إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

إكرام قديح مكي: الشعر رحيق حياتي... وخبزي اليومي

نسخة للطباعة  | +  حجم الخط  - 2012-03-01

مهجرية تحمل قصائدها الشكوى والنجوى والرحيل والانتظار

إكرام قديح مكي: الشعر رحيق حياتي... وخبزي اليومي

الكتابة تبقى مخاضاً للكلمة وامتحاناً صعباً لفن العبارة


طرق الشعر بابها فكتبته مقامات فذة علقت فوق نبض اللغة, تعبدت في محراب الكلمة فكتبت القصائد على أجنحة الوطن والغربة والحنين, غاصت في محارات اللآلئ, وقطفت سبائك الجمال من عناقيد الشعر - انها الشاعرة المهجرية اكرام قديح مكي التي تعيش بين السنغال وباريس وتزور وطنها الأم لبنان مرة كل سنة تهديه مجموعة شعرية جديدة آخرها ديوان "حدائق المساء" بعدما قدمت: لعينيك أكتب, على جرح غيمة, طيوف وراء الهدب, صليت كي لا تغيبي, تهاويم عاشقة, رئيسة الملتقى الثقافي العالمي في السنغال ومسؤولة تجمع البيوتات الثقافية في بلاد الاغتراب, شاعرة بصمتها تحمل رهافة الاحساس بالكلمة, مبدعة خلاقة, تهلل للقصيدة, وتجيد صياغة اللعبة الشعرية بحرفة متناهية.

وفي حدائق مسائها قصائد مضيئة تحمل الاشراق والأشواق, الشكوى والنجوى, الوداع والقبلة, الرحيل والانتظار, رفة الهدب ودقة القلب, انها شاعرة الحنين والهديل والذكرى وشذى الأغنيات. سألناها عن الشعر وكيف طرق بابها وكيف كانت المسيرة ومخاض الكتابة قالت:

طرق الشعر بابي, فضربت على أجمل وترٍ في الوجود, ألا وهو وتر الحب, وتر الحنين, خاصة الحنين الى الوطن.

مسيرة طويلة تلك التي قطعتها لأعبر ذاكرة الزمن الصعب, فالزمان عندي ارتحال واغتراب أتيت أشكو من غربتي والجراح, لأحط على ظمأ القلق قطرة رجاء فتصبح أشجاني قناديل حب.

عدت من غربتي منكسرة على جذوري قلقة الخطى ألم شذرات الحنين وأغرسها في نشوة الروح من وعد لقاء, ممتشقة العاصفة أقبض على جمرة أشواقي.

عدت وفي البال سؤال, هل فات بعض الزمن الجميل؟, لكن النظر في أعماق النفس يفرض الجواب. لا, لم يفت. فبنوعٍ من التمرد الجميل على الركود والسكون, أتحدى الاستسلام لآلية الحياة الرتيبة. أقول ذلك وأنا أتمعن في مخزون الذاكرة, وما يستدعي في الخاطر من خيبات الأشياء.

هل هي الارادة أم التحليق في عالم الشعر؟

الشاعر كبستاني ماهر يزين حديقة القلب بأروع ما لديه, كلما أيقظه الوجد استثار ليحضن لون التوهج في الأعماق المنبعث من خيرات الروح.

عندما أتهيأ لكتابة الشعر تأتيني اللهفة مرتعشة فأذوب في حلم قدسي.

ألتقط الحلم نتفاً أغمسها بالأمل مختبئة خلف ستارة أحزاني أستحم بطيف انكساري وأمسح بعذب الشعر أشجاني.

أطلق للآهة ألف لحن ولحن من تعب السنين, مبقية في أعماق هذا الصدى الملون للذكريات الذائبة قارورة الطيب.

الكتابة تبقى مخاضاً للكلمة وامتحاناً صعباً ومتفاعلاً لفن العبارة.

الشاعر يبحث دائماً عن وطن للحنان لتحقيق رغبته بايجاد الذات, ورغم ما في بعض العبارات من مواجع, تتراقص بجماليتها بحيث تتعب عيون الفكر من متابعتها. الشعر عندي رحيق الحياة وهو خبزي اليومي الذي لا أحيا بدونه.

التمسك بالعمودية

انه الديوان الخامس لك, ومازلت تصرين على كتابة القصيدة العمودية, لماذا رغم سفرك الدائم وحضورك في المنتديات الثقافية العالمية؟

منذ بداياتي نشأت على اسم هذه القصيدة, أي العمودية, ولكنني أحياناً كنت أتعاطى الشعر الحديث, مجاراة لذوق القارئ ولمسار العصر, فالشعر الحديث له موسيقاه, وله القارئ الذي ينام ويصحو على هذه الموسيقى. من هذا المنطلق أرى أنني أجاري هذه القصيدة لكنني لم أسر في ركابها رغم قربها من نفوس المستمعين وعصر السرعة.

