شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2012-04-25
 

تلحوق:الإنسان عدو ما يجهل والموت المكان النقيض لجمال غامض

هدير البقالي من المنامة

«لست أعرف خوفا أكبر من معرفة الإنسان لذاته، لأنه أي إنسان، ربوبي النزعة والميول نحو العظمة والخلود، هو بالفطرة أو بالممارسة أو بالتكليف مجبول على الخوف الدائم من الغد، وقد يتضح لنا أن الخالق هو ذاته الأنثى والذكر، والخير والشر، المعرفة والجهل»، هكذا قال الشاعر اللبناني نعيم تلحوق خلال لقائنا معه في أمسيته «لأن جسدها» في بيت الشعر إبراهيم العريض ضمن بيوت مركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث، ابان مهرجان ربيع الثقافة في النسخة السابعة وفعاليات المنامة عاصمة الثقافة العربية للعام 2012.

هنا واستباقاً في خضام الأنا، لم يكن يدرك الشاعر تلحوق أجوبته الوجودية بقدر مساءلته إلى الحياة، فهو فلسفي بامتياز، ويعالج أطروحاته بشكل بنائي مبني على مشهد الرؤية والشعور.

باللاوعي خلال تجسيد الحالات، فهو يدرك ما دون أن يدركه، وباحث عن حقائق الأشياء لا غموضها، يشتهي الموت، ويتصالح مع ذاته والآخر الذي يسكن فيه، كل كتاباته تخالف الوهم لتنيط بتحرير جرعة زائدة من الأفكار المتناسقة مع الإلهام والسحر والجمال، يغري باللغة لتكون آسرة له، لهذا عندئذ، أختار التو واللحظة لكي يعتاشها، فتفيض به الأسئلة المتشابكة بالحياة، في هذا الشعر الخلاق.

لنعيم تلحوق نغوص في ربوعه لنرى مجرى المحاولات والسؤال الفلسفي الذي هو والأنا تأتي من بعده:

ما الخصوصية التي نستطيع البحث فيها بذات نعيم تلحوق؟

أنا دائما على استعداد أن أكون الآخر في الأنا، ولم أجرب مرة واحدة أن أقول أنا أقول، كنت أحاول منها، إلى ماذا يقول نعيم تلحوق في داخله، أي الآخر غير الجسد، المعنى، نحن مختلفون في داخلنا، الآخر فينا مختلف، لهذا يجب أن نقيم الحوار أولاً مع داخلنا، مع ذاوتنا مع أشيائنا، الذات مع ما تحمل بين الأنا والآخر، هي مكمن اللغة، لكي نتمكن من اللغة علينا أن نكون متأهبين، ومستعدين لمواجهة الآخر الذي فينا، عبر هذا المعنى، لا أعترف، بجمال واضح ولا أعترف بصورة تسمى حقيقية، هذه الصورة واقعية، لكن الحقيقة تكون في الآخر، علينا أن نبحث عنها، هذا الرجل موجود قد يكون هو نفسه، وقد يكون هو الآخر بينه وبين الظل، ولا أدري ما هو حقيقة، فأنا وجدت لكي اكتشف، وحتى الآن مازلت أبحث عن نفسي مرة تلو الأخرى.

علاقة الأنا والجسد ماذا يدور بينهما؟

حقيقة، الجسد هنا يقصد، الله يعرف بجسد ما بأسمائه الحسنى، ولا يمكن أن يتجسد الله إلا بصور وهو جماله في غموضه لم يتكشف على أحد، لهذا قال له موسى: دعني أراك ليطمئن قلبي، فقال: تأدب يا موسى، وهذا يعني إذا كشف نفسه أصبح مثل موسى، لهذا هو لديه رغبة أن يكون هو الشاعر الأول، كي نبحث عن الجمال دائما، فالجسد كون كل تاء التأنيث، ولم يكون المرأة فحسب، فالهاء هنا، مشغولة، ومختلفة، وهاء الحياة، وهاء الهوية، وهاء القضية، وهاء الأرض، وهاء المسؤولية، وهاء الحب، وهاء كل ما يجتمع عليه، وليست المرأة فحسب، بل المرأة جزء هي منها، وكل ما يختلط بتأء التأنيث، لهذا، لأن جسدها في كل قصيدة، هاءها، والذي لا يدرك المعنى ولا يستشف ولا يقرأ، سيقع في المشكلة ذاتها، بأن الهاء للمرأة فقط، وأن هناك جسد واحد، والهاء المرأة، وهذا خطأ كبير، فاللغة ليست جسد، والأرض أليس لها جسد، والحرية أليس لها جسد، المسؤولية والأرض والحب والذاكرة وكل تلك تاء التأنيث هل هي محصورة بالمرأة، بالطبع لا فالمرأة جزء من تأء التأنيث.

