته سورية في وجهه. طبعاً يمكن أن تعمد جبهتان أو أكثر من الجبهات الثلاث الأولى إلى التوحد ضد أردوغان، ولكن لا نعلم متى. ولنتذكر أنه في حالة رئيس الوزراء الأسبق نجم الدين أربكان توحدت الجبهات الثلاث معاً: المعارضة الداخلية بقيادة أردوغان، والطريقة النورانية، والجيش الذي عمد إلى الإطاحة بأربكان بانقلاب أبيض يعرف باسم "انذار 28 شباط" لكن وقتها كان هناك بديل يمكن أن يستلم زمام الأمور وهو رئيس حزب الوطن الأم آنذاك مسعود يلماز.

على أية حال وأياً كان مستوى الخلاف، المعلن عنه والمضمر، وأياً كان نوع الاستقطابات فأكثر ما يحز في نفسي، وهذا رأي شخصي، هو أن هؤلاء الناس يتصارعون على غنائم وليس لتطبيق اصلاحات تريح الشعب والفقراء. وليمة لبنات آوى... هذا هو حال السياسة في تركيا.



 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024