مازلت تعيشين في المهجر ومازال لقب الشاعرة المهجرية يسري في طقسك الشعري, كيف تشرحين ذلك؟

من الغربة يأتي الحنين, ومن الحنين ينبع الألم, ومنه تتفجر الموهبة التي مازالت تنمو وتتعاظم في داخلي وفي وجداني رغم مرور السنين. أنا شاعرة مهجرية, أجل, وقد تغذيت على وقع قصائد شعراء المهجر, أمثال أبي ماضي, المعالفة, جبران وغيرهم.

ماذا تعني لك صفة شاعرة مهجرية؟

لشدة تواضعي لا أقف عند بعض التسميات التي تطلقها أحياناً بعض المنابر والصفحات الثقافية, أنا في الحقيقة أحمل شهادة دكتوراه بالابداع الشعري, لكن رغم أهمية هذه الشهادة لم أنظر في فحواها ولم أسوق لنفسي من خلالها. أي تسمية في المشهد الثقافي المحلي والعالمي لا تعنيني, لأن "الأفيشات" البراقة لا تعنيني.

مشاركات

كيف ينظر المثقف الباريسي والسنغالي الى اكرام مكي الشاعرة الآتية من ربوع لبنان الأخضر؟

كل سنة أقيم أمسية شعرية في السنغال, برعاية السفير ميشال حداد, ورغم عدم فهم للغة الفصحى العربية هناك, فان أمسيتي تنال اعجاب الجميع ويحضرها الكثير من ذواقة الشعر. في باريس أشارك في مهرجانات ثقافية عديدة, كما شاركت في مئوية أبو القاسم الشابي. وكل عام أشارك في ربيع الشعر في باريس. وأخيراً ترجم كتابي "صليتِ كي لا تغيبي" الى الفرنسية, في الخارج يقدرون الشعراء (المهجريون) ويحترمون المثقف وينظرون اليه نظرة احترام وتقدير.


هل تفضلين العيش في بلاد الاغتراب على العودة الى الوطن؟

بعد فقدان ابنتي وزوجي بدأت أشعر بوحدة قاتلة وحالة من عدم الاستقرار, وقد آليت على نفسي العودة قريباً الى الوطن الذي تربطني فيه صداقة الشعر والشعراء والثقافة والقصيدة التي أبدع فيها, الوحدة قاتلة والوطن عزيز يجمع الكل ويشدنا الى ذلك الحنين الطفولي الذي ما برح يطل برأسه من خلف أشجار الأرز والوزال والسنديان.


لاحظنا بعض الجرأة في قصائدك كمثل قصيدة (ونلتقي)، ولم نعهد في كتاباتك الا القصيدة المتوشحة بالطهر والنبل, كيف جاء ذلك؟

يحق للشاعر أحياناً أن يكتب ما يحلو له. فرتابة الحياة والمعاناة والآلام تجعله يسرح في عالم الشعر وعالم العاطفة والأحاسيس, ولا خجل في أن تظهر المرأة أحاسيسها التي تتفاعل في نفسها, أقول في هذه القصيدة:

" عد مرة أخرى الي

خذني, جنوناً لاهباً.

في رحلة صاخبة

الآهات والنداء.

خذني, أحاسيس رهيفات الشذى

خذني, بقايا من رحيق من غناء..

ما غاب عن قلبي..

اشتعال الحب..

ما غاب الرجاء

عد..

لفني بعباءة العشاق

ها...

حان المساء".

ما رأيك بما نقرأ من كتابات نسوية سائدة هذه الأيام تركز على الكتابات الايروتيكية؟

الكاتبة أحلام مستغانمي انطلقت كتاباتها من جرأتها في قول الذي لا يقال, حيث الجرأة واكبت كتاباتها, وكتابات حنان الشيخ فيها بعض الجرأة, الى أديبات معاصرات أخريات يعتقدن أن هكذا كتابات تشجع وتحفز الناس على شراء الكتب لتصبح أكثر مبيعاً. بنظري أن هذا التوجه كناية عن فورة ستزول يوماً ما اذا ما نضج ذوق القارئ واستفاقت رؤياه نحو الأدب الرفيع.



 
جميع الحقوق محفوظة © 2024