ولماذا لا يتداول الحديث عن جسد الرجل؟

في كل جسد قطعتان، ذكرية وأنثوية، ولهذا حينما بدأت البداية قال انها للإنس والجن، ولكنه لم يقل، بالذكر والأنثى، قال بالإنسان المثنى للذكر والأنثى، هو قال الانس والجن، والإنس لا تعنى الذكر لكن الإنسان، شيء نفي واحد، ودائما نحن نبحث عن الضد في داخلنا، في كل ذكر أنثى، وفي كل أنثى ذكر، هذا البحث يجب أن يدخلنا في ميتافيزيقا المعرفة، والتي هي أنثى، كما السلطة، لهذا هناك مثل يقال على سبيل الطرفة: ان المرأة دائما تحب الذهب والمال لأنه ذكر، والرجل يحب السلطة والحرية لأنها أنثى.

تذهب بقصائدك إلى رحابة الوجود في تجسيد الغياب والخوف والحياة برمتها، لماذا؟

اذا لم يتمكن الشاعر من البحث، عن السؤال الأول في فن الفلسفة ويدخلها في جمال الحياة، بمعنى الذي هو شعر يجب أن يسأل فيه، والاثنان يؤديان البحث عن الحياة، السؤال عن الهوية والأنا والمعرفة، وعلينا أن ندرك ايضا المعرفة بالعلم والشعر وبالبحث عن الجمال، في اللاوعي عقل جميل، نسميه العقل اللاوعي، تمام كما أقول عقل واعي وعقل اللاوعي وأسترشد دائما في قدرة الحلاج وابن عربي وابن رشد على الدخول في تكسير الاسئلة كي أحظى بأجوبة، ليس مسلما بها، وأكسر الأجوبة كي أحصل على الأخرى، وهكذا، دواليك، لم يكن بداهة أن يقال أطلب العلم ولو في الصين، وهنا المقصد ليس بالصين بل بالمساحة، يجب أن يكون لدينا الجرأة لممارسة الطقس المعرفي، كما ابن الثري، كلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة، وكلما عرفت أكثر كلما تخيرت أكثر، واصبح الكلام أقل، كي ندل على معنى أكبر، هكذا أرسم شكلي وأرسم لغتي وهويتي، في البحث الدائم عن ما أكون.

ما الذي تخشاه؟

كل من يقول إنه يخشى الموت، هو إنسان مادي لا معنى له، قد يكون الموت جميل، وما أخشاه الجهل والتخلف والمرض، وأقول كما قيل للشاعر الكبير خليل حاوي في بيروت قبيل مرضه حينما طلب منه طبيبه أن يوقف السيجارة، فأوقفها، وجاءوا أصحابه يقولون له، طالما أنت تخاف الموت وها أنت عملت بنصيحة الطبيب، فرد عليهم: لقد عملت بنصيحة الطبيب ليس خوف من الموت، بل خوف من العطب، وكل ما أخشاه أن أعطب وأمرض، وأن أكون معلول على علة أحد ما لا أعرفه، الإنسان فقير، وقد لا يكون أشرف المخلوقات، ولماذا المعرفة الدينية دلتنا على الإنسان بأنه أشرف المخلوقات؟ لكن السؤال الذي أطرحه في الفلسفة، الإنسان عدو ما يجهل، تميز بالعقل إذا تمكن من استعماله، لهذا كل الإنسانية تقول بالعقل لكن لا تعمل به.

