شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2013-01-30
 

الزواج المدني بين الرفض والقبول

شبلي بدر - البناء

في عهد الرئيس الراحل الياس الهراوي، قدّم الحزب السوري القومي الاجتماعي مشروع قانون اختياريّ يسمح بالزواج المدني لمن يريد من اللبنانيين، ونال موافقة نيابية لا بأس بها، انسجاماً مع المبادئ الإصلاحية التي ينادي بها الحزب، وانطلاقاً من مبدأ «فصل الدين عن الدولة» المعمول به في الغالبية الساحقة من الدول المتقدمة لناحيتي المجتمع المدني وتحرير قوانين الأحوال الشخصية من تسلّط الطوائف والمذاهب وإخضاع المواطنين جميعاً لسلطة أحوال شخصية واحدة تساوي في ما بينهم في حقوقاً وواجبات، تجسيداً وتمتيناً للوحدة الوطنية وتعميقاً لمبدأ أن الدولة هي المرجعية الصالحة في تطبيق القوانين المدنية بعيداً عن التأويل والاستنساب والتفرقة بين أبناء البلد الواحد، وبعيداً أيضاً عن الأمور الإيمانية و«التشريع الإلهي»، وتنزيهاً للمعتقدات والعبادات والتديّن وعدم إقحامها في الشؤون الدنيوية، وعدم الخلط بين الإيمان بالله وعبادة رسله وأنبيائه والحق المدني بكل أشكاله، بدءاً بحق التملك والزواج والإرث وما شابه.

عارض بعض مجلس الوزراء آنذاك مشروع القانون وغُيّب في الأدراج وما زال حتى يومنا مغيّباً لاعتبارات طائفية وإرضاءً لبعض المرجعيات الدينية التي ترى أن تشريع قانون الزواج المدني يقلّص من سلطاتها ويحرر القسم الأكبر من أبناء الطوائف من نصوص وقوانين مدنية لا علاقة لها بالانتماء الديني، معتبرين أنها تشريع مدني وتنظيم علاقات دنيوية بعيدة تماماً عن الغيبيات وما يستتبعها من «لاهوت» و«ليتورجيا» و«فتاوى».

تتجدد اليوم المطالبة بتطبيق الزواج المدني وتتفاعل على كل الصعد، وظهر التباين جلّياً في مواقف بعض المسؤولين من القانون، وكذلك في مواقف بعض رجال الدين وأصحاب الشأن. وقد تكون «الفتوى» التي صدرت بتكفير كل مسؤول يوافق على هذا المشروع وحرمانه من «حقوقه» بعد الوفاة محقّة لو أوضح الذي أفتى بذلك أسباب المعارضة الشرسة وشرح «أخطارها» مدعّماً فتواه بنصوص تضع حداً فاصلاً ورأياً قاطعاً لعدم القبول به، لا أن يتسلّح بـ«حق» إصدار فتوى الرفض وترك تفاصيلها مبهمة وغامضة... وقد تكون فتوى الرفض هذه مقبولة أيضاً لو استندت إلى عدم وجود تشريع يسبق الموافقة ويضمن حضانة الأولاد من قبل الدولة إذا حصل الطلاق، كي لا يتكاثر مشرّدو الزواج المدني في الشوارع أو ضمان حقوق المرأة المطلّقة في العيش الكريم وعدم اعتبارها سلعة تتقاذفها أخطاء الزواج غير المتكامل وأمراً مرذولاً في المجتمع. أو أن يكون الرفض نتيجة عدم وجود قانون يحمي شيخوخة الزوج إذا تخلى عنه أولاده وأقاربه وأهله، أي تأمين آخرة إنسانية لائقة في «بيوت الراحة» أو سواها لمن جارت عليه الظروف الصعبة فلا يكون فريسة للفقر والجوع والحرمان.

في المحصّلة، لا أحد يملك الحق الكامل في الرفض أو القبول بهذا المشروع في غياب تهيئة الأجواء والنفوس وإيجاد التشريعات الضامنة لما قد ينتج من تطبيق الزواج المدني تطبيقاً مغايراً للأعراف المعمول بها في الدول التي درجت على تطبيقه بشكل سليم ومتكامل في المنطق والحق. وفي حال كهذه نقترح أن يعاد النظر في مبدأ الرفض أو القبول من هذه الناحية وعقد ندوات تشرح بنود القانون المذكور مجدداً، والاستماع إلى الأفكار المطروحة في هذا الشأن. وإذا كان لا بد من الاختيار فليطرح المشروع على الاستفتاء الشعبي وليقل الشعب كلمته لكونه مصدر السلطات، مع إعطاء الحرية الكاملة في الموضوع الإيماني من هذه الناحية، عملاً بالقول المأثور «لا إكراه في الدين». فالحرية مثل الشعلة المقدسة، لا توضع في مهبّ الطوائف والمذاهب ومصالح المتسلطين عليها.


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه