ما هو ثابت، أن قذيفة سقطت على بلدة «أكجاكلي» الحدودية وأوقعت ضحايا، وقد يصح القول بأن القذيفة انطلقت من داخل الأراضي السورية، لكن هذا، لا يبرر لحكومة «العدالة والتنمية» التركية ردة الفعل العنجهية، لأنها متورطة حتى العظم في الأحداث السورية وهي تدعم وتؤازر المجموعات الإرهابية المتطرفة.
وانطلاقاً من فرضية أن القذيفة أطلقت من الأرض السورية، برغم أن الدولة السورية ما زالت تجري تحقيقاً حول هذا الأمر وأعربت عن أسفها لسقوط ضحايا ولم تعتذر، فإن هناك فرضية ثابتة بانطلاق القذيفة من مناطق حدودية تشهد معارك بين المجموعات الإرهابية التي تدعمها تركيا وبين قوات الجيش العربي السوري، وبطبيعة الحال فإن هناك أحد احتمالين:
الأول أن يكون الجيش العربي السوري هو من أطلق القذيفة مستهدفاً المجموعات الإرهابية وسقطت عن طريق الخطأ في بلدة حدودية، لكن نسبة هذا الاحتمال ضئيلة جداً، إذا ما قورنت بحجم ردة الفعل من قبل حكومة أردوغان والحلف الأطلسي والقوى الغربية.
والاحتمال الثاني أن تكون القذيفة تركية وضحاياها أتراك، أي إن المجموعات الإرهابية التي تتلقى دعماً تركيا هي من أطلق القذيفة، ونسبة هذا الاحتمال مرتفعة جداً، خصوصاً أن حكومة رجب طيب أردوغان كانت مهيأة نفسياً ولوجستياً لمثل هكذا حدث، بدليل مسارعتها إلى الإعلان عن قصف أهداف سورية، واجتماع حلف شمال الأطلسي واستصدار بيان صحفي من مجلس الأمن الدولي، والحصول على تفويض من مجلس النواب التركي بالتحرك العسكري خارج الأراضي التركية، وهذا أمر لافت، لأنه سبق للدفاعات السورية أن أسقطت طائرة تركية، ويومها لم تعترف تركيا بشكل صريح أن الطائرة اخترقت الاجواء السورية.. ورغم ذلك لم تتعامل الحكومة التركية مع إسقاط إحدى طائراتها ومقتل طاقمها بمثل ما تعاملت مع قذيفة «أكجاكلي»!
إن مقايسة ومعايرة رد الفعل التركي بين واقعة إسقاط الطائرة التركية بواسطة الدفاعات السورية وبين حادث سقوط قذيفة في بلدة تركية، يشير إلى أن حكومة أردوغان تريد استثمار سقوط القذيفة لممارسة دور أكبر في دعم المجموعات الإرهابية، يتمثل في تأمين التغطية النارية لهجمات المجموعات الإرهابية المتطرفة على المواقع السورية الحدودية، وهذا ما حصل عندما تساقطت القذائف التركية على منطقة تل ابيض حيث تدور مواجهات بين المجموعات الإرهابية المدعومة من تركيا وبين قوات الجيش العربي السوري.
بالتأكيد، حادث إسقاط الطائرة التركية ومقتل طاقمها هو أكثر إيلاماً لحكومة أردوغان من حادثة سقوط قذيفة على بلدة حدودية. علماً أن ردة الفعل حيال إسقاط الطائرة التركية كانت باهتة، وبدا أردوغان مذعناً تحت وطأة قوة الصفعة السورية.
والسؤال المطروح، ماذا تغير منذ حادثة إسقاط الدفاعات السورية للطائرة التركية، حتى تندفع حكومة أردوغان باتجاه التصرف بعنجهية وهستيرية حيال سقوط قذيفة؟
العارفون بالعقلية الغريزية التي تتحكم بسلوك قادة «العدالة والتنمية» يرجعون الانفعال الهستيري لهؤلاء إلى سبب وحيد، وهو تلمس الهزيمة القريبة للمجموعات الإرهابية المتطرفة، ليس في حلب وحدها، بل في كل المناطق السورية، ولذلك تحاول حكومة أردوغان أن تتخذ من القذيفة ذريعة لمضاعفة دعمها للمجموعات الإرهابية من خلال اشتراك الآلة التركية في قصف المواقع السورية. وهذا بحد ذاته دليل على أن المجموعات الإرهابية في حالة تقهقر، وأن الضغط على كبسولة «قذيفة أكجاكلي» تم بقرار أردوغاني. وربما يتبع القذيفة قذائف أخرى، للسبب ذاته، لكن بالمحصلة لن تنجح حكومة العدالة والتنمية التركية في تحقيق أهدافها، إلا إذا قررت الغرق في مستنقع لن تخرج منه إلا خاسرة.
|