ما الالتباس الحقيقي الذي تشعر به وأن تكتب لها؟

أن لا أكون أنا نفسي، وأنا من المؤمنين بمقولة أجمل الشعر أصدقه، لا أكذبه، لقد تعود العرب والرواة والنحاتين واللغويين، وعكسوا الأمر على الناس بأن فكرة الشعر العربي بأن أصدق الشعر أكذبه، وهنا خطأ تاريخي، وقعنا في علت ذاتنا، وأنا مع أصدق وأجمل الشعر، ولا أميز بين النص وصاحب النص، قد يقول القائل بأني اكتب غير الشخصية الذاتية، وهذا خطأ مشين نقع به، أنا لا أحترم شاعر لا يكتب نصه يخبر عن اولاد الجيران، يتكلم عن قصة حدثت معه ويلصقها بجارته أو أي أحد كان، هنا نصل إلى مكان يصبح فيه النص كذب وزائف وخداع، ولربما وقعنا من عصر الجاهلية إلى اليوم في مسرح الكذب.

كلنا نمثل في هذا المسرح، ولم يكن هناك أحد صادق مع نفسه، سوى ابن الرومي، المتنبي كان أكبر شاعر كذاب بالعالم، وابن الرومي بقي مع نفسه ورفض أن يخرج من بيته من أجل 10 آلاف دينار حينما دعاه الخليفة، لأنه كان مقتنعا انه لا يريد وبأن وسوسته على حق، وبأن وشوشته على حق أيضا، وكان هو نفسه، ورفض أن يكون أي إنسان آخر، وقيل له، أنت أعظم شاعر، وكان البحتري يقول اللهم نجني من لسان الرومي، وكان البحتري يشتهي أن يناديه الخليفة ليأخذ بعض الدنانير، وهذه مسألة لم يدركها من يتعاطى الأدب والفلسفة والشعر والحياة، لهذا السبب ابن الرومي أصدق في شعره من أي شاعر آخر، واعتبره هو شاعر حقيقي والآخرون ظلال.

أتحتاج إلى الخروج من اللاوعي حينما تتغزل بها؟

الأنثى بالنسبة لي هي محطة لأكتشف فيها سحر الكون، وأتعرف بها على الآخر الأنثوي الذي به، لهذا يشعرني الأمر في قمة وعي أكتب أنثاي، ولا أعير للأمر أن يكون الموضوع شخصيا بقدر ما أحصل على فكرة هذا الجمال إلى أين سيكون، وحينما أكون باللاوعي وتتلبسني امرأة ما، أكتشف فيها، منام متأخر، ولأكتشف بعضي حينما أفيق صباحا، أرى ماذا سأكون عليه، وتحضرني المرأة في حلم على فنجان قهوة وإلى ماذا سأكون عليه، هي مفتاح التشكيل اللغوي، بتضاريسها، بمعانيها، لكن أن يدعي شاعر بأنه يعرف المرأة فهو كذاب، على الرجل أن يحب ويعشق نساء الأرض، لكن أن يتجرأ ويقول إنه يعرف المرأة فهو مدعي ومغرور، ولا أتصور بأن هناك رجلا يفهم امرأة واحدة!.

هل أنت سادي؟

لا أظن بتلك الدرجة، كما تقولين، أحب معرفتي لنفسي، كي أتمكن من حب الآخر الذي في داخلي، والآخرين الذين حولي، ولست ساديا بالمعنى ولا مازوشيا بالمعنى، ولست صوفيا بالمعنى، ولست باطنيا، أنا أحترف البحث عن مفردة تقيني شر الآتي، وأحتفل بها، احتفاء كبيرا، أكثر من خمسين امرأة تتجاذبني، أبحث عن مفرد وهي الجسد، وهي لغة، لذلك هو عالم جميل لم يدركها أي شاعر، فاللغة العربية لغة جميلة لكن حتى الآن لم أتمكن من معرفة هذا المكنون الجميل الذي فيه كل ما يمكن أن يدخل في عقل بشري ويصبح الأنس إنسان، وليصبح الفرد أفرادا، ولتصبح المعاني شكلا جميلا لإله نعشق أن نعبده، وأنا أحب لغتي، ولست أنانيا إلا في مكان أتمكن من معرفة أشياء فأصبح أنانيا بامتياز.

نرجسي بامتياز؟

نرجسي ليس بمعنى، أن أحب نفسي لأشهر إعلان، بل بمعنى تطوعيا أختبر قمة الأشياء بأسفل الأشياء، وأعتبره النقيض، كما الجاحظ وضع العقربة قرب الفأرة، والحية قرب النملة، في كتابه الحيوان، ليستشف معنى تحريك مخلوقات الله، الذي هو أهم كتاب علمي في عصرنا.

هل فلسفة الشعر جزء من التكوين الجمالي لنظم القصيدة؟

لماذا لا تعتبر الفلسفة هي جزء من المنظومة الشعرية، ولماذا دائما نبعدها، ولماذا نسمح بدخول الرواية والقصة إلى الشعر، ولا نسمح للفلسفة بالدخول إليها، هل هي جريمة، أم يجب أن تدخل في ثاني عنصر من عناصرالفن، الفلسفة الأولى ثم جاء الشعر. ولماذا لا يتفقان المن والكيف؟ واذا هجناهم في سبيل معرفة الحقيقة في القصيدة العربية، فسنحصل على انتاج جميل، كما نهجن الهر السيامي مع الهر الفارسي، لينجب الهمالايا أجمل المخلوقات في الهررة، وهذا التهجين الغرض منها الوصول إلى سلالة جميلة.

لذة الموت والخلاص من الجسد أكانت ملهمة لك أم أنها كانت ملحة على ذهنك في الرحيل إليها؟

بغض النظر عن الروايات الدينية، أعتبر نفسي مهجنا بالمعرفة وليس النسب، لكني لا أنتمي إلى أي فكرة دينية، رغم أني أحب الأفكار الدينية، التي تضع للإنسان رواية خاصة به، لكن جهازي الهضمي دقيق، وحساس، لهذا يمكن أن أستقي لأكثر من أسطورة لأجسد فكرة المعرفة التي أشتهي والتي أود أن أصل إليها، قد تكون اللذة تأتي في الموت، واذا استشعرت أن الموت سيأتي حينها تكون لذة القصيدة ولدت دون أن أشعرك بأن الموت شيء بشع، قد يكون جميلا، وهل هناك من مات وأتى ليقول كيف كان الموت بشعاً، لماذا لا ننظر إلى الأشياء بعين مختلفة، الحياة بشعت وهذا ما اكتشفناه، ومن يقول إن الموت بشع ونتعلق به، وقد يكون المكان النقيض هو الجمال الغامض، لأنه لم يأت أحد من هناك ويقول كيف كان، ولذلك أنا أمد الموت بصور جمالية وليس بصور بشعة، عكس الأفكار الدينية التي فزعتنا من الموت، فالنار سر الوجود، والماء السر الأول للتكوين، ونخافه أحياناً، كلما تعلقنا بأشيائنا الجميلة كلما أصبح الموضوع أجمل بالمعرفة.

أمعنى ذلك أن يكون هناك تصالح؟

بالطبع... مصالحة حقيقية، واذا لم تكن هناك مصالحة حقيقة بين الأنا والآخر، لا يمكن أن ننتج جمال وحب ومعرفة، في هذا الوقت زمان الآخر، وكل شيء أصبح بائدا لا معنى له إلا المادي والجسدي، فالمعرفة الحقيقية تختزل في أن نختبر فيه نفسنا.

ماذا بعد «لأن جسدها»؟

هناك شهوة القيامة، تنتهي العبارة الشهرية التي أكون قد بدأتها هي النسخة العاشرة، وقيامة العدم هي المجموعة الأولى والقصيدة الأخيرة، وبدأت بها وأنهيت بها على طريقة الحلاج وانتقلت إلى هو «أظنه وحدي» و»يغني بوحا»، و»يرقص كفرا» لأن جسدها شهوة القيامة، أبدأ بهو وأنهي بهي، وتكون السلالة قد اكتملت تشكيل 5 مجموعات، والعناوين لدي تشكل عنوان واحد، وكل 5 كتب من إصدارتي تشكل عنوانا، وفي كل تمهيد كنت أكتب إلى القارئ «إلى من يهمه الأمر» لكي يتتبع ماذا أفعل وأين أنا، وما هي اللعبة وماذا يمكن أن أفعل باللعبة، فكل عبارة لدي تحوي حالة من الحالات ومعنى من المعاني.

أين وطنك؟

وطني أنا! صمت قليلاً...، وقال: مازلت أبحث عن وطني، وبصراحة لم أجده، ومن دون مبالغة، إنني لست من هذا الكوكب، وقد لا تكون الجنة مأواي، فأنا شيء آخر بامتياز حينما أكتب القصيدة، لهذا يجب أن يكون هناك وطن يسع كل الاشياء، حتى الآن مازلت أبحث عن وطني وهويتي التي لم أكتشفها، أريد هوية لأقول أي وطن سيحمل هذة الهوية!.



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024جميع المقالات التي تنشر لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع