شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2012-03-10
 

معركة بابا عمرو فرضت التسوية السياسية ...

سامي كليب

لو أحصى المرء عدد التصريحات الأميركية والأوروبية والتركية الرافضة التدخل العسكري في سوريا، لتبين أنه تخطى ما قالته السلطات السورية نفسها في هذا الشأن.

يبتسم المسؤولون السوريون ومعهم الروس والصينيون والإيرانيون لدى سماعهم مثل هذه التصريحات. ينتظرون تحولات قريبة في المشهد الدولي تصب في خانة التسوية السياسية وسط العجز عن إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد بالقوة.

أول طارقي الأبواب السورية سيكون اليوم مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا كوفي أنان. يأتي المبعوث الدولي في أعقاب فوز فلاديمير بوتين برئاسة روسيا، وفوز كبير لأنصار السيد علي خامنئي في انتخابات إيران. ويأتي أيضاً وسط اعتراف أميركي رسمي باختراق تنظيم القاعدة لصفوف المعارضة السورية، وتأكيد روسي بأن أكثر من 15 ألف مسلح أجنبي يقاتلون على الأراضي السورية، وأن تدريب جلهم يجري في ليبيا.

هذا الإطار الدولي المريح للقيادة السورية، أعقب سيطرة الجيش السوري على المنطقة الأخطر من حمص، أي حي بابا عمرو. أرخت هذه السيطرة شعوراً بالاطمئنان عند مناصري القيادة السورية بأن الدولة لا تزال قوية وأن القدرات العسكرية كفيلة بمنع أي اختراق كبير. تضاءل إلى حد الاختفاء احتمال إقامة «بنغازي» جديدة على الأراضي السورية. تضاءل معها أي أمل غربي بحدوث انشقاق داخل الجيش. ويبدو أن الأجهزة الأمنية عثرت في بابا عمرو على ملفات وخفايا كثيرة تقول إنها ستبثها قريباً جداً، وبعضها قد يحرج دولاً عربية، ولكنه قد يحرج أيضاً بعض الفضائيات.

مهَّد أنان لزيارته بالحديث عن «الواقعية» وعن «الحل السياسي» التفاوضي بين الحكومة والمعارضة. أعقب ذلك موقف روسي جديد أطلقه نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف بإعلان رفض موسكو مشروع القرار الدولي في مجلس الأمن. برر رفضه القرار بأنه «غير متوازن» ويتجنب دعوة كل الأطراف لاتخاذ إجراءات لوقف العنف.

كانت موسكو قد حددت خطها الأحمر مباشرة بعد انتخاب بوتين. قالت إن موقفها من الأزمة السورية لا يتأثر بالانتخابات، كما هو الشأن في بعض الدول الغربية. وما تفعله الإدارة الروسية، ومعها الصين في الوقت الراهن، هو البحث عن حل سياسي تفاوضي مع الأسد، وليس ضده أو على حسابه. تحدث أنان بوجود الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي. قال: «آمل ألا يفكر احد جدياً باستخدام القوة». وافق العربي على ذلك. نسي الجميع دعوة وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل ورئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني لتسليح المعارضة. سيقول وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لنظرائه العرب في الساعات المقبلة إن نظريتهم لإسقاط الأسد بالقوة سقطت، ولا بد من حل تفاوضي. موسكو أكدت للأسد مؤخراً أنها مستمرة بدعمه، وأن شيئاً لن يؤثر على خيارها الاستراتيجي.

دمشق التي تستقبل أنان اليوم، كانت قد فتحت بابها لوكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية فاليري آموس، التي جاءت «تقنع» السلطات السورية بتسهيل إيصال عمليات الإغاثة والمساعدات. جاءت السيدة الأفريقية الأصل، «تفاوض» بعدما تراجع الحل الصدامي الآخر الذي كان يريد فرض ممرات إنسانية.

الصين دخلت هي الأخرى بقوة على الخط. قررت إيفاد مبعوث دبلوماسي رفيع المستوى الى السعودية ومصر وفرنسا. الخط البياني الصيني يريد إقناع الحكومة والمعارضة بوقف العنف، ولكنه يريد ضمنياً إيجاد تسوية سياسية تفاوضية من دون تدخل خارجي.

كانت فكرة الرئيس الأسد منذ بداية الأزمة السورية تركز على ضرورة «الإمساك بالأرض» أولاً ثم النظر إلى ما يقوله الخارج. يبدو أن السيطرة على معظم حمص واقتناع العالم بأن الموقف الروسي ليس تكتيكاً مؤقتاً وإنما هو استراتيجي في صراع المحاور الإقليمية والدولية، رسخ قناعة الأسد بأن المعركة ستستمر حتى القضاء على آخر مسلح، وأن وجهة نظره كانت محقة.

لن يجترح كوفي أنان معجزات. هو سيحاول أولاً تسهيل المساعدات الإنسانية، ولكن للزيارة أهدافاً أعمق، هي بمثابة جس النبض لاحتمالات التسوية السياسية وآفاقها. الجميع بات بحاجة إلى «صفقة» أو «تسوية». الرئيس الأميركي باراك أوباما في طليعة الراغبين بالخلاص من هذا المأزق السوري، والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يدرك انه لن يستطيع تكرار المثال الليبي. تركيا وصلت إلى أقصى ما تستطيع. وفي دمشق الحزم في الحسم العسكري لا يلغي مطلقاً الرغبة في تسوية سياسية. تدهور الليرة السورية ينذر بالأسوأ، والشرخ المذهبي والاجتماعي والطائفي بات يحتاج بلسمة سريعة.

وبما أن إيران تبقى الهدف الأول والأخير للمحور الآخر، فإن الناظر إلى ترحيب السيد خامنئي بموقف أوباما الرافض ضربة عسكرية لإيران أثناء استقباله رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، يشعر بأن ثمة احتمالات للتسوية تنضج على نار هادئة.

سيحاول أنان إقناع الأسد والمعارضة بوقف القتال. قد يقدم الدبلوماسي الغاني الأصل، والذي عجز عن منع غزو العراق وتقسيم يوغوسلافيا وعدوان إسرائيل على لبنان، مسودة حل تقضي بتشكيل حكومة وحدة وطنية وانتخابات ومصالحة حقيقية. لكن الأكيد أن كل هذا لا يزال شديد التعقيد، ذلك انه في فترة الانتخابات الأميركية والفرنسية، وفي أوج القلق الإسرائيلي من البرنامج الإيراني، يصبح التفاوض أصعب من القتال.

لا يزال أمام سوريا أشهر طويلة من الاضطراب الأمني قبل أن تستقر أوضاعها على تسوية معينة. الجميع بحاجة إلى تسوية ولكن الأميركيين والغربيين والأتراك والخليجيين يريدونها من دون بشار الأسد، بينما روسيا والصين وإيران لا تزال مؤيدة بقوة لأن يكون الرئيس راعي التسوية أو جزءا منها. ولعل معركة بابا عمرو وما قد يليها في إدلب وغيرها، تعزز اقتناع النظام السوري بأن عصر إسقاطه بالقوة، قد انتهى.


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه