شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2012-03-16
 

لكم ربيعكم ولنا ربيعنا

راجي سعد

في بداية كل ربيع كان السوريون القدماء يحتفلون ببداية العام الجديد ليتزامن مع ولادة الطبيعة وتجددها بتبرعم اشجارها ونمو زرعها. كان البابليون والاشوريون يؤمنون بان الاله تموز ينبعث من بين الاموات لينقذ زوجته الآلهة عشتار بعد ان عانت من حكم الاشرار فيعود للحياة في موسم الريبع كرمز لتجدد الخليقة.

بعد الغزو الفارسي لبلاد ما بين النهرين وسقوط بابل في العام 539 ق.م. ومن بعده الغزو الاغريقي البيزنطي والروماني لبلاد الشام لم يكتب لتموز ان ينبعث من جديد الا بعد اكثر من الف ومئة سنة في القرن السابع وذلك بعد ولادة الاسلام. في العصرين الاموي والعباسي قادت دمشق وبغداد عولمة الاسلام وبعثت نهضة فكرية علمية ودينية تنويرية عنوانها الانفتاح والتفاعل وقادها فلاسفة كبار كابن عربي وابن رشد فتَغير وجه التاريخ ورُسمت الكثير من معالم عصرنا الحديث. بعد ضعف وتفكك الدولة العباسية بدأ وطننا يتعرض مجددأ لغزوات سلجوقية وعثمانية وصليبية ومغولية وفرنسية وانكليزية فتركت ترسبات فكرية اصولية وانعزالية وكُتب لعشتار مجددا ان ترزخ تحت حكم الاشرار.

في بداية القرن العشرين ومع فجر الربيع تجدد الامل بانبعاث تموز ثانية ففي الاول من آذار 1904 ولد أنطون سعاده في الشوير فنشا وترعرع في مدرسة ابيه الدكتور خليل سعاده وكانت أول الاشارات لوعيه القومي المبكر تحذيره في العام 1925 وهو في الواحدة والعشرين من العمر انه “رغم ان الحركة الصهيونية تدور على محور غير طبيعي فهي سائرة على خطة نظامية دقيقة واذا لم تجابه بخطة نظامية اخرى معاكسة لها سيكون مصيرها النجاح”. بعد درس هذه الحركة ودرس واقع شعبه وامته بعد مؤامرة سايكس بيكو التي قطعت اوصال الوطن الى كيانات لخدمة الخطة الصهيونية، رسم ابن الثامنة والعشرين في العام 1932 الخطة المعاكسة لربيع الامة وقدوم تموز بتاسيسه الحزب السوري القومي الاجتماعي فاعتبر ان العقل هو الشرع الاعلى ووضع اسس العروبة العلمية الواقعية التي توحد العالم العربي واممه الاربعة فعليا بجبهة واحدة من المغرب العربي ووادي النيل الى الجزيرة العربية والهلال السوري الخصيب. لم يسمح سعاده للغرائز والعواطف ان تشوش فكره فرفض انعزالية الاقلية المتقوقعة في لبنان وعروبة الاكثرية الوهمية والعاطفية، المنفلشة على العالم العربي والتي تقفز فوق واقع البيئة الواحدة والمجتمع الواحد. كانت حرية شعبه وسيادته على امته هاجسه الاول فاعلن انه ان لم نكن احرارا من امة حرة فحريات الامم الاخرى ستكون عار علينا واستنتج ان فقدان سيادة الامة على نفسها ضيع فلسطين التي يجب ان تكون قضية شامية ولبنانية وعراقية في الصميم.

امام الهجمة الاعلامية الشرسة التي تبشرنا كل يوم بقدوم الريبع العربي ما لنا الا ان نضع العقل شرعاً اعلى ونبتعد عن الغرائز كما فعل سعاده لكي نفصل الوهم عن الحقيقة وننأى بانفسنا من الاصابة بخيبات امل اخرى قد تُعمق المآسى والويلات التي نمر بها. لا احد ينكر ان انظمة الحكم التي حكمت الشام والعراق لم تنجح في فصل ما هو ديني عن ما هو سياسي فلم تبني الانسان الجديد الحر المنتمي الى وطنه اولا. ومما لا شك فيه ايضا ان هذا الوضع ساهم الى حد كبير بتاجيج الاحتجاجات الشعبية التي استغلتها القوة المتربصة بسوريا لالغاء دور سورية الحضارة والتاريخ. هذه القوى وادواتها المحلية اقتنصت المطالب الشعبية السلمية والمحقة للتغيير والاصلاح وحولتها الى اداة في يد الصهيوني برنارد ليفي للانقضاد على سوريا كما انقضوا على ليبيا. نقول لهؤلاء المتآمرين الذين يستغلون المطالب المحقة ويضللون شعبنا من وكلاء اقليميين للاستعمار وانتهازيين ونفعيين محليين ان ربيعكم ليس من ربيع شعبنا فلكم ربيعكم ولنا ربيعنا.

لكم ربيعكم الذي بوصلته العواصم الغربية والتسكع على ابوابها، ومعاداة ايران استرضاءً لحكامها، لعلهم يشفقون عليكم ويعيدون لكم الجولان وفلسطين، ولنا ربيعنا الذي بوصلته كانت وستبقى فلسطين وكل حليف وصديق يحارب عدو فلسطين فربيعنا يعرف تماما ان القوة في القول الفصل في تثبيت الحق القومي وها هي سوريا والمقاومة في لبنان تُثبت ذلك مرارا وتكرارا من الغاء اتفاق 17 ايار في 1982 الى تحرير الجنوب في العام 2000 والى هزيمة الاحتلال المدوية في 2006. ان من يدعي الثورة والربيع في المشرق ولا تكون فلسطين بوصلته تكون ثورته ناقصة ومشبوهة ومن يريد ان يقطع علاقة سوريا مع المقاومة ويقبل باتفاقات كمب ديفيد هدفه ليس فلسطين والجولان بل الاستئثار بالسلطة.

لكم ربيعكم الذي يستقوي بالخارج الاقليمي والغربي ويخدم مصالحه ولنا ربيعنا الذي يمثل شعبه وسيادته على ارضه ويرفض التدخل الخارجي في شؤونه فتركيا التي تسرق مياه نهري دجلة والفرات العظيمين خلافا للقانون الدولي وتهدد سوريا والعراق بالتصحر وتحرم شعبهما من لقمة عيشه وحقوقه الانسانية لا يحق لها ان تعطينا دروسا في حقوق الانسان، ومن سلب لواء الاسكندرون وهجر اهله ونكل وبطش بشعبنا لاكثر من 400 عام باسم الدين وزرع التفرقة الطائفية والتخلف لا يحق له ان يعطينا دروسا في المدنية والتحضر. كذلك فاصحاب السمو والجلالة ومجلسهم وجامعتهم التي لم تُعَلِمَهم بعد كيفية تهْجئة كلمة ديمقراطية، لا يحق لهم ان يعطونا دروسا في تطبيقها، ومن لم يزرف دمعة واحدة على المدنيين من شعبنا عندما كانت تُدمر بغداد والفلوجة وغزة وجنوب لبنان بافتك انواع الاسلحة لن تنطلي علينا دموع التماسيح التي يزرفها على المدنيين في سوريا. نقول لكل هؤلاء ونطمنهم بان شعبنا يعرف مصالحه القومية وسيكون لكم بالمرصاد مع قيادته في الشام فخسئتم ان تستغلوا عاطفته الدينية لخدمة مصالحكم المرتبطة والمشبوهة.

لكم ربيعكم الذي يدعو الى الديمقراطية والتعددية المتنافرة والمتناحرة على المحاصصة الطائفية وعلى ضمان المصالح الضيقة للطائفة وتهميش المصالح الوطنية فتجعل المواطن ينتمي لطائفته اوعرقه أولا، ولنا ربيعنا الذي هو ربيع الديمقراطية والتعددية المتجانسة مع حرية وسيادة الوطن فتتنافس فيها القوى السياسية على الافكار والبرامج التي تمثل مصلحة الامة وتجعل المواطن ينتمي لوطنه وامته اولا. ان ديمقرطية وتعددية مجلس اسطنبول المزعومة ما هي الا الفوضة الخلاقة التي رسمها وطبقها رمسفيلد في العراق والتي شرزمت شعبه وجلبت عليه المآسي والويلات ويسعى فيلتمان الآن الى تطبيقها في الشام.

لكم ربيعكم الذي هدفه المبطن تفتيت بلاد الشام والعراق والعالم العربي الى دويلات طائفية عرقية ضمن مشروع "الشرق الأوسط الجديد" كما استنتج المفكر محمد حسنين هيكل عندما قال بان "ما يشهده العالم العربي هذه الايام ليس ربيعا عربيا وانما سايكس بيكو جديد لتقسيم العالم العربي وتقاسم موارده". لكم ربيعكم الذي هدفه الاساسي من هذا التقسسيم هو تشريع يهودية وعنصرية الدولة الاسرائيلية المحاطة بدويلات عنصرية شبيهة بها وربما طرد ما تبقى من شعبنا في حيفا ويافا والناصرة والقدس حسب طائفتهم الى هذه الدويلات، ولنا ربيعنا الذي هدفه السلم الاهلي والأخاء القومي بين ابناء الشعب الواحد بالغاء الحواجز بين مختلف الطوائف والاعراق والكيانات وبناء الانسان الجديد المنتقل من اصولية محمد عبد الوهاب التكفيرية وانعزالية سمير جعجع العنصرية الى اصالة ابن عربي وعبد الرحمن الكواكبي وكمال جنبلاط وانطون سعاده الرحبة الجامعة التي ترفع الدين الى العُلى ولا تفرق بين مواطن وآخر الا بالتقوى الوطنية.

لن يكون هناك ربيع الا على الاسس العقلانية التي وضعها سعاده فلا ربيع هدفه سايكس بيكو ثانية ولا ربيع فيلسوفه الصهيوني برنارد ليفي ولا ربيع ديمقراطيته طائفية ومتنافرة. فقط سيكون هناك ربيع عندما تصبح بوصلته فلسطين وعندما تصبح ديمقراطيته متجانسة مع حرية الامة وسيادتها على نفسها ويكون اساسها الوعي والوجدان القومي فيخرج فيها "المجتمع، ثقافيا وسياسيا من «زمن السماء، الجمْعي والإلهي»، إلى «زمن الأرض، الفردي والإنساني»" كما قال شاعرنا الكبير أدونيس. في عيد مولدك ايها الزعيم نجدد العهد بان نسيرعلى خطاك واضعين العقل شرعاً اعلى ومصلحة الامة ووحدة شعبها وسلمه الاهلي فوق كل مصلحة ومهما كثرت الصعاب والمحن والمؤامرات فلن نسمح ان تُستغل الحاجة الماسة للاصلاح لتدمير الوطن وسَيظَل هتافنا يَدْوي بالبطولة المؤيدة بصحة العقيدة حتى ياتي الربيع الحقيقي فيولد تموز صافيا دافئا متجددا باعثا الحياة والعز لتحيا سوريا



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه